دوافع الافتراء التاريخي على الامام الحسن (ع)
المتتبع لما ورد في كتب التاريخ عن الامام الحسن عليه السلام , مواقفه , حياته , نشأته , ممارساته الاجتماعية والسياسية , يصطدم بواقع تاريخي اقل ما يقال فيه انه متناقض , ويقطع بأن ما دّون هو تاريخ لشخصيتين منفصلتين لا تمت احداها الى الاخرى بصلة سوى الاشتراك بالاسم
واي مقارنة لما ورد عن تاريخ الامام الحسن عليه السلام ومناقبه الشريفة مع تاريخ الوقائع والاحداث التي سجلها المفترون عن الامام الحسن (ع) تجعلك تقف امام نموذجين من الرجال لا انسجام ولا اشتراك في شخصيتهما على الاطلاق
واليك مختصر من هذه النماذج المتعارضة التي قد تجدها في كتاب تاريخي واحد
رجل حلمه يرجح على الجبال ان وزن بها بشهادة اعدائه , ورجل مزواج مطلاق لا هم له الا النساء
رجل يراه المرتضى امير المؤمنين (ع) بعضا منه , بل كله , ورجل يوبخه والده ويصفعه ويحذر المسلمين من تصرفاته
رجل اشاد الله عز وجل بسمو مكانته في كتابه الكريم في آية المودة والمباهلة والتطهير , ورجل عثماني الهوى يقول لابيه ما لا يليق ويتهمه بالعصيان , وبتسهيل قتل عثمان كما هو افتراء طه حسين والطبري
رجل اذهب الله عنه الرجس وطهره تطهيرا بآيات بينات ولا يقاس به احد في الكرم والجود من اهل زمانه ورجل تسول له نفسه ان يكتب لمعاوية يطلب المال منه
رجل قال رسول الله (ص) في حقه وحق اخيه انهما سيدا شباب اهل الجنة وانهما امامان قاما او قعدا وانه (ص) سلم لمن سالمهم وحرب لمن حاربهم , وان العقل لو كان رجلا لكان الحسن
ورجل لا يعيش الاحداث ولا يشعر بما يحيط به ومنغلق على نفسه , تناول الحكم لبضعة اشهر ثم غسل يديه من شرعيته وتنازل عن حق الله لمعاوية وكأنه غير لائق بالخلافة , ويختلف مع اخيه الحسين ويتهمه بمخالفته دائما , كما ورد في الاصابة لابن حجر !
ومن المؤكد ان مدونات التاريخ الاسلامي والمجاميع الحديثية التي بين ايدينا قد كتبت نصوصها تحت عيون السلطات والحكومات الجائرة وبحسب هوى السلطات وسياساتها فضلا عن تحكم العصبية المذهبية والنظرة الضيقة بتسجيلات اكثر المؤرخين , فأختلطت الحقيقة بكم هائل من المجعولات والتفسيرات الخاطئة لكثير من الوقائع كما هي حال مدونات الجاحظ في رسائله , وكتاب أسد الغابة , وتاريخ ابن عساكر والطبري والمدائني وغيرها. هذه الكتابات المجعولة ظلما بحق الامام المجتبى (ع) والبعيدة عن معايير كتاب الله وسنة النبي (ص) والبعيدة عن ضوابط البحث التاريخي النزيه, والتي ذهبت في افتراءاتها الى حد رسم صورة اجتماعية وسياسية للامام الحسن (ع) لا تتفق مع من هو خارج دائرة العصمة !
فكيف بسبط رسول الله (ص) ووصي امير المؤمنين (ع) وحجة الله على خلقه والنموذج الكامل للانسان الذي تتحقق فيه ارادة الله كخليفة له تعالى في ارضه .
وكيف بمن تربى في حجر رسول كريم كالنبي محمد (ص) ونشأ في بيت علي وفاطمة صلوات الله وسلامه عليهم , مطهر من الرجس بنص الكتاب .
كثيرا ما شحنت كتب التاريخ بتحاليل لمواقف لا واقع لها الصقت بالامام السبط الزكي الحسن عليه السلام دون تورع بل وتعارض ما قاله رسول الله (ص) بحق سبطه المجتبى ((اللهم اني احبه فاحبه وأحب من يحبه )) ((الحسن والحسين امامان قاما او قعدا )) ((من احبني فليحبه وليبلغ الشاهد الغائب)) وتعاند ما انزل من ايات بينات بحق الامام الحسن عليه السلام الكاشفة بدلالة ظاهرة على نحو التنزيل عن مناقب المجتبى الشريفة مع اخيه الحسين الشهيد (ص) ((انما يريد الله ليذهب عنكم الرجس اهل البيت ويطهركم تطهيرا )) ((قل لا اسألكم عليه اجرا الا المودة في القربى)) (( قل تعالوا ندعوا ابناءنا وابناءكم )) وبلغت الافتراءات على الامام المجتبى الزكي (ع) حد الاعاجيب حين زعموا ان الامام الحسن كان مزواجا مطلاقا وانه تزوج مائتان وخمسون امرأة وان الامام علي (ع) قد نهى الناس عن تزويج ابنه الحسن (ع) لست ادري من اين جاء هؤلاء بهذه الكثرة من الزيجات للامام الحسن (ع) مع ما احصاه المفترون انفسهم لم يزد عن خمسة عشر امرأة
ويبقى ان نسأل ؟؟
ما سر هذا الافتراء التاريخي على ريحانة المصطفى (ص) الحسن المجتبى عليه السلام بالذات وما هي دوافعه ؟
ان المتابع لحقيقة ما سلف من احداث وما رسمته السياسات الاموية والعباسية من واقع تاريخي مزيف لشخصية الامام الحسن عليه السلام ومواقفه , نابع من عدة عوامل أساسية بغية تبرير اغتصابهم لكرسي الخلافة أو اخمادهم لاي تحرك وخروج على مشروعهم .
ولاستكشاف هذه العوامل لابد من ادراك حقائق الاسلام الذي جاء به النبي الاكرم (ص) بعيدا عن دين السلاطين , حتى نستطيع ان نستوعب حياة الامام الحسن عليه السلام ومواقفه وجهاده وسلوكه وسياسته فنستجلي سبب الغموض والتناقض الذي احدثه المؤرخون في شخصية الامام الفذة ونقف على واقع الحال الحقيقي من مواقف حياته وابتلاءاته عليه السلام .
ولا يسعنا ان نتحدث عن كل ذلك في مقام المقال ولكن سنقتصرعلى العوامل والدوافع التي ادت الى الافتراء التاريخي على الامام الحسن عليه السلام .
العامل الاول وهو عامل اموي برز بعد صلح الامام الحسن مع معاوية مباشرة واستمر الى ما بعد استشهاد الامام الحسين عليه السلام لان بنود الصلح التي وضعها الامام الحسن (ع) بنفسه قد فضحت مشروع بني امية امام انظار الجميع , هذا المشروع الذي لم يكن وليدة ساعته ايام معاوية انما تعود جذوره الى ايام رسول الله (ص) وهدف هذا المشروع الاموي هو اقصاء أئمة آل بيت النبوة (ع) عن الخلافة وقد اشار الامام الحسن (ع)الى ذلك في بعض رسائله الى معاوية قبل ابرام الصلح
ومما جاء في بعض رسائل الامام الحسن لمعاوية : ((.. فليتعجب المتعجب من توثبك يا معاوية على امر لست من اهله , لا بفضل في الدين معروف , ولا أثر في الدين محمود , وانت ابن حزب من الاحزاب , وابن أعدى قريش لرسول الله (ص) وكتابه ..))
والصلح ادى الى كشف خفاء شخصية معاوية وفضح نفاقه وسياسته الغادرة مما حدا بالمؤرخين العاذرين لمعاوية بعد ذلك امثال الطبري كما يعبر حرفيا ان يصوروا الامام الحسن (ع) على انه تنازل طوعا لمعاوية عن الخلافة وتمسكوا بحديث نبوي ! لكي يثبتوا اسلام معاوية وشرعيته للخلافة : ((ولعل الله ان يصلح به ((اي الحسن )) بين فئتين من المسلمين ))
ولما لم يثبت لهم ما ارادوا لأن الامام الحسين (ع) بعد ذلك قد نهض بوجه يزيد افتعلوا حادثة تاريخية ودسوا زورا بأن الامام الحسين (ع) قد انكر على الامام الحسن (ع) موقفه وواجهه في مبدأ صلحه مع معاوية وتلاسن معه وخاصمه ثم سكت الحسين (ع) بعد ذلك اعظاما لاخيه وخوفا من غضبه !!
وهذا ما ذهب اليه ابن حجر في الاصابة أيضا(( وليته اصاب !!)) لقد كان هّم المؤرخين ان يجعلوا لحكم معاوية ولبني امية عموما شرعية اسلامية بأي وسيلة من الوسائل ولو على حساب الحقائق التاريخية ولو ادى ذلك الى الافتراء على سبط رسول الله الحسن المجتبى عليه السلام كما افتريّ على رسول الله (ص) من قبل حفظا لمقامات بعض الصحابة وصونا لمناقبهم المجعولة . عدا عن ان معاوية لم يكن يجد ما يبرر حربه للامام الحسن عليه السلام والخروج عليه امام الامة اوان يدعي افضلية اهليته للخلافة على الامام المجتبى وهذه مسألة مهمة جدا اغفلها كثير من الباحثين في التاريخ الاسلامي , لأن معاوية كان قد رفع قميص عثمان وثأر عثمان بوجه امير المؤمنين علي عليه السلام اما مع الامام الحسن فالامر يختلف لان معاوية ادرك انه في موقع الخارجي وليس هناك ما يبرر قتاله للامام الحسن (ع) والخروج عليه
رغم كل الاعيب معاوية السياسية ، حرص معاوية على اغتيال الامام المجتبى مرات عديدة بدس السم له عدا عن محاولة طعن الامام المشهورة
وهذا ما حذا باليعقوبي وابن كثير على سبيل المثال ان يثبتوا ان الامام الحسن كان قد تهيأ لحرب معاوية بعد استشهاد امير المؤمنين علي (ع) مباشرة ودون سابق انذار ,او ان الامام الحسن لم يكن له نية في الخلافة اوالحرب لكن الناس غلبوه على امره , واغفلوا موضوع بيعة الامام وتفاصيلها وشرعيتها والمراسلات التي سبقت التهيئة للحرب بين الامام ومعاوية عمدا وعن سابق اصرار وتصميم.
ولكي يعذر مؤرخو السلطة معاوية سلكوا كل مسلك فيه طعن بشخص وكرامة الامام الحسن عليه السلام ليثبتوا ان الامام قد تنازل عن الخلافة طوعا لمعاوية . (لنا عودة الى موضوع صلح الحسن )
وقس على ذلك باقي الكم الهائل من الافتراءات المجعولة تاريخيا بحق سبط المصطفى (ص)
العامل الثاني وهو عامل عباسي اشد افتراءا وحقدا من العامل الاموي لان الدافع الاموي الذي دعى الى تزوير الوقائع والافتراء على الامام الحسن (ع) انطلق بهدف اضفاء الشرعية على حكم معاوية ولتبرير اقصاء أئمة اهل البيت (ع) عن مقامهم الشرعي .
اما الدافع العباسي في الافتراء على الامام الحسن (ع) فقد انطلق من خلال معاناة حكام بني العباس من عقدتّين أساسيتين
1- عقدة خيانة عبيد الله ابن عباس للامام الحسن (ع) والتي بقيت عارا على جبين بني العباس مدى دهرهم
2- وعقدة الثورات التي قادها اولاد واحفاد الامام الحسن (ع) ضد بني العباس
مما ادى بعد ذلك لسكوت بني العباس عن الرواة والمحدثين الذين يروون الموضوعات بمناقب بني امية ومعاوية بالتحديد بغضا منهم للحسنيين حتى انهم كانوا يرّبّون اولادهم على بغض الامام الحسن (ع) وذريته بشكل خاص كما ذكر التاريخ من فعل هارون مع اولاده الامين والمأمون فضلا عن عداوتهم لباقي الطالبيين وأئمة اهل البيت (ع).
ولا شك ولا ريب ان خيانة عبيد الله ابن عباس الذي كان قائد جيش الامام الحسن (ع) قد تركت اثرها كسبّة كبيرة في كرامة حكام بني العباس الذين سعوا جاهدين الى تشويه صورة الامام الحسن (ع) عبر وعاظهم وتصويره على انه مطلاق مزواج يحب النساء , مبذر, وغير لائق بالخلافة ولا علم له بالسياسة يخالف والده في الرأي ،وهو الامام الذي نطق الكتاب بطهارته وعصمته من الرجس . لا بل واعتبروه جبانا في الحرب مقابل الجبن الذي اشتهر به عبيد الله ابن عباس عندما هرب من وجه بسر بن أرطأة في اليمن وترك اولاده حتى قتلوا .
واول من سن الافتراء على الامام الحسن (ع) من العباسيين هو ابو جعفر المنصور الدوانقي بغضا منه بالحسنيين الذين كادوا ان يطيحوا بسلطانه ، وابو جعفر المنصور هذا هو قاتل عبدالله ابن الحسن (ع) ومحمد ذو النفس الزكية وصاحب اول خطبة عباسية مفترية على الامام علي (ع) واولاده في خرسان وعنه أخذ الافتراء باقي بني العباس وكتّاب التاريخ الاسلامي
وهذه بعض مفتريات الدوانيقي على الامام الحسن (ع) كما جاء في مروج الذهب للمسعودي (( .. ثم قام بعده الحسن بن علي فوالله ما كان برجل ! عرضت عليه الاموال فقبلها ودس اليه معاوية اني اجعلك وليّ عهدي فخلعه وانسلخ له مما كان فيه وسلمه اليه وأقبل على النساء يتزوج اليوم واحدة ويطلق غدا اخرى فلم يزل كذلك حتى مات على فراشه ))
ومن مفتريات ابو جعفر المنصور ايضا ما جاء في جمهرة رسائل العرب من رسالة للمنصور الى محمد ذوالنفس الزكية من نسل الحسن عليه السلام ((وافضى امر جدك الى الحسن فباعها الى معاوية بخرق ودراهم ولحق الحجاز واسلم شيعته بيد معاوية ودفع الامر الى غير اهله , وأخذ ملا من غير ولائه , ولا حله , فان كان لكم فيها شيء (اي الخلافة) فقد بعتموه وأخذتم ثمنه ..))
علما بأن الدوانيقي كان قد بايع محمدا الحسني مرتين ولم يكن يحلم ان يصبح خليفة يوما من الايام وسمي بالدوانيقي لبخله نسبة الى الدانق
ومن خلال كلمات ابو جعفر هذا تعرف سر العقد التي كان يعاني منها بنو العباس من الامام الحسن (ع) واولاده وما ذلك الا لتبرير خيانة عبيد الله ابن عباس وغسل وصمة عاره عن جبينهم والصاق التهمة بالحسن (ع) وتدعيما لسطانهم الذي اغتصبوه من أهل بيت النبوة صلوات الله وسلامه عليهم باعتبار انهم اصلح للحفاظ على تراث النبي (ص)من اولاد علي ابن ابي طالب (ع) !!! وتبريرا لمجازرهم بحق ذرية الحسن عليه السلام .
|