د. فؤاد زكريا في حوار مع فاطمة العلي !!
د. فؤاد زكريا وفاطمة العلي
العقل العربي ليس أفضل حالاً مما كان عليه قبل عشرين عاما
على الأدباء تكييف أنفسهم مع العصر كي لا يتحملوا مسئولية التناقض بين العلم والأدب
التغيرات المتلاحقة وضعت الإنسان في حيرة لن يخرج منها بغير التفكير الفلسفي.
كوارثنا العربية تؤكد مقولة أفلاطون حول أهمية استخدام العقل في الحكم.
الابتعاد عن المجاملات والالتزام بالموضوعية العلمية وراء نجاح سلسلة (عالم المعرفة).
هناك مؤامرة للتعتيم على كتبي في العالم العربي... والجميع مصرّ على الصمت.
الأستاذ الدكتور فؤاد زكريا هو أحد دعائم الثقافة العربية المعاصرة, وأحد أركان الدعوة إلى التفكير العلمي, والتحديث, وأحد مؤسسي التخطيط في الوطن العربي, وهو إلى جانب ذلك, فيلسوف لا يستغرقه التأمل, إن عينيه مفتوحتان دائما على الحياة, وعلى الناس, ولاشك أن محاورته تفتح آفاقاً رحبة, وتجعل الرؤية أوضح. في هذا الحوار الذي يدور مع د. فؤاد زكريا صاحب المؤلفات العديدة في الفلسفة والموسيقى والسياسة, ثمة إطلالة حول مجمل فكر فيلسوفنا الكبير تحاوره فيه الأديبة الكويتية فاطمة يوسف العلي الكاتبة الصحفية والقاصة التي أصدرت عدة مجموعات قصصية .
تعوّدنا - في عصر العلم - أن نتحدث عن أزمة الأدب, وأزمة الشعر... إلخ.. ولم يتحدث أحد عن أزمة الفلسفة, هل ترى أن العلم يهدد الأدب, ويتعارض مع الشعر? وهل يرى الفيلسوف فؤاد زكريا أن عصر القوة وغزو الفضاء يحجّم دور الفلسفة في المستقبل أو يلغيه?
- إن أردت رأيي في هذا الموضوع فأنا أقول على العكس تماماً, إن دور الفلاسفة يزداد أهمية في هذا العصر الذي تشيرين إليه في سؤالك, فالتغيرات التكنولوجية والعلمية المتلاحقة تضع الإنسان في مواقف جديدة محيّرة, وهو لا يستطيع أن يخرج من هذه الحيرة إلا بالتفكير الفلسفي, لذلك فقد ظهرت أبواب وفروع جديدة للفلسفة نتيجة هذه التطورات, وأصبحت لها أهمية كبرى, ويكفي أن نشير - مثلاً - إلى كل ما يقال عن الثورة البيولوجية الجديدة والمشكلات الأخلاقية والفلسفية الهائلة التي أثارتها هذه الثورة, فبعض الحكومات تستعين الآن بلجان يرأسها فلاسفة من أجل اتخاذ قرار بشأن المضي قدماً في البحوث البيولوجية وإيقافها مثل بحوث الاستنساخ التي أثيرت بعد ولادة النعجة دوللي وغيرها والخوف من أن يأتي يوم يستنسخ فيه الإنسان نفسه, فهذه المسألة أدت إلى الرجوع إلى الفلاسفة وإلى علماء الاجتماع المتفلسفين, ووجدت الحكومات لزاماً عليها أن تتلقى الضوء الأخضر من هؤلاء قبل أن تخصص الاعتمادات اللازمة لاستكمال هذه البحوث.
إذن لا خوف على الفلسفة من هذه التطورات الأخيرة?
- بالعكس, الفلسفة سوف تزدهر أكثر وأكثر في ظل الأوضاع الجديدة التي يخلقها العلم والتكنولوجيا.
إذن العلم أيضاً لن يهدد الأدب,ولن يتعارض مع الشعر?
- إذا حدث وهدّد أو تعارض العلم مع الأدب والشعر, فسيكون هذا خطأ الأدباء والشعراء, لأن عليهم أن يكيّفوا أنفسهم مع عصر العلم الجديد.
الحاكم الفيلسوف
منذ أقدم عصور الفلسفة, خطط أفلاطون لمدينة فاضلة سمّاها (الجمهورية) أسند حكمها للفلاسفة - لماذا - وأفلاطون فيلسوف العاطفة - اختار حاكماً فيلسوفاً ليحقق من خلاله حلم الحاكم العادل?, وهل ترى أن (الجمهورية) المعاصرة (أمريكا مثلاً) يمكن أن يعتدل ميزانها إذا حكمها فيلسوف?
- هناك نماذج كثيرة لبلاد تعطي الفلسفة أهمية في عملية الحكم, مثلاً, بعد الثورة الروسية سنة 1917 كان الذين يحكمون في الاتحاد السوفييتي أناساً لهم صلة وثيقة بالفلسفة مثل لينين, بل (ستالين) نفسه مع كل فظائعه كانت له محاولات عدة في مجال الفلسفة, وأنا شخصياً أعترض على هذه المحاولات كثيراً, ولكن يكفي أنه كان مدركاً لأهمية الفلسفة في كتاباته. وأتصوّر دولة مثل أمريكا, الشخصيات الكبرى المؤسسة لها كانوا فلاسفة, مثلاً فرانكلين وأميرسون وغيرهما, هؤلاء كانت لهم علاقة وثيقة بالفلسفة, وكانوا يؤمنون بأن الفلسفة يمكن أن تلعب دوراً عظيماً تشد دعائم هذا المجتمع الجديد.
إذن أفلاطون كان على صواب عندما ربط بين حكم الفيلسوف وتحقق العدالة في المجتمع?
- أفلاطون كان يشير إلى حقيقة بسيطة, نستطيع أن نأخذ بها أو لا نأخذ. وهذه الحقيقة هي أن العقل مهم جداً في عملية الحكم, وأظن أن الكوارث التي تلم بنا في العالم العربي من آن لآخر هي خير دليل يؤكد صحة هذا الحكم الذي أصدره أفلاطون منذ خمسة وعشرين قرناً.
سأستمر مع أزمة الفلسفة, أو ما أتصوّر أنه أزمة, فأسأل: هل هناك بين أساتذة الجامعات بأقسام الفلسفة مَن يستحق أن يكون امتداداً لزكي نجيب محمود, وعبدالهادي أبوريدة, وتوفيق الطويل, وفؤاد زكريا?
- هذا وضع موجود بالفعل, لأن فؤاد زكريا كان تلميذاً للثلاثة الذين ذكرت أسماءهم قبل اسمي, والاتصال والامتداد مستمر.
تفكير هادئ
كتابك (التفكير العلمي) قوبل باهتمام كبير, وطبع أكثر من مرة, ما دلالة هذا الانتشار, ونحن نشاهد سيطرة التفكير النقيض على الجماهير?
- هذه دلالة أعتز بها, لأن معناها أن الجماهير متعطّشة إلى كتاب ينمّي لديها ملكة التفكير العلمي الهادئ والمنطقي غير المعتمد على الانفعالات وغير مرتكز على السلطة, أو على إثارة العواطف بشكل مصطنع.
ولكن قراءتنا للواقع تقول إن الكتاب تراجع عموماً أمام ثورة التكنولوجيا والفضائيات, والمستجدات العلمية على الساحة العالمية والعربية?
- الأمر الذي يلفت النظر أنه بالرغم من وجود تكنولوجيا جديدة لتخزين المعلومات تبدّى للبعض أنها تغني عن الكتاب, فإن هناك ما يشبه الإجماع في العالم كله على أن الكتاب سيظل يحتفظ بمكانته بوصفه أفضل أداة للاحتفاظ بالمعرفة ونقلها للآخرين.
هناك آراء تقول إنه مع دخول القرن الجديد سوف نستغني عن الأوراق في طباعة الجريدة وتستبدل الاسطوانات بها.
- لابد أن نميّز بين الجريدة اليومية والكتاب أو المجلة العلمية, فالجريدة اليومية تتعلق بالأحداث التي تتغير من ساعة إلى أخرى, بينما الكتاب يعرض قدراً من المعلومات أو وجهة نظر في موضوع معين يتميز بقدر معقول من الثبات, والكتاب يعبّر عن حالة العلم والمعرفة في زمن معين أو لحظة معينة من لحظات التاريخ.
تداخل الجمال والفلسفة
الكتاب الضخم (النقد الفني) المترجم عن جيروم ستولنيتز, عنوانه الفرعي: دراسة جمالية وفلسفية, هل الجمالية غير الفلسفية? ومن أيّ باب تدخل الفلسفة إلى النقد إذا لم تدخل من باب الجمالية? ومن هو الشـخص أو المثقف المؤهل للإفادة من هذا الكتاب في رأيك?
- فيما يتعلق بالجمالية والفلسفية نلاحظ أن المقصود بالجمالية هو ما يتعلق بفلسفة الفن أو علم الجمال وهو أحد فروع الفلسفة, ودون شك يوجد تداخل بين الاثنين.
أما بالنسبة للشخص المؤهل, فأنا أعتقد أن كل مَن يدرسون في المعاهد الفنية, ويدرسون النقد دراسة تطبيقية ويريدون تنظيراً للدراسات التي يتلقونها, كل هؤلاء يستفيدون فائدة عظمى من الكتاب, بالإضافة طبعاً إلى المتخصصين في الفلسفة.
كنت أحد المؤسسين لسلسلة (تراث الإنسانية) في مصر, والمخطط لـ (عالم المعرفة) في الكويت? ما الاعتبارات التي روعيت في المشروعين?وإذا طلب إليك تأسيس موسوعة للمستقبل, كيف تحدد محاور اهتمامها?
- أريد أولاً أن أنبّه إلى أنني لا أحب أن أنسب إلى نفسي فضلاً لم أقم به, فمثلاً فيما يتعلق بتراث الإنسانية كان الفضل في إنشائها يرجع إلى مجموعة ممتازة كانت موجودة في وزارة الثقافة المصرية منذ الخمسينيات.
أما بالنسبة لسلسلة عالم المعرفة, فبالتعاون مع بعض المثقفين اللامعين من داخل الكويت, استطعنا معاً أن نصل بالسلسلة إلى المستوى الرفيع الذي وصلت إليه.
والاعتبار الأساسي الذي أفخر به هو أن هذه السلسلة ترتكز على الابتعاد عن المجاملات الشخصية والعلاقات النفعية, وتلتزم بالموضوعية العلمية الكاملة في الحكم على الكتب التي تقبل أو لا تقـبل, وهذا مبدأ سرنا عليه من البـداية حتى الآن, وحمداً لله أننا استطعنا الالتـزام به ولا نحيـد عنه على الإطلاق.
أما في مسألة الموسوعة, فمن الصعب أن يؤسسها فرد واحد, الموسوعة بطبيعتها عمل جماعي, فأول الموسوعات التي عرفتها البشرية كانت عملاً جماعياً, ولو طلب مني أمر كهذا, فإن أول شيء سأفعله هو أن أختار مجموعة موثوقاً بها من العلماء والمفكرين والأدباء لكي يضعوا الدعائم الأساسية للموسوعة.
رائدان كبيران
عملت وشاركت في أهم مشروعات الكويت الثقافية, وكنت مع رائدين من روّادها: عبدالعزيز حسين, وأحمد العدواني. كيف ترى هذين الرجلين? وما الفرق بينهما?
- في الواقع أن هذين الرجلين من الشخصيات التي يجب أن تعتز بها الكويت ومعها الأمة العربية بأسرها فهما عملاقان, كان لهما أعمق الأثر في وضع المشاريع الثقافية التي صدرت في البداية في الكويت ثم امتدت إلى العالم العربي بأكمله, وربما إلى ما وراء العالم العربي أيضاً, ومن حق الكويت أن تفخر بهاتين الشخصيتين العظيمتين, وفي رأيي أنهما شخصان متكاملان كأندر ما يكون التكامل.
وماذا عن الفروق بينهما?
- لا أستطيع أن أقول إن بينهما فروقاً, لأن كلاً منهما كان صديقاً مخلصاً للآخر, فقد كانا أشبه بالأخوين التوأمين في تكاملهما.
عولمة وإعلام
الآن ترتفع بين مثقفينا نغمة (العولمة), فما رأي الفلسفة في العولمة?وعلى افتراض أنها تحقق هدفاً فلسفياً هو التقارب أو التوحد بين البشر, كيف تتصوّرها من منظور سياسي قومي? بعبارة أخرى: كيف نحمي شخصيتنا القومية في زمن العولمة?
- أنا أعتقد أن الفكرة الأساسية في العولمة ليست متعارضة مع الشخصية القومية, ما يمكن أن يهدد الشخصية القومية هو الإعلام العالمي, وهو غير العولمة, لأن العولمة لا تتعلق بالإعلام فقط, بل لها جوانب سياسية واقتصادية وعلمية واجتماعية... إلخ.
ألا تعتقد أن العولمة تعرقل مشروعات التعريب, أقصد تعريب العلوم التي تنادى بها بعض جامعات الدول العربية في مجالات الطب والصيدلة والعلوم الإنسانية وغيرها?
- التعريب واجب كلما كان ممكنا, ولا يتعارض مع العولمة, لأنها (العولمة) لن تلغي اللغات والثقافات القومية, بل العكس, ربما فتحت لها أبواباً جديدة لكي تعبّر عن نفسها وتنشر إنتاجها.
وما رأي الفلسفة في العولمة?
- الفلسفة بطبيعتها تتجه إلى العولمة, لأنها تحتكم إلى العقل القاسم المشترك بين البشر جميعاً, فمن طبيعة الفلسفة أنها تتجه نحو العولمة.
أهمية المعرفة
قديماً كان الفيلسوف لا يستحق صفته الفلسفية إلا إذا كان صاحب نظرية شاملة. في العصر الحديث نزلت الفلسفة أو تنازلت عن هذا الشرط, فما البديل الذي تشترطه لتضع علامتهما على الشخص المتفلسف?
- في الواقع العنصر الأساسي الذي يجعل الشخص فيلسوفاً يختلف من عصر لآخر, ففي العصور القديمة كان لابد أن يكون للفيلسوف نظرية في الوجود وفي العالم وفي الكون, بعد ذلك وفي العصر الحديث أصبح المحور هو المعرفة, أما في عصرنا الحاضر فيمكننا أن نقول إن الاهتمام انتقل إلى مشكلات المجتمع, المجتمع الإقليمي أو العالمي, فكل فلاسفة العصر الحاضر يدلون بآرائهم في هذه المشكلات ولا يتميز أحد على الآخر إلا بقدر ما تكون آراؤه معبّرة عن جوهر العصر أو المجتمع الذي يعيشه, بمعنى أن مركز الثقل يختلف في الفلسفة من عصر لآخر.
سأسألك عن كتبك, بشرط ألا تقول في جوابك أنها مثل أبنائي لها المعزّة نفسها: ما أهم كتاب في رأيك? وما الكتاب الذي تمنيت أن تؤلفه, ولم تفعل إلى الآن?
- كتبي... لدي ملاحظة عنها وهي أن هناك مؤامرة على أوسع نطاق للتعتيم على هذه الكتب في العالم العربي كله وخصوصاً في مصر, يعني كتبي مهما كان لها من أهمية في فتح أبواب جديدة ومعالجة موضوعات غير مطروقة وجريئة لا أحد يتحدث عنها, كأن هناك اتفاقاً مسبقاً على أن يمارسوا مؤامرة الصمت على هذه الكتب, والمفروض أن يكون تقييم هذه الكتب من قبل الآخرين, لأنه من الصعب أن يقيّم الإنسان أعماله بنفسه, ولكن بالنسبة لي أقيّم هذه الكتب حسب الفائدة التي يمكن أن يجنيها الناس, مثلاً كتاب (كم عمر الغضب?) أعتقد أنه كتاب مفيد جداً من أجل تنمية الوعي السياسي المشوّه عند الإنسان العربي العادي, كتاب (خطاب إلى العقل العربي) فيه معالجة لمجموعة من القضايا المتعلقة بالقيم والأفكار السائدة, كذلك بالنسبة إلى كتبي عن الموسيقى أعتز بكتاب (مع الموسيقى) وهو كتاب تضمّن تجربة ذاتية تنتقل من البساطة الكاملة إلى التعقيد التام, وهو أيضاً يفيد كل مهتم بهذا الفن الجميل.
وإني آسف إذ أجد نفسي مضطراً إلى أن أصدر بنفسي حكماً على كتبي, وكنت أتمنى أن أترك هذا للنقاد أو للكتّاب الآخرين, ولكن الجميع مصرّون على الصمت مهما فعلت.
أما عن الكتاب الذي تمنيت تأليفه, فقد كنت خلال العامين الماضيين مشغولاً بموضوع العقلانية, وقد كنت أتمنى أن أكتب كتابا بهذا العنوان أقوم فيه بتأصيل هذا المفهوم وتبيان أبعاده, وتأكيد فائدة العقلانية كأساس للتفكير عندنا في العالم العربي بالذات, ولكن حالت ظروفي الصحية دون إتمام المشروع.
الحكم الفردي
مقالتك الجريئة عن ظواهر المرض العربي, التي نشرتها سنة 1983 بعنوان (أسطورتان عن الحاكم والأعوان) طرحت فيها أشكال الحكم الفردي الذي يسود الدول العربية, والعالم الثالث بشكل عام, فهل مازالت قناعتك هذه ثابتة أم حدث لها تغيير?
- لا... على العكس, فأنا أعتبر هذه المقالة من أفضل ما كتبت, ففيها تشريح عميق لبعض الأفكار الشائعة والخاطئة عند الإنسان العربي مثل القول إن الحاكم الفلاني هو رجل عادل في أحكامه ولكن أخطاءه كلها تأتي من المحيطين به, وقد فندت هذا في المقال تفنيداً تاماً.
امتداداً لما تطرحه ضمن مسيرة التنوير التي بدأتها ومازلت تدعو لها في أطروحاتك إلى إعمال العقل العربي, يا ترى ما حال العقل العربي الآن?
- أتصوّر أنه ليس بأفضل كثيراً مما كان عليه منذ عشرين سنة, وأن العيوب الأساسية التي نبهت لها في مقالتي التي أشرت إليها, مازالت قائمة.
أزمة الكويت
تصادمت مع بعض المفكّرين العرب إبان أزمة الكويت, وكتبت حينها عن محنة العقل في أزمة الكويت, وكذلك في مقدمتك لمجموعتي القصصية الأخيرة (دماء على وجه القمر) إصرار على موقفك هذا, فماذا تقول
- كل يوم يمضي يزيدني إصراراً على هذا الموقف, والأسباب كثيرة, ولا يتسع المجال الآن لشرحها, وأرجو أن أتمكن من تقديم هذه الأسباب بتفاصيلها إذا سمحت الظروف.
(كم عمر الغضب), لك فيه مواقف نقدية وخالفت محمد حسنين هيكل في كتابه (خريف الغضب) في هجومه على السادات رغم موقفك المعارض من السادات أيضاً?
- أنا فعلاً كنت معارضاً للسادات بقوّة, ولكن هجومي على هيكل في هذا الكتاب كان بسبب التناقض الشديد الذي ظهر عنده, وأنا باعتباري أستاذ فلسفة أوظّف فهمي لكشف التناقض عند الآخرين, وخاصة عند ذوي التأثير الكبير.
المثقف الشامل
أعود إلى مؤلفاتك عن الموسيقى, وأنا أعرف ولعك بالفنون وبالأخص الموسيقى الكلاسيكية, ولديك مكتبة كبيرة, ولك رأي بأن الاستماع إلى الموسيقى الراقية جزء من تكوين المثقف الشامل, فماذا تقول عن هذا الجانب?
- أنا أعتبر الموسيقى نعمة من نعم الله الكبرى التي لا يستمتع بها إلا مَن وصل إلى مستواها, ومما يدعوني للتفاؤل الشديد, تذوّقي واستماعي واستمتاعي بالأعمال الموسيقية العالمية, وهذه تجربة رائعة تُثري حياة الإنسان, وتخفف كثيراً من جفاف الاشتغال بالعمل العقلي أو بالفكر المنطقي الصارم.
أولادك دكتور مجد ودكتورة سونيا, وسلمى لم يأخذ منهم أحد مساراً من مساراتك... ما تفسيرك?
ـ أعتقد أنهم أخذوا مسارات أهم من مساراتي, ولكن أخذوا مني حب العمل والإتقان فيه والجديّة, وهذه أمور تسعدني كثيراً, وهذا أهم بالنسبة لي مما لوكانوا اقتبسوا من أحد اهتماماتي الرئيسية, المهم عندي هو حرصهم على الجديّة والإخلاص في العمل.
قرأت لك في مجلة المصوّر المصرية عن المرأة, بودي أن أعرف دورها في حياتك?
- ربما كان الدور الوحيد الذي أعتز به في هذا الصدد يرجع الفضل فيه إلى الأم, وهذا شيء يؤثر في الطفولة, ولكن لا يؤثر بعد أن يصل الإنسان إلى سن النضج, أمي منذ طفولتي وضعت لي أساساً ظل ملزماً لي من البداية حتى اليوم.
أخيراً, هل أنت راض عن نفسك بعد هذا الكم من الإنجازات الفلسفية والعلمية والحياتية?
- أعتقد أنني راض عن نفسي, وأعتقد أنه لو قدّر لي أن أختار حياتي من جديد لما اخترت إلا هذه الحياة, وهذا الطريق الذي سرت فيه بالفعل مع بعض التعديلات الطفيفة جداً, ولأني أستطيع أن أفتخر بتمسّكي بمجموعة القيم الفكرية التي ارتبطت بها في بداياتي, ولا أجد ما يدعوني إلى التراجع عنها أو المساومة فيها, حتى هذه اللحظة.
العربي، نيسان\أبريل، 2001
|