يمسح دماء الولادة عن نفسه، يقطع حبل سرته وتبزغ شمس، قدماه العاريتان تتخبطان بماء الرحم المهاجر، يصفعه الزمان على ظهره ويشهق أولى أنفاسه ويموت.
موته حياة الرحيل، ورحيله عنوان الحياة. حين سقط في التاريخ مرة نعوه وأفاضوا في ذكر فضائله، تركهم وقتها واستدار، شيعوه وهو جاثم بين أيديهم، أنفاسه تلسع الوجوه، تخبطاته تكسر الأجساد، تجاهلوه وغابت عندها شمس الأيام.
لم يقوى بعدها على الإنكار، لم يقوى بعدها على الرؤية، اختار الليل وتلبسه، هاجر الليل في الصحراء العربية، صحرائه تلك من بعده أضحت مقبرة للإنسانية.
دفن نفسه في خيوط الفجر، علق أملاً فوق نجمة، وخط فوق الشمس عنوانا لجبينه، في السكون خلق لنفسه مجرة وتنكب شمسا غريبة وارتدى غيمة وارتحل.
تناديه الحناجر، تلوح الأيدي له، يراهم ويبتعد أكثر، يريد أن يتوحد مع نفسه، يريد أن يخلق، يلتقط سيف الزمان ويقطع جزعه، يرميه في هدوء الفضاء ويدور حوله، يستحيل دربا وينتحل وجه إلهٍ آخر، يخر عندها ساجدا ويلتقط عكاز من شعاع ويرحل عله يجد أتباع.
مل من صفة المهاجر، وكره ترديد اسم مزيف لمخلوقه المعبود، خاف منه وصدق الكذبة، صار عبدا بعد أن كان يشبه الإله، لقد رحل عن أرضه وأراد أخرى، فقأ عيون الصبح بمخرز كذبته وافترش طريق الأرض حول جذعه المقطوع، أصبح أماً لها، يحنو فوق جسدها ويخاف على نفسه من حبها، كيف يحبها وقد رحلت عنه، كيف يحنو وقد قتلته عيونها.
أدرك أنه هو الأخر كذبة، تكتبه أيد مرتعشة، تخاف الفجر، تحب الأمس، وتعشق عيون الليل. ارتحاله كان طريق للتاريخ وقد توقف التاريخ عنده، فكر بغده المدمى، ولعق جسده. أغمضت عينا وهاجرت أخرى...
...أسدل على نفسه الستارة.