{myadvertisements[zone_1]}
 
تقييم الموضوع:
  • 0 صوت - 0 بمعدل
  • 1
  • 2
  • 3
  • 4
  • 5
دين بلا رب
نبع الحياة غير متصل
عضو متقدم
****

المشاركات: 286
الانضمام: May 2008
مشاركة: #1
دين بلا رب
دين بلا رب
(مراجعة لكتاب ري بيلينغتون)*

أطروحة دين بلا رب، الخلفية والمكوّنات
أين الرب؟ أنا أجيبكم! نحن قتلناه، أنا وأنت! مات الرب! ونحن الذين قتلناه!
لا نعلم، هل كان نيتشه1وهو يكتب هذه الجمل القصيرة المتوالية والمرعبة، يعلم بأنّ جرّار دونروال بكى حزناً قبله في أساطيره عام 1854، وردد: مات الرب! بقى بيت الرب خالياً في السماء. ابكوا أيّها أطفال! فلا أب لكم بعد اليوم.
تطلّب الأمر مئة عام لظهور وجوديّة2 كيير كغارد3، نيتشه، هايدغر4، وسارتر5. أي منذ ستينيات القرن المنصرم بدأت فكرة موت الرب تستقر في ضمير الفكر الأخلاقي والفلسفي للغرب المعاصر وعقليته. وقد مضى مئة وخمسون عاماً على فكرة موت الرب التي وردت في كتابات نيتشه إثر التكرار أو الاقتباس، وقدّمت تفاسير مختلفة لها خلال هذه الفترة. وفي تزاحم هذه التفاسير، لا تبدو تفاسير اللادينيين عجيبة بقدر تفاسير المتدينين الغير إلهيين. ومنذ هذا العقد بدأ بعض اللاهوتيين أو من يتمتعون بنصيب من عالم اللاهوت ويحسبون على المتدينين، بكتابة أفكار عدّها الكثير من الناس كالتي استندت إلى خصّ مائل.
وقد ردّ جون روبينسون، أسقف وولويتش، في كتابه ((الصدق والصراحة مع الرب(( في عام 1963، على فكرة الرب بصفته موجوداً خارجياً، ورجّح فكرة الرب كأساس للوجود. وبدأ إنكاره هذا في مقاله التالي، من العنوان: ((علينا الكفّ عن هذا التصوير من الرب((. ونشر توم آلتيزر في أمريكا عام 1966 الإنجيل المسيحي الغير إلهي. وكتب الستركيز ((طريق التعالي(( عام 1971، والذي حمل العنوان الفرعي التالي: ((الإيمان المسيحي من دون الإيمان بالرب((.
وانطلق هذا النمط من الأدب اللاهوتي منذ ستينيات القرن المنصرم، واستمر بشكل متواصل إلى يومنا هذا. وكتب كرن ارمسترونغ تاريخ الرب6عام 1993، وسمّى أي.ان.ار ارمسترونغ كتابه ((دفن الرب(( ـ كنتيجة طبيعية لموت الرب ـ عام 1998.
ومنذ ربع قرن أدّت كتب دون كيوبيت إلى ظهور نحلة مسيحية باسم ((بحر الإيمان((، ومن هذه الكتب(( بحر الإيمان((7 في عام 1984، و((ما بعد الرب(( في عام 1997؛ الذي سعى للحفاظ على أقل ما يمكن من معنى للإيمان الديني في حال موت الرب.
((دين بلا رب(( لري بيلينغتون أحد آخر نتاجات الأدب اللاهوتي بلا رب. وعلىالرغم من أنّ الديانة والإيمان المسيحي شكّل الأرضية الأساسية لهذا الكتاب، لكنّه يمتاز على نظائره بميزتين: الأولى، إتباع نموذج الأديان الشرقية لصياغة صورة من الفهم الديني والتدين المسيحي من دون الإيمان بالرب. والميزة الثانية، هي تعميم الانتقادات الواردة على الفهم الديني والتدين الإلهي بضرب من القياس على الأديان الغربية الأساسية، أي اليهودية والمسيحية والإسلام.
وقد وفّرت للمؤلّف خلفيته المعرفية والعلمية والتنقيبية آليات السير في طريق متمايز عن أقرانه. فهو خبير بالأديان الشرقية، كالبوذية والطاويّة. كما صدرت له كتب كفهم الفلسفة الشرقية، الفلسفة الحسية، والشرق الوجودي. أمّا كتابه الأخير ((دين بلا رب((، والذي تأثّر بالكتب الثلاثة المذكورة، لم يكن في صدد تبيين الإمكان النظري والانسجام في التدين بلا رب، بل هو مسعى لإثبات مدعيين: أوّلهما، أنّ التدين الذي لا يبتني على مفهوم الرب، ممكن من الناحية العملية في عالم التدين المتعالي وحاضر بكل حيوية. وثانيهما، أنّ الالتزام بتدين كهذا في الفترة الأخيرة وما بعد الحداثة أمر مطلوب، بل ضروري بالنسبة للمتدينيين ولا مفرّ منه.
وبناءً على هذا، الفهم الجديد الذي يقدّمه هذا الكتاب من الدين، يقرّ من ناحية بإشكالات وتساؤلات عصر الحداثة على الإيمان بالله. ومن ناحية أخرى، يفتح أفقاً جديداً للدين والإيمان في حياة الناس اليومية، كي يلعب دوراً إيجابياً فيها. ولهذا السبب لم ير المتدينون أو اللادينيون أنفسهم وحدهم مخاطبين لهذا الكتاب. وأمّا قمة إبداع هذا الكتاب ففي نقله أفق الالتزام الديني من معادلة الإيمان بالله/ عدم الإيمان بالله، إلى طلب العلو/ عدم طلب العلو. ومن خلال هذا النقل، تقلب المعادلة القائمة تأريخياً، وهي: التدين يساوي الإيمان بالله، وعدم الإيمان بالله يساوي عدم التدين.
أخلّ بيلينغتون بالمعادلة القديمة القائمة، بإدخاله مفاهيم العلو وطلب العلو في تحليلاته واستخدامها بدل الرب والإيمان به، والذي بيّن بدوره الإشكالات النظرية والعملية للإتزام بها. كما سعى لتبيين إمكان التدين من دون الإيمان بالرب، وأنّه ليس مطلوباً فحسب، بل ضروري وحتى لا مفرّ منه، لتكون لنا حياة أكثر متعة، بصفتنا بشر، وتديناً أكثر عقلانية، بصفتنا متدينين.
وقد انطلق الكتاب من السؤال التالي: لماذا يدّعي كلّ من المسيحية واليهودية والإسلام امتلاك الأمر المتعالي؟ ومن أين لممثلي هذه الصيغ الثلاثة من الإيمان بالرب تقديم أنفسهم كلما ذكر البعد الخامس لجون هيك؟
يعتقد الكاتب بأنّ الادعاء بالامتياز في امتلاك الأديان التوحيدية الحقيقة يبتني على افتراض أنّ التدين يعني الإيمان بالرب وقبول إرادته. وما يجب مناقشته ودراسته هو تمكّن المؤمنون بالرب وحدهم من الإدلاء بكلام معتبر وموثق عن جوهر الطبيعة والوجود، وجود هدف للحياة أو عدمه، طبيعة البشر ومصيره. ويبدأ الكاتب بيان هذا الإشكال بالتشكيك في فائدة مقولة الرب.
ويسعى المؤلف في الفصلين الثالث والرابع من الكتاب لتبيين الأصناف والأبعاد المختلفة من الإبهام في مفهوم الرب. ويستدلّ بوجود دلالات متعارضة لهذا المفهوم، بحيث نضطر لبيان مرادنا منه كل ما استخدمناه. إذاً لا فائدة منه ولا جدوى. إضافة لذلك، تسبب الدلالات المتعارضة الإبهام في اللغة. ومن الممكن أن يجرنا في هذا المجال المحدد إلى تبعات اجتماعية خطيرة.
ويذكر المؤلف في الفصل الثاني شواهد أخرى لإثبات نفس المدّعى بالنسبة للدين.
تلك الفصول الثلاثة إلى جانب الفصل الأول الذي خصص لبيان الموضوع ومراجعة سوابق البحث وأدبياته، تشتمل على أهم البحوث المقدماتية، خاصة تبيين المصطلحات الأساسية، وتقرير الموضوع، وتخطيط سير الأبحاث.
وفي زحمة ما ورد في هذه الفصول، يكشف الكاتب عن جوهر الكتاب وهدفه الأساسي: جميع بحوث الكتاب تصبّ نحو هدف واحد، وهو بيان ظاهرة الدين في التجارب البشرية من دون التمسك بمفهوم الرب؛ أو بعبارة أخرى، تخليص الدين من الإلهيات وتبيين لا طائلية مفهوم الرب. أمّا الطريق الذي يسلكه لنيل هذا الهدف، فهو إعادة قراءة تراث التجربة الدينية، آخذاً بعين الاعتبار أنّ هذه التجربة متوفرة عند الجميع، دون الحاجة للإقرار بما وراء الطبيعة. وبعبارة أخرى، يقصد المؤلّف بأنّ الدين ليس هبة إلهية نزلت عن طريق العبادة أو الانكشاف الوحياني على عدد محدد من البشر السعداء. فليس للدين سير نزولي من الأعلى إلى الأدنى، بل هو جزء طبيعي من التجارب البشرية، يمارسه أضعاف عدد من ادّعوا التدين. ولهذا السبب يسعى المؤلّف، وبتجنّبه مفهوم الرب، أن يقول لمن لا يعتبرون أنفسهم متدينين بأنّ الكثير من تجاربهم اليومية والطبيعية في حقيقتها تجارب دينية. فهدف هذا البحث الإتيان بالإجابة على الحاجة التالية: العرفان من دون إلهيات؛ التجربة الدينية من دون رب.

مقال :محمد مهدي مجاهدي
ترجمة: مشتاق عبد مناف
يتبع :98:
10-25-2008, 10:19 AM
عرض جميع مشاركات هذا العضو إقتباس هذه الرسالة في الرد
{myadvertisements[zone_3]}
نبع الحياة غير متصل
عضو متقدم
****

المشاركات: 286
الانضمام: May 2008
مشاركة: #2
دين بلا رب
وقد خصص الفصل الخامس لتناول أفكار المؤلّف حول العرفان والانحياز له. ويعتبر الكاتب العرفان والفهم العرفاني من تجربة الأمر المتعالي واللامتناهي قمة مراحل التكامل في تأريخ التدين، وذلك بناءً على دراسات كرن ارمسترونغ في تأريخ الأديان. ويرى الفارق بين الوحدانية التي تحققت من خلال الأديان التوحيدية وتعدد الآلهة المطروح من قبل الأديان الابتدائية ضئيل، وإن كانت الوحدانية أكمل من تعدد الآلهة. فالوحدانية لم تخط إلا خطوة بسيطة أكثر مما خطاه تعدد الآلهة. لأنّ الوحدانية هيّأت بشكل معقّد وخفي الأرضية لإعادة تعدد الآلهة، وذلك باحتفاظها على صورة شبه إنسانية وشخصانية من متعلق التجربة الدينية. وبناءً على رأي الكاتب، أصبحت إعادة الصياغة هذه ممكنة بل حتمية، فالمؤمنون يعتبرون ربهم الشبيه بالإنسان موجوداً متصفاً بكلّ محاسن ثقافتهم ومجمعاً لها. وسبّب سعة الثقافات المتدينة وكثرة تلونها في أن تقدّم كلّ جماعة موحدة ربّها الواحد بثوب يتمايز عن ما تقدّمه الجماعة الموحدة الأخرى. والنتيجة واضحة: تأريخ الأديان التوحيدية مشحون بالآلهة الواحدة المتنوعة والمتلونة. فالحالة لا تختلف كثيراً عن تنوّع الآلهة في فترة تعدد الآلهة. علماً بأنّ هناك فارق أساسي، وهو أنّ كثرة الصور الشبيهة بالإنسان التي صاغتها الأديان التوحيدية على مدى التأريخ فاقت بكثير عدد الآلهة في الأديان المتعددة الآلهة. ويعدّ المؤلّف التجربة العرفانية ثالث المراحل التأريخية للتدين. ويتضمّن العرفان مدلولاً غير معروف ومرموز وحتى غيبي. لكنّ الادعاء المهم للمؤلّف في هذا المجال، هو أنّ التجربة العرفانية ليست في متناول كافّة الأفراد فحسب، بل هي حاصلة بالفعل لكثير من الأفراد دون أن يعتبروها عرفانية أو يسمّوها بذلك.
ويتضمن الفصل الخامس مواضيع حول ماهية التجربة العرفانية في المناخ التأريخي للأديان التوحيدية. ولم تقتصر هذه الدراسات على تمحيص التعاريف النظرية، بل شملت دراسة حالات العرفاء البارزين أيضاً، وهيأت الظرف للخروج بقاسم مشترك من التجارب العرفانية في الأديان الشرقية والغربية.
وبعد تناول إجمالي للنقد التقليدي الذي تقدّم على العرفان وخاصة العرفان الديني، ركّز المؤلّف على مسألتين: الأولى، إنّ التجارب العرفانية وإن كانت تعدّ كعامل للجمع والتوحيد بين الأديان، لكنّها اشتملت على فضاءات أوسع من الفضاء الإيماني المعهود. فهي تشمل من جهة الأديان اللامتجانسة الشرقية والغربية، ومن جهة أخرى، تشمل حالات لا تنسجم مع أي صنف من التدين الشرقي والغربي.
أمّا المسألة الثانية، فعلى الرغم من أنّ العرفان المقنن المنسجم مع الأديان التوحيدية أصبح متناغماً مع الأنظمة الكلامية المنغلقة، لكنّ عامة المتدينين الملتزمين مازالوا متعاطفين معه.
أمّا التقييم النهائي الذي توصّل له الكاتب للتجربة العرفانية، في حدود ما يرتبط بأبحاث الكتاب، هو أنّ التجربة العرفانية، بناءً على التعريف المختار، تعدّ فوق التبيين العقلاني والنقاشات الاستدلالية و ـ على حد تعبير فتغنشتين8 ـ من المجالات التي يجب السكوت عنها. ولنفس الدليل المذكور، من الأفضل لنا البحث عن خلفيات تحققها، بدل البحث عن ذاتها وآلياتها الداخلية. الخلفيات التي تكون أكثر اتساعاً من دائرة التدين الرسمي أو حتى التجارب العرفانية المشروطة بدين من الأديان المتعارفة.
واختصّ كلّ من الفصل السادس والسابع والثامن بدراسة ظروف تحقق التجارب العرفانية في كلّ من الهندوسية والبوذية والطاويّة ـ حسب الترتيب ـ. كما تناولت هذه الفصول إمكان تحقق التجارب الروحية من دون الاعتقاد بالرب، والغير معتمدة على الأنظمة الإلهية في الديانات الشرقية، بالدراسة والتمحيص. وفي حين يحجر الرب في عرفان الأديان الإلهية لصالح ألوهية مبهمة وغير محددة، يرى الفرد الذي يتمتع بالتجربة العرفانية ـ في الأديان الهندية ـ نفسه متحرراً من مخالب الأوهام (في الفيدا والفيدانت) لحظة الانجذاب الروحي، أو يفقد جميع ذاتيته (في ترافادا البوذية). وتحقق الوحدة مع الطبيعة في الطاوية، أرضية متمايزة عن الانجذاب والفناء (الذي يعدّ جوهر التجربة العرفانية).
وتدنو التجربة العرفانية الصينية خطوة من الروحانية العلمانية، فهي لا تترقّب حصول أيّ مكاشفة روحية أو تجلّ عرفاني أبعد مما يحدث في الطبيعة عادتاً. وفي تعاليم الكنفوشيوسية، نرى بوضوح نفي ((العالم الآخر(( لصالح العلاقات الإنسانية الحاضرة، وكذلك استبعاد ((تربية الروح(( لصالح الاهتمام بحوائج الإنسان النفسية والعقلية.
وقد خصص الفصل التاسع من الكتاب لاختبار فكرة التجربة الدينية والروحية من دون رب في مجالات الفن والطبيعة والعلاقات الإنسانية. وتسير بحوث الكتاب في هذا الفصل على منهج الدراسات التاريخانية لاي.ان. ويلسن، والجمالية والفلسفية لدون كيوبيت. كما تبحث عن الابداعات الفنية والبيئية والعلاقات الروحية، التي هي دنيوية ومنتمية لهذا العالم في نفس الوقت. وقد سمّى الكاتب هذا الفصل ((الدين الناصوتي(( أو الدين اللامقدس. ويؤكّد على خصوصية الظواهر الفنية أو المواقف الفنية في قدرتها ـ على حد تعبير طنيسون ـ اجتياز حدود الزمان والمكان بالإنسان. وتوفّر هذه الخصوصية في الفن قابلية روحية لخوض تجربة عرفانية. ويعتقد الكاتب بأنّ هذه الميزة نفسها موجودة في النظرة العرفانية، لاسيما في العرفان الشرقي. والتي تؤدّي إلى أن يرى الفرد طبيعته الباطنية متّحدة مع الطبيعة الخارجية في حالات الانجذاب والفناء خارج إطار الزمان والمكان. لكن ليس كلّ الناس سعداء إلى درجة يمكنهم خوض تجارب عميقة مع الفنون الجميلة. كما أنّ الحياة الحديثة والصناعية لم تترك لنا مجالاً للانجذاب والتفاعل مع الطبيعة. وعلى الرغم من ذلك، مازال هناك مجال يدفع بعموميته الكاتب للبحث فيه عن التجارب العرفانية من دون الرب، وهو علاقتنا فيما بيننا.
وقد كتب الكاتب المعروف، مارثين بوبر، كتاباً تحت عنوان (Ich und Du) عام 1922. واعتبره بيلينغتون، بصفته يهودي وجودي (Existentialist)، أول من ربط بين الإيمان بالله الغربي وعدم الإيمان بالله الشرقي. فقد فكك مارثين بوبر بين علاقة ((أنا ـ ذلك(( وعلاقة ((أنا ـ أنت((. ففي العلاقة الأولى، طرف النسبة مع الإنسان شيء، ولا يؤدي إلى انتماء أو مسؤولية، وهي قائمة على أساس النفع الذي يتلقاه ((أنا(( من ((ذلك((، فهناك قطيعة كاملة بين طرفي العلاقة. وحسب زعم بوبر، أنّ الرب أصبح الآن ((ﮐذلك(( بالنسبة ((ﻟأنا(( عند المتدينين. بينما ترفع علاقة ((أنا ـ أنت(( أي حواجز وموانع بين طرفي العلاقة، وتعكس وجود انسجام وتوازن داخلي. فليس في هذه العلاقة ثنائية حتى يمكن على ضوءها اعتبار وجود فاصلة ما. وخلافاً لعلاقة ((أنا ـ ذلك(( التي تتألّف من ثلاثة أجزاء: أنا، ذلك، ووجه العلاقة، ليس في علاقة ((أنا ـ أنت(( إلا العلاقة القائمة. ويعتبر بيلينغتون هذه العلاقة نفسها حالة التجربة الدينية. وتصنع هذه المعادلة من العلاقات الإنسانية جسراً من الأرض نحو الأمر المتعالي. ويبحث المؤلّف عن هذه المعادلة حتى في أكثر العلاقات جسديةً ودنيويةً، أي في العلاقة الجنسية بناءً على المنحى الطاوي.


يتبع :98:
10-25-2008, 10:21 AM
عرض جميع مشاركات هذا العضو إقتباس هذه الرسالة في الرد
{myadvertisements[zone_3]}
نبع الحياة غير متصل
عضو متقدم
****

المشاركات: 286
الانضمام: May 2008
مشاركة: #3
دين بلا رب
وقد بحث الفصل العاشر في علاقة الدين بالأخلاق في ظل دين بلا رب. ويعتقد الكاتب، بأنّ توصيف الرب بالحسن أو السوء، أو تأليف علاقة بين الرب والمحاسن والمساوئ الأخلاقية، سواءً من قريب أو بعيد، يبتني على تصور شبه إنساني من الرب. ففي النظرة العرفانية، خاصة العرفان الدنيوي (أرضي) لدين بلا رب، تجربة الأمر المتعالي حالة ما وراء الحسن والسوء.
فالأخلاق أمر ثقافي تماماً، يبتني على تراكم تجارب الحياة البشرية المشتركة، وهو مستقل عن الدين في الحدوث والبقاء. علماً بأنّ القيم الأخلاقية التي لابد وأن تدور في فلك الثقافة، وهي تتغيّر من فترة لأخرى، من الممكن أن تدخل مرة أخرى إلى المجتمع عن طريق الإلزام الديني للمتدينين، بعد إعادة صياغتها في إطار الأديان القائمة. وقد ينسب المتدينون، في حالة كهذه، إلتزاماتهم الأخلاقية إلى الإلتزامات الدينية. لكن لا يمكن افتراض أنّ الأخلاق نابعة من الدين إلا إذا نظرنا إلى علاقة المؤسسة الدينية بالثقافة والقيم الأخلاقية بشكل مقلوب. ويدرس الكاتب في هذا الفصل النتائج التربوية والتعليمية للنظرة الأخلاقية الغير مؤمنة بالله، ويوصي بأن لا يستند في التعاليم الأخلاقية للأطفال إلى العقائد الدينية بأي شكل من الأشكال.
أمّا الفصل الأخير الذي يحمل العنوان المألوف والشيق ((الذات الفاقدة للصورة((، يبدأ بجملة لمارتن هايدغر: أصبحنا بالنسبة للآلهة من الماضي، ولا زلنا بالنسبة ((للوجود(( حدّث. فالإنسان هو نغمة الوجود التي بدأ بالترنم بها.
يذكّر المؤلّف في هذا الفصل بمسألة موت الرب، ويعتبر أنّ الصورة الخيالية من الرب كانت أسطورة مفيدة للأزمنة الغابرة (كأسطورة بطلميوس حول مركزية الأرض)، لكنّها غير ممكنة وغير مجدية لما بعد العدمية9. كما يعتقد بأنّ استحضار معاني الرب والألوهية، بشكل لاإرادي ومبهم في أذهان أغلب الناس، دليل كاف للاجتناب عن العودة إلى الألوهية بعد وضع الرب جانباً، وإن كان هو فصل بين الألوهية والرب. ومن ناحية أخرى، يذكّرنا تلازم الإيمان بالرب وتقبّل بعض الوجوه التأريخية أو شبه التأريخية، كرموز دينية، بأنّ هذه الفبركة الدينية ضاعفت من صعوبة الإيمان بالرب في زمننا. لكن المشكلة الكبرى في هذا المخاض ما يؤدي إليه هذا النحت للشخصيات إلى تشكيل مبدأ للاقتداء والتماثل؛ الأمر الذي ليس بالمبرر أو المعقول، ولا بالممكن أو المقدور. كما أنّ منحى تقليدي وتبعي في التدين كهذا يتنافى مع الاستقلالية الفردية والحياة الطبيعية . ولهذا، تسلب من الفرد إمكانية الحياة الروحانية والغنية بالتجارب العرفانية الأصيلة. ومن ناحية أخرى، يعتبر انتقاء نصوص معينة وإضفاء صفة التقديس عليها وإعطائها منزلة الحقيقة المطلقة، وهي ميزة جميع الأديان التأريخية القائمة بحكم أخذ النداء بدل المذياع نتيجة استبدالهما، كاستبدال الألوهية بالرب.
أمّا رابع نقطة يذكّر بها المؤلّف في الفصل الختامي هي أنّ افتراض وجود ارتباط بين الدين والأخلاقيات، في الحقيقة، مغالطة تفتقد لأيّ استدلال. فيرى بأنّ ليس لمصطلح الأخلاق المسيحية أيّ محتوى. ويذكر شواهد على أنّ فحوى ما يسمّى بالأخلاق المسيحية كان متوفر في أماكن مختلفة (خاصة عند الشرقيين) منذ قرون ما قبل المسيحية. وبهذه الطريقة ينتزع المؤلّف، الدين والتجربة الدينية من الرب، والشخصيات التأريخية وشبه التأريخية الدينية، والكتابات المقدسة، والتعامل الأخلاقي، وكلّ الأشياء والأماكن والأزمان المقدسة، كي يطرح مدّعاه التالي على القراء: الدين في درجاته العليا، ذات بلا صورة.
نتائج الكتاب
القسم الأخير من الفصل الحادي عشر والذي يطرح آخر ما أتى في الكتاب، يحمل عنوان ((المتدين في عصر ما بعد الحداثة((. ويعدّ هذا القسم بمثابة خلاصة واستنتاج لما جاء في الكتاب حول رسم صورة من الحياة الدينية في عصرنا الراهن على أساس فكرة ((دين بلا رب((.
ويبدأ الكاتب ببيان نتائج هذه الحياة للمتدين المتخلي عن فكرة الرب في عصر ما بعد الحداثة. ويمكن تلخيص الخصائص التي يذكرها كالتالي: التناغم مع المعتقد القائل بعدم إمكان اختزال عالم الوجود في البعد المادي لما له من أبعاد متعددة. ويبتني هذا الأمر على تجربة شخص يرى نفسه مستغرقاً ومنجذباً لأمر ما، في بعض الأحيان وخارجاً عن أطر الزمان والمكان. وتختلف الظروف التي تساعد الشخص للوصول إلى التجربة الروحية من شخص لآخر. فالعمل والفراغ سيّان بالنسبة لفرد كهذا، فله الفرصة للتأمّل حين السكوت، وربما تكون له طرقه الخاصة للمراقبة والوساطة.10 وحياته لا تنقضي في انتظار الحياة الآخرة. فهو يكسب معنى لحياته الفعلية، ويترك المستقبل للمستقبل. ولا يبدو نمط حياته خشناً ومنفوراً بالنسبة للآخرين. وقد ينتقد الآخرين، لكنّه يحترم تمايز قيمهم عن قيمه. وفي حين لا يتقبّل بعض التصرفات، لكنّه لا يهدف إلى تغيير مثالي في العالم، ولا يقدم على فعل إلا إذا اقتضت الظروف ذلك. ويترقّب دائماً النظم والتغيير الاعتيادي والطبيعي للأمور والأشياء؛ ولا يضع نفسه موضع الريادة. ولا يحضر في معبد وإن كان لا يحتقر من يفعل ذلك. ولا يفتخر بتسميته ((متديناً((.
ويعتقد المؤلّف بأنهّ إذا أمكن تحقق هكذا نموذج من الحياة وتعميمه، سوف تواجه الأديان التوحيدية تحديات كثيرة، من أهمها دور هذه الأديان في الحياة.
وآخر كلام له، والذي مهّد له بطرق مختلفة خلال أحد عشر فصلاً، هو أن لا بقاء للدين منذ اليوم إلا في إطار التجربة الروحانية. التجربة التي يمكن تسميتها الوحدة مع ((اللانهاية(( أو الفناء فيها. والمهم أن لا نعتبر الدين ظاهرة خارجية، بل طاقة باطنية، تبهج الإنسان وتنعشه، ويمكنها التسامي بالإنسان دائماً، وإلهامه أحياناً.


يتبع :98:
10-25-2008, 10:23 AM
عرض جميع مشاركات هذا العضو إقتباس هذه الرسالة في الرد
{myadvertisements[zone_3]}
نبع الحياة غير متصل
عضو متقدم
****

المشاركات: 286
الانضمام: May 2008
مشاركة: #4
دين بلا رب
كتاب دين بلا رب، وقفات نقديّة
بعد استعراض مسهب واستخلاص لأفكار كتاب دين بلا رب واستدلالاته، من المناسب مراجعته مراجعة نقدية ولو باختصار.
1 ـ أحد صفات الكتاب، التي قد تزعج القارئ، أسلوبه اللاذع وأحياناً استهزاءه ببعض الطقوس والعقائد المسيحية. والمثال على ذلك ما ورد في الصفحة 138 من الكتاب، والذي يصف فيه المؤلف شغف المسيحيين الإنجليين بالعبادات ((ﺒالاشباع الذاتي الديني((. فأمثال هذا التعبير الغير لائق، يجعل لغة الكتاب وخاصة في الفصول الجدلية، دفاعية وانحيازية. إضافة لذلك، بعض الأحكام القاسية التي يصدرها دون تقديم أبسط دليل، تضاعف من ثقل هذه النقاشات الجدلية. فعلى سبيل المثال، في الصفحة 129 من الكتاب، يعتبر ((العظة على الجبل(( (إنجيل متى، 7: 5) تفسيراً رائعاً من البوذية دون أن يقدّم أدنى دليل لذلك.
ويعدّ هذا النوع من النواقص هامشي، ولو لم يتطرّق الكاتب لأيّ منها لما نقص من استدلالات الكتاب شيء. وإتيانه بها ما أضاف شيئاً على احتجاجات الكتاب، سوى أنّه كشف عن فقدان الحيادية العلمية في بعض الفصول. وأكتفي في هذا القسم، بذكر هذا القدر من النواقص ونقاط الضعف، وأتناول في النقاط التالية أموراً تخصّ صميم الفكرة واستدلالاتها.
2 ـ أهم هدف للكتاب، حسب ادعاء المؤلّف، فتح أبواب التجربة الدينية لأكبر عدد ممكن من الناس، من خلال تخليص التجربة الدينية وتنقيتها من الرب والدين والإلهيات. ويبدو أنّ أهم توقع يحصل عند كلّ قارئ مهتم، هو توصيف التجربة الدينية التي يدعو الكاتب لها وتعريفها، أو على أقل التقادير، تحديد مراده منها بشكل دقيق. لكنّه لا يجد تلبية لتوقعاته. فلا نجد في الكتاب كلّه شيئاً عن كيفية التجربة الدينية أو العرفانية التي يدعو لها، أو عن خصائصها أو علاماتها، سوى توصيفات في غاية الإبهام وخالية من أيّ إبداع، ((ﻜالتجربة أمر إلهي(( أو ((الفناء في اللانهاية(( التي لا تتعدى شرح الأسماء أو استبدال إبهام بآخر. وتتضاعف هذه الإبهامات حين انضمام بعض التناقضات إليها في مجال ظروف تحقق التجربة الدينية. فمثلاً، حين يريد تعميم دائرة إمكان الاستمتاع بالتجربة الدينية إلى جميع الناس، في آخر الصفحة السادسة من الكتاب، يعدّ هذه التجربة غير متوقفة وحتى غير مرتبطة بالأمور الفوطبيعية. بينما يعتبر الفرد المتدين في ما بعد الحداثة معتقداً ببعد غير مادي لعالم الوجود، حين يذكر خصائصه في الصفحة 137. وهذا البعد يقوّم حدوث التجارب العرفانية. ويؤكّد المؤلّف في الصفحة 17 من الكتاب على وجود عالم ما وراء الطبيعة وعدم احتياج معقوليته إلى إلهيات ربانية.
3 ـ تتجلّى في الفصل الرابع، خاصة من الصفحة 33 فما بعد، عدم رغبة المؤلّف في الاستدلالات التي أقيمت لصالح الوحدانية، وفي الغالب يطرحها بشكل مبسط وسطحي ولا يراعي في طرحها جانب الأمانة العلمية. ويتجاوز الموضوع دون أدنى إشارة إلى الجهود الجديرة بالاهتمام لبعض المتألّهين، الذين تناولوا الموضوع بشكل تحليلي. فعلى سبيل المثال، لم يشر نهائياً إلى الإلهيات الطبيعية11 التي طرحها سوينبرن، ودبليو.ال.كريغ، وجي.بي.مورلند التي لا تعاني بشكل عام من المشاكل النظرية التي أشار لها. كما لم يول اهتماماً في دراسته النقدية لعلم المعرفة المعدّل وأبرز منظّريه.
4 ـ يبدو أنّ المؤلّف وضع العناصر العرفانية المتوفرة في النصوص والخلفيات الدينية والثقافية المختلفة إلى جانب بعضها دون مراعاة الدقة التحليلية المفروضة. ثمّ قام بتكرار ادعاءه في تقدّم التجارب العرفانية الشرقية على التجارب العرفانية الوحدانية علواً، من دون تقديم أيّ دليل واضح. إضافة لذلك، يبدو أنّ الكاتب مزج بين العرفان الطبيعي والعرفان الوحداني بتحليل سطحي، وغضّ النظر تماماً عن العرفان الإلهي. وكان بإمكانه منع الاضطراب في التحليلات، لاسيما في الفصل الخامس من الكتاب، بالالتفات إلى هذا التفكيك الثلاثي الذي ذكره لأول مرة آر. زينر في كتاب ((العرفان: لاهوتي وناصوتي((.
5 ـ يبدو أنّ بيلينغتون سعى كثيراً للخروج بقاسم مشترك بين جميع أصناف العرفان، وطرحه كجوهر التجربة العرفانية. لكن افتراضات منحى كهذا تعاني من نفس المشاكل التي يعاني منها منحى ((الحكمة الخالدة(( والمنحى الكلاسيكي. المشاكل التي تشاهد في الاعتقاد الجازم بالأحدية12 قبل وأكثر من أيّ منحى آخر. طرح دبليو. تي. استيس هذا المنحى وناقشه في معرض كلامه عن العرفان والتجربة الدينية في كتابه التقليدي ((العرفان والفلسفة((، وكذلك الدوس هاكسلي في الحكمة المتعالية.
6 ـ من جملة المشاكل التي نشاهدها في الكتاب غفلة الكاتب عن الكتب التي قدّمت استدلالات فلسفية لصالح التجارب الدينية المؤمنة بالله، وذلك لتغاضيه عن العناصر الدينية والثقافية للتجارب الدينية. فعلى سبيل المثال، تجاوز الكاتب أفكار وليام السطون وكيت يندل دون إبداء أيّ اهتمام بها.
7 ـ كحكم ختامي على الكتاب بمجموعه، علينا القول بأنّ الكتاب ومن خلال مجموعة المقدمات التي ضمّها إلى بعضها، قلّما قدّم نقطة إبداعية. إضافة إلى أنّ بعض هذه المقدمات لا تتمتع بالانسجام مع بعضها. والأهم من هذه المقدمات، لا يبدو أن النتيجة النهائية (أي أنّ الدين خال من الرب والكتاب المقدس والأسوة والأخلاق وحتى هموم الصدق والحقيقة) ناتجة عن تلك المقدمات وتركيبتها الاستدلالية. كما لا يمكنه أن يتمتّع بقيمة معرفية أكثر من كتب كيوبيت وكرن ارمسترونغ التي أشرنا لها سالفاً. وعلى الرغم من ذلك، يمكن لهذا الكتاب أن يكون عنصراً مفيداً في أيّ مكتبة مختصّة في ما يتعلق بالدين والتجربة الدينية وفلسفة الدين. ويمثّل هذا الكتاب منحى مهتماً بالعرفان، لاسيما في التراث الشرقي دون الإيمان بالرب.
الهوامش
* هذا المقال مراجعة ونقد للكتاب التالي: Ray Billington, Religion Without God, Routledge, 2002.
1. Friedrich Wilhelm Nietzsche.
فردريك (فردريش) فلهلم نيتشه (1844ـ 1900)، فيلسوف ألماني.
2. Existentialism.
3. Soren Aabye Kier Kegaard.
سورين آبي كيير كغارد (1815ـ 1855)، فيلسوف دنماركي.
4. Martin Heidegger.
مارتن هايدغر (1889ـ 1976)، فيلسوف ألماني.
5. ? Sartre.
جان بول سارتر (1905ـ 1980)، فيلسوف وكاتب وناقد فرنسي.
6 . نشرت دار نشر مركز، ترجمة فارسية له تحت عنوان ((معرفة الله منذ إبراهيم إلى اليوم((.
7 . ترجمه للفارسية حسن كامشاد، ونشرته انتشارت طرح نو عام 1999.
8. Ludwig Wittgenstein.
لودفيغ فتغنشتين (1889ـ 1951)، فيلسوف ومنطقي نمساوي.
9. Post - Nihilism.
10. Mediation.
11.Natural Theology.
12. Monism.
حولية نصوص معاصرة، العدد السادس، ربيع 2006


تم المقال :محمد مهدي مجاهدي
ترجمة: مشتاق عبد مناف
لمذيد من الاطلاع (المعهد العراقى لحوار الاديان والثقافات)
http://iraqidialogue.org/node/63
10-25-2008, 10:28 AM
عرض جميع مشاركات هذا العضو إقتباس هذه الرسالة في الرد
{myadvertisements[zone_3]}


الانتقال السريع للمنتدى:


يتصفح هذا الموضوع من الأعضاء الان: بالاضافة الى ( 1 ) زائر
{myadvertisements[zone_2]}
إتصل بنا | نادي الفكر العربي | العودة للأعلى | | الوضع البسيط (الأرشيف) | خلاصات التغذية RSS