احزان الرسول الاعظم
بسم الله الرحمن الرحيم و الصلاة و السلام على خير الخلق اجمعين سيدنا محمد و اله الطيبين الطاهرين .
قال تعالى :
و وجدك يتيما فاوى .
نور ربانى ينمو فى الصحراء العربية , نور يتاجج رويدا رويدا , يوقد من شجرة مباركة زيتونية لا شرقية و لا غربية , نور يضئ دون ان تمسسه نار تكون واسطة ضوئه و انما هو ضوء ربانى بحت .
ظهر الرسول الاعظم طفلا وليدا يتيم الاب .
ينظر حوله الى الصبيان و قد احاط كلا منهم والده بالحب و الحماية و الملجا .
و لكنه ينشا يتيما , فتبدا رحلة الامه بقلب حزين .
الانسان الكامل العرفانى يعى جيدا معنى الالم , و يستشعره و يعرف ابعاده , فنظرته اليتيمة كانت تنم عن احساسه العميق باليتم و فقدان حبيب قلبه ابيه .
و هذا الحزن بالاضافة الى انه حزن الحنين للاب الا انه ليس اى اب بل هو اب روحانى عظيم و شوق الروحانيين لبعضهم يفوق حنين الابوة و البنوة فما الحال اذا اجتمعت الروحانية و القرابة .
قلب نبوى شريف طاهر ينمو فى مجتمع جاهلى , يستشعر قباحة الجاهلية و يتحمل ثقل وطاتها , و بامكانك اخى المؤمن ان تحيط بشئ من هذا الاحساس عندما ترى منكرا فى مجتمعك و تحس بالم من هذا المنكر يعرض لقلبك , و على قدر زيادة الايمان يعظم الالم , فكم كان الم الرسول الاعظم الذى هو قمة الايمان و اكمله .
فى رعاية الله العلى الاعلى نشا هذا اليتيم فى رعاية جده و امه اللذان ما لبثا ان رحلا و تركاه يتامل الدنيا من حوله و قد فقد اعز و احب اثنين لقلبه الطاهر الشريف الزكى .
قلب طفل طاهر حزين يتعرض للحزن مرة اخرى , قلب يقدس الامومة يفقد امه الطاهرة الشريفة , و كانى بالطفل الطاهر يتامل السماء و النجوم و عيناه تدمعان و قلبه الصغير يعتصر , و لكن ثقته بالله عظيمة و يعلم ان لوجوده على الارض امر ربانى و سر الهى عظيم .
فى بيت عمه ابى طالب عليه السلام تلقى حبا و حنانا قد يخففان شيئا بسيطا من احزان الطفل الطاهر , رجل المهمة الصعبة , الرجل الذى تنتظره البشرية من اقدم العصور , و تتغنى به كتب السماء و حن للقائه الانبياء و الحكماء .
زوج عمه فاطمة بنت اسد تحفه بحنان الامومة , و ابو طالب عليه السلام بحنان الابوة و ابناؤه بحنان الاخوة .
عندما نما النور و ظهر , و اضاء الظلمة الحالكة , فان الضوء يؤلم العيون التى اعتادت الظلام , فتكاتف المتنازعون على حربه , و اتحد الخصماء على اذيته و قتله , و لكن عمه عليه السلام كان سورا منيعا له .
و سيد الخلق يلتقى سيدة النساء ليكون حبا اصيلا فى الله و حبا روحانيا عظيما .
و فى عام الحزن يتاجج الحزن النبوى الشريف .
يتجدد يتم الرسول الاعظم , هاهو يتيم مرة اخرى , هاهو يفقد الاحباب مرة اخرى , لتتجلى له الاحزان , قلب حزين طاهر فقد الاب المربى و الحامى و الزوجة المحبة التى احبها فى الله بحق لانها عظيمة بكل معنى الكلمة .
يسير حزينا فى مكة و فى ازقتها ليرى اوائل المؤمنين معلقين و مصلوبين و الدماء تسيل من اجسادهم الطاهرة .
يحاصره المشركون و يحاولون قتله فيخرج من مكة حزينا متالما .
فى غزوة احد يرى عمه حمزة الحبيب الى قلبه صريعا شهيدا ممزقا , و قد مثل الكفار بجسده الطاهر , و كبده ملقى على الارض و قد قطعت هند اللعينة جزء من كبده و مضغته .
فى غزوة الخندق نادى عمرو بن ود مارد الكفار و فارس العرب الجاهليين و عملاق من عمالقة زمانه باعلى صوته على المسلمين :
هل من مبارز ؟؟؟؟
من منكم اشتاق الى الجنة فليخرج للمبارزة فانى قد اشتقت الى النار
و كررها ثلاثا
و فى كل مرة لا يخرج احد من اصحابه
الا غلام لم يتجاوز الثامنة عشر يقول :
انا له يا رسول الله .
انه الامام على عليه السلام .
و الرسول الاعظم يؤخره متفحصا وجوه اصحابه الذين لم يتقدم منهم احد .
و فى المرة الثالثة يتقدم الامام على عليه السلام فياذن له الرسول الاعظم بالخروج
و لنعلم مدى الالم و الحزن فى قلبه الطاهر الشريف من الاحزان الماضية فانه عليه السلام رفع يديه قائلا :
اللهم احفظ لى عليا .
و استطاع الامام الانتصار فى المبارزة الغير متكافئة .
جعفر بن ابى طالب ابن عم الرسول الاعظم فى مؤتة قطع الروم يديه و انضم الى قافلة الاحزان المحمدية .
الرسول الاعظم فقد الابوة ثلاث مرات اذ فقد والده عبد الله ثم فقد جده عبد المطلب ثم فقد ابوطالب عليهم السلام .
و فقد الام مرتين :
امه امنة بنت وهب ثم امه فاطمة بنت اسد زوجة عمه ابى طالب .
الرسول الاعظم فى موضع الابوة :
فقد ابنيه القاسم و ابراهيم عليهما الصلاة و السلام .
و فقد بناته رضى الله عنهن .
احزان عظيمة و لكن القلب عامر بالايمان و صامد صمود الجبال .
يرى الامام الحسين عليه السلام و يبكيه بكاء مرا و يقبله فى نحره و صدره لانه يعلم كيف ستكون شهادته على يد الغدر و النفاق , و على يد الطلقاء الذين اخلى سبيلهم و رحمهم من القتل فى فتح مكة اذ يذبحونه و يدوسون صدره بحوافر الخيول .
يرى الحسن و يبكيه و يقبله فى بطنه حيث سيمزق السم كبده و احشاءه.
يرى اطفال الهاشميين فيبكيهم لانه يعلم الامهم و يستشعرها .
و مع كل ذلك يستمر صامدا متماسكا فى اداء مهمته الربانية و بذل اغلى من يحب فى سبيل الله رغم الاحزان و الالام .
يا رسول الله الاعظم
اشهد انك قد بلغت الرسالة و اديت الامانة و نصحت الامة و دعوت الى سبيل الله بالحكمة و الموعظة الحسنة , و امرت بالمعروف و نهيت عن المنكر و جاهدت فى الله حق جهاده و عبدت الله حتى اتاك اليقين .
اللهم صل على محمد و ال محمد
لا فتى الا على و لا سيف الا ذو الفقار
|