ماذا عن الدولة العثمانية كنموذج يقتدى به ؟ كيف انهارت ؟ وهل سيتكرر مصير"الرجل المريض" في مصير "الشرق الأوسط الكبير"؟؟؟

في ما يلي محاولة فهم أسباب انهيار \"الدولة العلية\": من الداخل قبل الضربة القاضية التي جاءت بها الحرب العالمية الأولى1914 ـ1918 ، أم سقطت تحت الضغوطات المتلاحقة من الدول والبنوك الأوروبية؟
امتازت الدولة العثمانية بقوتها العسكرية إلى درجة أنّ أحد الدارسين لهذا الموضوع قال فيها إنها انتقلت من جيش إلى امبراطورية دون المرور بمرحلة الدولة القومية، معتبرا المرحلة القومية في حياة الدولة هي مرحلة إبداع حضاري ثقافي ضروري لبناء الهوية الثقافية المميزة للجماعة المنضوية تحت لواء هذه الدولة. فالهوية العثمانية هوية عسكرية لا تشكل مصدر فخر واعتزاز للأتراك . وكم من مرة التقيت بتركي وفي كل مرة عندما يصل الحديث معهم إلى التاريخ المشترك بين العرب والأتراك تأتي ردة فعل صاحبنا التركي على الفور: \" forget it\". وكأن هناك إرادة تركية للانسلاخ عن الماضي العثماني والالتحاق بالركب الأوروبي، (لاحظ سعيهم الحثيث للدخول إلى الاتحاد الأوروبي) ومن الأمور التي لها دلالاتها استبدال الحروف العربية بالحرف اللاتيني. هذا لا يقلل بشيء من أهمية التجربة الرائدة التي قادها أتاتورك (أب الأتراك) في بناء دولة قومية تركية حديثة علمانية كغيرها من الدول القومية الحديثة بالمعنى الثقافي لكلمة قومية بعيدا عن العرقية والإيديولوجيا العقائدية. هذا الموضوع، موضوع \"القومية بين الثقافة والعقائدية\" موضوع قائم بذاته بحاجة لبحث مستقل! موضوعنا الآن الدولة العثمانية التي يحن إليها بعض دعاة الدولة الدينية. لننظر إلى أي مدى تصلح أو لا تصلح نموذج دولة صالح ليومنا هذا!!!
جيشا كانت أو إمبراطورية، ما هي أسباب قوة الدولة العثمانية؟ قبل ظهور الحركات القومية، كانت القوميات الداخلة في الدولة قد حافظت على شخصيتها وهويتها الثقافية مقابل دفعها الضرائب المختلفة وتقديم الفتيان للتجنيد. وهذا مصدر مهم من مصادر قوة الدولة العليّة ماليا وعسكريا. وهناك عامل آخر من عوامل قوة الدولة العثمانية ألا وهو التنظيم العسكري لفرق \"الانكشارية\". من هم الانكشارية؟ عناصر الإنكشارية هم من أسرى الحروب صغار السن يخضعون لتربية عسكرية صارمة. لا تربطهم أية علاقة بالخارج، لا عائلة ولا أقارب، لا من قريب ولا من بعيد، ولا أصحاب. صلتهم الوحيدة بالعالم تتلخص بالطاعة العمياء لرئيس فظ لا يقل كبتا وحرمانا عن مرؤوسيه. هم دائما على استعداد لتنفيذ أية مهمة. بعد أن كانت الانكشارية مصدرا من مصادر قوة السلطنة العثمانية، تحولت خلال القرن الثامن عشر إلى قوة مستقلة عن السلطنة، وأكثر من ذلك قادرة على قتل السلطان إذا شاءت وتنصيب السلطان الذي تريده.
ومع ظهور الحركات القومية في نهاية القرن الثامن عشر وبداية القرن التاسع عشر راحت السلطنة تفقد مصادرها المالية مثلما فقدت قوتها العسكرية داخل البلاد وداخل القصر السلطاني بعد أن فقدتها في الخارج في المعارك البحرية بدءًا من معركة ليبات Lépante (سنة 1571) الشهيرة في أوروبا لأنها وضعت حدا لأسطورة الأسطول العثماني الذي لا يُقهر على امتداد قرنين من الزمن كان خلالها البحر الأبيض المتوسط كناية عن بحيرة عثمانية.
وفشلت كل محاولات الإصلاح وإصدار القوانين المعروفة باسم \"تنظيمات\":
= محاولة السلطان سليم الثالث (1789 ـ 1807 ) إصلاح الجيش بإعادة تنظيمه على الطراز الأوروبي مستعينا بخبراء فرنسيين. انقلبت عليه الانكشارية وأطاحوا به ومات مسموما في سجنه، ونصبوا محله ابن عمه مصطفى الرابع. واحتدم الصراع بين أنصار الإصلاح وأنصار النظام القديم. الإصلاحيون أزاحوا مصطفى الرابع ونصبوا محمود الثاني المؤيد للإصلاح.
= محمود الثاني (1808 ـ 1839 ) إصلاحات ترافقت مع اتفاقات تجارية مع الدول الغربية تفتح أسواق الولايات العثمانية للبضائع الأوروبية بأسعار منافسة للبضائع المحلية. الدول الأوروبية تتحكم تدريجيا بالاقتصاد العثماني وتطرح مسألة اقتسام إرث \"الرجل المريض\"، هذه العبارة التي أطلقها القيصر الروسي نيقولاي الأول سنة 1830 تعبر عن حالة الدولة العثمانية آنذاك بصورة أوضح من عبارة \"المسألة الشرقية\".
= 1826 القضاء على الانكشارية وتنظيم الجيش على الطراز الأوروبي وما يعنيه من استعانة بخبراء أجانب وتبعية للصناعة الحربية الأجنبية.
= 1834 إنشاء المدرسة الحربية على النمط الأوروبي.
= 1839 تأسيس مدارس ثانوية، على النمط الأوروبي أيضاً. هذه المدارس زودت الحركة الإصلاحية بكادرات متحمسة للنمط الغربي في التنظيم السياسي والاجتماعي.
الاتفاقات التجارية:
ـ 1838 مع انجلترا وفرنسا
ـ 1839 مع سردينيا
ـ 1840 مع السويد والنرويج واسبانيا وهولندا وبروسيا
ـ 1841 مع توسكانة وبلجيكا.
ـ 1856 مؤتمر باريس يتعهد بحماية وحدة الدولة العثمانية وسلامة أراضيها مقابل تقديم المزيد من التنازلات للدول الأوروبية ومنحها الامتيازات على أراضي السلطنة.
هذه الاتفاقات أخرجت الاقتصاد الأوروبي من حالة الركود التي كان يعانيها. وفي الوقت نفسه قضت على صناعات محلية في الولايات العثمانية بسبب المنافسة القوية من جانب المنتجات الأوروبية.
أمّا الوضع المالي للدولة العلية فكان في تدهور سريع بسبب تراكم الديون وتضاؤل عائدات خزينة الدولة:
ـ سنة 1876 الحكومة العثمانية تعلن إفلاسها التام.
ـ 1880 تنازلت الحكومة العثمانية للدول الأوروبية عن حق إدارة ديونها.
ـ 1883 لجنة دولية لإدارة ديون \"الرجل المريض\". تضم هذه اللجنة ممثلين عن البنوك والدول الأوروبية الدائنة.
إصلاحات عبد الحميد (تنظيمات):
ـ 1876 جلوسه على العرش.
ـ 1877 مرسوم سلطاني يقضي بمنح الأمة العثمانية الدستور والحرية.
ـ 1878 اجتمع مجلس المبعوثين لأول مرة وعقد جلسة واحدة استمع فيها لخطبة السلطان عبد الحميد المطولة المتضمنة برنامج الإصلاح السياسي. قبل انعقاد الجلسة الثانية صدرت إرادة سلطانية ترفع الجلسة حتى إشعار آخر. وتم اعتقال المعارضين لتدابير الحكومة ونفي بعضهم إلى خارج البلاد.
نلاحظ أنّ القوة العسكرية وحدها لا تكفي لبناء حضارة، لا تكفي حتى لحماية نفسها. ما كان في الأمس مصدر قوة قد يصبح اليوم أو غداً سبب ضعف وانهيار. فالقوة الحقيقية تكمن في القدرات الإبداعية لكل فرد من أفراد المجتمع إذا ما توفرت الشروط المادية الضرورية من مؤسسات ومعاهد لتأطير هذه القدرات في مختلف مجالات البحث العلمي وخاصة إذا ما توفر المناخ السياسي الاجتماعي الملائم، مناخ يجذب الأدمغة بدل أن يدفعها إلى الهجرة بحثا عن لقمة العيش، وعن فسحة للإبداع بحرية في كل مجالات البحث العلمي، وحرية التفكير والتعبير عن الرأي.
تساؤلات
في ما يلي بعض التساؤلات حول الدولة العثمانية:
ما بين سنة 1453 تاريخ سقوط القسطنطينية تحت ضربات مدفعية السلطان العثماني محمد الثاني الملقب بالفاتح، وسنة1571 هزيمة الأسطول العثماني في معركةLépante ، ضد ثلاثة أساطيل أوروبية (اسبانيا، البندقية والبابوية)، كانت الدولة العثمانية في أوج قوتها العسكرية البحرية لا تضاهيها قوة أخرى في حوض البحر الأبيض المتوسط واستمرت في البر سمعتها بأنها القوة التي لا تهزم، حتى سنة 1683 حين تلقت هزيمة شنعاء على أيدي القوات البولندية عند أسوار فيينا. هنا يطرح نفسه السؤال التالي: ماذا فعل العثمانيون خلال قرن ونيف من الزمن وهم أسياد البحر المتوسط، غير الانتصارات العسكرية، الصغيرة أو الكبيرة؟ في هذه الفترة الزمنية نفسها وتحديدا سنة 1492 سقطت غرناطة آخر إمارة عربية إسلامية في الأندلس. فهل حرك العثمانيون ساكناً لمساعدة عرب الأندلس؟ سؤال آخر: في العام نفسه 1492 تم اكتشاف العالم الجديد، واكتشافات جغرافية عديدة من قبل بحارة برتغاليين وإسبانيين وإيطاليين. فماذا اكتشف البحارة العثمانيون، أسياد البحر المتوسط؟ هل اكتشفوا القرصنة؟
العام 1492 نهاية القرون الوسطى، بداية العصر الحديث. بعض المؤرخين يعتبر العام 1453 سقوط القسطنطينية، لجوء علماء وفلاسفة إلى أوروبا الغربية، بدايات النهضة الأوروبية بالعودة إلى التراث اللاتيني واليوناني،في الفن والأدب،العلوم والفكر العلمي والفكر الفلسفي، بداية العصر الحديث.
العام 1492تبدو اللوحة كما يلي: الغرب يمتد غرباً والشرق يرتد شرقا. الغرب يكتشف قارات جديدة والشرق ينطوي على نفسه. الغرب يطور علوم الظاهر ويصل إلى \"الظاهراتية\" منهج بحث، وجهة نظر ترى الأمور في نسبيتها والشرق يغرق في أسرار الباطن ويصل إلى \"الباطنية\" عقيدة وتقية!!!
فأي نموذج تقدمه الدولة العثمانية الإسلامية للباحثين في ركامها عن نموذج قد يصلح ليومنا هذا وإن أكل الدهر عليه وشرب؟ ربما النموذج الانكشاري؟؟؟
من \"المسألة الشرقية\" إلى \"الرجل المريض\" إلى مشروع \" الشرق الأوسط الكبير\" المشكلة ما زالت مطروحة
إنّ تجربة الحركة الإصلاحية في الدولة العثمانية تجربة غنية بالدروس نظرا لما يجري حاليا في منطقة \"الشرق الأوسط الكبير\"، الوريث الشرعي والطبيعي لـ \"الرجل المريض\" في القرن التاسع عشر. أين أوجه الشبه؟
أولا، نلاحظ أن بلدان الشرق الأوسط الكبير تكاد تتطابق جغرافيا مع الولايات العربية في الدولة العثمانية مع بعض الاستثناء.
ثانيا، الخطاب الغربي وتعامل الدول الغربية الخمس أو الست مع \"الرجل المريض\" يكاد لا يختلف عن خطاب الولايات المتحدة الأمريكية هذه الأيام وتعاملها مع العراق مثلا وحتى مع كل قطر من أقطار الإقليم وكأنه الرجل المريض ومع الإقليم ككل باعتباره مريضا أيضا. طبعا يستثنى من هذا التعميم الابن المدلل للولايات المتحدة الأمريكية، إسرائيل. فالولايات المتحدة الأمريكية مستعدة لتغيير الخريطة السياسية للإقليم خدمة لمصالح هذا الحليف الاستراتيجي الذي تربطها به علاقة قربى عضوية وإيديولوجية. وإذا تطلب الأمر تدخلا جراحيا من الوزن الثقيل في مواضع معينة حيث لا تكفي الجراحة التجميلية، فلا تتردد الولايات المتحدة لحظة في تلبية رغبات ربيبها وحليفها.
ثالثا، بما أن الداء هو نفسه فالدواء أيضاً واحد. ولكن طريقة العلاج تختلف من حالة إلى أخرى. ما هو هذا الداء العضال المستعصي على العلاج؟ لوقت غير بعيد كان التخلف في كل أبعاده، أمّا الآن فزد على ذلك الإرهاب.
رابعا، الأوضاع الداخلية لبلدان الإقليم تقترب كثيرا من الحالة التي سادت في الدولة العثمانية على امتداد القرن التاسع عشر ومطلع القرن العشرين حتى انهيار الدولة العثمانية بمؤسساتها المختلفة بما في ذلك السلطنة والخلافة خلال الحرب العالمية الأولى: الإفلاس التام على الصعيد المالي والاقتصادي. سياسيا فقدان السيطرة على الولايات التي حققت استقلالها، وتلك التي وجدت نفسها فريسة سائغة التهمتها الدول الأوروبية المنتصرة حسب معاهدة سايكس ـ بيكو قبل إنهاء مراسم العزاء بنهاية \"الرجل المريض\".
من المشكلات التي اعترضت الحركة الإصلاحية في الدولة العثمانية وتعترض الحركات الإصلاحية في البلدان العربية اليوم أن هذه الحركات تريد تحديث النظام السياسي وأجهزة الحكم والإدارة والمؤسسات فتجد نفسها مضطرة للاستعانة بإنجازات البلدان المتقدمة في هذه المجالات وتريد في الوقت نفسه أن تحافظ على استقلاليتها تجاه هذه الدول وإلاّ تكون قد تحررت من شكل استبداد محلي لتقع في تبعية جديدة قد تكون أقل أو أكثر قساوة من الاستبداد المحلي(أنت وحظك ) !
يا للعجب! بعد ما يقارب قرنين من الزمن، رغم كل التغيرات والتطورات والإنجازات العلمية والتكنولوجيّة والتقدم الحاصل في تنظيم الحياة الاجتماعية والسياسية في الديموقراطيات الغربية إلاّ أنها في سياساتها الخارجية، وخاصة العظمى منها، ما زالت تمارس شريعة الغاب حيث يسود قانون الأقوى، بدلا من سيادة القانون .
فالحرب العالمية الأولى قد وحدت العالم بعد أن مزقته شر تمزيق، ومن نتائج هذه الحرب بروز الولايات المتحدة الأمريكية كدولة عظمى قادرة على القيام بالدور الحاسم على الساحة العالمية دون أن تلحق بها خسائر كبيرة بحكم بعدها عن أرض المعركة بل على العكس انتعش الاقتصاد الأمريكي وخاصة قطاع الصناعات العسكرية، هذا القطاع الذي يلعب دورا كبيرا في توجيه السياسات الخارجية لأمريكا. هذا الوضع الجديد شجع القيادات السياسية الأمريكية على التطلع إلى الهيمنة العالمية والزعامة بدون منافس إذا استطاعت إلى ذلك سبيلا.
الخطوة الأولى في هذا السبيل تجسدت في مبادرة الولايات المتحدة بدعوتها الدول المنتصرة في الحرب إلى تشكيل هيئة دولية تكون بمثابة حكومة عالمية يكون من مهامها الأساسية درء خطر حرب عالمية جديدة. هكذا كانت \"عصبة الأمم\". ولكنها لم تنجح في منع وقوع الحرب العالمية الثانية. سقطت عصبة الأمم ولم تسقط فكرة الحكومة العالمية التي ظلت تدغدغ أحلام القيادات السياسية الأمريكية. ما أن وضعت الحرب العالمية الثانية أوزارها حتى انعقد الاجتماع التأسيسي لهيئة دولية جديدة، \"منظمة الأمم المتحدة\" سنة 1945 بمبادرة أمريكية. الأعضاء المؤسسون للمنظمة هم الدول المنتصرة في الحرب وبعض الدول المستقلة حديثا. بين الدول المنتصرة في الحرب كانت دولة من نوع جديد ونظام سياسي جديد، فرضت نفسها في الصف الأمامي مع الولايات المتحدة وخصمها رقم واحد. الشبح الذي تحدث عنه كارل ماركس في \"البيان الشيوعي\" (سنة 1848) والذي أرعب أوروبا الرأسمالية آنذاك هاهو، بعد مئة سنة من ذلك البيان، الآن مجسد في دولة نووية تضاهي الولايات المتحدة وتقاسمها زعامة العالم في نوع من \"توازن الرعب النووي\" بين معسكرين متجابهين في المحافل الدولية وفي النزاعات الإقليمية رغم تواطئهما الضمني في عدد من المناطق وبصورة خاصة منطقة الشرق الأوسط. مع انهيار الاتحاد السوفياتي والمعسكر التابع له انفردت الولايات المتحدة بالزعامة العالمية لا يعلو عليها رقيب، تساعد من تشاء وتعاقب من تشاء وتكيل بمكيالين وأكثر. وتدخل في حرب هنا وهناك مرة لتحرير شعب من طاغية فيرد لها هذا الشعب الجميل بمقاومة عنيفة شعواء وعشواء في آن معا، ومرة أخرى لمطاردة إرهابي انقلب عليها بعد أن كان حليفا أمينا لها في حربها ضد الشيوعية. ومهما كان الأمر، قد تستشير حلفاءها وقد لا تستشيرهم ولا تعتبر نفسها مطالبة بتبرير ما تفعله، كما كان السيد الإقطاعي مطلق الصلاحية في إقطاعته بما فيها من حيوان وشجر ومن عليها من بشر!
أين منظمة الأمم المتحدة من مجتمع عالمي ديموقراطي؟ أما \"أحباء\" الديموقراطية من أمثال بوش أفلا تعنيهم مسألة تحقيق الديموقراطية على مستوى المجتمع العالمي؟ أم أنّ العولمة الأمريكية تريد تكريس مجتمع عالمي إقطاعي حيث لا رأي ولا قرار لأحد غير السيد الإقطاعي المطلق الصلاحية في إقطاعته؟؟؟
ما زالت منظمة الأمم المتحدة في طور الطفولة خاضعة لوصاية الأب المؤسس، المساهم الأكبر (25 بالمئة من ميزانية المنظمة العالمية)، صاحب حق النقض (الفيتو) الذي لا يكترث لـ \"فيتو\" الآخرين.
المجتمع العالمي والحالة هذه هو أقرب ما يكون إلى المجتمع الإقطاعي في أوروبا القرون الوسطى وحق الفيتو يذكر بحق سيد الإقطاعة في مضاجعة كل عروس من إقطاعته في الليلة الأولى لزواجها قبل أن يدخل عليها زوجها العريس، هذا الحق معروف باسم \"droit de cuissage \" المعنى الحرفي حق \"المفاخذة\"، بلا مؤاخذة!
إلام، إلى متى العقلية الإقطاعية في العلاقات الدولية؟؟؟ علاقات أشبه بعلاقة السيد بالقنّ (أرقى بدرجة من العبد) في مجتمع الأقنان والأسياد بفوارق طفيفة مع مجتمع العبيد وأسياد العبيد!
إذا أردنا العولمة اختيارا واعيا تقبل به الشعوب، ولا إكراها تتلقاه الشعوب بكل سلبية، فلا بد أن تكون العولمة مشبعة بروح العصر، بالديموقراطية والمساواة بين مواطني العالم والشفافية على طول الخط عبر الحلقات التي تربط الفرد بإنسانيته، أي بالإنسانية جمعاء أو تحجبه عنها لانعدام الشفافية فيتقوقع على \"خصوصيته\" المحلية العرقية أو الطائفية بمختلف ألوانها (دينية أو غير دينية) معتبرا خصوصيته وكأنها الحقيقة المطلقة
فالعالم بحاجة إلى عولمة ديموقراطية بما تعنيه من حكومة عالمية منتخبة ديموقراطيا من الشعوب وبرلمان عالمي ديموقراطي منتخب من الشعوب على غرار البرلمان الأوروبي!
أليست الشعوب هي المعنية بالقرارات الدولية؟ أليست الشعوب هي المعنية بمستقبل الكوكب الأرضي؟ أليست الشعوب هي التي تعمل وتبذل الجهود لإنتاج الخيرات المادية والخيرات الثقافية ليتمكن السياسيون والأجهزة الإدارية والجيوش الجرارة من التفرغ لمهامهم الوطنية والدولية والإنسانية على أكمل وجه؟ وهل يمكن بناء ديموقراطيات محلية هنا وهناك والمجتمع العالمي ما زال خاضعا لنظام إقطاعي موروث من القرون الوسطى الأوروبية؟؟؟
إذا كان التاريخ الأمريكى حديث العهد لم يعرف إلاّ الحداثة المشوبة بعنصرية موروثة من عصور العبودية. والمجتمع الأمريكي لم يمر بالمرحلة الإقطاعية. فهل يريد السيد بوش والطبقة الحاكمة في الولايات المتحدة الأمريكية أن يفرضوا على الشعوب \"عولمة إقطاعية\"، عولمة توفر للرئيس الأمريكي دور السيد الإقطاعي الأكبر بصلاحياته المطلقة في إقطاعته الكوكبية؟؟؟
إذا ما استمرت السياسة الأمريكية في الشرق الأوسط على ما هي عليه الآن من انحياز ودعم للممارسات الإسرائيلية التعسفية والعدوانية تجاه الفلسطينيين على أرض فلسطين وتجاه جيرانها العرب، فستظل الديموقراطية الأمريكية مثلها كمثل الديموقراطية الإسرائيلية موصومة بوصمة \" الأبرتايد \"، نظام الفصل العنصري البائد في جنوب أفريقيا. وسيكون من المستحيل والحالة هذه أن ينجح أي إصلاح أو أي تطبيع أو أية عولمة!!!

تسجيل الدخول
اسم المستخدم:
كلمة المرور:	فقدت كلمة المرور؟
	تذكرني

المواضيع المحتمل أن تكون متشابهة…
الموضوع		الكاتب	الردود	المشاهدات	آخر رد
	عدنان ابراهيم ذلك الرجل الفذ الموسوعي	فارس اللواء	1	872	09-24-2012, 08:11 PM آخر رد: الحوت الأبيض
	مسيحيو الشرق الأوسط بين المواطنة والطائفية	العلماني	7	1,645	01-26-2012, 10:00 PM آخر رد: Rfik_kamel
	مصير اردوغان وخطة روسيا المستقبلية	فارس اللواء	3	903	12-10-2011, 09:36 PM آخر رد: نضال الأمير
	ألا يخجل هذا الرجل من نفسه ؟ عن "وليد جنبلاط" وسياسة "الحرباء" ....	العلماني	72	20,845	07-02-2011, 06:30 PM آخر رد: AL-SAGER
	الرجل الذي يتهته	fares	10	4,162	03-12-2011, 07:20 AM آخر رد: عاشق الكلمه