المطلع على تاريخ الوحي عند الأمم يجد أن لكل أمة طريقة خاصة في نزول الوحي وغيرة ولسنا متأكدين أن هناك أمة سبقت مـصر في هذا الاتجاه بل في كل الأحوال تدل على أنه كان لها قصب السبق في هذا المضمار ثم ظهر في البلدان الأخرى من كنعان وإسرائيل وفارس وبلاد الإغريق وخيتا الخ..

في مصر عدة وثائق هامة عن الوحي في العصر الفرعوني ففي الواقع أن الأرباب كانت تشترك في حياة الشعب المصري القديم اشتراكا وثيقاً فقد كانت لا تمر حادثة إلا رأيت تأثير الآلهة أو ارادتهم فيها وبخاصة مع الأرباب المحليين

وقد كان ضمن العادات الدنيوية الشائعة عند عامة الشعب أن يستشيروا الأرباب قبل القيام بعمل ما

وقد كان الأرباب يجيبون عن طلبات استشارات القوم بطرق مختلفة وكانت إما الكهنة أو كان الرب المستشار يجيب شخصيا وهذا ما أثر تاثيرا كبيرا في المتدينين منهم ,

وكان يحدث أحيانا أن يجيب الرب عن سؤال وضع له له عن أحلام رآها للسائل في نومه .

إما في الغابات أو في الصحراء فكان يأتي في صورة هاتف وكانت تماثيل الأرباب في المعابد تقوم بعمل حركات غير منتظرة وذلك برفع اليد أو تحريك الرأس

وقد كان الكهنة في هذه الحالة هم المترجمون لإرادة الأرباب

وقد قص لنا هيردوت أن مصر كان إلهام الوحي في معابد كثيرة لا سيما عند (الأرض الحرام-آباتون) إبيدوس

وذكر (استرابون) وحي اللـه في واحة سيوة وذكر أن معبد دكة ببلاد النوبة ذا مكانة عظيمة عند قدماء المصريين وغالبا ما كان القوم يطلبون الإيحاء من العجل المقدس (إبيس)

وقد عثر في عام 1924 م في المدمود على منظر للعجل المقدس وهو يؤكد وجود وحي يؤديه الثور المقدس ونجد به تفاصيل هامة عن طريقة إستجواب هذا الوحي

فالإمبراطور الروماني (تراجان) قد مثل على المنظر وهو يخاطب الثور المقدس الذي يناجيه فيقول:

يأيها الثور العظيم إن مكانتك تعظم بصوتي وإنك تتحرك على حسب كلامي وإن قلبي راضي لأنك تأتي

وعند هذا اللحظة يأتي صوت قوي يتردد في أصداء المكان يردد بالموافقة

ثم يركع الإمبراطور للـه شاكرا على ما استجاب به .


وفي فترة حكم الملكة (حتشبسوت ابنة تحوت موسى الأول *) نجد في نقوشها على معبد الدير البحري قبل أن ترسل بعثتها إلى بلاد ((بونت)) لجلب الروائح العطرية والبخور ذهبت إلى المعبد وطلب استشارة اللــه في (توبتاي-طيبة) وبعد أن اجابها اللـه بالقبول وتجلى كنور يلمع في أرجاء الكرنك موافق إياها على رغبتها

أمرت بسفر البعثة

وبعد فترة قلاقل (لا نعرف كيف انتهت حياة حتشبسوت) نرى متن يصور على من يخلف تلك المرأة المالكة نجد نقش يصور كيفية اعتلاء (تحوت موسى الثالث ) الحكم عن وحي من اللـه أصدره في المعبد المقدس والمدينة المقدسة (توبتاي) من فمة في نفس المحراب لأنة يحب شعب مصر هكذا يقول الرب إلهكم بوجوب تعيين خليفتي في الأرض (تحوت موسى )

كذلك كان الوحي يتدخل في شئون بيوت اللـه (بيت = كلمة مصرية تعني المعبد ومازلت تستخدم في مصر وتعنى منزل ) فنجد نقش يبين عن موافقة الكهنة بعد صراع مرير على تولية (نبوننف) الكاهن الأكبر في أرجاء مصر بعد انتخاب اللـه له مباشرة

وذكر هيردوت أيضا عن الفرعون (شبكون) أحد ملوك الأسرة الخامسة والعشرون بتولية الحكم بسبب تنبؤات ونصائح أفضى بها وحي إليه

أما عن كيفية جلب الوحي
فتدل الشواهد على إنه كان يحدث في كثير من الأحوال على إنه كان يحدث في كثير من الأحوال شفوياُ ونجد في المتون أن الطالب والشاكي أو صاحب الرجاء على حسب حالته كان يعبر عنه في المتون مخاطبا اللـه أو الرب بإلاجابة أو تقديم أسئلة مباشرة للرب في معبدة كما تبين لنا المتون قصة تبرئة شخص يدعي تحوت موسى

أو أن يكتب الرب كتابة باللغة الهيروغليفية (أي المقدسة) مجيبا كتابة كما كان يجري في معبد (حبيب اللـه آمون حتب الأول)

ويوجد رقعتان (اسراكون) محفوظة الآن بالمتحف البريطاني )

وهذه هي الترجمة

((تفاصيل سرقة ارتكبت ضدي بوساطة العامل نختو موت .

لقد ذهبوا إلى بيتي وأخذوا رغيفين كبيرين وثلاثة أرغفة منوعة وأهرقوا عطوري , وفتحوا مخزن حنطتي وسلبوا قطعة قصدير

وفي الشهر الثالث عشر أثناء الاحتفال بطلعة الملك (آمون حتب) ذهبوا إلى المخزن وسلبوا ثلاثة أرغفة (عقو) كبيرة وثمانية أرغفة (سعب) وفطيرة (رحو) وقعب نبيذ وفتحوا مكيال جعة (بزفت) كانت موضوعة على الماء لتبقى باردة ؟ عندما كنت في (خن) والدي فأعمل يا حبيب اللـه ياسيدي يا من طهرك اللـه ورحمك وغفر لك ذنوبك (آموحتب) أن ترد لي خسارتي

والجملة الأخيرة تدل صراحة على إنها شكوى صريحة وضعت أمام تمثال العبادة الخاص بالذي رفعة اللـه مكانة عالية (آمون حتب رضي الله عنه )


لذلك كان الوحي يلعب دورا خطيرا عند كافة الشعوب في انتخاب الملوك والكهنة العظام والقضاة لا في مصر وحدها بل كذلك عند القبيلة العبرية (الإسرائيلية ) واليونان


ففي بني إسرائيل متن معروف كيفية تعيين أول ملك وطني إسرائيلي وهاك نصه

((ودَعا صَموئيلُ الشَّعبَ إلى الإجتِماعِ أمامَ الرّبِّ في المِصفاةِ 18وقالَ لهُم: ((هذا ما قالَ الرّبُّ إلهُ إِسرائيلَ: أنا الذي أخرَجكُم مِنْ مِصْرَ وأنقَذَكُم مِنْ أيدي المِصْريِّينَ، ومِنْ أيدي جميعِ المَمالِكِ التي ظَلَمَتكُم. 19وأنتُمُ اليومَ رفَضتُم إلهَكُمُ الذي خلَّصَكُم مِنْ جميعِ بَلاياكُم وضيقِكُم وقُلتُم لَه: أقِمْ علَينا مَلِكًا. فتَقدَّموا الآنَ أمامَ الرّبِّ على حسَبِ أسباطِكُم وعشائِرِكُم)).20ثُمَ قدَّمَ صَموئيلُ جميعَ أسباطِ إِسرائيلَ، وألقى القُرعَةَ فأصابَت سِبْطَ بنيامينَ. 21قَدَّمَ سِبْطَ بنيامينَ بِعشائِرِها، فأصابَتِ القُرعةُ عَشيرَةَ مَطْري. وقدَّمَ عَشيرَةَ مَطْري بِرِجالِها، فأصابَتِ القُرعةُ شاوُلَ بنَ قَيسَ. فبحَثوا عَنهُ فلم يَجدوهُ. 22فسألوا الرّبَّ أيضًا: ((هل يَجيءُ شاوُلُ إلى هُنا؟)) فقالَ الرّبُّ: ((هَا هوَ مُختَبِئِّ بَينَ الأمتِعةِ)). 23فأسرَعوا وأخذوهُ مِنْ هُناكَ، فلمَّا وقَفَ بَينَ الشَّعبِ زادَهُم طُولاً مِنْ كَتِفِهِ فما فَوقُ. 24فقالَ لهُم صَموئيلُ: ((أرأيتُم أنَّ الذي اَختارَهُ الرّبُّ لا مَثيلَ لَه فيكُم جميعًا؟)) فهَتَفوا كُلُّهُم وقالوا: ((يَحيَ المَلِكُ)).

هذا المتن يحمل في طياته الخروج على نظام الملكية الغاشمة حيث يدل أن يهوه تدخل لانتخاب ملك لشعبة عن طريق نظام الاقتراع


وكانت تلك الطريقة متبعة عند أهالي (أثينا) فقد كانوا ينتخبون بالاقتراع أعضاء مجلس الخمسمائة وكذلك الأعضاء الذين يعينون رؤساء على التوالي وقد كان كل واحد منهم يتولى رياسة المجلس يوما
ويتساءل البعض هل كان أهل أتينا خاضعين في انتخاباتهم لهذه العواطف؟؟

فانقسمت الآراء يرجعه البعض لتفسير ديني وآخر سياسي

أفلاطون يقول: الشخص الذي تقع عليه القرعة محبوب عند الإله ونجد إنه من الصواب أن يحكم ,
أرسطاليس يقول : أن الاقتراع كان إجراء ديمقراطياُ أصيلا لأنة يحقق فرصة العدالة والمساواة بين المواطنين

المراجع : موسوعة مصر القديمة سليم حسن
نحو آفاق أوسع أبكار السقاف
التوراة