مريم فقدت أولادها الأربعة وحفيدها: لو أمطرت كنوزاً لما عوّضتني
بيت لاهيا (غزة) - سائدة حمد الحياة - 18/08/05//
كان الهدف البحث عن فرحة عائلة اكتوت بنار الاحتلال وتتأهب للاحتفال باخلاء مستوطناته، لكننا وجدنا مريم غبن (أم غسان) تفترش الرمل الذي ضم أولادها الأربعة وحفيدها خامسهم، الذين كانوا من بين ثمانية فلسطينيين حولتهم قذيفة مسمارية اشلاء. مريم لا يغمض لها جفن إلا بفعل حبات الدواء. هذه حالها تتواصل منذ مطلع هذه السنة، ولم يغيرها الحدث التاريخي الذي تعيشه غزة.
قالت وهي تداعب حبات الرمل حولها: «لا أجد الراحة إلا على هذه الرمال التي رويت بدمائهم وغطت أشلاءهم الصغيرة التي لم يكن بالإمكان جمعها لصغرها». سألتها عن مشاعر فرحة قد تروادها بعد بدء تفكيك مستوطنة «نسانيت» التي انطلقت القذيفة منها، أجابت: «بماذا احتفل... لربما تحتفل من فقدت ابناً أو حتى اثنين أما أنا فخمسة... النكبة التي اصابتني لا تعوّض... هل سيعيد لي محمود عباس أحداً من أبنائي أم سيعيده شارون... كنوز الدنيا لو أمطرت علي السماء بها بدلاً من حبات المطر لن تعوض ابني الصغير الذي لم يتبق منه سوى اجزاء من شعر رأسه».
أم غسان تطالب «أمم الدنيا» بمحاكمة رئيس الوزراء الاسرائيلي «ومعاقبته والجنود الذين اطلقوا القذيفة» على أبنائها محمد (17 عاماً) وهاني (16 عاماً) وبسام (15 عاماً) ومحمود (13 عاماً) وحفيدها راجح (11 عاماً)، وتقول: «ليحاكموه كما يفعلون بصدام حسين».
استشهاد أكبر من فقدتهم سناً محمد، الذي لم يتجاوز السابعة عشرة، جاء بعد شهر من الكارثة التي لم تبق سوى قلب نابض في جسد شوهته مسامير القذيفة، زمن شربت فيه كأس المر متعلقة بالأمل كما قالت، حرمت من رؤيته في المشفى الاسرائيلي، واجبرت على دفع سيارة الاسعاف التي أقلته ذهاباً حياً واياباً بعد أن فارق الحياة: «تعلقت به على مدى شهر... كنت أمني النفس بأن من غابوا عني سيعودون كما يعود المسافر، ولكن بعد استشهاده فقدت صوابي ولم تعد كل أدوية العالم تنفع لمساعدتي على النسيان».
بعد أشهر، حاولت عائلة «أم غسان» اخفاء أدوية التخدير عنها... وعندما لم تجدها اختفت... عثر افراد من تبقى من العائلة التي تضم 13 ولداً وبنتاً (بمن فيهم الشهداء الأربعة) قرب حفرة امتصاص المياه الصحية على مريم مغمى عليها بعدما أمضت معظم ساعات الليل تنثر التراب فوق رأسها.
تقول أم غسان: «شارون الذي قتل ابني وحرمني من رؤية ابني الآخر وكأنني أحمل سكيناً، لا يعرف انني لن امس أولاد أحد حتى لو كانوا أولاده أو أولاد (وزير الدفاع الاسرائيلي شاؤول) موفاز لأنني أم وأعرف الحرقة على الولد».
قبل أن تنهض بتثاقل لترينا مكان الجريمة وشجرة التوت التي نجت من الحرق وتناثرت على أوراقها أشلاء أولادها، تحدثت الأم الثكلى عن طفلتها التي جاءت بعد دقائق على الكارثة تسأل والدتها عن هؤلاء الناس الذين تجمعوا يلملمون قطعاً لحمية مشوية ويضعونها في أكياس.
لم تبد «أم غسان» مقتنعة بـ «الانسحاب» الاسرائيلي من غزة، وقالت وهي تهز رأسها رفضاً: «هذا ليس انسحاباً، الجو لهم والبحر لهم والمعابر بأيديهم. هذا ليس انسحاباً، لو كان شارون يريد السلام فعلاً لانسحب من القطاع والضفة. أهي غزة وحدها فلسطين؟ لا، الضفة الغربية أيضاً هي فلسطين وليست لإسرائيل. هذا كله حبر على ورق... ستجدين أنه سرعان ما سيجد شارون الذرائع كما دوماً ليعيد احتلال القطاع... انظري، هنا قتلوا أطفالي... وهم ينسحبون بضعة أمتار فقط».
http://www.daralhayat.com/arab_news/levant...2daa/story.html