مذكرات شخصية تهدد الصحافة المكتوبة: شباب «بلوغرز» يمدون جسراً بين العرب والعالم الافتراضي
بيروت - جلنار اسمر الحياة 2005/02/24
تشهد ظاهرة «بلوغرز» Bloggers انتشاراً متصاعداً في العالم العربي، بعد ان شاعت في انحاء العالم, خصوصاً في اوساط الشباب. وبات شباب العرب ينافسون, ويتفاعلون مع نظرائهم على الارض، عبر صفحات «ويب لوغ» weblog التي تصنعها ايديهم في سهولة لافتة.
لا تتعب نفسك في البحث عن معنى لهذه الكلمة، «بلوغرز»، في المنجد، فالارجح انك لن تجدها. وتشتق باللغة الانكليزية من كلمتي «لوغ»، وتعني السجل الذي تدون فيه الاشباء بالتسلسل, و»بيوغرافي»: كتابة المذكرات الشخصية. وبالاختصار, تعني الكلمة تدويناً الكترونياً, عبر صفحات الانترنت، للمذكرات الشخصية.
البداية اميركية و...عراقية!
بدأت فكرة البلوغ منذ خمس سنوات تقريباً في الولايات المتحدة. وحول الشبان الاميركين مذكراتهم على الانترنت، الى مكان لتبادل الآراء حول آخر المستجدات السياسية أو التكنولوجية أو الشخصية أو المعاناة الشخصية وغيرها. وشرع نوع جديد من فن الكتابة في الظهور. وفي معنى ما، تمثل ظاهرة «بلوغرز» نوعاً من الكتابة الجماعية ايضاً. فعلى تلك الصفحات، يجد القارئ نفسه أمام أخبار وآراء الكثيرين من البلوغرز الذين سبقوه، فسجلوا تعليقاتهم ايضاً على ما قرأوه من مذكرات. وعندما يفتح الزائر صفحة البلوغ الأساسيّة، يرى مقتطفات من أخبار كل شخص، تتمركز الآنية منها في أعلى الصفحة والقديمة في أسفلها. وبمجرّد الضغط على اسم الكاتب، يدخل القارئ إلى صفحة الأخير الشخصية حيث يستطيع الاطلاع أخبار ومعلومات عن الكاتب (العمر، البريد الالكتروني الخاص، أعماله...) أو قراءة موضوع معين من أرشيفه.
يمكن لأي شخص قراءة هذه الأفكار وكذلك مراسلة الكاتب، والتعليق على كلامه. وفي المقابل، يحق لكاتب المقال إلغاء التعليق من صفحته أو تركه. ويمثل الامر أحد أسباب نجاح واستمرار ظاهرة «بلوغرز»، لأنه يعطي نوعاً من التواصل بين القراء والكاتب, وكذلك فانها تجمع ذوي الأذواق والأفكار المتناسقة أو المتعارضة. فالفكرة ليست فقط إيصال أفكارك الشخصية إلى العالم بل أيضاً قراءة ردود الفعل عليها.
أمثلة من العالم العربي
يتفاعل القارئ مع صفحات «بلوغرز»، بمجرد تسجيل اسمه (الحقيقي او الوهمي) في تلك الصفحات، وكتابة ما يريد من آراء سياسيّة وإجتماعية، وانتقاداته الشخصية ايضاً. واحياناً، تتحوّل صفحات ال»بلوغرز» إلى مجموعة من الإعلانات، أو صفحة تعليقات على المستجدات في العالم، أو مجرّد مكان للمزاح.
وتشكل التجربة أسرع طريقة لفهم البلوغ، وهذه مسألة سهلة جداً، وما على المستعمل إلاّ الدخول إلى أحد مواقع البلوغرز والتسجيل فيه والاستمتاع بخدماته. ومن المواقع العربية المناسبة لهذا النشاط، موقعا «بحرين بلوغز» .
www.bahrainblogs.com و»صبّاح»
www.sabbah.biz. ويُسجّل للموقعين مجانية خدماتهما.
وكذلك يعطي موقع «ارابلوغ»
www.arablog.net، مثالاً عن الطابع الصحافي لهذه الظاهرة. ففي هذا الموقع، تتجمع مقتطفات من أخبار الكاتب وجمهوره، في منتصف الصفحة. وعلى يسارها, تجد أولاً مكاناً للتسجيل في الموقع، ثم لائحة بأنواع الأخبار (سياسة، تكنولوجيا، منوعات، إعلانات، أشعار...)، يليها لائحة أخرى بآخر خمسين خبراً سجّلت في الموقع. وعلى يمين الصفحة، سلسلة من الإعلانات، بعدها لائحة بأسماء البلوغرز الموجودة في هذا الموقع مع إمكان الدخول إلى صفحاتهم الشخصية. لا تختلف مواقع البلوغر عن بعضها البعض كثيراً، نجد فيها اللوائح نفسها تقريباً: لائحة بأسماء الكتاب، أخرى بأنواع الكتابات، مكان التسجيل...
من أهم حسنات البلوغ هو تكوين أرشيف خاص بكل بلوغر يمكن الرجوع إليه حين يشاء، ولا ننسى مشاركة الآخرين الآراء والمواقف والمشاعر حول قضية ما.
تهديد لصحافة الورق؟
يبدو ان الصحافة، وخصوصاً العربية، ستلاقي صعوبات متواصلة في منافستها مستقبلاً مع صفحات «بلوغرز» Bloggers. فبفضل اجراءات سهلة، وخدمات مجانية من مواقع الانترنت، في إمكان تلك الصفحات ان تتحول إلى اعلام جذاب، يضج بمواد اعلامية متنوعة متعددة الوسائط «ميلتي ميديا» Multi Media ، اضافة إلى تجديد اخبارها على مدار الساعة. ترفع هذه الأمور من مستوى المنافسة مع الصحافة الورقية المكتوبة، وتحتم عليها التفكير ملياً بالآثار المتعددة اعلامياً لـ»بلوغرز».
وللتذكير، يطلق تعبير «بلوغرز» على المذكرات الالكترونية التي يصنعها الافراد على الانترنت, ويعبرون فيها عن آرائهم الفردية في ما يجرى حولهم، تاركين مجالاً لمن يريد للتعليق والرد. انطلقت تلك الظاهرة في منتصف تسعينات القرن الفائت في اميركا، وخصوصاً مع موقع «درادج ريبورت» Drudge Report الذي يعتبر «الاب الروحي» للبلوغرز. وسريعاً، اصبحت تلك الظاهرة وسيلة امام الشباب للتعبير عن ارائهم وميولهم. ولفتت الظاهرة انظار جمهور الانترنت عموماً. وباتت مصدراً مفضلاً للأخبار التي لا تخضع لقواعد عمل المؤسسات الاعلامية (تلفزيون وصحافة وراديو) المختلفة. بقول آخر، فان بلوغرز تشبه نوعاً من «النميمة», إذ يهيمن كل ما هو سري ومكبوت وغير رسمي ومنفلت وحميم ومناهض للاجماع المنطقي، نشرتها الوسائل الالكترونية بسرعة. وحدث تطور غير متوقع ادى انفجار تلك الظاهرة عالمياً. ففي خضم الحرب الاميركية على العراق، لجأ شاب عراقي الى نشر يومياته ومشاهداته على صفحة شخصية في الانترنت. وسرعان ما حازت صفحة «بلوغر» العراقي «سلام ريبورت» شهرة عالمية.
مع توسع ظاهرة «بلوغرز»، التي يمارسها آلاف من الشبان العرب، تبدو الانترنت وكأنها على وشك تحقيق أحد اهم وعودها: رفع صوت الأفراد فوق صوت المؤسسات. الارجح ان هذا «الحلم» لم يتحقق بعد. ويحتاج الامر الى نقاش متشعب ومعمق لرصد هذا الأمر.
يوجد في العالم العربي الآلاف من «بلوغرز». يعملون في ظل صمت عميق. فمن غير المبالغ فيه القول ان ظاهرة «بلوغرز» لم تدرس بتعمق كاف على مستوى الاعلام العربي، بدءاً من الصحافة المكتوبة وانتهاء بالتلفزة. ويعطي الأمر مثالاً آخر عن مدى تلكؤ الظواهر المستقرة في التفاعل مع نفسها! كأنما الصحافة اعتادت على التفكير بأنها موجودة ومكينة وراسخة. هل تقرع ظاهرة البلوغرز الجرس امام الصحافة الورقية للتفكير في هويتها ودورها ومكانها في عالم يتغير فيه مفهوم الاعلام العام بصورة جذرية؟ الا يثير قلقها ان تستولي ظاهرة الصحافة الفردية، التي تمثلها «بلوغرز»، على صحافة في الوسيط الالكتروني للاعلام العام ، أو اعلام الجماهير «ماس ميديا» Mass Media في تسميته التقنية المعروفة ؟ كم ستنتظر التلفزيونات ايضاً لتدرج «بلوغرز» في صلب عملها اليومي، مثل ما تفعل مع الجرائد المكتوبة؟ من يراقب الشاشات الاميركية المتلفزة، يلاحظ انها شرعت في التعامل مع صحافة «بلوغرز» باعتبارها... صحافة ناجزة. فقبل بضعة ايام، استضاف تلفزيون «ان بي سي» ثلاثة بلوغرز، ليدلوا برأيهم في النقاش الاميركي عن الانتخابات العراقية. ولم يكن مفاجئاً ملاحظة ان صحافة «بلوغرز» اكثر صراحة في مناهضة التورط الاميركي العسكري في العراق, خصوصاً بعد ان دخل في مرحلة «بناء الامة العراقية»، بحسب تعبير المحافظين الجدد عن المهمة التي ينفذها الجيش الاميركي في العراق راهناً. الا تقلق الصحافة العربية من انتقال هذه العدوى التلفزيونية الى الفضائيات العربية؟ ماذا لو لجأت «العربية» الى استضافة «بلوغرز» عرب في برنامج «السلطة الرابعة» المخصص للصحافة؟ ماذا لو اتخذت هذه الخطوة «الجزيرة»، التي باتت اهم مصدر صحافي متلفز عربياً؟ ماذا لو امتدت «العدوى» عينها اكثر؟ ماذا سيحل بمكانة الصحافة كلها، وسلطاتها المعنوية على وجه الخصوص؟
في الغرب، تنبه الكثير من السياسيين المحترفين لأهمية «بلوغرز»، مثل آلان جوبيه الذي صار أشهر «بلوغرز» من فرنسا. ويعتبر نائب الرئيس الايراني السابق محمد علي ابطحي، من ابرز «بلوغرز» ايران. والحال ان هذه الظاهرة عميمة في بلاد فارس، الى حد انها تعتبر من اسباب انتشار الانترنت فيها، وليس العكس.
من الناحية التقنية المحضة، يعمل شباب «بلوغرز» على اغناء صفحاتهم بالصور ومواد الميلتي ميديا، باستخدام خدمات مثل «ار اس اس» RSS، اختصاراً لعبارة Really Simple Syndication، التي تشير الى الحصول على مواد اعلامية من مصادر متعددة، وباشكال متعددة، عبر هذا التطبيق التقني، الذي يعطي ايضاً امكان تجديد تلك المواد بصورة مستمرة، مما يعطيه طابع الاتصال الحي ايضاً. ويؤدي الأمر الى تزويد صفحات «بلوغرز» بالاخبار السريعة والصور واشرطة الفيديو والرسومات.
تجدر الإشارة إلى أن العديد من الصحافيين في العالم الغربي، الذين لا يتمتعون بالحرية الكاملة للكتابة في عملهم، توجهوا إلى البلوغ، حيث يكتبون ما يريدون ويتفاعلون مع القفراء بشكل أسرع، مثلاً أندرو ساليفن (كاتب وصحافي أميركي). وبحسب رأي هذا الأخير، فإن البلوغ جمع بين الصحافة المكتوبة والمسموعة معاً، فالبلوغر يكتب مقاله ويقرأ تعليقاً أو رد فعل عليه بعد وقت وجيز.
أما ما يقلق في هذه المواقع، شأنها شأن الانترنت، هو أنها بلا رقيب أو حسيب. فيمكن لقاصر مشاهدة صور أو قراءة كتابات قد لا تصلح لعمره