هذا المقال سيفرح فيصل القاسم ويؤيد طريقته
نهاية عصر النبلاء في برامج الحوار التلفزيونية
بعد خروج لاري كينغ من محطة «سي إن إن»
لاري كينغ («نيويورك تايمز»)
واشنطن: توم شايلز*
لن نرى بعد اليوم السادة «اللطفاء» - هذا هو المتوقع في عالم ما بعد كينغ – ونقصد هنا بالطبع لاري كينغ الذي شهدت شعبيته انحدارا كبيرا هذا العام، والذي أعلن مؤخرا تقاعده ووقف برنامجه الحواري الشهير على محطة «سي إن إن». هذا الخروج حدث قريبا تماما مثل الإعلان الصادر عن مسؤولي الشبكة الأميركية التنفيذيين الشهيرة عن البديل الذي سيحل محل كينغ.
هذا البديل – المتوقع أن يكون المذيع البريطاني الشهير بيرس مورغان – الذي ربما يكون أفضل أو أسوأ من كينغ فيما يتعلق بإجراء المقابلات لكنه لن يكون لطيفا ومهذبا مثل كينغ. «سي إن إن» لا تريد محاورين يتسمون باللطف بعد ذلك. فالشبكة تريد محاورين حادين وغليظين وسليطي اللسان كهؤلاء الموجودين في البرامج الحوارية على محطات الكابل الأخرى. وكتب أحد كتاب الأعمدة في صحيفة «هوليوود ريبورتر» معلقا على ذلك: «البديل للاري كينغ لا بد أن يكون لديه توجه» وكلمة توجه هنا غالبا ما تترجم «خبيث».
سنفتقد لاري كينغ ليس فقط بسبب شخصيته الخاصة والفريدة – وهيئته التي تشبه دمون رانيون ورفضه ارتداء المعطف حتى عندما يجري مقابلات مع رئيس الولايات المتحدة، وزمجرة صوته – لكن أيضا لما يمثله. فقد أصبح برنامج لاري كينغ على نحو متزايد المظهر الوحيد الذي يحترم العقلية الإنسانية في وسط حديقة حيوانات نتنة مليئة بالمتهورين وسلطاء اللسان والبلهاء ومختلي العقل.
فقد دفع كينغ أسلوب الخطاب والبرامج الحوارية الخفيفة في الولايات المتحدة إلى الأمام وإلى أعلى.
وكان الاتجاه الذي لا مفر منه الآن والذي يتبنى التطرف الحاد غالبا ما كان يرفضه. صرخات الإنذار لا تفيد كثيرا، ولكن لا بد من التنبيه على أي حال، وإعلان كينغ التقاعد، والذي لم يكن متوقعا، يدعونا إلى إعلاء صوتنا بهذه الصرخات التنبيهية. بالإضافة إلى ذلك، فإن هناك سببا وجيها للوم الآخرين غير كينغ على هذا التراجع والسقوط.
لم يكن كينغ يفعل شيئا مختلفا عما فعله على مدار 25 سنة من النجاح على شبكة «سي إن إن»، لذلك فلماذا كانت شعبيته تتراجع؟ ربما لأن عدد الضيوف على برنامجه أصبح غير عملي، ولأن المديرين التنفيذيين في الشبكة لم يكونوا على استعداد لمساندته والتمسك به حتى تتعقد الأمور.
استغرب الكثير من المشاهدين لبرنامج كينغ في ليلة 18 مايو (أيار) – وهي الليلة التي أعلن فيها النتائج الأولية لانتخابات مهمة ورئيسية في جميع أنحاء البلاد - عندما كان ضيف لاري كينغ من المفترض أن يكون شخصية سياسية بارزة ومحترمة، لكن ماذا كان اختياره؟ ميك جاغر الذي ظهر في كل برامج المدينة للترويج لإعادة إصدار الألبوم الشهير «إكزايل أون مين ستريت»؟
وكانت ليلة الانتخابات التمهيدية ليلة عظيمة وغريبة للحصول على إجازة من السياسة في برنامج «لاري كينغ لايف»، وهو البرنامج الذي يعتمد إلى حد كبير على سمعة الشخصيات السياسية البارزة التي جاءت للحديث مع كينغ وإظهار احترامهم له على مدار السنوات الخمس والعشرين الماضية. ويقول بعض المطلعين إن ظهور جاغر السخيف كان دلالة على الارتباك في الإدارة العليا لشبكة «سي إن إن» وتحول تركيز الشبكة بعيدا عن الأخبار. أما التوجه الذي ربما نلحظ مزيدا منه الأسابيع والأشهر المقبلة فهو الاعتماد على الخطاب النقدي والجدلي على غرار ما هو سائد في المحطات المنافسة مثل «فوكس نيوز» و«إم إس إن بي سي»، والتي يقف على مقدمتها شخصيات مثل بيل أورايلي وكيث أولبرمان (اللذين يعتبران وجهين لعملة واحدة).
وكان كينغ يواجه انتقادات على مر السنين لإلقائه أسئلة «خفيفة» على الضيوف. وقد كان الضيوف المثيرون للجدل يحبون الظهور في برنامج كينغ أكثر وقبل أي برنامج آخر لأنهم، كما قيل، لا يتوقعون أسهل منه. ولكن لماذا يتعين على مقدمي البرامج مهاجمة الضيوف بأسئلة حادة؟ إن كينغ يسمح لضيوفه أن يقولوا ما يريدون. ولهذا السبب حظي كينغ بضيوف عظماء، على الأقل في الفترة التي شهدت تألقه الطويل والسعيد. فأنت تعرف أنك تستطيع المشاركة في برنامج كينغ وتستطيع أن تحاول شرح موقفك والدفاع عن نفسك، إذا لزم الأمر.
الآن شبكة «سي إن إن» تسير على منهاج مختلف في الواقع - مع مضيفين لديهم الكثير من الشرح والدفاع، أو أحد الأمرين على الأقل: إليوت سبيتزر، حاكم نيويورك السابق الذي استقال بعد فضيحة الرقص مع مومسات. هل هذا نوع من المزاح، الجمع بين سبيتزر وكاتبة العمود كاثلين باركر الحائزة على جائزة بوليتزر، والتي ذاع صيتها عندما وصفت الرئيس أوباما في أحد أعمدتها بـ«أول رئيس امرأة»، وذلك في البرنامج الجديد الذي سيذاع الساعة 20:00.
هذه الشهرة، بطبيعة الحال، تبدو جيدة بشكل كاف في وقتنا الراهن. الشهرة وسوء السمعة بات من الصعب التمييز بينهما، وهو أمر لم يعد يثير الدهشة. كيف حدث ذلك؟ من الذي أتى بهذه الموجة من الغلظة والكذب الذي أشبع الخطاب العام في القرن 21 حتى الآن؟
يعتبر الإنترنت، بقواعده العشوائية والغوغائية ومنتدياته المفتوحة على كل نوع يمكن تصوره من الحمقى أحد الأسباب الرئيسية لهذا ورفع الخطاب المبتذل إلى مستوى تعليق منشور لمجرد أنه أصبح هناك مساحة لذلك هنا وهناك وفي كل مكان.
ربما لا يكون بمقدور لاري كينغ النجاح أو حتى الاستمرار في عالم أصبحت فيه قواعد الحوار هي الصراخ والعنف وحتى اغتيال الشخصيات. أراد كينغ أن يكون محبوبا وأن لا يخشاه الناس بل يعجبوا به. ولا ينبغي أن يندم المحاور المخضرم على ذلك. لمدة 25 عاما، قدم برنامجا مشابها للبرامج الإذاعية على شاشة التلفزيون. وربما الآن ينتظرنا القبح، وخاصة إذا حاولت «سي إن إن» المنافسة والتغلب على المحاورين الذين يتسمون بالغلظة وعدم الفهم في القنوات الأخرى مثل «فوكس نيوز» و«إم إس إن بي سي».
ليس كل من يدير برنامجا حواريا على هذه الشبكات متورطا في جريمة جعل الخطاب حادا. لكن الضوضائيين الكبار، وهم الشخصيات الأكثر بروزا وهم الأكثر حدة وعدوانية. هم يضعون القواعد الرئيسية والفرعية والتي ربما تكون موجودة بالفعل.
وما يحدث في التلفزيون حتما يؤثر، وفي بعض الأحيان يلوث، الحياة والسلوك والأعراف الأميركية. في مارس (آذار)، صدم عضو الكونغرس الديمقراطي عن ولاية جورجيا جون لويس من سخرية وهجوم المعارضين للإصلاحات على قانون الرعاية الصحية عليه. فخلال مظاهرة لهم أمام الكونغرس هتفوا ضده مستخدمين أبشع الأوصاف العنصرية. وقد علق لويس على هذا قائلا: «لقد صدمت. هؤلاء الناس سلطاء اللسان للغاية ولا يمكن نتشارك معا في حوار ومناقشة متحضرة». لكن لو كان لويس يشاهد الكثير من محطات الكابل التلفزيونية، ربما كان وقع الصدمة أخف على نفسه.
* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»