مرحبا،
العاقل ما زال يصر على موقفه الاصلي و هو أن "النظام يستوجب وجود ارادة" و لا يوجد اي امكانية اخرى او احتمال اخر لتفسير وجود النظام. و يتجاهل العاقل تعليقي الاساسي على قضية النظام، و هو تعليق مبني على معرفة العلماء المعاصرين، و تتلخص في كون النظام في بقاع منتشرة في الكون امر ينتج تحت تأثير القانون الثاني للديناميكا الحرارية، في حيز مفتوح غير مغلق، و متمدد في نفس الوقت، اذن انا وافقته على وجود النظام، و لكن موافقتي كانت مقتصرة على ذلك و ليس على زعمه بأن الكون "محكوم" بنظام، فقد بينت له أن العلماء يستعملون كلمة "قانون" للكناية عن طبيعة الاشياء الظاهرة و تصرفاتها، و ليس بمعنى سُنّة تحكمها. و بهذا، علميا لا حاجة لفرضية الارادة اصلا. و لكن نتابع الحوار.
بالنسبة للقضية الثانية، و هي زعم العاقل بأن النظام يدل على ارادة، فقد بنى العاقل زعمه هذا على دليلين: الاول هو القياس، و قد اسقطه العاقل في مداخلته الاخيرة بعد أن بينتُ له عدم صحته، و أبقى على دليله الثاني، و هو دليل نفي الاحتمالات الاخرى، و هذا ما سأجيب عليه فيما يلي. لكن قبل أن أجيب عليه، أود أن أوضح نقطة مهمة جدا: العاقل في هذه المرحلة من الحوار فشل في اثبات حتمية وجود الارادة وراء النظام، بعد سقوط كل ما تقدم، و بات يتمسك اخيرا بقشة يتيمة تقوم على زعمه "الاحتمالي". يعني نحن الان في مرحلة سقطت فيها حتمية وجود الارادة، و بتنا في مرحلة يزعم فيها العاقل ان وجود الارادة هو امر
مرجّح ليس إلا على حد زعمه، بناء على نقطة الاحتمالات التي يستند عليها. و أذكّر القارئ أن الترجيح دائما معرض للخطأ، خصوصا و أن ترجيح العاقل مبني كليا على مجرد اجتهادات و تصورات، و ليس على دراسة حقيقية و لا حتى على أساس احتمالي رياضي واقعي. يعني هذا اسلوب غير علمي و كثيرا ما يكون مؤسسا على مجرد اوهام.
على كل، استعملت نقطتين في رفضي لقرار العاقل برفض جميع الاحتمالات الاخرى غير احتمال الارادة. النقطة الاولى
هي اننا لا نعرف كل الاحتمالات لانعدام معرفتنا بالاكوان،. رفض العاقل كلا النقطتين كالتالي:
1) عجز الانسان عن حصر كل الاحتمالات الممكنة
يقول العاقل،
اقتباس:التفسيرات الممكنة للحادثة ، أي إحتمالات الحادثة ، هي – بالضرورة – متناهية
هذا كلام خاطئ. ليس كل الامور لها احتمالات تفسير متناهية. و ابسط مثال على ذلك هو المثال التالي: أ - ب = 2. يا ترى كم هي احتمالات قيمة أ و قيمة ب التي تجعل هذه المعادلة صحيحة؟ الاحتمالات لامتناهية. طبعا هذا مثال تجريدي رياضي، و لكن بما أن العاقل يعترف بأننا لا نعرف شيئا عن الاكوان و تكوينها، و يكتفي بقدرة العقل على التصور و التخيل، على الاقل من ناحية تجريدية تصورية، فهذا خير مثال على فشل هذا الاسلوب.
[QUOTE] ...... زيادة معرفتنا عن ظروف الحادثة ، وعمق هذه المعرفة .. لا يؤدي لزيادة الاحتمالات ، بل هو دائما ينفي احتمالات ، ويبقي على احتمال وحيد
الجزء الثاني من زعم العاقل، و هو أنه يتيسر على الاقل لبعض الافراد حصر كل الاحتمالات لتكون الكون، فهو أيضا كلام خاطئ. في يوم من الايام، كانت هناك فرضيتين في اوروبا: فرضية ان الارض هي مركز الكون، و فرضية ان الشمس هي مركز الكون. و لم يأت أحد حينها بأي احتمال اخر، و كان الكل يتلهف ان يصل العلماء لمعلومات تفيدنا في اقصاء احد الاحتمالين و اثبات صحة الاخر، و لكن ماذا حدث في النهاية؟ زادت معرفتنا العلمية و وجدنا ان كلا الاحتمالين خاطئين! بل و زادوا احتمالا ثالثا ثبت صحته و هو ان "الكون" بالنسبة لهؤلاء الناس هو في الحقيقة مجرد النظام الشمسي، و هو واحد من بلايين الانظمة الاخرى. و الان يصر البعض ان الكون هو الحيز الوحيد في الوجود، و من يدري، فقد نكتشف في المستقبل انه مجرد واحد من اكوان اخرى كثيرة.
يعني كل الاحتمالات التي وضعها العاقل حصرا و وضعتها انا جدلا قد يتبين خطأها كلها في المستقبل عندما تزداد معرفتنا العلمية.
اذن فزعم العاقل ان زيادة المعرفة تؤدي الى تقليل الاحتمالات هو زعم ثبت بطلانه تاريخيا مرارة و تكرارا، فالمعرفة في الكثير من المجالات في كافة العلوم كثيرا ما تنفي احتمالات، و كثيرا ما تضيف احتمالات اخرى. و بهذا أكون قد أثبتُّ صحة كلامي أن العاقل عاجز عن حصر الاحتملات نظريا و عمليا، و ايضا ان زيادة المعرفة كثيرا ما تضيف احتمالات اخرى لم نكن نتصورها، فمن قصور النظر ان نتخيل اليوم عدة احتمالات و نزعم، كما يزعم العاقل، اننا توصلنا لمعرفة كل الاحتمالات.
2) قدمت أنا احتمالات يتباحث فيها العلماء اليوم، زيادة على احتمالات العاقل
يعترض العاقل على احتمالاتي كما يلي:
اقتباس:أنا قلت " ذا وجود أزلي " ، هو قال " يتمدد ويتقلص بلا نهاية " ، نفس الفكرة بقالبين لغويين مختلفين ، أحدهما أعم من الآخر.
علميا هناك فرق. فرضيات الكون النابض تقول على أساس أن كل نبضة للكون تأتي بشكل مختلف، و كون مختلف. في بعض هذه النبضات، يكون هناك انظمة مختلفة عن غيرها، و في بعضها لا يكون انظمة مطلقا لعدم استمرارية النبضات لفترة زمنية تسمح بتكونها. فرضية الكون النابض بالتالي تختلف كليا عن فرضية الكون الازلي القائل بأن النظام الكوني الموجود حاليا هو نفسه موجود ازلا. و بالتالي لا يمكن علميا اختزال كلا الاحتمالين في نفس الاحتمال.
اقتباس:ماذا لو قلت ان وجود الرجل ناتج عن كون " هذا الرجل واحد من بين آلاف الرجال في هذا العالم "، أو " لانه يرتدي قميصا أزرق " ؟ هل هذا تفسير ، أم انه وصف ؟ هذا – أيضا – هو بالضبط ما فعله لوجيكال في احتماله الأخير : الكون موجود لأنه واحد من بين عدد لا نهائي من الأكوان . هذا كلام مرفوض .
أذكّر العاقل أننا بالأساس لا نتحدث عن الكون، و انما عن وجود النظام في الكون. و بالتالي فهذا يضيف الى قائمة الاحتمالات التي تسعى لتفسير وجود النظام في هذا الكون الذي نعيش فيه، و ليس الى احتمالات وجود الكون نفسه. و بالتالي فهذا الاحتمال وارد اضافة الى الاحتمالات الاخرى التي تسعى لتفسير وجود النظام، و ليس وجود الكون.
فيما بعد، يعود العاقل الى قضية كنت قد طرحتها في السابق، تبين لامنطقية افتراض الارادة، و قد تهرب العاقل من الرد، زعما بأنه غير ملزم لأننا نتحدث عن الكون و ليس عن الخالق. و مع أنني رضيت بحكم جقل لصالح العاقل، إلا أنه و بعد أن قمت أنا بنفس الشيء، يعود هنا مدافعا عن احتجاجه. و لا أمانع في الرد على هذا الاحتجاج مع أنني قبلت بالحكم و لم أرد العودة اليه.
اقتباس:نحن هنا كالمحققين ، والكون عبارة عن مسرح جريمة محدد بالشريط الأصفر . نبحث في داخل هذا المسرح ، للوصول لشيء خارجه ، للجاني . عملنا محدد بشيئين اثنين : أولا ، بالموضوع ، مسرح الجريمة أو الكون . ثانيا ، بالإمكان العقلي. ماذا نبحث في مسرح الجريمة ؟ لا نبحث عن الجاني .. بل نبحث عن أثر يقودنا إليه. ومن خلال هذا الاثر نثبت تلبسه بالتهمة . نفعل بالكون نفس الأمر ، نبحث عن أثر يدلنا على سبب حدوثه. إذا ما وجدت أثرا في مسرح الجريمة ، يدل على أن الجاني هو كائن فضائي . فلا يستطيع أحد رفض كلامي ، لأن وجود كائن فضائي هو أمر ممكن ، وهذا هو – أي الإمكان - المحدد الثاني لنطاق عملي .
يا عزيزي لو فرضنا اننا محققين في مكان جريمة. و وجدنا مثلا عينة معينة لنوعية دم مثلا لا يمتلكها في العالم إلا ثلاثة اشخاص في العالم بينهم رجل اسمه عدنان. ستقول أنت، "هناك احتمال ان يكون عدنان شخصيا قام بالجريمة." عندها سأقول لك، "حسنا، و لكن هناك حقيقة ان عدنان متوفى من عدة سنوات، و بالتالي فمن المستحيل ان يكون هو المجرم." عندها، حسب منطقك الخاطئ، ستقول لي، "أنا غير ملزم في الحديث عن صفات عدنان او اي شيء خارج موقع الجريمة. العينة هنا قد تعود لعدنان، و بالتالي من المحتمل ان يكون هو المجرم."
هل هذا منطقك ايها العاقل الذي ترفض على اساسه البحث في مسألة الارادة؟ أنا لن ازيد عن كلامي الذي جاء في المداخلة المعنية، و هو حقيقة ان منطقك بلزوم وجود ارادة خلف كل نظام هو كلام متناقض مع ذاته، حيث ان الارادة نفسها شكل من اشكال النظام، و بالتالي فزعمك كله برمته في هذا الحوار كلام يناقض بعضه جملة و تفصيلا. و لكني ألتزم بحكم جقل بأن نتحدث في الكون نفسه و لا نبحث في "الارادة" المزعومة.
فلنعد الى الحوار.
اقتباس:أنت ماذا فعلت ؟ وضعت افتراضات كـ " قوة صماء لا إرادة لها " ، " مربع ذو ثلاثة أضلاع " . هذه جمل ، لا نحكم عليها أنها صحيحة أو خاطئة ، بل هي لا معنى لها . وحتى لا نبالغ ، فالمعنى الوحيد الذي يمكن أن تحتمله جملة " قوة صماء لا إرادة لها " هو أنها صياغة أخرى للصدفة . وهنا نعود لاحتمال وضعته انا .
اسلوب غريب. العاقل يرفض الاخذ بحجتي عن الارادة المزعومة بحجة انها خارجة عن مجال الحوار، مع انها امر لامنطقي، و في نفس الوقت يصر على التحاور في اشياء اتيت انا بها من خارج الكون، و يتباحث في صفاتها مع انها خارجة عن موضوع حوارنا كما يزعم. هو يكيل بمكيالين. أنا اتمسك بالاحتمال الثالث الذي اضفته و هو وجود طاقة صماء غير مريدة نتج عنها الكون او النظام في الكون، و يبقى هذا احتمالا عقليا و عمليا بكل المعايير.
اقتباس:الصدفة لا تعني عدم الإرادة ، بل تعني انعدام القصد ، فقط . عندما تصدم انسانا بالطريق خطأ ، ويموت . فأنت تقول أن هذا حدث صدفة . تقول : صدفة ، وأنت لا تقصد انك لم تفعل ، بل تقصد أنك لم تقصد هذه النتيجة من هذا الفعل .
يا عزيزي انت اصلا تحاورني هنا في محاولة منك لإثبات ان النظام يستلزم وجود الارادة. الصدفة لا تعني انعدام الارادة بالضرورة، و لكنها في نفس الوقت لا تثبت الارادة. لذلك فعلى عاتقك أنت اثبات وجود القصد لكي تثبت وجود الارادة، اما اذا فشلت و ثبت ان النظام موجود بالصدفة، فهذا يبقي احتمال انعدام الارادة احتمالا واردا و مفتوحا. بمعنى اخر لا يمكنك القول بحتمية وجود الارادة إلا اذا أثبتّ وجود القصد، اما اذا لم يثبت وجود القصد، فهذا يُعد فشلا منك في اثبات حتمية وجود الارادة.
===========================
الان نأتي الى الدليل الاخير الذي اضافه العاقل في نهاية الحوار، و هو اسميه "دليل بعد منتصف الليل"، حيث بطلت كل النقاط السابقة التي أتانا بها. و في الحقيقة هو عبارة عن فرضيات و مزاعم خاطئة مرمية يمنة و يسرة كما سأوضح.
اقتباس:الــدلــيل الـــثــــانــي : هو – ببساطة – السببية . لكل شيء سبب ، هذه بديهية عقلية ، ونمارسها في حياتنا يوميا بشكل مباشر وتلقائي ، لا ينفيها أحدنا إلا اسميا ، ليقرها هي بشكل جديد .
اولا لا يمكننا الجزم بأن لكل شيء مادي مسبب يقضي بتصرفه بطريقة معينة (نظام او غير ذلك). توصل العلم الحديث الى حقيقة تسمى unpredictibility و هو امر يتعلق بالجزيئات مثل الالكترونات التي تتحرك في اتجاهات و بسرعات معينة لا يمكن ابدا اقرارها او معرفتها، حيث اننا اذا عرفنا سرعتها لا نعرف اتجاهها، و العكس صحيح. و هذا يعني انعدام المسبب وراء الاتجاه او السرعة. فهي عشوائية بكل ما في الكلمة من معنى. هناك ايضا المفهوم العلمي الحديث المسمى virtual particles و هي جزيئات اصغر من الذرة تظهر و تختفي في مجالات طاقة متنافرة بدون سبب معين بل بعشوائية. لكن هذه امور علمية دقيقة سأتغاضى عنها.
لو فرضنا جدلا كما يقول العاقل ان كل شيء في الكون له سبب. فهل هذا يعني ان الكون ككل (بهذا الشكل او بغيره) وراءه سبب؟ هذا كلام غير منطقي. يعني كأن العاقل يقول، "كل الاجسام الموجودة في هذا المنزل هي كلاب، اذن نستنتج ان المنزل نفسه هو عبارة عن كلب." :lol:
و حتى لو افترضنا جدلا و مضيعة للوقت ان هذه "السبب" للنظام هو داخل الكون، فهذا لا يثبت ان هذا السبب هو بالضرورة "ارادة". قد يكون هناك سبب اولي للكون و لكنه ليس "ارادة". و بالتالي فالعاقل هنا خرج عن نطاق دليله أصلا، و بات يحاول اثبات نقطة لا علاقة لها بالموضوع.
اقتباس:هذا الكون ، بهذا الشكل ، وبهذا النظام ، ليس أمرا ضروريا ، يجب وجوده ، هو ليس – حسب مصطلح القدماء – واجب الوجود . هو ممكن ، أي أنه احتمال واحد فقط من بين احتمالات أخر
هناك فرق بين الاحتمالات النظرية و الاحتمالات العملية ايها العاقل. من الممكن نظريا تصور وجود الكون بأشكال مختلفة كثيرة، و لكن من الممكن ان وجود الكون بهذه الصورة الحالية هو الاحتمال الوحيد الممكن
عمليا و واقعيا. كما قلت لك في السابق، أنت لست عالما في الاكوان و اصولها و مسبباتها و لا يمكنك الجزم بأن احتمالاتك النظرية هي ممكنة عمليا. و هكذا فمن الممكن ان يكون هذا الكون الذي نعيش فيه واجب الوجود من الناحية العملية بالرغم من قدرة الفطاحل من البشر تصور اكوان اخرى. و من غير المعقول ان تجعل من تصوراتنا و توهماتنا انا و أنت احتمالات في الواقع العملي بل هي مجرد تهيئات منطقية نتخيلها جدلا بما يفيد الحوار. قد تكون ممكنة و قد لا تكون.
اقتباس:نفي هذا الاستدلال يكون بأحد هذه الطرق :
1- نفي وجود الكون أساسا ، وهذا امر يقر به لوجيكال .
2- نفي وجود نظام حاكم للكون ، وهذا امر يقر به لوجيكال .
أنا لم أقر بوجود "نظام حاكم للكون" فلا تسئ اقتباس كلامي رجاءا. انا شرحت مسبقا ان النظام في الكون هو طبيعة الكون و ليس سُنّة تحكمه.
اقتباس:3- نفي أن وجود الكون : احتمال ، وإثبات ان وجوده ضرورة . وهذه حجة لا يستطيع لوجيكال استعمالها ، لأنه يرى امكانية تمدد وتقلص الكون
كما قلت لك يا عزيزي، الاحتمالات التي اضفتها انا هي مجرد فرضيات تثبت ان تصوراتك انت لا تحصر كل الاحتمالات الممكنة. و بالتالي فهذا لا يلغي الاحتمال الاضافي ألا و هو أن وجود الكون بهذه الحالة التي هو عليها هو امر حتمي و لا يمكن لغيره ان يكون من الناحية العملية.
أما بخصوص انك تطلب مني اثبات ان وجود الكون ضرورة، فأرجوك ألا تنسى موقعك بالحوار. أنت المطالب بالدليل و ليس أنا. فبالتالي فعليك أنت اثبات ان الكون مجرد احتمال و ليس واجب الوجود، و عليك أنت ان تثبت انه من الممكن للكون ان يكون بصورة اخرى من ناحية عملية و ليس بمجرد ان تعطينا اجتهاداتك و تصوراتك الغير مدعمة لا بالعلم و لا بالمعرفة حول طبيعة الاكوان و اصولها. و هو أمر غير متسنّ لا لك و لا لغيرك، و بهذا فدليلك هذا باطل. و لا يمكنك بناء اي ادلة على مجرد مزاعم.
يضيف العاقل،
اقتباس:4- نفي استلزام هذا كله بالإرادة ، برفع خيار الصدفة.
أنت الان تناقض نفسك. قلتَ مسبقا ان وجود الصدفة لا يستثني الارادة، و الان تقول ان رفع خيار الصدفة ينفي الارادة. لا أدري أي من الزعمين المتناقضين تريدني أن أنفي، و لكن لا تقلق فقد أثبتّ خطأ الاول، و سأثبت فيما يلي خطأ الثاني:
يقول العاقل،
اقتباس: وهذا باطل لثلاثة أسباب : الاول ، في تعريف الصدفة - كما حددناه سابقا - أنها تنتج عن إرادة.
الان تناقض نفسك للمرة الثانية. لقد ذكرتَ لنا سابقا ان الصدفة يمكن ان تحدث بإرادة او بغير ارادة، و ها أنت تزعم أن الصدفة "تعريفا" تستلزم وجود الارادة! يعني اذا كان وجود النظام صدفة، فهو يستلزم وجود ارادة، و اذا لم يكن، فهو أيضا يستلزم وجود ارادة. عنزة و لو طارت، و لا دليل على أي من الخيارين.
يقول العاقل،
اقتباس:الثاني ، أن الصدفة ولو فرضناها أي شيء آخر ، فلكي تعمل عملها ، تستلزم ثلاثة امور : زمان ، وعشوائية ، ووجود مادي ؛ وهذه كلها منفية ، فالزمان يولد مع هذا الكون
تذكر يا عزيزي العاقل اننا نتحدث عن النظام في داخل الكون و ليس الكون نفسه، و أنت الان تقول ان الصدفة تستلزم وجود الزمان و المادة و العشوائية، و كل هذه الامور متوفرة في داخل الكون. و سواء كانت موجودة خارج الكون أم لا هو أمر لا علاقة له بالموضوع. و فوق كل ذلك، فزعمك المبدأي في هذا الحوار كله هو حول وجود النظام في الكون، و بالتالي فدليلك هذا حول السببية لا علاقة له بالموضوع برمته من الاساس.
و بهذا تسقط أدلة العاقل كلها، و يبقى ايمانه بوجود ارادة خلف النظام الكوني مجرد احتمال غير منطقي حسب ما بينت أعلاه، و زيادة العاقل دليلا اضافيا بعد ان فشلت باقي الادلة لم يفلح الا في زيادة الطين بلة و زيادة عدد التناقضات و الاخطاء في الزعم كله، و بهذا فإيمانه باطل و لامنطقي.