اقتباس:قصة قصيرة جدا جدا
حاول ميت الانتحار
فمنعه الكفن
وعندما اغتيل الكفن
حكم على الميت بالاعدام
في الحقيقة ها هنا نجد أن القصة القصيرة الذي ازداد الغث منها كثيرا هذه الايام .؟. قد اكتملت عناصرها تماما و جاءت بنية متكاملة بعيدة عن السرد و الوصف و الحشو.. كما أنها ابتعدت عن النقل البسيط للمشاعر او الأحاسيس الذي لا يتجاوز الخاطرة او المذكرات بأحسن الاحوال ..
حين نقول قصة قصيرة يجب علينا مراعاة الشروط الحادة و الاساسية لفعل القص :
اولا الحدث : يجب ان نرى ان هناك حدثا ما يتجسد بالصراع الذي هو جوهر القص.. و هو الفعل الذي لا غنى عنه . و الذي من دونه يتحول الموضوع الى خاطرة او هذر لغوي لا اكثر.
ثانيا: العقدة التي تمثل ذروة الحدث و نقطة المحرق الاساسية التي عندها فقط تتحول الشخصية القصصية من انسان عادي بكل ابتذاله الى شخصية درامية صراعية تستاهل الروي او القص عنها.
ثالثا: الحل او النهاية و هو شرط اساسي لا يمكن الاستغناء عنه لانه يمثل صيرورة الحدث و الخطوة التالية تماما بعد العقدة.. و قد يكون مفتوحا او مغلقا او .. ولكن وجوده ضرورة فنية واجبة.
إن أي قصة قصيرة يجب أن تمتثل لهذه الشروط الأساسية و يمكن أن تكون بعيدة عن الترتيب المذكور أعلاه.. اي نبدأ اذا شئنا بالعقدة ثم نعود لوصف الحدث او نبدأ بالخاتمة ثم نشرح الحدث لنقفل عند العقدة.. الخ
هذا يعتمد أسلوب الكاتب و طريقته في نقل الحدث إلينا و قوة اختزاله و تركيزه الادبي..
هنا في قصة صديقنا الجميل : إدراك.. نجد ان كل العناصر الادبية و الفنية اكتملت في هذه القصة القصيرة جدا و التي لم تتجاوز عشر كلمات تقريبا :
يبدأ الحدث بالمحاولة :
حاولأدخلنا الكاتب حالة الادب و الفن بما فيه من تحريض للخيال وتشويق للمتابعة..
و لكن ما هي المحاولة التي قام بها الميت؟؟؟ نكتشف في الكلمة الثالثة اللغز الأعمق والأكثر تراجيدية لقد حاول ميتنا :
الانتحار..
و الان لنرى العقدة او العائق التي تمثل الشرط الثاني للحدث.. وهنا نجد :
منعه الكفن ..
و هكذا تنهمر الصور الخيالية شلالا من المعارف و الذكريات و
الإحتمالات الهائلة لقراءة متعددة للنص..
للخروج من العقدة لابد من حل، الحل هنا كان رمزيا، متراكبا بنيويا مع موضوعة القصة او منطوقها و هو الموت، فكان الحل بأنه :
اغتيل الكفن الذي أحبذ ان لا يكون مبنيا للمجهول كي لا يضعف من توتر القصة..
هذا الحل يفضي بنا الى النهاية التي جاءت تراجيدية قوية جدا، متناقضة شكلا متراكمة موضوعا، بناءا على أن شخصية الحدث هو ميت، فكانت جملة و لا اجمل تحمل طاقة أدبية عالية التعبير مغرقة الدلالة و هي:
حكم على الميت بالاعدام..
نص أدبي رائع يحمل معناه و يفيض، و يحمل كذلك خلفية سياسية و معاناة حياتية قاسية، حتى الموت لا ينجو من براثنها..
شكرا للكاتب على هذه المتعة المزدوجة التي قدمها لي: أولا بقراءة ما كتبه في هذا النص المكثف كجرعة مخدر و ثانيا بمحاولتي هنا لمقاربة النص و قراءته قراءة ثانية ..
شكرا:wr: