اسحق
عضو رائد
    
المشاركات: 5,480
الانضمام: Jul 2004
|
محمد علي.... حاكم عظيم أم ديكتاتور ???
الكتاب
43353 السنه 129-العدد 2005 اغسطس 17 12 من رجب 1426 ه الاربعاء
الفردوس العثماني المفقود!
بقلم : احمد عبدالمعطي حجازي
هل كتب علينا كلما خطونا خطوه الي الامام ان نرجع خطوتين, وكلما كسبنا في السباق جوله خسرنا ثلاث جولات, وكلما اقتربنا من العصور الحديثه وكدنا نلحق ببقيه البشر عصفت بنا العواصف واعادتنا الي عصور الظلام؟ ليست مجرد اسطوره اذن قصه سيزيف الذي عاقبته الالهه بان يحمل صخره الي قمه في الجحيم كلما اوشك ان يبلغها سقطت منه الصخره فانحدر ليحملها من جديد فتسقط من جديد, وهكذا الي الابد!
العالم يتحرر من الطغيان ونحن نسعي اليه ونتشبث به. والعالم يتسابق في طلب العلم واحترام العقل ونحن نتسابق في استرضاء العفاريت. والعالم يجعل المراه وزيره وزعيمه ورئيسه وملكه ونحن نعتبرها نصف انسان ونصف حيوان. والعالم يفصل بين الدين والدوله ونحن لا نتنفس الا بفتوي ونكافح من اجل ان نعود ولايه عثمانيه!
ومنذ اكثر من نصف قرن لم تكف المعاول عن ضرب الاسس التي قامت عليها النهضه المصريه الحديثه, ولم تتوقف حملات التجاهل والتجريح والتشويه التي انصبت علي زعمائها وصناعها حتي لقد ظهر من الكتاب والباحثين المصريين من يترحم علي الفردوس العثماني المفقود حين كنا عبيدا سعداء نرتع بلا وعي ولا مسئوليه في سلطنه الرجل المريض!
ولقد ظننت حين قرات لاول مره ما كتبه بعضهم في الحنين لال عثمان اني بازاء فكاهه سوداء خطرت لنفس محبطه لن يلبث تيار الحياه المتدفق حتي ياخذها من الماضي الي الحاضر لكنني رايت هذه الفكاهه تتردد كثيرا في هذه الايام كانها مشروع قابل لان يتحقق فان لم يتحقق فالقصور ليس فيه وانما فينا نحن الذين تنكرنا للدوله العثمانيه الجامعه التي كانت تضمنا مع غيرنا من المسلمين, وسمحنا للقوي الاستعماريه الاوروبيه ان تقسمها وتحولها الي دول تستعمرها او تهيمن عليها. واخر ما قراته في هذا الباب مقاله للمستشار طارق البشري نشرها في العدد الاسبق من مجله الهلال وتحدث فيها عن حروب محمد علي التي لم يكن استقلال مصر عن تركيا هدفا من اهدافها كما يظن الوطنيون المصريون, وانما كان محمد علي يريد احياء الامبراطوريه العثمانيه وتجديدها وتوسيع ممتلكاتها والدفاع عن وحده اراضيها؟!.
والمستشار طارق البشري يعرفه القراء قانونيا ضليعا ومورخا واسع الثقافه. بدا مرتبطا بالحركه الوطنيه الديمقراطيه متاثرا بالماركسيه ثم وقع له في العقدين الاخيرين ما وقع لبعض ابناء جيله الذين تخلوا عن افكارهم وارتباطاتهم الاولي وتبنوا شعارات الجماعات الاسلاميه. والمستشار البشري هو الذي افتي حين كان وكيلا لمجلس الدوله بان الازهر هو صاحب الراي الملزم في الاعمال الادبيه والفنيه التي تتعرض للدين وبناء علي هذه الفتوي تعرضت اعمال كثيره للمصادره!
لكننا نعود لما كتبه عن حروب محمد علي فنجده يقول ان الوطنيين المصريين اخطاوا فهم مشروع هذا الرجل لانهم نظروا اليه بعيون عصرهم الذين رسم صورته الغربيون علي حين يجب ان ننظر له بعيون العصر الذي وقع فيه.
ولقد كان الاساس الذي تقوم عليه الحياه السياسيه في عصر محمد علي هو وحده الحضاره او وحده التماسك التاريخي كما يقول المستشار البشري وهي عباره غامضه لا نستطيع ان نفهم منها الا معني الرابطه الدينيه التي كانت تجمع المصريين وغيرهم من الشعوب التي عاشت في ظل السلطنه العثمانيه, عده قرون. وفي هذا الاطار يجب ان نفهم مشروع محمد علي الذي عاش ومات مسلما عثمانيا فالدين اذن هو الاساس الذي تقوم عليه الحياه السياسيه.
لقد حارب محمد علي الوهابيين ليقمع تمردهم ويستعيد للسلطان العثماني سلطته علي الاراضي المقدسه اما حرب السودان فكانت لضم جزء من اراضي المسلمين الي الامه الاسلاميه! وحرب اليونان كانت بتكليف من السلطان محمود الثاني الذي استنجد بمحمد علي ليقمع الثوار اليونانيين المطالبين بالاستقلال واخيرا حرب الشام التي استطاع فيها ابراهيم باشا ان ينتصر علي الجيوش العثمانيه التي لم تعد قادره علي منعه من دخول الاستانه والاستيلاء علي الحكم ليحقق محمد علي حلمه ويتمكن من احياء السلطنه وتحديث موسساتها, لكن القوي الاوروبيه اجبرته علي ان يتوقف ثم اجبرته بعد ذلك علي ان يكتفي بمصر هو وذريته من بعده, وهكذا نشات الدوله وانفصلت مصر عمليا عن تركيا فانكسرت وحده المنطقه كما يقول الكاتب وانكسر خط الدفاع العسكري الحضاري السياسي الممتد من الشام ومصر والحجاز واستانبول, باختصار المستشار البشري يري ان استقلال مصر كان موامره غربيه هدفها تمزيق الامه الاسلاميه وهذا ليس مجرد تجديف في حق الوطن له ما يستند اليه, ولكنه تجديف لا يستند الي اي اساس!
ولنبدا بالمنهج الذي يطالبنا فيه المستشار بان ننظر للحوادث بعيون العصر الذي وقعت فيه لا بعيون عصرنا نحن وهذا منهج في قراءه التاريخ يتعارض تماما مع المنهج الذي نعرفه ويعرفه العالم كله وياخذ به وينظر فيه للتاريخ في حركته وتفاعلاته وتحولاته وصيرورته فالحياه الانسانيه ليست مصادفات عابثه وليست حوادث ساكنه معزوله مقطوعه صلتها بعضها ببعض, ولكنها متصله متدفقه ناتج بعضها عن بعض ومنتج بعضها لبعض فالنظر لها بعيون العصر الذي وقعت فيه او داخل حدوده نظر قاصر يري البدايه ولا يري النهايه او يعرف النتائج دون ان يمد بصره الي الاسباب وهل نفهم تاريخ الاتحاد السوفيتي اذ نظرنا اليه بعيون لينين وهل نفهمه افضل اذا نظرنا اليه بعيون جوربا تشوف؟ ام ينبغي ان ننظر اليه بعيوننا نحن وعيون العصر الذي نعيش فيه لندرك ان الاشتراكيه بدون حريه عبوديه, وان طغيان السوفيت لم يكن افضل من طغيان القياصره؟ واذا اردنا ان نكتب سيره المستشار طارق البشري هل نكتبها من وجهه نظر الذين عاصروه في الخمسينيات والستينيات والسبعينيات حين كان منتميا بفكره وعواطفه للحركه الوطنيه الديمقراطيه؟ ام من وجهه نظر الذين يعاصرونه الان فيرونه منقلبا علي تاريخه وتاريخ بلاده؟.
يقول المستشار لكن محمد علي كان مسلما عثمانيا ولم يكن يريد ان يستقل بمصر او يفصلها عن السلطنه العثمانيه لكنه لايقدم دليلا علي ذلك.
لقد انفرد محمد علي بالسلطه وبقي منفردا بها اربعين عاما متصله اسس خلالها جيشا لا تحتاج اليه ولايه تابعه, وجدد ادوات الانتاج الزراعي, وانشا صناعه حديثه واداره حديثه, واستعان بالخبراء الاوروبيين في كل المجالات وارسل البعوث الي فرنسا وايطاليا والنمسا, واستقل في النهايه بمصر وانتزع حقه في ان يحكمها وان تحكمها ذريته من بعده كيف يحق لنا ان نقول ان هذا كله لم يكن مقصودا وانما حدث بالرغم منه؟ واذا كان محمد علي عثمانيا بعواطفه فهو بطموحه ومشروعاته وانجازاته مصري مستعد لشن الحرب علي العثمانيين.
والذي يقال عن محمد علي يقال عن العصر الذي عاش فيه صحيح ان المصريين في ذلك العصر كانوا رعايا عثمانيين وكانوا كبقيه الشعوب الاسلاميه منحازين للدوله العثمانيه, لكن هذا الانحياز لم يكن يظهر الا في الصراعات التي كانت تنشب بين الدوله واعدائها الاوروبيين اما في داخل مصر فالعلاقه بين المصريين وحكامهم كانت حربا متصله ويكفي ان نقرا ما كتبه الجبرتي في هذا الموضوع لندرك ان الفردوس الذي يحن اليه البعض هربا من بوس الحاضر ودمامته كان جحيما لا يطاق.
العصر لم يكن عثمانيا الا في اشكاله الظاهره اما في تياراته الخفيه وعناصره الوليده وعلاقاته المتشابكه فهو عصر جديد تراجعت فيه الدوافع والاسباب التي كانت تساعد علي قيام الامبراطوريات الدينيه, وظهرت قوي جديده ووقعت احداث كانت اساسا لقيام الدوله الوطنيه التي حلت محل الدوله الدينيه, لقد اصبحت المصالح المشتركه هي الرابطه الاساسيه التي تنتظم بها الجماعه البشريه واستدعت الديمقراطيه فصل الدين عن الدوله التي قامت لرعايه مصالح الامه والدفاع عن امنها وحريتها. واذا كانت عباره الامه المصريه قد ذكرت لاول مره في المنشور الذي اذاعه بونابرت علي المصريين حين دخل القاهره عام1798 فقد شاعت بعد ذلك علي السنه الكتاب والصحفيين والساسه. الطهطاوي يتحدث عن الامه المصريه ويعتبرها اول امه في التاريخ. واعضاء مجلس شوري النواب يتحدثون عن انفسهم باعتبارهم نواب الامه. والعرابيون يضعون برنامجا يعتبرون فيه انفسهم حزبا وطنيا لايفرق بين مسلم ومسيحي ويهودي.
هذه هي الثقافه الوطنيه التي تربي عليها المستشار طارق البشري وصدر عنها في كتاباته الاولي, لكنه تنكر لها بعد ذلك واخذ يحلم باستعاده الفردوس العثماني المفقود!.
|
|
08-21-2005, 02:02 PM |
|