الرابعة صباحا: أصحو في مثل هذا الوقت تقريبا كل يوم فأنا( محصور) و محصور بالعامية تعني أن المثانة مفوّلة على الأخر و تتوجب الأفراغ الفوري و الأفراغ الفوري يعني أنه يجب أن أنزل من سريري العالي في جنح الظلام و أدعس على رأس أثنين أو أكثر ممن ينامون تحتي و أتلمس طريقي في الظلام ثم أصعد درج عالي لأخرج بعدها مثل الجرذ من ما يسمونه ب "المهجع" و هو المكان الي ينام فيه الجنود .. ثم أمشي بعدها مسافة طويلة و أنا أرتجف مثل المجانين من الصقيع و البرد ما دون الصفر لأصل في النهاية الى ما يدعى بالمراحيض حيث يمتزج الهواء المتجمد برائحة مخلفات عضوية بشرية تعود لأيام العثمانيين بعد ذلك تتوجب العودة و محاولة سرقة بضع دقائق نوم ثمينة قبل موعد النهوض و هو الخامسة !!
هذا هو شهري الخامس هنا منذ أن قررت مجبرا أن ألتحق بخدمة العلم بعد أن أنهيت لتوي الدراسة في أحد المدن الأوربية و صراحة لم يختلف الوضع علي كثيرا فقد أستطعت بعد أيام قليلة أن أقنع نفسي بأن هذا المكان لا يختلف كثيرا عن أوروبا .............................. في العصور الوسطى!
برنامجنا اليومي كان على الشكل التالي: نصحو في الخامسة صباحا لنبدأ التدريب الذي يخولنا شرف الدفاع عن حمى الوطن .... فبعد سيل جارف من الكلمات التشجيعية المحفزة للمعنويات مثل (حيوانات.عرصات.كلاب.منبطحا.واقفا) يبدا النهار الحافل ب....
الركض ..ثم بعد ذلك الركض ... مزيدا من الركض..... كمان ركض ...... أيضا ركض ......... نعم نعم تخمينكم جيد .... ركض
حتى بدأت أفكر ... **** أخت الركض و الذي أخترعه .. لماذا كل هذا الركض طول النهار من دون أي نوع من أنواع الأنشطة الأخرى !! بعد التفكير الطويل لم أصل الا لنتيجة واحدة : للهروب من أرض المعركة باسرع ما يمكن !
ولكن ليس اليوم ... فاليوم و كما وعدنا منذ عدة أسابيع أنه سيكون لدينا حصة في موضوع (حسب ما قال الضابط المسؤول) ""الدفاع التكتيكي الأستراتيجي"""
ياللهول !! كلمات قوية مثيرة لطالما وددت أن أتعرف بهذا.. التكتيكي ..و أتعلم شئ عنه بعد أن طفح قلبنا و تورمت حوافرنا (لأنها لم تعد أقدام) من عدم القيام بأي شيئ غير الركض
وجاء اليوم الموعود فالدرس التكتيكي بعد وجبة الغداء مباشرة و لم أتوقف عن التفكير فيه حتى و أنا واقف على طاولة الأكل بأنتظار أمر بدأ الطعام و بجانبي ستة من المخلوقات الغريبة و الذي مات داروين من دون أن يجتمع بهم و يكتشف الحلقة المفقودة من التطور البشري
و فعلا نعق المسؤول بصوت عال : أبدأ الطعام ... عادة بعد هذا الأمر مباشرة أبتعد قليلا عن الطاولة لأن مجموعة الضباع بجانبي ستهجم من دون رحمة على كل ما تعتقد أنه يؤكل و يمكن أفقد أحد أصابعي أو ما أشبه في خضم نهشها للصوص المسلوق على الطاولة و الصوص هو صغير الدجاجة أو الفرخة بالمصري
بعد الأكل توجهنا (ركضا طبعا) لقاعة الدرس التكتيكي الأستراتيجي و هي عبارة عن كوخ مهترء من الصفيح تصلح لتكون ثلاجة للخضار و طبعا جلسنا غير مصدقين اننا لا نركض.... بعدها دخل الضابط المسؤول و أخبرنا أن هذا الدرس هو عن الأسلحة التكتيكية و المعلومات التي سنسمعها هي غاية في السرية
أبتدأ الدرس بالكلمات التالية:
((( السطل الدخاني)))
في بادئ الأمر ظننت أني لم أسمع جيدا و أن كثرة الركض ممكن أن تؤثر على غشاء الطبل و لكن عندما كتب الكلمات على اللوح تأكدت انه فعل قد قال السطل الدخاني
و مع ذلك قلت أنه ممكن أن يكون تمويها لشئ مهم و خطير و لكن الشيئ الذي أحضره معه هو فعلا عبارة عن سطل !!
(الضابط: كيفية عمل السطل الدخاني : ... نقترب من العدو مسافة عشرة أمتار ثم ننزع مسمار الأمان.... و نبتعد )
بعد برهة صغيرة من الأنشّداه رحت أفكر ماذا يمكن أن يكون نوع العدو الذي نسطيع الأقتراب منه مسافة عشرة أمتار من دون أن يشعر اللهم الا أذا كانت كتيبة من البغال و الحمير
و لكن حتى كتيبة من البغال و الحمير ستشعر بوجودك و لن تسمح لك بالأبتعاد بعد وضع السطل
هذا لو كنا نحارب البغال و الحمير و لكن عدونا يشاهدنا الأن من خلال أحد أقماره الصناعية و يحاول أن لا يختنق ضاحكا
بعد ذلك جاء وقت التجربة العملية فتوجهنا (ركضا) الى أحد السفوح الجرداء المخصصة للتدريب و فتح الضابط المسؤول السطل التكتيكي الأستراتيجي الدخاني .. و بدأ الدخان يتسرب ليغلف المكان بغيمة بيضاء كريهة الرائحة و هو من المفروض أن يكون عديم الرائحة نسبيا و غير مضر
و أبتدأت حالة من الغثيان تظهر على وجوه هؤلاء الجنود الصغار و بدأ أحدهم بالتقيؤ لينظر اليه زميله بجانبه و يتقيأ هو الأخر لتبدأ حالة من التقيؤ الجماعي يعني مشهد غريب للناظر من بعيد و هو يرى كتيبة بأكملها تتقيأ ... و الله لو كنا في حالة حرب مع العدو لربحنا المعركة لأن العدو ببساطة سيموت من القرف
أكتشفنا لاحقا أن المواد المكونة للدخان في السطل الدخاني تالفة من أمد طويل لأن السطل قديم قدم التاريخ و هو من مخلفات الحرب العالمية و كان من المفروض أن يستعمله أحد الجنود الروس ضد النازيين و لكن لسؤ الحظ أجت براسنا كما يقولون
بعد أن تعافيت قليلا من محنتي قررت طلب أجازة يومين أعود فيها للقرن الحادي و العشرين ... فتوجهت للضابط (ركضا) و طلبت أجازة أضطرارية لمدة يومين فوافق بعد أن وعدته بعلبتين من المعسل فكلمة السر لأي شيئ تريده هنا هي... معسل
و أنا في طريقي خارجا من الكتيبة(ركضا) بأتجاه القرن الحادي و العشرين رحت أفكر و أضحك في سري من غباء و سخافة عدونا الذي يصنع أسلحة بالملايين نووية و ذرية و هيدروجينية و و و في حين يمكنه ببساطة أن يرمي قنبلة معسلية كافية لجعل الجميع مصطهجين مسرورين و علني أعود بعد يومين و أكون محظوظا بدرس جديد ممكن عن القطرميز البخاري التكتيكي ...... من يعلم !!
ياليت عندي ذاكرة قوية لأحدثكم عن دورة الاغرار بحلب قبل 25 سنة ....الحمد لله خدمتها بعد نهاية دراسة الطب مباشرة ...كان الله بعون من يذهب للجيش بعمر 35 سنة بعد التخصص بأوروبا 10 سنوات ....
09-22-2008, 12:34 PM
{myadvertisements[zone_3]}
ماجن
عضو منتصب جدا
المشاركات: 292
الانضمام: May 2007