{myadvertisements[zone_1]}
الرسول صلى الله عليه وسلم معلماً
بسام الخوري غير متصل
Super Moderator
******

المشاركات: 22,090
الانضمام: Feb 2004
مشاركة: #1
الرسول صلى الله عليه وسلم معلماً
الرسول صلى الله عليه وسلم معلماً

د. عائض القرني



«وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللّهِ عَلَيْكَ عَظِيماً».
«من سلك طريقاً يلتمس فيه علماً سهّل الله له به طريقاً إلى الجنة».

* كفاك بالعلم في الأمي معجزة ـ عند البريّة والتأديب في اليتم

* فهو الذي تم في فضل وفي كرم ـ ثم اصطفاه رسولاً بارئ النسم.

بُعث صلى الله عليه وسلم معلماً للناس يعلّمهم مكارم الأخلاق ومعالي الأمور وأشرف الخصال وأنبل السجايا.

فعلّم صلى الله عليه وسلم بوعظه الذي كان يهز به القلوب فكأنه منذر جيش يقول صبّحكم ومساكم، وكان إذا وعظ علا صوته واشتدّ غضبه واحمرّت عيناه، فلا تسمع إلا بكاء ونحيباً وحنيناً وأنيناً وتفجّعاً وتوجعّاً وندماً وحسرةً وتوبةً ورجوعاً وإنابةً.

وعلّم صلى الله عليه وسلم بخطبه القيمة الناجعة في مناسبات العبادات، فكانت فيضاً من الهدى ونهراً من النور، تزيد الإيمان وترفع اليقين.

وعلّم صلى الله عليه وسلم بفتواه من سأله، فكان أفقه الناس وأعظمهم إجابة وأكثرهم إصابة، وأعرفهم بما يصلح للسائل.

وعلّم صلى الله عليه وسلم بوصاياه ونصائحه التي تصل إلى القلوب وتملأ النفوس تقوىً وصلاحاً.

وعلّم بضرب الأمثال التي يعرفها الناس، وتوضيح المعاني بأمور محسوسة تقرب المعنى وتزيل الإشكال وترفع الوهم.

وعلّم صلى الله عليه وسلم بالقصص الجذاب الخلاب الذي يثير في النفوس الإعجاب والإنصات والاستجابة.

وعلّم صلى الله عليه وسلم بالقدوة الحية المتمثلة في سيرته العطرة وأخلاقه السامية وخصاله الجليلة التي أجمع على حسنها العقلاء وأحبها الأتقياء واقتدى بها الأولياء.

وأول كلمة نزلت عليه صلى الله عليه وسلم كلمة «اقرأ»، وهي من أعظم أدلة فضل العلم وقيمة المعرفة، وأمره الله أن يقول: رب زدني علماً، ولم يأمره بطلب زيادة إلا من العلم لأنه طريق الرضوان وباب التوفيق وسبيل الفلاح، وامتنّ عليه ربّه بأن علّمه ما لم يكن يعلم من المعارف الإيمانية والفتوحات الربانية والمواهب الإلهية، وقال له ربه: «فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إلا اللَّهُ(. فبدأ بالعلم قبل القول والعمل، فكان صلى الله عليه وسلم أسوة العلماء وقدوة طلبة العلم في الاستزادة من العلم النافع والعمل الصالح، وقال: «مثل ما بعثني الله به من الهدى والعلم كمثل الغيث»، فكانت مهمته الكبرى تعليم الكتاب والحكمة: «وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ». حتى نبغ من أصحابه صلى الله عليه وسلم علماء وفقهاء وحكماء ومفسرون ومحدّثون ومفتون وخطباء ومربّون ملؤوا الدنيا علماً وحكماً ورشداً واستفاقةً:

* فكلهم من رسول الله ملتمس ـ غَرفاً من البحر أو رشفاً من الديم.

وقد حثّ عليه الصلاة والسلام على العلم ونشره وتعليمه فقال كما في حجة الوداع: «فليبلغ الشاهد الغائب، فرب مبلغ أوعى من سامع» وقال: «نضر الله امرأ سمع مقالتي فبلغها، فربّ حامل فقه غير فقيه، وربّ حامل فقه إلى من هو أفقه منه»، وكانت حياته صلى الله عليه وسلم كلها تعليماً لأمته، فصلاته وصيامه وصدقته وحجه وذكره لربه وكلامه وقيامه وقعوده وأكله وشربه، كل هذا تعليم وأسوة لمن آمن به واتبعه، وكان صلى الله عليه وسلم يتدرّج في التعليم؛ فما كان يلقي العلم على أصحابه جملة واحدة بل شيئاً فشيئاً «فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ»، (لَوْلا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلاً». فكان يمتثل هذا في تدريسه لأصحابه، وكان يبدأ صلى الله عليه وسلم بكبار المسائل والأهم فالمهم، ويكرر المسألة حتى تفهم عنه، ويعلّم تعليماً علمياً بالقدوة، كالوضوء أمام الناس ليأخذوا عنه، وصلاته لهم ليصلوا كصلاته، وقوله: «صلوا كما رأيتموني أصلي» وقوله: «لتأخذوا عني مناسككم».

09-08-2008, 01:53 PM
زيارة موقع العضو عرض جميع مشاركات هذا العضو إقتباس هذه الرسالة في الرد
{myadvertisements[zone_3]}
بسام الخوري غير متصل
Super Moderator
******

المشاركات: 22,090
الانضمام: Feb 2004
مشاركة: #2
الرسول صلى الله عليه وسلم معلماً
محمد صلى الله عليه وسلم صادقاً

د. عائض القرني



هو أصدق من تكلم، كلامه حق وصدق وعدل، لم يعرف الكذب في حياته جادّاً أو مازحاً، بل حرّم الكذب وذمّ أهله ونهى عنه، وقال: «عليكم بالصدق؛ فإن الصدق يهدي إلى البر، وإن البرّ يهدي إلى الجنة، وما يزال الرجل يصدق ويتحرى الصدق حتى يكتب عند الله صدّيقاً وإياكم والكذب، فإن الكذب يهدي إلى الفجور، وإن الفجور يهدي إلى النار، وما يزال الرجل يكذب ويتحرى الكذب حتى يكتب عند الله كذاباً». وأخبر أن المؤمن قد يبخل وقد يجبن، لكنه لا يكذب أبداً، وحذر من الكذب في المزاح لإضحاك القوم، فعاش عليه الصلاة والسلام والصدق حبيبه وصاحبه، ويكفيه صدقاً صلى الله عليه وسلم أنه أخبر عن الله بعلم الغيب، وائتمنه الله على الرسالة، فأداها للأمة كاملة تامة، لم ينقص حرفاً ولم يزد حرفاً، وبلّغ الأمانة عن ربه بأتمّ البلاغ، فكل قوله وعمله وحاله مبني على الصدق، فهو صادق في سِلْمه وحربه، ورضاه وغضبه، وجدّه وهزله، وبيانه وحكمه، صادق مع القريب والبعيد، والصديق والعدو، والرجل والمرأة، صادق في نفسه ومع الناس، في حضره وسفره، وحلّه وإقامته، ومحاربته ومصالحته، وبيعه وشرائه، وعقوده وعهوده ومواثيقه، وخطبه ورسائله، وفتاواه وقصصه، وقوله ونقله، وروايته ودرايته، بل معصوم من أن يكذب، فالله مانعه وحاميه من هذا الخلق المشين.
أقام لسانه وسدّد لفظه، وأصلح نطقه وقوّم حديثه، فهو الصادق المصدوق، الذي لم يحفظ له حرف واحد غير صادق فيه، ولا كلمة واحدة خلاف الحق، لم يخالف ظاهره باطنه، بل كان صادقا حتى في لحظاته ولفظاته وإشارات عينيه، وهو الذي يقول: «ما كان لنبي أن تكون له خائنة أعين»، وذلك لما قال له أصحابه: ألا أشرت لنا بعينك في قتل الأسير؟! بل هو الذي جاء بالصدق من عند ربه، فكلامه صدق وسنّته صدق، ورضاه صدق وغضبه صدق، ومدخله صدق ومخرجه صدق، وضحكه صدق، وبكاؤه صدق، ويقظته صدق، ومنامه صدق «ليَسْأَلَ الصَّادِقِينَ عَن صِدْقِهِمْ »، «يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ وَكُونُواْ مَعَ الصَّادِقِين»، «فَلَوْ صَدَقُوا اللَّهَ لَكَانَ خَيْراً لَّهُمْ».

فهو صلى الله عليه وسلم صادق مع ربه، صادق مع نفسه، صادق مع الناس، صادق مع أهله، صادق مع أعدائه، فلو كان الصدق رجلاً لكان محمداً صلى الله عليه وسلم، وهل يُتعلم الصدق إلا منه بأبي هو وأمي؟ وهل ينقل الصدق إلا عنه بنفسي هو؟ فهو الصادق الأمين في الجاهلية قبل الإسلام والرسالة، فكيف حاله بعد الوحي والهداية ونزول جبريل عليه ونبوّته وإكرام الله له بالاصطفاء والاجتباء والاختيار؟!
09-08-2008, 01:55 PM
زيارة موقع العضو عرض جميع مشاركات هذا العضو إقتباس هذه الرسالة في الرد
{myadvertisements[zone_3]}
بسام الخوري غير متصل
Super Moderator
******

المشاركات: 22,090
الانضمام: Feb 2004
مشاركة: #3
الرسول صلى الله عليه وسلم معلماً
محمد صلى الله عليه وسلم صابرا

د. عائض القرني



لا يُعلم أحد مرّ به من المصائب والمصاعب والمشاق والأزمات كما مرّ به صلى الله عليه وسلم، وهو صابر محتسب (وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلاَّ بِاللّهِ)، صبر على اليتم والفقر والعوز والجوع والحاجة والتعب والحسد والشماتة وغلبة العدو أحياناً، وصبر على الطرد من الوطن والإخراج من الدار والإبعاد عن الأهل، وصبر على قتل القرابة والفتك بالأصحاب وتشريد الأتباع وتكالب الأعداء وتحزّب الخصوم واجتماع المحاربين وصلف المغرضين وكبر الجبارين وجهل الأعراب وجفاء البادية ومكر اليهود وعتوّ النصارى وخبث المنافقين وضراوة المحاربين، وصبر على تجهّم القريب وتكالب البعيد، وصولة الباطل وطغيان المكذبين. صبر على الدنيا بزينتها وزخرفها وذهبها وفضتها، فلم يتعلق منها بشيء، وصبر على إغراء الولاية وبريق المنصب وشهوة الرئاسة، فصدف عن ذلك كله طلباً لمرضاة ربه، فهو صلى الله عليه وسلم الصابر المحتسب في كل شأن من شؤون حياته، فالصبر درعه وترسه وصاحبه وحليفه، كلما أزعجه كلام أعدائه تذكّر (فَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ) ، وكلما بلغ به الحال أشدّه والأمر أضيقه تذكّر (فَصَبْرٌ جَمِيلٌ)، وكلما راعه هول العدو وأقضّ مضجعه تخطيط الكفار تذكّر (فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُوْلُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ).
صبره صلى الله عليه وسلم صبر الواثق بنصر الله، المطمئن إلى وعد الله، الراكن إلى مولاه، المحتسب الثواب من ربّه جلّ في علاه، وصبره صبر من علم أن الله سوف ينصره لا محالة، وأن العاقبة له، وأن الله معه، وأن الله حسبه وكافيه، يصبر صلى الله عليه وسلم على الكلمة النابية فلا تهزه، وعلى اللفظة الجارحة فلا تزعجه، وعلى الإيذاء المتعمّد فلا ينال منه.

مات عمه فصبر، وماتت زوجته فصبر، وقتل حمزة فصبر، وأبعد من مكة فصبر، وتوفي ابنه فصبر، ورميت زوجته الطاهرة فصبر، وكُذّب فصبر. قالوا له: شاعر كاهن ساحر مجنون كاذب مفترٍ فصبر، أخرجوه، آذوه، شتموه، سبّوه، حاربوه، سجنوه فصبر، وهل يُتعلّم الصبر إلا منه؟ وهل يُقتدى بأحد في الصبر إلا به؟ فهو مضرب المثل في سعة الصدر وجليل الصبر وعظيم التجمّل وثبات القلب، وهو إمام الصابرين وقدوة الشاكرين صلى الله عليه وسلم.

09-08-2008, 01:56 PM
زيارة موقع العضو عرض جميع مشاركات هذا العضو إقتباس هذه الرسالة في الرد
{myadvertisements[zone_3]}
بسام الخوري غير متصل
Super Moderator
******

المشاركات: 22,090
الانضمام: Feb 2004
مشاركة: #4
الرسول صلى الله عليه وسلم معلماً
أحسن أسم وأعظم مسمّى

د. عائض القرني



محمد صلى الله عليه وسلم اسم على مسمّى، علم على رمز، ووصف على إمام، جمع المحامد، وحاز المكارم، واستولى على القيم، وتفرّد بالمثل، وتميّز بالريادة، محمود عند الله لأنه رسوله المعصوم، ونبيّه الخاتم، وعبده الصالح، وصفوته من خلقه، وخليله من أهل الأرض، ومحمود عند الناس لأنه قريب من القلوب، حبيب إلى النفوس، رحمة مهداة، ونعمة مسداة، مبارك أينما كان، محفوف بالعناية أينما وجد، محاط بالتقدير أينما حلّ وارتحل، حُمدت طبائعه لأنها هُذّبت بالوحي، وشرفت طباعه لأنها صقلت بالنبوة، فالله محمود ورسوله محمد:
* وشقّ له من اسمه ليجلّه ـ فذو العرش محمود وهذا محمّد. واسمه أحمد، بشّر بذلك عيسى قومه، واسمه العاقب والحاشر والماحي، وهو خاتم الرسل وخيرة الأنبياء، وخطيبهم إذا وفدوا، وإمامهم إذا وردوا.

صاحب الحوض المورود، واللواء المعقود، والمقام المحمود، صاحب الغرّة والتحجيل، المذكور في التوراة والإنجيل، المؤيّد بجبريل، حامل لواء العزّ في بني لؤي، وصاحب الطود المنيف في بني عبد مناف بن قصي، أشرف من ذُكر في الفؤادِ، وصفوة الحواضر والبوادي، وأجلّ مصلح وهادِ، جليل القدر، مشروح الصدر، مرفوع الذكر، رشيد الأمر، القائم بالشكر، المحفوظ بالنصر، البريء من الوزر، المبارك في كل عصر، المعروف في كل مصر، في همة الدهر، وَجود البحر، وسخاء القطر، صلوات الله وسلامه عليه وآله وصحبه، ما نجمٌ بدا، وطائر شدا، ونسيم غدا، ومسافر حدا.

واختار الله له من بقاع العالم ومن بين أصقاعها أحبّ البلاد إليه سبحانه، البلد الحرام، والتربة الطاهرة، والأرض المقدسة، والوطن المحاط بالعناية المحروس بالرعاية، فولد صلى الله عليه وسلم في مكة حيث صلى الأنبياء، وتهجّد المرسلون، وهبط الوحي، وطلع النور، وأشرقت الرسالة، وسطعت النبوة، وانبلج فجر البعثة، حيث البيت العتيق، والعهد الوثيق، والحب العميق، فمكة مسقط رأس المعصوم، وفيها مهد طفولته، وملاعب صباه، ومعاهد شبابه، ومراتع فتوّته، ورياض أنسه.

بلادي إذ نيطت عليّ تمائمي وأوّل أرض مسّ جلدي ترابها ففيها رضع لبن الطهر، ورشف ماء النبل، وحسا ينبوع الفضيلة، وفيها درج، ودخل وخرج، وطلع وولج، فهي وطنه الأول، بأبي هو وأمي، وهي بلدته العزيزة إلى فؤاده، الحبيبة إلى قلبه، الأثيرة إلى روحه، بنفسي هو.

* وحبّب أوطان الرجال إليهم ـ معاهد قضاها الشباب هنالكا

* إذا ذكروا أوطانهم ذكرتهم ـ عهود الصبا منها فحنّوا لذلكا
09-08-2008, 01:57 PM
زيارة موقع العضو عرض جميع مشاركات هذا العضو إقتباس هذه الرسالة في الرد
{myadvertisements[zone_3]}
Tenderness غير متصل
عضو فعّال
***

المشاركات: 90
الانضمام: Jun 2008
مشاركة: #5
الرسول صلى الله عليه وسلم معلماً
يا حبيبي يا محمد ..

ليت في العالمين من هو مثلك ..

لو تعلم كم أظملت حياتنا من بعدك ..

صلى الله وملائكته عليك ..
09-08-2008, 01:59 PM
زيارة موقع العضو عرض جميع مشاركات هذا العضو إقتباس هذه الرسالة في الرد
{myadvertisements[zone_3]}
بسام الخوري غير متصل
Super Moderator
******

المشاركات: 22,090
الانضمام: Feb 2004
مشاركة: #6
الرسول صلى الله عليه وسلم معلماً
إياك والحسد
د. عائض القرني



كل المصائب يؤجر عليها الإنسان إلا مصيبة الحسد، فصاحبها في عذاب دائم وفي ألم مستمر وفي حزن متواصل بلا أجر ولا مثوبة، الحاسد ظالم في ثوب مظلوم؛ ينتقم من نفسه بنفسه ويقتص لأعدائه من لحمه ودمه، يضيق ذرعاً بالناجحين، ويتبرم باللامعين، لا يريد أن يُمدح أحد، ولا أن يفوز أحد، ولا أن يبرز أحد، يريد أن ينجح هو وحده، راحته أن يخفق الناس، وأن يخسروا، وأن يمرضوا وأن يتألموا، إذا أخبرته بالإنجازات والتفوق غضب منك وكذّب الخبر، وإذا بشرته بالمصائب والأحزان قال لسان حاله: بشرك الله بالخير. الحاسد مخاصم لله معترض على القضاء، محارب للمؤمنين، عدو للنعمة. الحاسد مريض لكن لا يُعاد من مرضه، ومصاب لكن لا يُدْعى له، أعوذ بالله ممن لا يريد الخير للناس ولا يحب الفضل للعباد. لو كان بيده الخير لحبسه، ولو كان في تصرفه الرياح لمنع هبوبها، فنعوذ بالله من شر حاسد إذا حسد. واعلم أن صغار النفوس هم الحساد؛ لأَنهم يحسدون على كل شيءٍ عظم عندهم، وإِن كان في نفسه صغيرا؛ ألا تراهم يحسدن أصحاب البيوت الصغيرة وربما يمتلكون الفلل؟ ويحسدون أصحاب السيارات المتواضعة وربما ملكوا ما هو أعظم منها؟ ولكنه صغر النفس وانحطاطها، ونظرها للأسفل الدنيء دوماً.
وذلك بعكس عظماء النفوس فإنهم لا يهتمون لهذه الأمور التافهة من أمور الدنيا، ولا يأبهون بها؛ ألا تراهم يبيتون على الحصير خاوي البطون ولا يسألون الناس إلحافاً، وتحسبهم أغنياء من التعفف؟
فترى سخاء النفس ماثلا عندهم بترفُّعهم عن الحسد، وحبِّ الاستئثار بخصال الحمد، وذلك بأن يحب المرء لإخوانه ما يحب لنفسه، ويكره لهم ما يكره لنفسه، فيفتح لهم المجالات، ويعطيهم فرصة للإبداع، والحديث، والمشاركة، ونحو ذلك؛ فيفرح لنجاحهم، ويحزن لإخفاقهم؛ فهذه من الصور الخفية لسخاء النفس وعلو الهمة، وقلَّ من يتفطَّن لها، ويأخذ نفسه بها. وتجد عنده من جميل السخاءِ سخاءه المرء عما في أيدي الناس، فلا يلتفت إليه، ولا يستشرف له بقلبه، ولا يتعرَّض له بحاله ولسانه.
ومن ترك الحسدَ سلم من أضراره المتنوعة؛ فالحسد داء عضال، وسمٌّ قتَّال، ومسلكٌ شائنٌ، وخلقٌ لئيم، ومن لؤم الحسد أنه موكل بالأدنى فالأدنى من الأقارب، والأكفاء، والخلطاء، والمعارف، والإخوان.
قال بعض الحكماء: ما رأيت ظالما أشبه بمظلوم من الحسود، نَفسٌ دائمٌ، وهمٌّ لازمٌ، وقلبٌ هائمٌ.
كما أن الحسد يأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب؛ لأن الغالب أن الحاسد يعتدي على المحسود بذكر ما يكره وتنفير الناس عنه، والحطّ من قدره وما أشبه ذلك، وهذا من كبائر الذنوب التي قد تطيح بالحسنات. والأنكى من ذلك ما يقع في قلب الحاسد من الحسرة والجحيم والنار التي تأكله أكلا، فكلما رأى نعمة من الله على هذا المحسود اغتم وضاق صدره؛ وصار يراقب هذا الشخص كلما أنعم الله عليه بنعمة حزن واغتم وضاقت به الدنيا بما رحبت فكأنما يصّعّد في السماء.
أعيذك بالله ـ أخي المسلم ـ من الحسد؛ لأن الحاسد لا تعلو به رتبة، ولا يهدأ له بال؛ فهو دنيء مهين النفس، ولأنه بحسده اشتغل بما لا يعنيه، فأضاع ما يعنيه، وما يعود عليه بالخير والنفع، فتراه يزري بفلان، وينتقص فلانا؛ محاولا بذلك تهديم أقدارهم، والنهوض على أكتافهم، وغاب عنه أن الرافع الخافض هو الله ـ عز وجل ـ.
09-17-2008, 09:48 AM
زيارة موقع العضو عرض جميع مشاركات هذا العضو إقتباس هذه الرسالة في الرد
{myadvertisements[zone_3]}
بسام الخوري غير متصل
Super Moderator
******

المشاركات: 22,090
الانضمام: Feb 2004
مشاركة: #7
الرسول صلى الله عليه وسلم معلماً
رِفْقُ النَّبِيِّ بأمَّتِه صلى الله عليه وسلم (2)
د. عادل بن علي الشدي



ومِنْ صُوَرِ ذَلِكَ الرفقِ العظيم لنبيّ الرحمة صلى الله عليه وسلم ما ذكره مُعاوِيةُ بْنُ الحَكَمِ السُّلَمِيُّ رضي الله عنه حيث قال: بَينما أَنَا أُصَلِّي مَع رسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، إِذْ عَطسَ رَجلٌ مِنَ القوْمِ، فَقلْتُ: يرْحَمُكَ اللهُ. فَرَماني القوْمُ بأبْصارِهِمْ، فقلْتُ: واثُكْلَ أُمِّياه! مَا شأْنُكم تَنظُرُونَ إليَّ؟ فجَعلُوا يضْرِبُون بأيدِيهمْ عَلَى أفْخاذِهِمْ، فَلَمَّا رأيتُهم يُصَمِّتونَني، لَكِنِّي سَكتُّ، فَلَمَّا صَلى النبيُّ صلى الله عليه وسلم، فَبِأبي هُو وأمِّي، مَا رأيتُ مُعلِّمًا قبْلَه ولا بعْدَه أَحسنَ تَعْلِيمًا مِنْه، فَوَاللهِ مَا كَهرني، وَلَا ضَرَبَني، وَلَا شَتمنِي، قَالَ: «إِنَّ هَذِهِ الصَّلاةَ لَا يَصْلُحُ فِيهَا شَيْءٌ مِنْ كَلَامِ النَّاسِ، إِنَّمَا هُوَ التَّسْبِيحُ وَالتَّكْبِيرُ، وَقِرَاءَةُ الْقُرْآنِ» (رَوَاهُ مُسْلِم).
قَال النوويُّ: «فِيهِ مَا كانَ عَلَيْهِ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ عَظِيم الخُلُقِ، الَّذِي شهِدَ اللهُ تَعَالى لَهُ بِه، وَرفْقِه بالجاهِل، ورأفَتِه وشفقَتِه عَلَيْه، وَفِيه التخلُّقُ بخُلُقِه صلى الله عليه وسلم فِي الرِّفْقِ بالجَاهِل، وحُسْنِ تَعلِيمِه، واللُّطْفِ بِهِ، وَتقْرِيبِ الصَّوابِ إِلَى فَهْمِه».
وَمِنْ رِفْق النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بأمَّتِه أَنَّه نَهَى عَنِ الوِصَالِ فِي الصَّوْمِ خَشْيَةَ أَنْ يُفْرضَ عَلَى النَّاسِ.
وَمِنْ رِفْقِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بأمَّتِه، أَنَّه صلَّى قِيامَ رَمضانَ فِي المسْجدِ ثَلاثَ لَيالٍ أَوْ أكثرَ، حَتَّى اجْتَمع خَلْفَه نَفَرٌ كَثِيرٌ، ثُمَّ إِنَّه صلى الله عليه وسلم لم يخرُجْ إِلَى النَّاسِ بَعدَ ذَلِكَ خَشْيَةَ أَنْ تُفْرَضَ هَذِهِ الصلاةُ عَلَى النَّاسِ.
وَمِنْ رِفق النبيِّ صلى الله عليه وسلم بأمَّتِه أنَّه دخَل المسْجدَ، فَإِذَا حَبْلٌ مَمْدُودٌ بِينَ سَارِيَتَيْنِ. فَقَالَ: «مَا هَذَا الحَبْلُ؟» قَالُوا: هَذا حَبْلٌ لِزينَبَ، فَإِذَا فَترتْ تعلَّقتْ بِه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «حُلُّوهُ، لِيُصَلِّ أَحَدُكُمْ نَشَاطَهُ، فَإِذَا فَتَرَ، فَلْيَقْعُدْ» (مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ).
وَعَنْ أَنسِ بْنِ مَالكٍ رضي الله عنه، عَنِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: بَينَما نَحْنُ فِي المسْجِد مع رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم إِذْ جَاء أعرابيٌّ فَقَام يبُولُ في المسْجِد، فَقَال أصحابُ رَسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: مَهْ مَهْ.
فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم «دَعُوهُ لَا تُزْرِمُوه ُ(1)» فَتركُوه حَتَّى بال.
ثُمَّ إِنَّ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم دَعَاهُ فَقَالَ لَهُ: «إِنَّ هذهِ المسَاجِدَ لَا تصلُحُ لِشَيْءٍ مِنْ هَذَا البَوْلِ وَالْقَذَرِ، إِنَّما هِيَ لِذِكْرِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ وَقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ».
قَالَ: فأمرَ رَجُلاً مِنَ القَوْمِ، فَجَاءَ بِدلوٍ مِنْ مَاءٍ فشنَّه عَليه. (مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ).
*الأمين العام للبرنامج العالمي للتعريف بنبي الرحمة صلى الله عليه وسلم
09-26-2008, 06:55 AM
زيارة موقع العضو عرض جميع مشاركات هذا العضو إقتباس هذه الرسالة في الرد
{myadvertisements[zone_3]}
بسام الخوري غير متصل
Super Moderator
******

المشاركات: 22,090
الانضمام: Feb 2004
مشاركة: #8
الرسول صلى الله عليه وسلم معلماً
الزاد الحقيقي
د. عائض القرني



ليس في صحراء الحياة القاحلة إلا روضة الإيمان، وليس في ليل الدنيا الدامس، ولا في ظلامه المطبق إلا نور الإيمان. ليس هناك من فيض دافق في عالم اليأس، ولا معين عذب في ظمأ الهواجر إلا الإيمان. من عنده إيمان بالله فهو بإيمانه في الزنزانة أعظم سعادة من صاحب القصر، وفي فقره أغنى من صاحب الثروات، بالإيمان تُحوّل وحشة الغار إلى مهرجان من الحب والأنس، بالإيمان تصير من نكد العيش إلى فردوس من الأمن والرضى، وبالإيمان يصبح الإخفاق نجاحاً، والفقر غنىً، والمصيبة نعمة، والبلية عطية، والمحنة منحة. الإيمان هو ذاك الوقود الرباني في النفس الصادقة يضيء لها متاهات الدروب، وجهالات الطرق، ومسارب السبل، الإيمان رافد إلهي يصب على هضاب الروح، وروابي النفس بعد قحط المصيبة، وظمأ المخالفة، وجدب الانحراف، يموت الولد، ويفارق الزوج، ويخون الصديق، ويجفو القريب، ويهجر الصاحب، ويغدر الرفيق، فيبقى الإيمان عوضاً وخلفاً. يذهب البصر، وتتردى الصحة، ويهرم الجسم، وتضعف القوة، فيأتي الإيمان عزاءً وسلوةً، وعطاءً مباركاً، وتركةً باقية. أفٍّ على ثورة بلا إيمان، تفٍّ على منصب بلا يقين، أسفاً على جاه بلا دين. الإيمان هو ذلك الدافع الذي يجعل صاحبه مقراً بالحقوق والواجبات، فيوفي المؤمن حقه من الاحترام، ولا يعدم الجاهل عنده قولاً سلاماً كما علم رب السلام، ويتوخى رعاية المؤمنين، وحماية المعاهدين، ويميزهم من العامة بما ميزهم الله من فضل الإيمان والدين، ويلين لهم جانبه ويحني عليهم ويلطف بهم، ويبسط لهم وجهه، ويقبل إليهم ويعطف عليهم، فقد عرف قول الله تعالى لسيد المرسلين: «واخْفَضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ المُؤْمِنِين»، ولا يفسح لأحد منهم في التطاول بالدين، ولا الإضرار بأحد من المعاهدين والذميين، ويميزهم بالتواضع الذي هو حلية المؤمنين؛ وإذا ألبس عليه أمرٌ وأشكل، وصعب لديه مرامٌ وأعضل، اتبع قول الله تعالى: «فَاسْألُوا أهْلَ الذِّكْرِ إنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُون»، وقوله: «فَإنْ تَنَازَعْتُمْ في شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إلى اللهِ والرَّسُولِ إنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذلِكَ خَيْرٌ وأحْسَنُ تَأْوِيلاً».
بالإيمان اهتدينا للفضائل، وعرفنا أن من يطلب الفضائل لم يساير إلا أهلها، ولم يرافق في تلك الطريق إلا أكرم صديق من أهل المواساة، والبر وصفاء الضمائر، وصحة المودة. بالإيمان رفعنا حوائجنا إلى من لا تختزن الحوائج دونه، فما أعطانا منها قنعنا.
اللهم ثبت قلوبنا على دينك يا رب العالمين.
09-26-2008, 06:59 AM
زيارة موقع العضو عرض جميع مشاركات هذا العضو إقتباس هذه الرسالة في الرد
{myadvertisements[zone_3]}


المواضيع المحتمل أن تكون متشابهة…
الموضوع الكاتب الردود المشاهدات آخر رد
  عمر مريم رضي الله عنها عندما أنجبت المسيح عليه السلام muslimah 108 25,341 05-19-2014, 11:54 PM
آخر رد: الوطن العربي
  سنة زواج الرسول وإنجابه رضا البطاوى 0 386 04-25-2014, 09:12 PM
آخر رد: رضا البطاوى
  سنة قتال الرسول والمسلمين للكفار رضا البطاوى 0 339 04-23-2014, 08:35 PM
آخر رد: رضا البطاوى
  سنة يأس الرسول من إيمان الكفار رضا البطاوى 0 331 04-21-2014, 07:55 PM
آخر رد: رضا البطاوى
  هل لم يرسل الرسول(ص) لبناء دولة؟ رضا البطاوى 0 418 01-11-2014, 11:39 PM
آخر رد: رضا البطاوى

الانتقال السريع للمنتدى:


يتصفح هذا الموضوع من الأعضاء الان: بالاضافة الى ( 1 ) زائر
{myadvertisements[zone_2]}
إتصل بنا | نادي الفكر العربي | العودة للأعلى | | الوضع البسيط (الأرشيف) | خلاصات التغذية RSS