العماد مشيل عون.. ولبنان "المأزومة"
لم تكن الساحة اللبنانية " المأزومة" سياسياً، في حاجة إلى العماد مشيل عون، ليزيد الأزمة تعقيداً، فمنذ اغتيال رئيس الوزراء السابق رفيق الحريري، والأزمة تتصاعد يوماً بعد الأخر، أزمة في القصر الجمهوري، وأزمة في حكومة كرامي التي استقالت، وفشل " كرامي" في تشكيل ثانية، وامتدت الأزمة إلى حكومة ميقاتي، وأزمة في مجلس النواب، والانقسام الحاد بين المعارضة والحكومة.
فمسلسل الأزمات مستمر، والاحتقان في الشارع يزداد حدة، وتظاهرات كل يوم، ومن الواضح أن لبنان مقبل على مرحلة أشد صعوبة.
لقد كان مطلب المعارضة تطبيق اتفاق الطائف، وخروج الجيش السوري بجميع أجهزته وتشكيلاته من لبنان، وتطبيق قرار مجلس الأمن الدولي، والاستجابة لمطالب المعارضة، ولقد خرج السوريون من لبنان، ولكن بقي " الشبح " المخيف، الذي يلازم التيارات السياسية المتصارعة، واستقالت حكومة كرامي، ولكن استمرت الأزمة، ليجيء العماد مشيل عون ليزيدها تعقيداً..
البعض يرى ان شبح الحرب الأهلية صار وشيكا، والأخر يتحدث عن تدخلات دولية، وهناك من يقول بأن مخطط لتقسيم لبنان لن يتوقف عند خروج سويا منها أو نزع سلاح " حزب الله"، أو عقد صلح مع " إسرائيل" بل الأمر اكبر من ذلك بكثير..
وإذا كان عون النصراني المتطرف عاد بعد 15 عاماً من المنفى الإجباري في إحدى ضواحي باريس، فإنه عاد بخطاب سياسي طائفي أكثر تطرفا، فهو حاول ان ينسب خروج القوات السورية له ولموافقة ودوره، ولقد رد عليه الدرزي وليد جنبلاط بعنف، ويحاول أن يصفي حساباته مع الرئيس العماد أميل لحود، فعون لن ينسى يوما ان " لحود " هو الذي قاد الجيش اللبناني لحصار القصر الجمهوري الذي تحصن به " عون"، في وقت بدأت الطائرات السورية في الغارة على القصر، وأيضا لن ينسى " عون" دور البطريرك نصر الله صفير الذي عارضه علنا خلال ما يسمى بـ " حرب التحرير 1989-1990م"، وقال عون عندما سئل عن صفير " أنا مستعد أن ألقاه ولكن لن أزوره".
وهناك حديث متواتر بالإفراج عن غريم " عون" سمير جعجع المسجون حاليا وكان الاثنان قد خاضا حربا ضروس عرفت باسم " حرب الإلغاء" لعام 1988م.
وقطعا عوون لن يقبل بقوة " حزب الله" ولا المعطيات السياسية الجديدة على الأرض، ويحاول ان يتقمص دور الزعامة، وهي زعامة ورقية فقد سحب البساط من تحت أقدامه.
فعون عام 1990م غيره الآن في عام 2005م، والأمور تغيرت كثيرا حتى بعد خروج سوريا التي قصمت ظهره وأخرجت مهرولا من القصر الجمهوري ليجد ملاذا له في السفارة الفرنسية ببيروت ويظل حبيسا فيها عشرة أشهر كاملة، ويقبل النفي بشروط قاسية، بعد أن أصدر مجلس النواب اللبناني قراراً بنفيه خمس سنوات، لتستمر 15 عاما، وتصدر ضده أحكام، ويطارد قانونا، ويتهم بالخيانة العظمى بعد أن شارك في استصدار قانون " محاسبة سوريا وتحرير لبنان" من الكونغرس الأمريكي عام 2003م.
لقد كان عون قائدا للجيش عام 1988م عندما استحق موعد إجراء الانتخابات الرئاسية وكانت الأجواء السياسية في لبنان شديدة التلبد مع إخفاق واشنطن ودمشق على الاتفاق على اسم رئيس يخلف رئيس الجمهورية في تلك الفترة أمين الجميل، لكن الاتفاق الأمريكي السوري قبل يومين على انتهاء ولاية الجميل على النائب مخائيل الضاهر مرشحا للرئاسة الأولى، قوبل برفض مسيحي وبرفض عون الذي كان يطمح للرئاسة الأولى.
ودفعت الأمور إلى ربع الساعة الأخيرة بحيث وقع أمين الجميل مرسوم تكليف ميشال عون رئاسة حكومة انتقالية هدفها الإشراف على الانتخابات الرئاسية.
بعد هذا الإجراء القسم البلد بين حكومتين، حكومة شكلها الجميل قبل ربع ساعة من انتهاء ولايته، وحكومة كانت قائمة ورفضت الاستقالة برئاسة سليم الحص.
فكانت ان تحركت مبادرة عربية دعي في إطارها مجلس النواب اللبناني إلى مدينة الطائف السعودية حيث تم وضع الاتفاق الشهير الذي انهى الحرب الأهلية، فما كان من عون إلا أن رفضه وأكد إصراره على شرعية تكليفه، فبرز ما كان يعرف في تلك الفترة بحالة التمر المتجسدة بميشال عون الذي أعلن تحرير على سوريا.
جاء قرار العودة قبل انسحاب سوريا لكن تنفيذه تم بعد ذلك، فالأمور في لبنان وبعد التمديد لرئيس الجمهورية اميل لحود ثلاث سنوات إضافية كانت تتجه، وبضوء القرار (1559) الذي صدر بعد التمديد، إلى وجهة واحدة هي إنهاء النفوذ السوري في لبنان مع ما يعنيه ذلك من إقفال لكل الملفات التي كانت ترتبط بهذا الوجود ومنها قضية العماد عون.
وكان إقفال الملفات القضائية بحقه إيذانا ببدء صفحة جديدة في لبنان.
وابرز هذه الملفات اتهامه بالخيانة العظمى بعد شهادته في الكونغرس الأمريكي ضد سوريا خلال مناقشة الأخير قانون محاسبة سوريا واستعادة لبنان سيادته والذي على أساسه وقع الرئيس الأمريكي جورج بوش عقوبات على سوريا.
تعرض أنصار عنون في لبنان خلال السنوات الماضية لملاحقات ومضايقات وسجن ومحاكمة وكان هؤلاء ينظمون رغم ذلك تحركات في الشارع في بعض المناسبات ضد الوجود السوري.
وقد نقل العديد من أنصار عون ممن جرى توقيفهم في السنوات الماضية إلى السجون السورية بينما احتجز وحقق مع العشرات في مراكز المخابرات السورية في بيروت والبقاع.
وكان ابرز شعار رفعه هؤلاء منذ نفي عون هو "عون راجع"، وهو الشعار الذي رفع أيضا في بيروت والمناطق على يافطات إعلانية هذه المرة مع حملة مرئية احتفاء بالمناسبة تشير إلى شاب يقترب من الشعار المطلي على الجدران ليمحى " الألف من كلمة " راجع لتصبح" عون رجع".
هاجم العماد ميشال عون في كلمة ألقاها أمام الآلاف من مؤيديه في ميدان الشهداء ببيروت ما اسماه الطبقة السياسية الإقطاعية والمال السياسي في لبنان، ان عون انتهى سياسياً قبل 15 عاماً، ولن يكون إلا دور هامشي حتى في ظل لبنان المأزومة سياسياً
موقع الوفاق صوت العقل
http://www.alwifaq.net/news/index.php?Show...ow=News&id=6001