هو في ريعان شبابه وقوته، في أول خطواته...
هو في خريف حياته. يقف أمام الغابة الكبيرة المظلمة، وآلاف الطرق تمزق عينيه. خيالات كثيرة تتلاعب أمام إحدى الأشجار، ينتابه حنين غيبي نحوها... يمزقه أنه ليس خيال.
يحاول الاقتراب وقد حرقت عينيه الطريق، تشده الخيالات الغريبة نحوها، ينسى أنه احتمال. حزين هو لأنه يمتلك وجودا، يمتلك جسدا، يريد أن يكون ظلاً ما هناك. هو لا يعرف حزنه، لا يفكر فيه. خطواته تسحبه نحو الطريق المغبر والمليء بالحشرات، اللسعات تملؤه قوةً، لا يستغرب أنه لا يموت. يمشي والخيالات تتراقص في جنون أزلي، لا تنتظر شيئا.. لا تأمل بشيء.
نهار بعيد يمر فوقهم جميعا، ينسحبون من الفضاء المحيط بهم إلى تحت الأوراق التي تملأ المكان، وهو لا يستطيع إلا الوقوف مكانه مع إزعاج الضوء وإيلامه. يدير ظهره له، يتقوقع ويلتف حول نفسه... دموع الفجر تحط على وجنتيه، كان يرغب بالموت لكنه خائف الآن، كان يريد الظلال لكنه الآن يريد الحياة... دموعه فوق التراب تستحيل إلى عقارب سوداء تمشي أمامه ويألفها هو، مراقبا حركاتها المتوجسة... موته يمشي أمامه وخلفه حياته التي لا يريدها.. إلى أين الذهاب... إلى أين الرحيل؟..
عالق بيومه بين غده وأمسه.. لا يعرف من هو.. لا يعي ذاته خارج ظلامه.. يميل نحو نفسه ويرتخي جسده فوق أرض الظلمة والليل، يتماوج مع نفسه ناسيا إياها. يرحل النهار، هو وهُمْ فقط هناك.