{myadvertisements[zone_1]}
 
تقييم الموضوع:
  • 0 صوت - 0 بمعدل
  • 1
  • 2
  • 3
  • 4
  • 5
الانحناء لا يجوز لغير الله
arfan غير متصل
عضو رائد
*****

المشاركات: 1,378
الانضمام: Nov 2004
مشاركة: #1
الانحناء لا يجوز لغير الله
تركز أبجدية التربية في مجتمعنا على شعار مفاده أن الانحناء لا يجوز لغير الله سبحانه وتعالى، وبما أن هذا الشعار (الزكرتاوي) لايتماشى مع ثقافة السرافيس التي تجوب شوارع بلدنا بتبختر أين منه تبختر فرس عنترة العبسي، فقد اضطررنا مدفوعين بذل حاجتنا (إلى توصيلة شبه مجانية) الدخول إلى السرفيس والخروج منه محنيي الظهر


حامدين شاكرين الله على هذه النعمة، دون أن ننسى في كل مرة (يرتطم بها رأسنا بالسقف الواطئ) إيجاد مبررات لهذه الانحناءة المدفوعة القيمة (خمس ليرات سورية) بأنها. ولله الحمد. قد أغنتنا عن ورطة باصات الحكومة وثقافتها التي طالما أكدت على هذا الشعار بجعلنا نقف داخل ممراتها وفي مؤخرتها طوال عقود طويلة.. على الأقل في رحلتنا اليومية المعتادة من المنزل إلى العمل وبالعكس!

وبما أننا نحتاج إلى هذا التبرير تماماً كحاجتنا إلى السرافيس، فإننا ملزمون أن نؤكد لنفوسنا الأبية عند كل صباح أن هذه الانحناءة لا تخالف الشعار المتوارث جيلاً بعد جيل، طالما أن أصدقاءنا (الشرق آسيويين) يعتمدونها وسيلة للتحية وإفشاء السلام في بلادهم..!

إذاً، لا داعي لأن نعمل منها قضية! كما يحلو للبعض ممن تسول لهم أنفسهم بالسوء!.. فنحن (أعوذ بالله من هذه النحن) نصل في النهاية إلى بيوتنا مرفوعي الرأس، مشدودي القامة. وكلنا إصرار وعزيمة على أن وقفة العز التي تربينا ونشأنا (وترعرعنا عليها) أصبحت مسألة شخصية صرفاً! أي (ماحدا دخلوا فيها).. تمشياً مع المثل الدارج بأن (للبيوت أسرار).. تلك البيوت التي أصبحت لفقرها ترى في انحناءة السرافيس أهون الشرور اليومية في مواجهة أمور معيشتها المختلفة؟

وبما أن كل شيء ممكن الحدوث في دمشق، فإن اختراق ثقافة السرافيس مسألة لا تشغل بال أحد من هؤلاء الـ (نحن)، خاصة إذا عرفنا أن مدينة دمشق تشبه بقية مدن العالم الصغرى والكبرى، لجهة (الرش أور) أي ساعة الازدحام الصباحي والمسائي..

في هذا الوقت (الازدحام) تصبح الانحناءة تحصيل حاصل أمام مفردات التدافع والتدافش والركض والتعليق.. التي كرستها ثقافة الشعارات فيما مضى من الزمن؟

ولأن الشعارات ارتبطت بمشاعرنا نحن السوريين، لذلك فقد اتكلت على الله وصعدت سعيداً ومبتهجاً إلى (ميكرو) كبير اقتحم بعنجهية أحسده عليها الموقف المخصص للسرافيس، وكأنه يستعيد الزمان الضائع مقولة الأجداد الأثيرة (الله يرحم أيام زمان)...

... كان صعودي إلى هذا (الميكرو) المتباهي بعزه الغابر لا يخالطه أي خوف أو وجل، فظهري الذي يؤلمني بسبب (لفحة) برد، كما تقول أمي، بقي طوال فترة الصعود مستقيماً مثل الألف الممدودة، كما أن رأسي لم يغادر مستوى خط الأفق أثناء بحثي عن مقعد فارغس أجلس عليه... وبما أنني كنت من أوائل الصاعدين فقد شعرت بحرية افتقدتها طويلاً، وأعني بها حرية انتقاء مقعد... تلك الحرية التي ألغيت تماماً من أجندة (دبر حالك على أقرب مقعد) في ثقافة السرافيس وأدبياتها.

الرحلة القصيرة امتدت ربع ساعة تقريباً، ولكنها للحقيقة كانت ربع ساعة لا تنسى؟.. لاأعرف لماذا انتابني الحنين إلى تلك السنوات الماضية وأنا أسمع صوت ـ (جابي الميكرو) يردد عبارته القديمة (طالعولنا فراطة يا شباب).. حقاً لقد افتقدت تلك العبارة التي غيبتها السرافيس تماماً، بعد أن تحولنا. نحن الركاب. إلى جباة مجانيين. شعور جميل انتابني وأنا أمد يدي وأناول (الجابي) مبلغ الخمس ليرات، وكي لا تظنوا أنني رجل كسول، سأشرح لكم مبعث جمالية هذا الشعور، فأنا مثلاً لم أعد أنتظر من الراكب الذي يجلس خلفي أن يوقظني فجأة من غفوة مباغتة داعبت جفني المتعبين عندما ينقر على كتفي بفجاجة كي أمرر الخمس ليرات إلى السائق، وبالتالي لم يعد عليّ الانتظار حتى يتكرم هذا السائق المشغول بسماع أغنيات علي الديك، بأن يعيد الباقي (في حال وجوده) للراكب الذي ربما حملني مسؤولية أمواله المنقولة دون ذنب سوى أنني جلست في المقدمة. كما أنني هنا مطمئن أن السائق لن يرفع عقيرته المشحونة برائحة التبغ الوطني بسؤال (مدوزن) يضعني وبقية الركاب في دائرة الاتهام (في حدا ما دفع يا شباب؟)... لنكتشف بعدها أن الأخ قد أخطأ في حساب (الغلة)... أما إذا تجاوزت صوت الجابي وما أثاره من ذكريات الماضي، فإنني سأقبل فكرة أن المكان (المكروي) بحد ذاته أصبح مألوفاً بالنسبة لي إلى درجة صرت أظن معها أن شوارع دمشق لم تتخل حتى اليوم عن أغنية فيروز الرائعة (عاهدير البوسطة).

كما قلت اجتاحتني فكرة المكان، فبدأت أجول ببصري متمتعاً بالمسافة الكبيرة التي تفصلني عن السقف، وهي مسألة لم أعد أذكرها منذ أن منّ الله على أحد مسؤولينا بفكرة السرافيس العبقرية، أما إمكانية التلفت دون أن أثير ريبة أحد من الركاب فقد أتاحت لي التقاط صورة نموذجية.. نعم نموذجية، إذا ما قورنت بصورتهم في السرافيس.. لقد رأيتهم يبتسمون! حقاً هذه صورة مدهشة، وتستحق أن توضع في متحف اللوفر مثلاً.

رؤية الابتسامة جعلتني أشعر أن للوجه البشري استعمالات أخرى غير تلك التي كرستها في أذهان الشعب السوري ثقافة السرافيس، كما أن رحابة المكان لا شك أنها أبقت مكاناً صغيراً للألفة بينهم، مثلاً عندما يهم أحدهم بالنزول ترى الآخر غير مضطر لأن يزعج نفسه وهو يفسح له مكاناً للعبور، ومن ناحيته الراكب المغادر نسي تلك الكلمة السحرية التي تصل لسانه بالفرامل مباشرة (عاليمين) بل أصبح يقول بكل تهذيب (نزلني عالموقف لو سمحت) لا بل وكأن الذاكرة المفقودة قد عادت له من جديد فأصبح يتذكر اسم الموقف الذي سيغادر عنده.

ولأن الحديث عن الرحابة أصبح مفقوداً من حياتنا في كل ما نفعله ونطمح إليه، فقد تحولت رحلة الميكرو الواسع إلى ما يشبه الرحلة الخيالية بالنسبة لنا نحن الركاب، خاصة فيما يتعلق بدافع شعور الانتقام الذي تراكم في داخلنا من ضيق السرافيس والشوارع والبيوت، فبدأ أحد الرجال المسنين يوزع السكاكر الملونة التي يبدو أنه محتفظ بها لهكذا مناسبة، أما الفتاة ذات النظرة الحذرة فقد ابتسمت للجميع وكأنها تعلن بداية زمن جديد، زمن من الممكن أن تتصالح فيه المرأة السورية مع نفسها ومع الرجل بعيداً عن عقد كليهما، أما الطفلين فبدأأ يرددان كلمات الأغنية التي تصدح من مسجلة السائق غير عابئين لكافة الأناشيد المدرسية التي حفظاها عن ظهر قلب.. وهكذا تحولت رحلة المكرو إلى حالة انفراج سوري وتأكد لجميع ركابها أن ثقافة السرافيس مجرد ثقافة عابرة بالنسبة لهم وللوطن أيضاً.

أما أنا فقد اكتشفت أنني قد تخطيت المكان الذي أقصده عندما غادرت الحافلة، فعدت مستذكراً تفاصيل الرحلة التي بدأها الوطن باتجاه مستقبل بلا ضيق أياً كان نوعه
06-24-2005, 02:40 AM
عرض جميع مشاركات هذا العضو إقتباس هذه الرسالة في الرد
{myadvertisements[zone_3]}


الانتقال السريع للمنتدى:


يتصفح هذا الموضوع من الأعضاء الان: بالاضافة الى ( 1 ) زائر
{myadvertisements[zone_2]}
إتصل بنا | نادي الفكر العربي | العودة للأعلى | | الوضع البسيط (الأرشيف) | خلاصات التغذية RSS