يواجهون معاناة الاستقلال النفسي عن أسرهم
الأبناء يكرهون الغموض والاستخفاف بعقولهم
عادة ما يعاني الأمهات والآباء من محاولة الطفل أن يبدو إنساناً مستقلاً، أو أنه يحاول أن يؤكد دائماً أنه يميز بمفرده بين ما هو صحيح وبين ما هو خطأ. والآباء والأمهات لا يعاشرون الأبناء طوال اليوم بطبيعة الحال. إن هناك مجتمعاً يرتبط به الأبناء ومن هذا المجتمع يختار الطفل لنفسه ألوان السلوك التي يفضلها، إنه يتعلم من أبناء الحي ومن أصدقاء المدرسة ومن المدرسين ومن قواعد الدين الذي ينتمي إليه. ويبدو ضمير الطفل في هذه الفترة صارماً للغاية، إنها فترة تكون غاية في الحيوية بالنسبة للضمير رغم أن الآباء والأمهات لا يشعرون بذلك.
إن تمرد الطفل ومناقشاته لأوامر الأسرة تكون دائماً في مسائل بسيطة: كالنظافة والقيام بالواجب المدرسي في مواعيد محددة وحسن التصرف مع الآخرين. ولكن الحقيقة هي أن الطفل في مرحلة العمر الواقعة بين السادسة والثانية عشرة يبذل جهداً خارقاً مع نفسه ليراقب نفسه بشيء من الحزم.
إنه يحاول بكل جدية أن ينجح في دوره الاجتماعي وأن يتعلم كيف يحترم من هم حوله ويحاول أن يفهم قوانين المجتمع. وتبدو هذه العملية شاقة بالنسبة للابن خصوصاً أنه يقوم بها في اللحظات نفسها التي يقرر فيها الاعتماد على نفسه وعدم الرضوخ بالنسبة لأسرته.
إن هناك ألماً نفسياً بالنسبة للطفل وهو يعلن استقلاله النفسي عن أسرته. وهناك ألم نفسي آخر عند الوالدين عندما يجدان الابن كثير المناقشة، يتمادى في عصيان التعليميات، يتعمد إثارة أعصاب الأب والأم. ولا مفر أمام أي أسرة من هذا الأسلوب الذي يعامل به الطفل الأب والأم. وترى بعض الأسر أن
الابن الذي نعلمه الاعتماد على نفسه يسعى أيضاً “للتنكيل” بأعصاب والديه. وترى بعض الأسر أن الابن الذي توافر له كل شيء يعمل على التنكيل بأعصاب الوالدين، وينسى هذان النوعان من الآباء والأمهات أن الطفل يسعى أساساً من أجل أن يستقل عن الأسرة بينما هو يشعر في الوقت نفسه بأهمية اعتماده على الأسرة.
تقول الأخصائية النفسية منى اليافعي:” عادة ما تتفاجأ الأسرة بأن الطفل يقضي معظم الوقت مع الأصدقاء في ركوب الدراجات أو لعب الكرة ويهمل نظافته ولا يحترم مواعيد الطعام وتمتلئ كلماته بلهجة التحدي ويحاول أن يكون له مكانه الخاص في المنزل. وهذا المكان الخاص يزدحم بنقيضين في وقت واحد، نظام يختص بأشياء كالمجلات التي يقرأها وفوضى في ملابسه. ويحاول طوال الوقت أن يؤكد أنه إنسان مستقل، لكن ما أن يمرض أحد الوالدين حتى تلحظ القلق والهم قد زادا عند الطفل، ويحاول أن يفعل كل ما يمكنه لمساعدة الأب والأم. وقد درس علماء النفس هذه الظاهرة، ظاهرة السلوك المزعج للأسرة عند الأطفال في عمر السابعة، وظهر في نتيجة الدراسة أن
الطفل يشعر في أعماقه أن الأب والأم يظلمانه، وأنه غير سعيد لأن هذا الأب هو والده وهذه الأم هي أمه. إن صورة البهجة المشرقة التي كانت تملأ الطفل في عمر الرابعة فخراً بالأب والأم تختفي قليلاً، ويظهر بدلاً منها إحساس بالانزعاج عند الأطفال لأن كل واحد منهم يرغب في المزيد من الاستقلال. ولا يعلن الأطفال هذا الرأي صراحة، ولكنه يظهر في سلوكهم”.
وتضيف:”
ينظر الطفل إلى والديه في هذه الفترة باعتبارهما سلطة قهر. وهذا الإحساس يمكن للأم أن تتذكره تقريباً عندما تعود بذاكرتها إلى الوراء حين كان عمر طفلها عاماً واحداً وكان يعارضها فوراً بأية طريقة. ويمكن للأم أن تتعرف على هذا الشعور أيضاً عندما يبلغ ابنها الخامسة عشرة. إن الطفل في هذه الفترة من العمر يكون غاية في الحساسية وغاية في الرغبة في مناقشة أي أمر سواء كان جاداً أم تافهاً. ويحاول الابن من عمر السادسة حتى الثانية عشرة أن يعبر بشكل غير مباشر عن إحساسه بأن والديه لا يتهمانه علي الإطلاق أو أن الآباء ظالمون في أسلوب معاملتهم له. ولهذا أعتقد أن الطفل في هذه الفترة يحاول إثارة أعصاب والديه وأن يسبب لهما الضيق دون قصد، وهذا ما يجعل الآباء والأمهات يصرحون بأن الابن قد أصبح مصدراً للقلق والضيق والتوتر وأنه يبدو كالقط النافر. وقد يظن الأب الذي ليست له ولا للأم خبرة أن الابن قد فسد ولذلك تأخذ خيبة الأمل طريقها إلى ملامح الآباء والأمهات. فلا داعي للإحساس بخيبة الأمل،
فالطفل يحاول أن ينمو وعملية النمو شاقة بالنسبة إليه وهو يحاول من خلال المعارضة ومن خلال المناقشة أن يختار لنفسه طريقاً. إن الطفل يعرف قيمة والديه داخلياً والإنكار غير المباشر لهذه القيمة هو عملية تأكيد على الاستقلال فقط”.
وجود خاص
ويقول الدكتور بهجت أبوزامل، أخصائي علم النفس:
”يجب على الأب أن يبتسم هو والأم وأن يفهم الاثنان أن الابن يحاول أن يعلن عن وجوده الخاص. فالابتسامة ضرورية حتى لا ينفجر الوالدان من فرط التوتر. إن الأب والأم أحياناً يحاولان حل مشكلات الابن في هذه الفترة من العمر بالصبر أو بدفن الرأس في الرمال والتغاضي عن سلوك الابن وليس هذا هو الأسلوب الصحيح. إن الصبر أو التغاضي يؤذي الطفل نفسه.
ويشعر الطفل في أعماقه بأنه في حاجة إلى رعاية الأسرة ورقابتها، بل ويشعر أن الأب والأم مطالبان بالتدخل كي لا يتجاوز حدوده، وذلك لأن الطفل الذي لا يجد من يوقفه عند حده يحاول المزيد من إثارة الوالدين إلى الدرجة التي يمكن أن يفقد الأب معها أعصابه أو تفقد الأم أعصابها. إن
على الوالدين أن يوقفا الطفل عند حده لإرضائه هو نفسياً لأن اللوم هنا يؤدي وظيفة مهمة بالنسبة للطفل. إنه دليل اهتمام ودليل توجيه، فالطفل في هذه الفترة يملك ضميراً حساساً ويتقبل التوجيه في أعماقه، ويشعر أنه لا بد أن يجد من يقول له هذا خطأ وأن يقول له ذلك بلهجة حاسمة وهو في حاجة إلى من يحزم الأمر معه ويطالبه أن يقوم بواجبه المدرسي وأن يحترم نظام المنزل وأن يكون مهذباً مع الآخرين وأن يحرص على نظافته. إن الرقابة والتنبيه واللوم هي واجبات أساسية بالنسبة للأهل ويجب ألا يتغاضى أحد عن أي سلوك غير مهذب للابن. إن الابن سيحاول دائماً أن يجذب الانتباه بالمزيد من الانتباه إليه وسيحاول أن يؤكد للأسرة أنه في حاجة إلى من يراقبه وسيحاول إثارة الأبوين بكل الوسائل.
وفي النهاية سيواجه الأبوان ثورة نفسية عارمة على الطفل صنعها الطفل نفسه بهدف الحلول محل اهتمام الأسرة ورقابتها”.
مباراة مشتركة
أما الأخصائية النفسية سوسن حلاوي ، فتقول:” أحياناً تنسى الأم وتجد نفسها قد ثارت على الطفل لأنه حاول أن يثيرها طوال الوقت. لكن لا بد أن تقول الأم لنفسها طوال اليوم إن الطفل يتصرف أحياناً وكأنه في “مباراة” مع الأم. إنه يبدأ المباراة دائماً ولا بد للأم أن تستجيب لهذه المباراة وأن نفخر لأنها تلعب معه هذه المباراة وتنتصر لنفسها وللطفل أيضاً. أقول ذلك لأن بعض الأمهات يستسلمن للأرق والقلق والتوتر، رغم أن الأمر لا يخرج عن كونه مباراة لكرة المضرب (التنس). لنترك الطفل يختار طريقه، فلا داعي أن نفرض عليه ذوقنا في اختيار الملابس مثلاً، ولا داعي أن نرهق الأبناء بضرورة تناول كميات كبيرة من الغذاء، ولا داعي هناك لكي نجعلهم يشعرون أن رقابتنا هي نوع من التلصص الدائم. إن الابن يحب أن يقلد السائد في الملابس وهي بالتأكيد تختلف عما كان يلبسه الأب في الماضي. ومن المؤكد أن الطفل يجب أن يلعب الألعاب نفسها التي يلعبها من هم أصدقاؤه. والطفل يجب أن نشتري له بعض اللعب. ومن الرائع أن يكون ما يشتريه هو من مصروف يده أو نتيجة لعمل ما قام به في المنزل. إن الطفل يكره “الخبث” وأسلوب المناورات التي قد يمارسها الأب أو الأم لمقاومة رغبات الطفل، فهو يحب أن يكون إنساناً واضحاً فلماذا لا نكون واضحين معه،
وعلينا أن نؤكد له استقلاله ونؤكد له رقابتنا في الوقت نفسه. هذه معادلة صعبة لكن ما أن نبدأ فيها حتى نجد أن ممارستها تتيح لنا فرصة تربية إنسان على طريقة صحيحة”.
قواعد أساسية
“ هناك بعض القواعد الأساسية والمهمة التي يجب أن نعامل بها الطفل طوال الوقت وهي لازمة للغاية أثناء التعامل معه في هذه الفترة من العمر. يجب ألا نتحدث إلى الطفل في كبرياء أو أن يشعر أن من يتحدث إليه يحتقره. فالطفل يلتقط بحساسية بالغة لهجة المتحدث إليه وأسلوبه. وعلى الأم أن تتحدث إلى الطفل بهدوء، واثقة من نفسها لا أن تتحدث إليه وكأنه يائسة منه تماماً. فالابن عندما يسمع حديث الأم اليائس يتألم ويفقد الثقة بالنفس لأن الحديث عنه بيأس يجعله يفقد القدرة على تخيل أنه إنسان ناجح.
ولا بد من وضع قواعد أساسية يحترمها الطفل وينبه إليها: كمواعيد الطعام والاستحمام والنوم وعدم وضع شيء في غير مكانه وعدم التعبير عن غضبه بالصراخ، وعندما يخرج عن هذه القواعد فلا بد من أن تنبهه الأم أو ينبهه الأب بلهجة فيها الحنان والصداقة والحزم. وقد يتلكأ الطفل قليلاً ليرى هل ستنسى الأم ما نبهته إليه أم لا، ولكن عليها البقاء متنبهة جيداً حتى يفقه التعليمات”.
http://www.alittihad.ae/details.php?id=18883&y=2010