(f)

صاروخ لا يزيد حجمه عن سيجار كوبي اخترق احشاء جورج حاوي رأسيا بعد تفجيره بالروموت كونترول عن بعد دون ان يصيب سائقه بأي اذى

بيروت - خاص بعرب تايمز

اذا كان الحريري قد نسف بطن من المتفجرات احرق حيا بأكمله ورفع بعض سيارات الموكب الى اسطح العمارات واذا كانت المتفجرة التي قتلت قصير قد دمرت سيارته ايضا وجرحت العشرات في الشارع الذي وقع فيه الانفجار فان اغتيال جورج حاوي يمثل تطورا نوعيا في عملية الاغتيال يصعب تتبعه ومعرفة الجهة التي تقف خلفه لان العملية تمت بصاروخ صغير لا يزيد حجمه عن السيجار الكوبي الصق بجسم السيارة من الخارج بسهولة تحت مقعد حاوي تماما ووفقا للخبراء فان هذا الصاروخ لا ينفجر افقيا وانما ينطلق عاموديا او رأسيا فيخترق جسد الجالس فوقه دون ان يؤثر في الجالسين حوله وهذا ما يفسر عدم اصابة سائق جورج حاوي بأية جروح وبقاء السيارة على حالها تقريبا ووفقا للخبراء فان الصاروخ الصغير يعمل بالروموت كونترول عن بعد ويبدو انه سيكون السلاح الجديد في الاغتيالات التي يتنبأ بها الكثيرون في لبنان ....

وقعت جريمة الاغتيال قرب محطة الزهيري البعيدة 300 متر عن مكان انطلاق السيارة من أمام منزل حاوي الذي كان يجلس قرب سائقه ثابت بزي الذي نقل إلى مستشفى الجامعة الأميركية لمعالجة جروحه الطفيفة وأوضح بزي في إفادته أنه كان ينقل المغدور إلى مقهى «الغوندول» كعادته في كل صباح. وبعدما قطعت السيارة 75 متراً وقع الانفجار وارتفع الغبار من مقدمة السيارة التي تضرر صندوق محركها ولكنها ظلت على حالها تقريبا خلافا لسيارة قصير او لموكب سيارات الحريري والتفت بزي فوجد حاوي وقد خرجت أمعاؤه من جسمه من دون أن ينطق بكلمة. وكان سمع صوتاً خفيفاً وشعر بالضغط ثم غطت الدماء قميصه..

وقال شهود إن سيارة حاوي تابعت سيرها بعد الانفجار نحو عشرين مترا، فيما أشار شاهد إلى أن حاوي لم يفارق الحياة على الفور وأنه كان لا يزال يتنفس بعد نحو دقيقتين من الانفجار وأمعاؤه منتشرة على المقعد. وحضر إلى مكان الانفجار معاون مفوض الحكومة لدى المحكمة العسكرية القاضي رهيف رمضان والنائب العام التمييزي القاضي سعيد ميرزا يرافقه النائب الاستئنافي في بيروت القاضي جوزيف معماري ووزير العدل خالد قباني ووزير الإعلام شارل رزق والمدير العام للأمن الداخلي اللواء أشرف ريفي. وبعيد وقوع الجريمة، عقد مجلس الأمن المركزي في لبنان اجتماعاً طارئاً برئاسة وزير الداخلية حضره ميرزا وريفي ومدير عام الأمن العام بالوكالة العميد أسعد الطقش ونائب رئيس أركان الجيش للعمليات العميد الركن حسن محسن ومدير مخابرات الجيش العميد الركن جورج خوري وأمين سر المجلس إلياس خوري، شارك فيه مدير عام أمن الدولة بالتكليف العميد الركن حسن فواز.


على صعيد اخر سارع رئيس «اللقاء الديمقراطي» النائب وليد جنبلاط إلى اتهام الاجهزة الامنية اللبنانية قائلا أنه «سبق وذكرت أنه لا نستطيع ان نحصن الانجاز الديمقراطي أو الانتخابي اذا لم نستلم كل مفاصل الحكم، من أجل التحكم بالأجهزة الأمنية، فإما يكون الانقلاب كاملا أو لا يكون، فلا بد من الإمساك بكل مفاصل الأمن والاقتصاص من كبار الذين عاثوا فسادا، ثم تحصين البلد أمنيا رويدا رويدا». اضاف: الأجهزة الأمنية تملك فقط إمكان السيطرة على الأمن الداخلي في شكل نسبي، ولكن لا بد من إجراء تنظيف كامل هرمي بدءا من الأمن العسكري وأمن الدولة وصولا إلى الحرس الجمهوري السائب دون حسيب أو رقيب». وعن موضوع إقالة الرئيس لحود، قال جنبلاط: «نستطيع تنظيف الأجهزة دون إقالة رئيس الجمهورية، كي لا نخدش مشاعر البعض، أي بعض المراجع الروحية. ولا بد من حكومة فاعلة تمسك بالوضع السياسي والأمني وإلا سيغتالوننا الواحد تلو الآخر

كما أدان حزب الله في بيان الاغتيال، واصفاً حاوي بأنه «الرمز الكبير في الحركة الوطنية اللبنانية الذي قضى شطرا طويلا من عمره في مقاومة الاحتلال الصهيوني والهيمنة الأميركية على المنطقة، والمناضل الصلب من أجل العمال والفقراء والحقوق الاجتماعية، وأحد الوجوه البارزة في الحياة السياسية اللبنانية، وقد لعب في الآونة الاخيرة دورا مهما في تغليب الاعتدال وفتح قنوات الاتصال وتقريب وجهات النظر ودفع جميع الفرقاء إلى طاولة الحوار». وأضاف البيان «اننا نعتقد ان الهدف من الجريمة التي جاءت عقب انتهاء الانتخابات النيابية هو إيجاد مناخ من القلق والتوتر وتوفير عوامل الفتنة الداخلية وضرب الأمن والاستقرار في لبنان، ودفعه إلى حافة المجهول في اطار التخريب الشامل الذي يستهدف المنطقة برمتها»، داعياً إلى «مزيد من التنبه والحذر من الغيوم السوداء القادمة إلى المنطق

تعازينا للمناضلين في كل لبنان

:rose:

<<كنت أمام منزله عند الساعة التاسعة والثلث صباحا. نزل بعد دقائق فصبّحته مثل العادة. ناولني مفاتيح السيارة. استقللناها معا. وقال لي: <<لا داعي لتحمية السيارة. مشوارنا قريب>>. وعندها سألته: <<الى اين؟>>، فأجاب: نشتري الصحف ومن ثم الى مقهى ال<<غوندول>>. خرجنا من مفرق المنزل باتجاه ملعب الصفا وافترقنا يمينا باتجاه محطة الزهيري ووقع الانفجار>>. رواية يتلوها ثابت بزي مرافق حاوي الذي نجا بأعجوبة وان كان اصيب بصدمة وجروح وكدمات بسيطة.
<<أتذكر كلمة واحدة قالها لي بعد الانفجار <<خلّص حالك يا ثابت>>، بعد ان كنا صرخنا معا. رميت بنفسي من نافذة السيارة واخذت بالصراخ. اقتربت من باب مقعده الايمن. كان قد استشهد... تجمهر الناس ونقلوني الى مركز النجدة الشعبية حيث ما لبث الصليب الاحمر أن أتى وأقلني الى المستشفى... بعدها لم اعد اذكر شيئا>>. رواية بزي كان يدلي بها ل<<السفير>> بعد وصوله مساء امس الى منزل والدته في برج حمود. <<فقط لم اعد اسمع بأذني اليسرى من جراء الانفجار، وهذا امر يمكن حلّه بعلاج طويل>>.
ثابت بزي، في اولى ساعات النقاهة القسرية، في منزل العائلة، بدا كمن يسعى الى تخطي الفاجعة بهدوء شديد. رفض في البداية الحديث عما جرى... هو فقط يريد استذكار <<أبو انيس>> وقد بدأ حديثه عنه قبل السؤال: <<ابو انيس كان الحزب، وكان يردد ان الناس هم الحزب، وهو للناس كما ان الحزب لهم ومنهم>>، ثم يعود ويروي انه كان يعرفه امينا عاما للحزب الشيوعي و<<انا حزبي، وكان يعني لي المقاومة التي اطلقها في 16 ايلول 1982>>.
ولكن مع حلول العام 2000 بدأ ثابت بالعمل المباشر مع حاوي <<كنت مرافقه، سائقه، مساعده، كل ما كان يطلبه كنت اقوم به انا وفؤاد (مرافقه الآخر). ومنذ ذلك العام وحتى تاريخ استشهاده لم افارقه للحظة باستثناء ايام سفره>>.
في وجه ثابت وكلماته، قوة ذهنية فيها شيء من الصفاء وشيء من الحزم والثبات (مثل
اسمه)، ربما لأنه يعيش اليوم ضمن عائلة مؤلفة من أم وثلاثة اولاد جرحى حرب ومن ضمنهم ثابت الذي اصيب في ظهره وعينه، وشقيقة استشهدت عام 1978 واب شهيد في العام 1982، أصر ثابت على اظهار صورته الوسيمة في كتاب شهداء الحزب الشيوعي.
<<أم ثابت>>، مريم بزي، تتنقل من غرفة الى اخرى في ذاك البيت الصغير وتهدد اولادها بالهجرة وحدها <<كلهم يمشون عكس السير>> علقت على اصرار ثابت على اكمال مسيرته الحزبية.
ولكن ماذا ستفعل بعد اليوم؟ يجيب <<الامر غير متبلور امامي اليوم. ما اعرفه هو اني تربيت في منزل شيوعي، ولا ارى نفسي الا شيوعيا!>>.
شيوعي لم يندم، لأن كل ما قام به من عمل حزبي <<كان عن قناعة. حتى اصابتي عن قناعة. وسأكمل عن قناعة. انا ورفاق آخرون سنكمل ما بدأه ابو انيس. بشهداء او بغير شهداء سنستمر بالطريق الصعب والطويل>>.
ثابت يحبّ <<ابو انيس>> كثيرا، حبّ انتقل وراثيا الى ابنتيه مريم (13 سنة) وفرح (12 سنة): <<تحدثت اليهما بعد ان استعدت قواي في المستشفى، قالتا لي <<الحمد لله على السلامة بابا>>. لقد شاهدتا الحادث على التلفزيون بعد خروجهما من المدرسة. هما تحبان <<ابو انيس>> بالقدر نفسه الذي أحبه>>.
لثابت أشياء كثيرة يقولها عن <<ابو انيس>>؛ روايات مبعثرة في ذهنه لكنه يستحضر حالة خاصة <<للرفيق>>، يبدو انها الاحب الى قلبه لا بل يعتبرها من حظه: << تخيلي نفسك مكاني الى جانب جورج حاوي، الامين العام للحزب الشيوعي سابقا، يغني. كان يدندن كلما كان فرحا ويطرق بيده ايقاعا على رجله او باب السيارة. هي حالة تجعله خارج اطاره السياسي، ينفر من نشرات الاخبار وكل ما يعكر صفوه. هي حالة اشتقنا اليها منذ استشهاد رفيق الحريري، حيث كان يبدو في حالة طوارئ دائمة، يقرأ الصحف ويتابع نشرات الأخبار>>.
جورج حاوي لم يكن يشعر بأن حياته مهددة، كما يقول ثابت <<لا اعداء له، وهو الذي يعرف كيف يقربهم اليه بالحوار. ولو كان شعر بذلك لكان اتخذ الاجراءات اللازمة او كان نبهنا على الاقل>>.
يوم الاثنين، الساعة الرابعة بعد الظهر، قال ثابت <<بعد بدك شي؟>>. اجاب حاوي: <<لا، أعطني مفتاح السيارة وعُد غدا في الصباح، انا ذاهب مع <<الحكيمة>> (اللقب الأحب الذي ينادي به زوجته على حد تعبير ثابت)>>.
يوم الثلاثاء، الساعة العاشرة إلا خمس دقائق، صرخ ثابت، فقال حاوي: <<خلّص حالك>>.
يوم الاربعاء، ثابت يبكي ويقول <<خسر الحزب حزبا اسمه جورج حاوي، ليته لم يؤجل سفره! لم نكن لنخسره>>.
يوم الاثنين، كان ابو انيس سيستقل الطائرة عند الساعة السادسة والنصف لزيارة ابنته نارا في مصر، إلا انه ارجأ سفره يوما واحدا.
الثلاثاء عند السادسة والنصف، اقلعت الطائرة من دونه. هناك من اسرع به الى عالم آخر.
المؤكد أن <<ابو انيس>> <<عاش>> استشهاده فصرخ، وكان كلامه الاخير <<خلّص حالك!>>.

ابراهيم حاج عبدي الحياة - 26/06/05//



قبل سنوات، حين تعرض الروائي الكبير نجيب محفوظ لمحاولة اغتيال، خلص جهاد الخازن، في زاويته «عيون وآذان» التي كتبها آنذاك، إلى القول ان «محفوظ تعرض لمحاولة اغتيال وربما كان العربي الوحيد الذي يستحق الحياة». ويبدو أننا كررنا وسنكرر هذه الخلاصة مراراً، فقد اغتيل كثر ممن يستحقون ـ وحدهم ـ الحياة. وها هو اسم جديد يضاف إلى القائمة، اسم باذخ ونبيل يحمل دلالة رمزية لكل ما هو جميل في راهن قبيح: جورج حاوي. وليخش من اليوم فصاعداً كل شريف، حر، نزيه، عقلاني، مجتهد... على حياته، عليه ان يتوجس، ويحذر ما دام يملك تلك الصفات التي غدت طريقاً إلى الموت.

كان صباحاً قاتماً وحزيناً ذلك الذي شهد استشهاد حاوي، تحول فيه الجسد الطافح بالحياة المتكئ على الهموم والآمال، محض صورة تتسابق الفضائيات على بثها، صورة لا تصلح إلا للإشارة إلى هذا الزمن العربي الكئيب والرديء، صورة في أقسى تجلياتها مأسوية، صورة رجل كان قبل ثوان فقط يعانق صباحه من دون أن يعلم بأنه سيكون الأخير.

في حوار أعادت «العربية» بثه، وكانت أجرته معه قبل شهرين من اغتياله بدا حاوي واضحاً وصارماً، يتحدث بثقة، وبنبرة من خبر أروقة الحياة ومتاهات السياسة طويلاً، يحلل المواقف السياسية لهذه الجهة أو تلك، ويستعين بذاكرة خصبة تقوده إلى الاستنتاج الصائب، يقرأ أرشيف النضال ليمتحن الحاضر العربي الراكد، ويتحدث بوضوح لا يخالطه أي تعثر أو غموض، هو رجل المبادئ الذي تعلم أن يكون موقفه واضحاً ودقيقاً حتى يتسنى له الدفاع عنها.

وفي برنامج «زيـارة خاصة» الذي أعادتـه «الجزيرة»، بدورها، يوم اغتياله، توالت الصور الشخصية الفوتوغرافية، بالأبيض والأسود، أو الملون. الأولى كانت أكثر سطوة وحضوراً، فـقد استعادت زمن الشعارات الحالمة، والمقولات الكبرى، فيما المحاور سامي كليب يحـاول ضبـط اللحظـة على إيقاع الراهـن الملون، لكن الأمين العام السابق للحزب الشيوعي اللبناني كان يستمد الأنس من دفـاتــر الغيـاب، ويـشعر بالحنين إلى زمـن أبـهى، وكان صادقاً إلى حد الموت! فهـل ثمة زمن اكثر سواداً من زمن يحصد القلوب البيضاء في سياق مصطلح صـار شائعاً اسمه «مسلسل الاغتيالات».

هذا لا ينجز في الاستوديوات كما هي الحال في المسلسلات الدرامية المتخيلة، فقد اصبح الشارع العربي مسرحاً واسعاً لمسلسل الاغتيالات، مع اختلاف ان المسلسل الدرامي فيه بطل واحد يتكرر في جميع الحلقات، وفي مسلسلات أخرى، بينما «مسلسل الاغتيالات» الواقعية يلعب بطولته في كل مرة شخص مختلف مع ضرورة أن يكون صادقاً، شهماً، عاشقاً للحياة، مؤمناً بكرامة الإنسان، لينتهي المسلسل بموت تراجيدي، ولا يعود لعب دور آخر ممكناً.