الدكتور غالب الفريجات

النظام العربي الرسمي في مجمله قد انتهى دوره ، لانه عجز عن حماية الامن القومي العربي ، وعن أداء دوره في مواجهة الكيان الصهيوني ، وفشله في تحقيق التنمية المادية والبشرية ، وهناك بعضا من اطراف هذا النظام قد تمردت على الامن القومي ، عندما لم تكتف بالارتماء في الاحضان الامريكية والصهيونية ، بل اخذت تعمل على تسهيل تحقيق الاهداف الامبريالية الامريكية والصهيونية ضد الوطن العربي والارض العربية والثروة العربية .

ان هذه الكيانات العربية الهزيلة كمخلب قط يستخدم لضرب الامن القومي العربي وقد فقدت الحس القومي وحتى الديني والوطني ، وهي انظمة حكم العائلة في الاغلب ، لان هذه العائلات لا تحكم بتفويض شعبي ولا تستطيع الاستمرار في الحكم الا بالدعم الاجنبي ضد ابناء الوطن والامة ، ولانها عاجزة عن توفير الامن والحماية لنظامها السياسي ، فهي تلجأ لشتى الوسائل والاساليب لحماية حكم العائلة واستمراريته ، وهي كيانات صغيرة انشأها الاستعمار لخدمة مصالحه ، ولا تؤمن بحق الشعوب في التنمية والسياسة ، لان الثروة ملك العائلة الحاكمة كما هي السلطة من حق هذه العائلة وافرادها .

لم تخجل هذه الكيانات الهزيلة من الارتباط الحميم بالقوى الخارجية وفي كثير من الاحيان تتنافخ بالتنكمية والديمقراطية دون اعتبار ان الكرامة الوطني فوق اي اعتبار ، فمن يضع نفسه وارض الوطن لخدمة العدو في ضرب المصالح القومية لا يملك حق الادعاء بالديمقراطية وهو فاقد للشرعية لانه اقدم على ارتهان الوطن وابناءه للارادة الاجنبية ، وكل الحديث عن التنمية والسياسة التي يدعيها هي اسطوانة مشروخة من الزيف والادعاء الذي لا ينطلي على تلاميذ المرحلة الابتدائية ، لان كرامة الشعوب من كرامة الاوطان .

ان سياسة التجزأة والتفتيت التي جاءت في اعقاب سايكس بيكو قد اثمرت اكلها ، لانها هدفت لمنع قيام كيان عربي قومي على امتداد الساحة العربية من جهة ، ولانها وفرت على الدوائر الغربية والصهيونية سهولة الهيمنة والسيطرة على الوطن العربي من جهة اخرى ، وقد عمقت هذه السياسة الثقافة القطرية والتنافخ الوطني لدى هذه الكيانات الهزيلة ، واصبح كل كيان لا يخجل من الادعاء باستقلاليته التامة عن بقية اجزاء الوطن العربي ، وفي اعلامه تشم رائحة الادعاء بان هذا الكيان هو امة في حد ذاته ، فاصبح لدينا امما عربية بمقدار الانظمة العربية ،وتحول الولاء من قومي الى قطري ثم ان هذا الولاء اصبح مرتبطا بالنظام السياسي القائم على الرغم من عدم شرعيته لا دينيا ولا وطنيا ،ولم يعد للامة وتراثها وقيمها اية قيمة ، بل اصبح الانتماء القومي والديني تهمة يعاقب عليها قانون هذه القطريات الهزيلة بدلا من ان يكون هذا الانتماء سندا للقطر في حالة تكامله مع غيره من الاقطار الاخرى من جهة ، وفي حالة تعرضه لاي عدوان اجنبي من جهة اخرى .

ان الوطن العربي قد ابتلي بالكيانات العربية الهزيلة سياسيا ومن ناحية الحجم السكاني على وجه التحديد ، حيث الامر بسكان دويلة صغيرة من هذه الكيانات ان تطاولت على اكبر كيان عربي ، وبكيان سياسي تافه ان وضع ارض هذا الكيان الهزيل تحت تصرف العدوان الاجنبي ضد جاره العربي في الوقت الذي يتنافخ فيه هذا الكيان الهزيل بالديمقراطية والحرية وهو الذي لا يعترف بحقوق الالاف من ابناء الوطن ولا يقر لهم بالمواطنة ، في نفس الوقت يعمل على تبديد الثروة لافراد العائلة الحاكمة وكلفة القوات الاجنبية .

ومع قصة كيان طائفي من هذه الكيانات ، وعلى ما يبدو ان ادعياء المعارضة فيه يريدون ان يمارسوا نفس الدور الذي مارسته بعض هذه الكيانات الهزيلة في عملية التآمر والغزو ضد الارض العربية ، تحت مسميات وبراقع ملونة ، وتشهد ساحة هذا الكيان بكاء وعويلا على الديمقراطية المهدورة ، لتبرير استبدال الاخ والشقيق بالمارينز الامريكي والصهيوني على مذبح الحرية والديمقراطية ، التي ينادي بها كهنوت البيت الابيض .

لن نبرأ الكيانات العربية الكبيرة الحجم وذلك بسبب ارتباط نظامها السياسي بعجلة الامبريالية الامريكية ، ولكن فيما يبدو ان هاجس السلطة لدى العائلات الحاكمة اكبر بكثير مما هو لدى الاخرين في نادي النظام العربي الرسمي ،الذي قد يقول البعض انه قد تحول في مجمله الى عائلات حاكمة ، واصبحت بعض الانظمة لا تغادر كرسي الحكم الا الى القبر .

ان الوطن العربي الذي تحول الى عشرين دولة في كل منها امة قطرية ، وفي كل قطر نظام حكم يأتي على الاخضر واليابس ، وكل نظام يتآمر على الاخر ، وكل واحد لا يملك القدرة على الدفاع عن نفسه وحماية مواطنيه ،وكل منها يمتاز بتبديد الثروة والتضييق على الناس سياسيا واقتصاديا ، ومع ذلك تلجأ بعض اطراف هذا النظام الى وضع تراب الوطن ومقدراته تحت تصرف اعداء الامة ونهب خيراتها ،وكأن وظيفة هذه الكيانات ومبرر وجودها هو الخيانة والتآمر ، والا فانها فقدت شرعية الوجود لدى اسيادها من امبرياليين وصهاينة ، وهي تؤدي هذا الدور الخياني باخلاص لا مثيل له ، فهل تقبل الشرعية الوطنية او القومية او الدينية مثل هذه الممارسات اللااخلاقية والخيانية ؟ ، واذا كانت هذه الممارسات وبشكل مؤكد تتناقض مع المعايير الوطنية والقومية والدينية ، فلماذا نحن كثيرا ما نتباكى على محاولة ازالة هذه الكيانات الهزيلة ولو بالقوة وفرض الوحدة الشرعية عليها ؟ ، لان ذلك لا يعد انتقاصا لا للشرعية السياسية للمواطنين ولا اعتداء على الجغرافيا الوطنية التي هي جزء من الجغرافيا القومية .

ان العلاج بالكي احيانا هو العلاج الشافي ، وحتى تتخلص الامة من ازمة الكيانات الهشة التي وظفت للتآمر على الامة لا بد وان يكون بانهاء هذه الكيانات كوحدات سياسية مستقلة ، والحاقها بالكيانات السياسية الاكبر ، فالجغرافيا السياسية والبشرية يتعزز فيها دور الانسان وقيمته وامنه ومشاركته في التنكمية والاستفادة منها ،ومن هنا لا بد من تعزيز الفكر القومي الوحدوي في صفوف ابناء الامة ، ولان الواقع القطري، واقع التجزأةقد فرض على الامة قسرا فان ازالته لا بد وان يكون واحدا من سبلها وطرقها هو استخدام الاسلوب القسري في اعادة الفرع الى الاصل او سياسة الضم مع التأكيد على الممارسة الديمقراطية الداعمة للعمل الوحدوي .

ان الكيانات العربية المتأمرة ( القطرية ) ، هي الخطر الحقيقي على الامة ووجودها ، لانها تعيش الهاجس الامني الذي يدفع بها للارتماء بالاحضان الامبريالية ، لهذا فان الشرعية السياسية لا بد وان تكون شرعية الامة وليست شرعية الكيان القطري ، لان هذا الكيان في معزل عن الامة هو كيان هزيل قابل للانكسار وسلوك الممارسات السياسية المعادية في حق الامة ، لذا وجب محاربة اي كيان عربي يمارس قطريته على حساب الامة وفي نفس الوقت تحريم الممارسة السياسية لاي كيان يشارك في التآمر على اي جزء من اجزاء الوطن العربي ، مع التركيز على تشجيع التوحيد الطوعي ولا مانع من ممارسة التوحيد القسري ان توفرت ظروفه ، ولم نسمع عن اي دولة لا في اوروبا ولا في الولايات المتحدة ان قامت وحدة قومية على اسس خارج نطاق استخدام القوة ، فلماذا لا يجوز استخدام القوة في ممارسة الوحدة العربية ؟ ، هل لان ذلك خارج عن نطاق المألوف في الوحدات القومية ؟ ، ام لان النتائج المترتبة عن قيام دولة قومية عربية هو تهديد للمصالح الامبريالية والصهيونية ، ولهذا علينا ان لا نخرج عن الطوق الذي وضعه اعداؤنا حول اعناقنا .

ان الكيانات العربية الهزيلة اصبحت لا تملك الا وظيفة التآمر على الامة ، واذا كان النظام العربي الرسمي قد فقد مبرر وجوده ، فان السبب الرئيسي وراء ذلك هو القطرية التي تجاوزت في مشروعية وجودها على مشروعية وجود الامة ، والحل الذي لا بد وان يسير عليه العرب في حركاتهم الجماهيرية من احزاب ونقابات ومؤسسات مجتمع مدني هو النهوض بالمشروع القومي العربي القائم على بناء الدولة العربية الواحدة باقاليمها وولاياتها تدمج في بنيانها السياسي ما بين المركزية واللامركزية .

شبكة البصرة

الجمعة 13 ربيع الاول 1426 / 22 نيسان 2005