الكاتب: سامر عبد الحميد المصدر: الحوار المتمدن
على الرغم من طوفان المقالات التي تتحدث عن(الاصلاح)المأمول والمرتقب في سوريا،إلا أنني-ويشهد ربّي-عجزت عجزاً تاماً عن معرفة ماهية هذا الطلسم الجديد(الاصلاح)،وكيف يتواطأ الجميع على الحديث عنه بثقة تدل على اطلاعهم جميعاً عليه ومعرفتهم به،ماعدا العبد الفقير كاتب هذا المقال،الذي يحاول بين حين وآخر،استعمال ماتبقى من عقله الذي ضاع ربعه في النضال من أجل (الاشتراكية)،وربعه الثاني في سجون(الاشتراكية)،أما ثالث أرباعه فقد ضاع وهو يبحث عن عمل يقيه وعائلته غائلة الجوع،بعد أن خرج من سجون (الوحدة والحرية والاشتراكية)نصف مجنون رسمي،ومجرداً من كافة حقوقه المدنية والانسانية..
لذا فعذري بعدم التفريط بالربع الباقي بيّن..
ومع ذلك فسأحاول فيما يلي استخدام هذا(الربع)الثمين،لاكتشاف ماهية هذا الاصلاح.وهل هو نفسه الذي يتحدث عنه الجميع دون كلل أو ملل.
بديهي ان اصلاح الشيء يعني تقويم اعوجاجه.واعادته الى الوضع الطبيعي الذي كان عليه.أي اعادته سويا.
فما هو هذا الشيء المعوج الذي نتحدث عنه،ونطالب ونسعى لتقويمه.
المثقفون السوريون ودعاة المجتمع المدني يطالبون بالغاء الأحكام العرفية واطلاق سراح كافة المعتقلين السياسيين،واقرار قانون للتعددية الحزبية.ويطرح هؤلاء مطالبهم على أنها عودة للوضع(الطبيعي)،كما أنها مطالب عامة للشعب السوري بكافة أطيافه وألوانه.وبالتالي فان الاصلاح المطلوب من السلطة هو (اعطاء)الشعب حقوقه السياسية عبر تحقيق المطالب السابقة.
أنا هنا أتجرأ بالقول(ولاتنسوا بأني أكثر من نصف مجنون)بأن تسعة وتسعين فاصلة تسعة بالمائة(!)من جمهورنا السوري الحبيب لم يسمع بقوانين الطوارئ ولايعلم بأن الأحكام العرفية هي المطبقة في بلادنا منذ...منذ...لاأعرف والله منذ متى.
ومن لايصدقني فلينزل من فوره الى الشارع وليسأل...وياسيدي، ليسأل طلاب الجامعة إن أراد باعتبارهم،قال يعني،الأكثر ثقافة ووعيا واطلاعا..
وأكثر من ذلك ،فهؤلاء المتحدثين باسم الشعب ،ورغم أنهم أصبحوا هذه الأيام نجوماً وسوبر ستارز لكثرة ما أصبحنا نراهم في الفضائيات والصحف،أتحداهم أن يسألوا طلاب الجامعة وغيرهم إن كان هناك أكثر من مئة طالب على الأكثر قد سمع بأسماء مثل(حسن عبد العظيم أو ياسين الحاج صالح أو ميشيل كيلو أو...)..
ان صح ماأقول.فهذا يدل على أن الناس غير مهتمة لا بالديموقراطية ولا بالديموقراطيين..
بل والأنكى من هذا،فان مايغيظ هو معرفة أصغر زبّال أو (جارسون)بسعر صرف الدولار عند الدولة وبالسوق السوداء..
حاول مثلا أن تتحدث عن أسعار السيارات في أي مكان عام حتى تجد الحلقة حولك قد بدأت تكبر بسرعة ليساهم الجميع في النقاش حول هذا الموضوع الهام..
أو فلتتدث عن آخر شائعات الفنانين،وعن الموبايل أبو كاميرا،وعن البطيخ المبسمر لتجد حولك أعدادا لاتحصى من السّميعة والمشاركين والمصطهجين..
أما ديموقراطية وتعددية حزبية واصلاح سياسي والذي منه فما هو الا صرخة في واد.
فاذا كان الناس غير مهتمين بهذه الديموقراطية فهل ندحشها في أنوفهم.
فبأي آلاء ربك......أقصد عن أي اصلاح تتمنطقون؟!.
اذا هنا فهمنا نوع الاصلاح الذي يريده معارضو النظام في سوريا،ألا وهو الديموقراطية التي نرى بأن الشعب لايريدها ولا يستحقها أصلا بدليل أننا لانرى الشوارع تغص بالمظاهرات الشعبية المطالبة بالديموقراطية كما يحدث في الكثير من بلاد الله الواسعة.
وقد يقول قائل بأن الشعب لايعرف مصلحته بسبب كذا وكذا..فنقول ان منطق الوصاية هذا أقبح من منطق الادعاءالمذكور آنفا بتمثيل هذا الشعب ً.
وأكثر من ذلك لو قيض لهذا الشعب العظيم أن يدلي بصوته العظيم في انتخابات ديموقراطية عظيمة ما، فانه لن يتورع عن تسليم السلطة طوع الخاطر للأصوليين ودعاة قطع الرأس واليد والرجل من خلاف،ومن ثم يعود الى سباته بعد أن يغسل يديه من دم الديموقراطية والانتخابات.
السلطة من جهتها تتحدث عن الاصلاح ولكن بأسلوب (التطوير والتحديث).
بمعنى أن ماهو قائم ملئ بالانجازات والأمور عال العال،لكن ماينقصها هو بعض التحديث والتطوير..
نعلم جميعا بأن الوضع ليس عال العال..بل الوضع أسود من الكحل.فالفساد المستشري أكل الأخضر واليابس.وموارد البقرة الحلوب(القطاع العام)تكاد تنضب. وقنبلة البطالة ذات الدمار الشامل قد تنفجر في أية لحظة مدمرة كل شيء.والعمال والموظفون الذين قد يصبروا شهورا على استلام رواتبهم لايسعهم مع الغلاء الفاحش أن يستغنوا عن هذه الرواتب بشكل كامل حين تعجز الدولة عن دفعها وهذا قد لايطول.خصوصا مع سرعة نضوب النفط .
فعن أي تطوير تتحدث السلطة.
ومع ذلك يخطئ من يعتقد بأن النظام السوري لايريد الاصلاح.بل أعتقد بأنه معني أكثر من غيره بمسألة الاصلاح.وذلك لسبب وجيه هو اعادة الشباب له من خلال ادخال بعض مواد التجميل التي تساعد على احكام هيمنته،واعادة انتاج آليات القمع بما يتناسب مع العصر ومع الضغوط الخارجية.ومحاولة القطع على أية احتمالات لانتفاضة شعبية أكيدة في حال استمراره بنفس آليات التحكم القديمة..
أما الخلاف بين النظام وأمريكا فهو خلاف على (أسلوب )القطع على هذا الشعب المسكين.واستباق أية انتفاضة مستقبلية محتملة.خصوصاً لأن سورية تقع على الحدود مع اسرائيل،وبالتالي فليس لمصلحة أحد انتشار الفوضى وانفلات الأمن فيها.بحيث قد ينتج عن ذلك كله مالايحمد عقباه.
وبالتالي فان(الاصلاح)كما تراه أمريكا واسرائيل هو التعجيل باعادة انتاج هذا النظام ،بشكل جديد مع توسيع بعض الحريات الجزئية،ومع استمرار قدرته على التحكم في الساحة السورية.ثم التهيئة لدخول التسوية المقبلة بما يتوافق مع الرؤية الأمريكية.
ومن هنا،فان حساب بيدر أمريكا يتعارض من هذه الزاوية مع حساب حقل النظام السوري.الذي ينظر بعدم الاطمئنان للاقتراحات الأمريكية بشأن الاصلاحات،ويرى في سرعة تطبيقها خطراً على وجوده.
اذا فان الضغوط الأمريكية الواضحة على النظام السوري هي بالضبط من أجل ليّ ذراع هذا النظام وبالتالي الرضوخ للتصور الأمريكي للاصلاح العتيد.
فأي شكل من أشكال الاصلاح سنرى في الفترة القادمة؟
http://www.syriamirror.net/modules/news/ar...hp?storyid=6254