"في اللقاء الاخير قبل بضعة اشهر، هدد بشار الاسد رفيق الحريري الذي كان لا يزال رئيسا للحكومة انه في حال مواصلته معارضة الخطوات السورية في لبنان، والمقصود تمديد ولاية الرئيس لحود، سيحرص السوريون على فك رقبته. روى الحريري الى القريبين منه ان هذا التهديد ارفقه الاسد بحركة من يده لم تترك له المجال للشك في جدية نياته

عن النهار البيروتية
-----------------
والوزارات وإدارات الدولة جرى اقتسامها من جانب حلفاء سورية المسلمين والمسيحيين، والأجهزة الأمنية اللبنانية والسورية نمت أدوارها، ليس في الجوانب الأمنية والعسكرية وحسب، بل وفي الانتخابات وقوانينها، وفي الاقتصاد اللبناني، وحتى في قطاع المصارف، كما تدل عليه واقعة بنك المدينة، الذي «ضاع» منه أكثر من مليار دولار خلال ثلاث سنوات، وكان الرمز الأبلغ لما وصلت إليه الحالة، وصول الجنرال اميل لحود، قائد الجيش السابق عام 1998 لرئاسة الجمهورية على أكتاف موجة شعبية دبّرتها الأجهزة الأمنية اللبنانية والسورية، باعتبار أن المدنيين في النظام فاسدون، وقد يكونون خوَنة، وعلى رأسهم رفيق الحريري. والملف الآخر الذي أخطأ الحريري في التحسب له، أو أنه اضطّر إليه، كما اضطر للاستمرار في الملف الأول، هو الشأن الاستراتيجي. فالذي «قاد» حرب تحرير الأرض اللبنانية في مواجهة إسرائيل ليس الجيش السوري أو اللبناني، بل حزب الله ، ذو الارتباطات الوثيقة بإيران من ضمن التحالف بينها وبين سورية. وبذلك ما عادت المسائل حتى في الصراع العربي/ الإسرائيلي رهناً بإرادة سورية ولبنان وحسب، بل تؤثر فيها إلى حد كبير تطورات العلاقات الإيرانية/ الأميركية.
إن الذي حدث في الشهور الأخيرة ، والمتمثل في التمديد للرئيس لحود من سورية بواسطة المجلس النيابي اللبناني، وصدور القرار الدولي رقم 1559 كشف أمراً ثالثاً ما كان واضحاً من قبل رغم كلام الأميركيين عنه لأكثر من سنتين: رفع الغطاء الأميركي عن الوجود السوري في لبنان، وبمبادرة «مزدوجة» من جانبهم وجانب فرنسا هذه المرة. وقد أطلعنا هنري كيسنجر في مذكراته عام 1999 كيف دخل السوريون إلى لبنان عام 1976 بموافقة الولايات المتحدة، وكيف جدّدوا غطاء الولايات المتحدة لهم بالتدخل في حرب الخليج ضد غزو العراق للكويت عام 1990 ـ 1991.
ما كان سهلاً على الحريري، الذي حمل مشروع السلام المدني والإعمار منذ عام 1978 أن يُقنع نفسه بأن كل ما جاهد من أجله، بما في ذلك احتضانه لمشروع علاقات «سوية» واستراتيجية مع سورية، قد ذهب أدراج الرياح، لأن سورية أيام الرئيسين حافظ الأسد وبشار الأسد، لم ترد علاقة بين دولتين شقيقتين، بل الاستمرار في استتباع لبنان بالطريقة التي جرى عليها الأمر منذ مطلع التسعينات. ولو أن الرئيس الحريري اقتنع، رغم كثرة شكواه، بأن الأمل مفقود في أن يعدّل السوريون سلوكهم في لبنان، كما صبر ثلاث سنوات على إذلال الرئيس لحود له، خروجاً على الطائف والدستور، رجاء أن تسمح سورية بتغيير الرئيس والنهج، تحت وطأة تصاعد المعارضة الداخلية، والضغوط الدولية. كان الرجل يغالط عقله وخبرته، وكان السوريون يزدادون انزعاجاً منه لكثرة حركته، وكثرة تذمره. وجاء التمديد للحود، الذي وافق عليه الحريري مرغما لكي لا يقطع مع سورية، ثم دفعه عن رئاسة الحكومة، والبدء بالحملة التخوينية عليه، في الوقت الذي اندفع فيه هو باتجاه المعارضة الانتخابية وليس السياسية. بمعنى أنه صرح بالتحالف مع المعارضة في الانتخابات النيابية، لكنه لم يصرح بشيء بشأن خروج القوات السورية من لبنان، وتجريد حزب الله من سلاحه، بل إن حزب الله بشخص أمينه العام السيد حسن نصر الله، كان أحد آخر الوسطاء بينه وبين سورية.. ثم حدث ما حدث.


الشرق الاوسط
الكاتب الاسلامي رضوان السيد

سورية ستدفع الثمن

خلف خلف وبشار دراغمه GMT 1:15:00 2005 الخميس 17 فبراير
خلف خلف وبشار دراغمه من رام الله: قال البروفسور ايال زيسر رئيس دائرة تاريخ الشرق الأوسط، جامعة تل أبيب، إن السوريين هم الذين سيدفعون ثمن اغتيال رئيس الوزراء اللبناني السابق رفيق الحريري، حتى لو لم يقفوا عمليا خلفه، إذ أنه مع قتل الحريري سحب البساط من تحت الحجة المركزية لتبرير استمرار وجودهم في لبنان والتي تقول إن هذا الوجود هو ضمانة لاستمرار الاستقرار والحفاظ على الأمن في هذه الدولة.

ويقول البرفسور إن الرئيس السوري بشار الأسد هدد رفيق الحريري في لقائهما الأخير قبل عدة أشهر، وكان الحريري في حينه لا يزال رئيس الوزراء اللبناني، في أنه إذا ما واصل الحريري معارضة الخطوات السورية في لبنان - كان الحديث يدور عن تمديد ولاية الرئيس اللبناني اميل لحود بست سنوات أخرى - فان السوريين سيحرصون على "كسر رقبته"، يتابع البرفسور زيسر إن رئيس الوزراء اللبناني السابق روى لمقربيه بأن هذا التهديد أرفقه بشار بحركة يد مهددة لم تسمح لأي مجال للشك في جدية نواياه.

ويضيف رئيس دائرة الشرق الأوسط بعد اشهر معدودة فقط من توجيه التهديد السوري إليه، لاقى الحريري حتفه في انفجار خفي لسيارة مفخخة بجانب قافلته المحصنة، ومع ذلك، ورغم أن كل الخيوط تقود إلى دمشق، من الصعب التصور بان السوريين هم الذين وقفوا خلف العملية.

الحقيقة هي أن لسورية كل الأسباب التي في العالم لتصفية الحريري، ومع أنه لم يبرز كمن يقف على رأس معسكر معارضيها في لبنان، فهذه المهمة تركها لخصمه - صديقه، وليد جنبلاط زعيم الدروز في الدولة، ومع ذلك فانه بهدوء تام أدى الحريري في الأشهر الأخيرة دورا مركزيا في بلورة المحور الأميركي - الفرنسي الذي أدى إلى قرار 1559 في مجلس الأمن في أيلول الماضي، الداعي إلى انسحاب القوات السورية من لبنان، وذلك بفضل اتصالاته الوثيقة بل والحميمة مع الرئيس الفرنسي جاك شيراك، الذي رأى فيه صديقا شخصيا على حد تعبير البرفسور الإسرائيلي.

والذي يضيف: في العهود الماضية درج السوريون بالفعل على المس بمن يتجرأ على رفع يده أو صوته ضدهم في لبنان، غير أن هذه ليست أيام عادية بالنسبة لدمشق، فسورية تخضع اليوم لضغط دولي لا سابق له، وبالأساس لضغط أميركي وفرنسي يحظى بدعم دولي واسع، وهي تخضع لتهديدات واتهامات من واشنطن بشأن دور السوريين في أعمال الإرهاب في العراق، في أوساط الفلسطينيين وفي لبنان، وأخيرًا، فهي تعمل بنشاط للانخراط في المسيرة السياسية في المنطقة تخوفًا من بقائها في الخلف.

ويتابع: في ضوء كل هذا اختارت سورية اتخاذ سياسة متصالحة أساسها استعدادها للحديث مع الد اعدائها في الساحة اللبنانية بل وبث استعداد لاتخاذ خطوات ترضي فرنسا والولايات المتحدة. مثلا، بث إشاعات بشأن نواياها لسحب قواتها من لبنان.

ويقول البرفسور زيسر: تصفية بهذا الصخب لرئيس وزراء لبنان السابق تتعارض بالتالي مع المصلحة السورية. فهي من شأنها أن تجتذب النار نحو دمشق، أن تركز الاهتمام الدولي المتجدد في الساحة اللبنانية، ان تصعد لا أن تلطف الضغوط على سورية بسحب يديها من لبنان. وضعضعة الاستقرار في لبنان هو الآخر لا يخدم السوريين إذ أن فيه ما يمس بالمصالح السياسية والاقتصادية لدمشق في هذه الدولة.

ويشير إذا لم يكن السوريون يقفون خلف تصفية الحريري - فمن يقف خلفها؟ من الصعب الإشارة إلى محفل قوة داخل لبنان له مصلحة مباشرة وواضحة في تصفية الحريري. يبدو إذن أن هذا الاغتيال سينضم إلى القائمة الطويلة من أعمال التصفيات غير المحلولة اللغز لزعماء لبنانيين في العقد الماضي. هكذا مثلا تصفية الرئيس اللبناني رينيه معوض سنة 1989، والذي بقي بمثابة اللغز وكذا تصفية رئيس وزراء لبنان رشيد كرامة في العام 1987.

مهما يكن من أمر، فالسوريون هم الذين سيدفعون ثمن الاغتيال [SIZE=5]حتى لو لم يقفوا عمليا خلفه، إذ أنه مع قتل الحريري سحب البساط من تحت الحجة المركزية لتبرير استمرار وجودهم في لبنان والتي تقول إن هذا الوجود هو ضمانة لاستمرار الاستقرار والحفاظ على الأمن في هذه الدولة.

عواقب اغتيال الحريري تطال دولا وأحزابا
هدى الحسيني
ربما يكون اغتيال رئيس وزراء لبنان السابق رفيق الحريري واحدا من الاحداث التي يمكن ان تغير مجرى التطورات بشكل جذري في عدة دول في المنطقة اضافة الى لبنان، ذلك ان اغتياله بهذه الطريقة الاجرامية يشير الى صراع قوة مستميت يدور حول مستقبل لبنان.
لم يكن قد مضى يومان على اغتيال الحريري، حتى بدا، ان تغيير نظام حقيقيا جرى في الادارة الاميركية الجديدة مع تسلم كوندوليزا رايس وزارة الخارجية، ولفتني مصدر مقرب من وزارة الدفاع الاميركية الى «أبعاد» استدعاء سفيرة واشنطن في دمشق مارغريت سكوبي، لـ«التشاور»، وقال ان كلمة ـ التشاور لا دليل محددا لها، انما قد تعني ايضا سحب السفير في حالات كثيرة او ابقاءه بعيدا عن منصبه لفترة، وتكشف هذه الخطوة ان هناك نظاما جديدا في الادارة الاميركية الجديدة، وأوضح: «ان السوريين بنظرنا، ساعدوا على قتل الجنود الاميركيين في العراق، وكل ما فعله وزير الخارجية السابق كولن باول ان ارسل مبعوثين كبارا ليتحدثوا ويحاولوا اقناع دمشق بعدم التدخل، ثم يتم اغتيال رئيس وزراء سابق في لبنان، فنقدم على سحب السفير».
لم يثبت بعد أي دليل يشير الى من يقف وراء هذه الجريمة، ويشكو قسم من اللبنانيين من كون الاستخبارات السورية منتشرة ومهيمنة على كل لبنان، وبالتالي من غير المستبعد ان يحصل أي شيء فيه من دون معرفة مسؤولين سوريين. ونظرا لضخامة العملية والتخطيط لها، بحيث لا ينجو الحريري منها، فلا بد ان المخطط لها يعرف المنطقة جيدا.
واذا كان رجل مثل الحريري وبحجمه وكل التقنيات التي اتخذها في سياراته للحماية، لم تنقذه، فما حال الكثيرين من المسؤولين اللبنانيين، خصوصا اذا كان الأمن من مسؤولية السوريين وتقع مثل هذه الجريمة في ظل حمايتهم.
لذلك، تشير اصابع الاتهام صوب سوريا رغم عدم توفر أي دليل. وفي عمليات الاغتيال الضخمة، كثيرا ما انتهى التحقيق الى المزيد من الغموض.
منذ حوالي اربع سنوات، أي بعد الانسحاب الاسرائيلي من جنوب لبنان، توقع المجتمع الدولي ان تقرر سوريا اعادة استقلال لبنان والانسحاب منه حسب اتفاقية الطائف، لكن هذا لم يحدث، لا بل تضاعف النفوذ السوري في الحياة السياسية والاقتصادية والامنية في لبنان، كما رفضت السماح بانتشار الجيش في الجنوب، ثم وقعت عمليات 11 سبتمبر وما تلاها من الاطاحة بالنظامين في افغانستان والعراق واستمرار الحرب على الارهاب وبدأت الاتهامات تلاحق سوريا.
هناك من المراقبين من يقول ان بقاء سوريا في لبنان هو بقاء لنظامها،
:nocomment:

خصوصا بعد ان صار يحدها في العراق 140 الف جندي اميركي، اضافة الى تركيا واسرائيل، وادى عدم تجاوبها مع الضغوط الاميركية الى تحذير واشنطن لتل ابيب بعدم الترحيب بعروض الرئيس السوري بشار الاسد لاستئناف المفاوضات السورية ـ الاسرائيلية من دون شروط مسبقة.
والتطور الاخير، بعد اغتيال رئيس الوزراء السابق رفيق الحريري، كان اعلان اسرائيل انها لن تبحث اطلاقا التفاوض مع سوريا حول الانسحاب من هضبة الجولان، الا بعد ان تنسحب هي من كل لبنان.
في عدد الخامس من الشهر الجاري من [SIZE=4]مجلة «الفايننشال تايمس»، تحقيق مطول عن لبنان كتبه دافيد غاردنر ينقل فيه عن وليد جنبلاط قوله: «ان السوريين يتهمون مروان حمادة (الوزير السابق الذي تعرض اخيرا لمحاولة اغتيال) بأنه هو كاتب نص القرار الدولي 1559 في منزل الحريري الصيفي في جزيرة سردينيا».
:nocomment:
بعد اغتيال الحريري، قال مروان حمادة، «ان الفاعل معروف، اذ تبدأ الخيوط في دمشق، ثم تمر عبر الحكومة اللبنانية والاجهزة الامنية». وبسبب تخبط ردود فعل الموالين للبقاء السوري في لبنان، وانفعال بعض المسؤولين السوريين واستغرابهم من الاتهامات الموجهة ضد سوريا، هناك من يرجح بان خلافا داخل الاجهزة الامنية السورية قد يكون ادى الى تلك العملية.
لا أحد يعرف من يقف وراء عملية الاغتيال الشريرة، لكن، الكل يعرف ان سوريا ستتحمل مسؤوليتها لانها صاحبة النفوذ الاول في لبنان امنيا، [SIZE=5]وهي منذ سقوط نظام صدام حسين تسيء حساباتها، وكان اصرارها على تعديل الدستور اللبناني والتمديد للرئيس اللبناني اميل لحود، القشة الاخيرة، التي وحّدت اغلبية اللبنانيين، ودفعت بفرنسا والولايات المتحدة الى تجاوز كل خلافاتهما والعمل على اصدار القرار الدولي 1559، الذي يطالب بانسحاب كل القوات الاجنبية من لبنان.
:nocomment:

والآن، بعد عملية اغتيال الحريري وفي ظل التنديد والاستنكار الدوليين، تدرس واشنطن تشديد العقوبات على الحكومة السورية وايضا على الحكومة اللبنانية بصفتها «شريكة» في رفض تطبيق القرار الدولي، خصوصا ان كل الاتفاقات المعقودة بين سوريا ولبنان، تمت في ظل وجود سوري عسكري مكثف في لبنان، والتي لا يعترف بها القانون الدولي، وهذا يهدد سوريا بعزلة دولية.
ان عواقب اغتيال رفيق الحريري ستكون لها تشعبات سياسية ليس فقط في لبنان، بل على الوضع السوري في المنطقة ولبنان خاصة، ذلك ان واشنطن لم تعد تريد زعماء اقليميين في المنطقة، وتريد من كل رئيس ان يكتفي بحكمه داخل بلاده، وعلى ان يكون الحكم ديمقراطيا. والنظام الديمقراطي يلغي تلقائيا التفكير في التوسع باتجاه البلد المجاور.
بعد ساعات من عملية الاغتيال، ادهشت السلطات اللبنانية «كل العالم»، عندما اقتحمت منزل احمد تيسير ابو عدس، الذي قيل انه الشخص الذي ظهر على قناة «الجزيرة» معلنا تحمل مجموعته اغتيال الحريري.. ثم قال وزير الداخلية اللبناني سليمان فرنجية، ان التحقيق يميل الى قناعة بان انتحارياً ارتطم بسيارته عن قصد بموكب الرئيس الحريري. وهناك ايضا من اتهم اسرائيل بالعملية من اجل اضعاف لبنان وسوريا، وكذلك هناك من اتهم الولايات المتحدة بالعملية لرغبتها في ايجاد تبرير لغزو سوريا، لكن، عاد قسم واستبعد قيام اسرائيل بالعملية، فهي لا تريد توتير الاوضاع على جبهتها الشمالية في وقت تستعد فيه للانسحاب من غزة وبعض مدن الضفة، وتواجه معارضة من الليكود والمستوطنين والاحزاب الدينية. كذلك استبعد قسم آخر ان تكون سوريا وراء العملية اذ لديها ما يكفيها من مشاكل، مع معرفتها بأن كل الظروف الدولية تغيرت. يبقى ان ينجح التحقيق في الكشف عن هوية الانتحاري، الذي استطاع ان ينقل سيارة مفخخة بـ350 كيلوغراماً من المتفجرات، وأن يختار المكان الأحب للحريري كونه يرمز الى انجاز حلمه في اعادة اعمار بيروت، ومن دون ان يشتبه في ذلك «الانتحاري» أحد، ويطلب الاستشهاد بقتل الحريري وخمسة عشر آخرين وجرح 165 شخصا! اذا ثبت هذا، تتأكد علاقة مجموعة ابو عدس بالقاعدة، وتنفتح بذلك ابواب تساؤلات اخرى. على كل، إن مقتل الرئيس الحريري سيعقد الامور اكثر بالنسبة الى سوريا، لانه أحرجها بالنسبة الى الوضع السياسي في لبنان، ولا بد الآن ان يقف العالم مع الفريق الذي يدعو الى انسحاب سوري من لبنان، ويدعو بالتالي الى علاقات افضل بين سوريا ولبنان، وهذا الفريق تزداد قوته لانه متحد، وبدأ كمعارضة من قبل المسيحيين وانضم اليهم الكثير من المسلمين، وكان الدروز في المقدمة. اذا ظل الزخم موجودا، فيمكن ان يؤدي الى اسقاط الحكم الحالي في لبنان، فيضطر حزب الله لاحقا الى التعايش مع حكم لا يقبل بتفوق الحزب على الجيش اللبناني، او بالابقاء على اسلحته، وفي مرحلة لاحقة، فان هذا سيؤثر حتما على نفوذ ايران في المنطقة، نظرا لارتباطات الحزب بايران، من هنا فان اعتقاد البعض بأن اغتيال الحريري سيرعب جهات كثيرة ـ وهو ارعب وصدم بالطبع ـ وسيبقي على العلاقة السورية بلبنان كما هي، هو اعتقاد غير صحيح، الآن سيواجهون مخاطر كثيرة تحدق بسلطاتهم، حتى لو لم يكونوا هم وراء عملية الاغتيال هذه.
اما القول ان اغتيال الحريري سيعيد لبنان الى الحرب الاهلية، فالامل ان يكون مغلوطا، لان لا علاقة للشعب اللبناني الذي يفخر بالحريري في العالم وفجع به، بالأمر، لذلك فان العودة الى الحرب الداخلية مستبعدة، لان اغتيال الحريري كان عملا بائسا من قبل مجموعة شريرة، لا تريد ان تسمح للبنان باختيار مستقبله السياسي والاقتصادي والاجتماعي بحرية.
[SIZE=4]لقد ادى التمديد للرئيس اللبناني اميل لحود الى تدويل القضية اللبنانية، ويدفع اغتيال الرئيس رفيق الحريري الى تدويل التحقيق حتما، لأن مصداقية العالم تجاه استقلال لبنان وسيادته صارت على المحك!

اغتيال الحريري أكبر من المنطقة وتصريحاتها
مأمون فندي

اغتيال الرئيس الحريري في بيروت حدث أكبر بكثير من التصريحات الاقليمية، أياً كان مصدرها، [SIZE=5]هو حدث أشبه بغزو صدام للكويت او بقرار الحرب على العراق، يتحدث فيه العرب كثيرا ويطلقون التصريحات يمينا ويسارا، ولكن الأمر وحسمه يبقيان في يد القوى الدولية النافذة،
:nocomment:

الحريري كان أكبر من المنطقة، وحسم أمره سيكون من خارج المنطقة، ودعك من كل هذا «الفشنك» الذي قد تطلقه الجماعات المختلفة في العالم العربي.
كان الحريري رجلا نافذا على المستوى العالمي، كان صديقا شخصيا لأكبر صناع القرار في العالم، من جاك شيراك الى امين عام الامم المتحدة الى رئيس البنك الدولي الى مراكز القوى في بريطانيا وأميركا، كل هؤلاء الاصدقاء والاقوياء، اخذوا حادث الاغتيال على انه صدمة شخصية لهم، وبذلك يكون تحركهم مدفوعا بهذا الحماس الاضافي الذي يعجل من اتخاذ قرارات سياسية واضحة لمعاقبة الفاعلين لهذه الجريمة البشعة.
ردة الفعل العربية الاولى لم تكن على مستوى الحدث، فقد اعتبر بعض الساسة الأميركيين اتهام اسرائيل في حدث كهذا هو نوع من «المراهقة السياسية ومؤشر واضح بأن العرب لا يريدون تحمل المسؤولية»، هكذا قال وزير أميركي سابق وصديق للرئيس الحريري، سفير أميركي سابق ايضا قال: «ليس لاسرائيل حاجة بقتل العرب ـ كما يدعي الاعلام العربي ـ العرب يقتلون ويصفون انفسهم بأنفسهم». كما قال مسؤول آخر بأن «ردة الفعل العربية الاولية الرافضة للتحقيق الدولي هي استمرار في سياسة اللامسؤولية والمراوغة». واضح ان ردة الفعل العربية الاولى لم ترق الى مستوى الحدث، كما انها لا تحظى بالاحترام العالمي او على الاقل الاحترام الأميركي، ولهذا اقول ان أمر الحريري خرج من يد العرب واصبح شأنا دولياً. بغض النظر عن من قام بهذه العملية، وفي هذا السياق، فإن سورية هي الخاسر الاكبر من هذا الحدث، فالعالم العربي، ظـلما او حقا، أشار بأصابع الاتهام الى دمشق، اتهام ثنائي صعب ان تخرج منه سورية سليمة، فهي ان لم تكن الفاعل، فعلى الاقل هي تعلم من الفاعل بحكم سيطرتها على الأمن في لبنان، سورية قادرة من وجهة نظر كثير من المحللين الأميركيين على ان تقول لنا من الفاعل. الانطباع العام هنا هو ان سورية مسؤولة عما حدث بشكل مباشر او غير مباشر، والانطباع غالبا ما يكون اكثر حقيقة من الحقيقة نفسها، هذا الانطباع انعكس بوضوح في تصريحات البيت الابيض التي ربطت بشكل مباشر بين خروج القوات السورية من لبنان وتنفيذ قرار مجلس الأمن 1559 وبين تفجير موكب الرئيس الحريري في بيروت، واذا ما اضفنا هذا التصعيد بداية من قانون محاسبة سورية الذي وقع عليه الرئيس بوش منذ شهور، والضغط الأميركي المتواصل على سورية ورفع درجة حرارة هذا الضغط الذي وصل حدوده في حملة وزيرة الخارجية الجديدة كوندوليزا رايس امام الكونجرس والتي وصفت فيها سورية بواحدة من «معاقل الطغيان» في العالم، كل هذا كان يصب في اتجاه معاقبة النظام السوري، واغتيال الرئيس الحريري في وضح النهار في بيروت يمثل السبب الأخير الذي كانت تبحث عنه كل من فرنسا وأميركا لاتخاذ إجراء حقيقي تجاه سورية.
[SIZE=4]كما أسلفت ليس بالضرورة ان تبنى القرارات السياسية على حقائق، فهي غالبا ما تبنى على انطباعات، والانطباع السائد الآن في الولايات المتحدة هو ان سورية تقف وراء هذا الحادث البشع، الانطباعات بوجود اسلحة دمار شامل وليس الحقيقة هي التي ادت الى نسف نظام صدام حسين من جذوره في العراق، الانطباعات ايضا بأن صدام وجيشه خطفوا الاطفال من الحضانات في الكويت هي التي دفعت بالجيوش الجرارة الى المنطقة عام 90/91 والانطباعات ايضا هنا هي التي ستجعل منطقة الهلال الخصيب الآن مرتعا للقوات الاجنبية لتحكم منطقة فشلت في حكم نفسها.
عندما سألت احد الأميركيين من العالمين ببواطن الامور في شأن سورية، [SIZE=5]قال: «الناس في انتظار سقوط فردة الحذاء الاخرى» wating for the other Shoe To Drop ، بمعنى ان الضربة مقبلة لا محالة، وحددها بستة اشهر على اكثر تقدير. فالولايات المتحدة من وجهة نظره لن تقبل بمثل هذه العربدة في المنطقة، يا ترى من سيكون التالي بعد الحريري؟ هكذا قال. هل هي محاولة لأن تعم الفوضى في المنطقة، هل لأن هذه القوى فشلت في مواجهة أميركا في العراق نجدها تحاول خلق جو من الفوضى في كل المنطقة، لن نسمح بأن يدخل الشرق الاوسط في هذا النفق المظلم، التضحية بنظام واحد افضل بكثير من التضحية بالكل، هكذا كان تصوره.
اذن المزاج هنا في الولايات المتحدة هو مزاج حزن وغضب في آن، مزاج عقاب وقصاص لمقتل رجل عرف عنه الاعتدال، وراهنت عليه القوى الدولية كعنصر استقرار في المنطقة، اداة إعمار في منطقة بدأت تقوى فيها شوكة قوى الخراب.
وعندما تتحرك عجلات الحرب في الدول الكبرى من خلال قرارات في مجلس الأمن، يبقى ضجيج المنطقة العربية وتصريحاتها ليس اكثر من كونه «طق حنك» على حد التعبير اللبناني. [SIZE=4]باغتيال رفيق الحريري يكون أمر لبنان قد فلت من النظام الاقليمي، واصبح شأنا دوليا، كما ان مسألة القصاص لمقتل الحريري لن يكون قصاصا عربيا، بل سيكون قصاصا دوليا غالي الثمن، اذن في النهاية نحن الذين نجلب القوى العالمية الى ديارنا، نحن السبب في المقام الاول، وكفانا مراهقة.
* خاتمة شخصية:
اقول عن الحريري ولبنان:
كان في ارض، وكان في ايدين عم بتعمر
عم بتعمر تحت الشمس وتحت الريح..
وبفضل الحريري ايضا:
صار في بيوت.. وصارت شبابيك عم بتزهر..
في ولاد.. وبايديهم في كتاب..
وبليل كله ليل سال الحقد في قلب البيوت
والايدين السودا..
خلعت الابواب وصارت البيوت بلا اصحاب،
قالتها فيروز في شأن القدس،
وارى انها مناسبة لهذا الحدث للحريري
ولبيروت وللبنان بأسره.