اقتباس: bashar كتب/كتبت
لماذا تظنون ان البلاد العربية هي الوحيدة المتخلفة؟ وتقولون ان السبب هو الدين والقرآن؟
اكثر من نصف بلاد آسيا متخلفة، وافريقيا بطولها وعرضها ومسلميها ومسيحييها متخلفة وأمريكا اللاتينية والجنوبية غارقة في التخلف والديون.
حتى اوروبا الشرقية لا تكاد تذكر فأين الاسلام من هذا؟
(f)
أتفق هنا مع ضرورة عدم تسطيح الأمر ورد التخلف كله في الشرق المسلم لجوهر إسلامي معين.
الإسلام يساهم كعامل مضخم للتخلف ولكن البلاد مشكلة من أشخاص ومجتمعات بالدرجة الأولى وليس أفكاراً بحتة.. كما أن هذا الشرق الواسع ليس متجانساً وليس مجتمعاً واحداً بالأساس لنحكم عليه بالجملة.
أرى بهذا المقال الذي ترجمناه حديثاً بجسور والذي كُتب منذ أكثر من 14 عاماً يبقى حاضراً اليوم أيضاً ليلقي ضوءاً على هذه المشكلة ويعدل من الراديكالية للبعض في التعامل مع الإسلام والمسلمين:
http://www.josor.net/article_details.php?t...sid=110&catid=6
[CENTER]الإسلام والعالم المسلم والسياسة[/CENTER]
"جسور21 للترجمة"
بقلم مكسيم رودنسون
تنفجر أسئلة عديدة اليوم وفي كل مكان حول الإسلام أو بالأحرى حول عالم المسلمين. ولتسمحوا لي بتحديد بعض النقاط حول مسألة أساسية فعلاً :
1- النواة المؤسسة للعالم الإسلامي أي الطائفة التي كانت مجتمعة حول النبي محمد في المدينة بين عامي 622-632 ليست العالم الإسلامي. كما لم تكن مجموعة الجليليين الذين تبعوا يسوع الناصري : العالم المسيحي.
2- الخلط بين السلطة السياسية والسلطة الفكرية(الإيدولوجية) الذي كان يميز هذه المجموعة الصغيرة - كغيرها من المجموعات كطائفة الفيثاغورسيين في القرن السادس قبل الميلاد - لم يدم في العالم الذي نشأ تاريخياً عن هذه النواة البدائية ؛ كذلك فإن الكون الذي نعيش به بمجراته ليس مطابقاً للكون الذي تبع الإنفجار الكوني (البيغ بانغ).
هاتين السلطتين كانتا منفصلتين بل و متصارعتين في غالبية الوقت.
3- من الصحيح أنه وفي العالم المسلم التقليدي فإن الخضوع للسلطة السياسية يتم تبريره من خلال الدعوة والدعم من مؤسسات السلطة الإيدولوجية (وأعرّف هنا هذه السلطة ، دون دلالة مهينة، بأنها السلطة الناتجة عن التخصص بإدارة المفاهيم : دينية كانت أم لا) ولكن يمكننا أن نقول ذات الشيء عن العالم المسيحي التقليدي.
رغم ذلك فإن العالم الخاضع مبدئياً للأفكار الإسلامية حول العالم الآخر ليس مطابقاً للعالم الذي يعتبر نفسه بأنه خاضع في هذا المجال العام للأفكار المسيحية.
في المحيط الإجتماعي/السياسي بشكل خاص فإن قوى الاحتجاج (وهي موجودة دوماً وبكل مكان) قادرة على استخلاص حججها الإيدولوجية بشكل أكثر سهولة في العالم الإسلامي منه في العالم المسيحي.
لقد استطاعت(هذه القوى) وبشكل أكثر سهولة استخدامها لبناء طوباويات قادرة على التعبئة الشعبية (أقصد بالطوباوية المخطط الإجتماعي المستقبلي دون التحديد حول إمكانية تحقيقها) . ولقد استطاعت بالفعل من خلال هذه الطوباويات القيام بثورات متعددة أوصلت للسلطة السياسية فريقاً جديداً . علينا أن نلاحظ هنا تاريخياً أن هذه السلطات الجديدة لم تغيّر في العمق التركيبات الاجتماعية ولم تضع عملياً أي وصفات فعّالة لإحداث مثل هذه التغييرات.
مع ذلك، فإن هناك محافظة على الفكرة القائلة أن هذه الوصفات (الوصفات الطوباوية) - على الأقل بشكل ضمني - كانت موجودة في الرسالة التي جاء بها النبي محمد. فمحمد وخلافاً للمسيح لم يفصل أبداً بين المجال الإلهي ومجال "قيصر" ، ولم يصرح يوماً بأن مملكة الله ليست من هذا العالم. لقد اتخذ قرارات سياسية وحكم وأصدر قوانيناً ، على الأقل في مجتمع المدينة(يثرب). فالرسالة الإلهية التي أوحيت إليه والآراء الخاصة المستوحاة من هذا الإله الذي كان على اتصال به، كانت قادرة بل وكان يتوجب عليها ، حسبما كانوا يعتقدون، أن تكون منهجاً للشرائع الصادرة عن من يقود المؤمنين.
خيبات أمل متراكمة
4- الأمة ، المؤسسة مثالياً من المؤمنين، كان عليها أن تشكل مكاناً للتعبئة لتحقيق هذه الـ"يوتوبيا" وبنفس الوقت لخدمة الله، من خلال شعائر التدين والتقوى المنظمة الجديرة بالله. كما أن الامة عليها أيضاً أن تنتج كوادرها؟
نظرياً فإنه على الأمة أن تقوم بالتعبئة بشكل مستمر لتحقيق الـ"يوتوبيا" في الحياة الدنيا، ثم لمساندة هذه الـ"يوتوبيا" عند اعتبارها متحققة.
إنها تشكل ما يمكن اعتباره جيشاً، من المفترض أن يكون محشوداً بكامله دون أي ميزات خاصة لجزء منه واعتباره مقدساً (كالإلكيروس "رجال الدين المسيحيين" أو المانويين التامين) أو تحقيق فصل بين خلايا رهبانية محدودة تطبق التعاليم الدينية بشكل خالص وبين جماعات شعبية علمانية متعاطفة معها كما في البوذية.
5- في العصر الحديث ومنذ القرن التاسع عشر، وبفعل خيبات الأمل المتراكمة للجماهير وللنخب المسلمة من أداء الأنظمة التقليدية، بالإضافة لمشاعر الذل والغيرة من النموذج الغربي الذي أصبح بذات الوقت مهيمناً وجذاباً، فإن هذا كله قاد إلى اعتماد الوصفات السياسية والاجتماعية التي تأسست في العالم الغربي وبشكل واسع. "وصفات" لحكومات بشرية افترض بأنها ستسهل التحكم بالأشياء.
حسب مسار التاريخ المعتاد، فإن هذه الوصفات المنظمة والمؤدلجة (على دفعتين : الليبرالية ثم الاشتراكية) أُنشأت باعتبارها حلول نهائية وتامة لكل المشاكل. هذا لم يمنع من الحفاظ على الإيمان بالوصفات التقليدية على الصعيد الوجودي،أي صعيد العلاقات "العمودية" بين الإنسان والعالم الآخر.
مؤخراً، فإن خيبات الأمل من الوصفات السياسية والاجتماعية الغربية عمت العالم الإسلامي. واعتمادها[الوصفات الغربية] الجزئي أو الكامل ، "الصادق" أو "المصطنع" لم يحقق تلك النتائج الخارقة التي كنا ننتظرها منه.
وألم تخيب الآمال أيضاً في البلاد التي تولدت عنها؟
خيبة الأمل هذه وبالإضافة لتفاقم قومية الأمة في مواجهة آثار الهيمنة المفروضة بشكل مؤلم ، زادت من رصيد المنظمات التي كانت تدعو دوماً لاعتماد الحل النهائي الإسلامي التقليدي.
6- ليس هناك من تفسيرات بسيطة لمآل العالم الإسلامي اليوم من خلال النصوص، الأفكار أو التراكيب الموضوعة من قبل النبي ، المنتشرة في نواتها البدائية أو في عهد ازدهارها القروسطي ليس من دون الترتيبات والتداخلات مع تراكيب وأفكار ذات أصول مختلفة تماماً – والحاضرة أكثر مما نعتقده عادةً - والمتواجدة في المركب الثقافي الذي يمكن أن نطلق عليه الثقافة الإسلامية التقليدية، بأوجهها المتعددة.
إن انتشار الأنظمة الشمولية والدموية العسكرية في العالم الإسلامي لا تعود أسبابه لرسالة النبي في نسخها المتعددة. إنها ناجمة عن نفس الأسباب التي أدت لذلك في العالم الثالث غير الإسلامي.
بإمكاننا فقط أن نعارض هؤلاء الذين يدعون للحل الإسلامي النهائي بأن هذه الرسالة .. لا أكثر ولا أقل من بقية الرسائل الأيديولوجية (مهما كانت نبيلة في جوهرها) لم تمنع يوماً صراعات السلطة (سياسية و/أو أيديولوجية) ولا التنافس الشرس لاحتكار الثروات، وانتهاء كل ذلك بشكل طبيعي في أغلبية الأحيان لنظم مستبدة.
لقد سهل انتشار النظم الشمولية – في العالم الإسلامي كما في غيره – الشعور القومي للطائفة وكذلك الإثنية أو القومية ، وكلها تمر بسهولة للقومية الهائجة و الشوفينية العنصرية.
كذلك فإن هذا الانتشار (للنظم الاستبدادية) يدعمه المفهوم العالمي والمستمر بوجود حل نهائي مطلق لكل المشاكل الاجتماعية.ويفترض بأن هذا الحلٌّ النهائي مكفول بوجود عوامل "فوق إنسانية" إن كانت ذات مصدر إلهي قادر على كل شيء، أو بالإيمان بوجود قوانين تاريخية ليست أقل قدرة وحتمية.
في العالم المسلم، يمكن فقط أن نلاحظ أن الحلول النهائية من النوع الديني قادرة على أن تفرض نفسها بشكل أكثر فعالية في الأذهان من غيرها من المجتمعات بفعل العلاقة الوثيقة في الأيديولوجية الإسلامية التقليدية بين الوصفات الوضعية المثالية (اليوتوبيا) وبين الوصفات الوجودية بميثولوجيتها الخارقة والراحة الذي تقدمه أمام الكآبة والكرب وانحراف وضلالة الإنسانية.
"زوال الوهم" من العالم
7- العالم المسلم لم ينجُ من ظاهرة "زوال الوهم" من العالم (Entzauberung) والذي قام بتحليله بشكل ممتاز المفكر "ماكس فيبير" . يمكننا أن نجادل حول أسباب هذه الظاهرة والتي لا تتطابق مع ما نفهمه عادة من "العلمنة" أو بفرنسا "العلمانية".
يبدو أن انتشار الآليات التقنية وفهم علائقها السببية يشكل السبب الأساسي . ولكن في الغرب حيث كانت هذه الظاهرة مبكرة وعنيفة فإنها أوهنت الإيمان بالأيدلوجية الدينية التقليدية وبالتنظيمات التي تمثلها.
في العالم المسلم فإن الإيمان بالآليات الخارقة استبدلت بقومية الأمة لتأمين الإخلاص على الأقل للأشكال الخارجية للإيمان التقليدي.
الله لم يمت به، لكن الإيمان العميق بالله استبدل (ضمن الواقع العملي وإن لم يتغير على صعيد الألفاظ) بالإيمان بالإسلام.
8- كخلاصة فإنه من العبثي وغير المجدي البحث عن أسباب تصرفات الحكام والجماهير والنخب في العالم المسلم من خلال هذا العامل الهيكلي أو ذاك للدوغمائية الإسلامية أو هذه العبارة أو تلك في القرآن أو السنة. حتى وإن تم تأويلها ببلاغة وشاعرية أو إعطائها شروحات روحانية توحي بأغوارٍ برّاقة.
هنا كما في أي مكان آخر، فإننا سنجد نفس الآليات العالمية والمستمرة والمحركة للدينميات المعهودة في المجتمعات البشرية.
لا بد طبعاً من الأخذ بعين الاعتبار خصوصيات الاجتماع والتاريخ لهذه المجتمعات، لكن هذا لا يلغي بأي حال التأثير النهائي للاستواء الاجتماعي الإنساني.
________________________
- عن \"اللوموند\" الفرنسية_ عدد 13 حزيران/ يونيو 1991