http://www.nadyelfikr.com/showthread.php?tid=28348



مدينة لوبيز
قصة ، من : عبد الرحمن حلاّق
مجموع القراءات

1605) قراءة
مجموع التعليقات

76) تعليقاً
تاريخ النص في الموقع:السبت 5 يونيو 2004
نظر الجزار إليه بقرف مشمئزاً من ثيابه العتيقة ، وهيئته الشاحبة وقال :
ــ إن شاء الله فرجت معك عكروش أفندي صرتَ تسألُ عن سعر اللحمة ؟
ازدرد عكروش غصته وابتلع الإهانة متلعثما :
ــ يعني .... كنت ..... أفكر ... بس .
ــ فكـِّر عكروش أفندي فكـِّر على راحتك .... الكيلو بخمسمئة .
سارع عكروش هاجماً دونما تفكير على كأس الماء المتروك على طاولة جانبية ، ارتشف ما تبقى فيه علّ الكلمة التي وقفت بالعرض في حلقه تتزحلق إلى مجاهيل أمعائه . وهمّ بالخروج لكنه توقف أمام فخذة حمراء مثيرة معلقة في مدخل الدكان ، تملاها بناظريه طويلاً إلى أن زجرته كلمات سيفو الجزار :
ــ دير بالك عكروش ترى النظر إلى اللحمة بفلوس لا تأكلها بعيونك .
لكن عكروش فرد جريدته بنزق ثم رمقه بنظرة شاتمة ومشى يطالع الأخبار وسط زمامير السيارات وصراخ الباعة .
انتبذ زاوية متطرفة على الرصيف ، أسند ظهره للجدار متوقفاً عند نبأ أثار فضوله واستغرابه ، راح يقرأ المانشيت العريض بصوت عال :
ــ " ما زالت أخبارها تستحوذ اهتماماً عالمياً "
وثمة عنوان فرعي صغير " سحرها يثير النساء قبل الرجال " .
تتقافز عيناه بين العناوين الفرعية والصورة ، قامة ممشوقة كغصن البان تكور وسطها قليلاً ، وتعليق أسفل الصورة " الممثلة الهوليودية الشهيرة تؤمن على مؤخرتها بمليون دولار " ، سارع إلى الصفحة الأولى ليتأكد من اسم الصحيفة ( الحقيقة المرة ) .
ــ نعم هي ، هل يعقل لصحيفة عربية بهذه الرزانة وهذا الانتشار أن تنشر خبراً كهذا ، راحت عيناه تلتهم كلمات الخبر ليسد بها جوعاً مزمناً :
(( وروت الممثلة الكوميدية ميغان مولالي انطباعاتها عن لقائها بجينيفر لوبيز قائلة :
إن الزميلة لوبيز تملك مؤخرة ذات قياسات غير عادية وشكل غير طبيعي .... ولا شك أن لوبيز جميلة جداً ، لكن مؤخرتها فاتنة وآسرة ، ولا أتردد في القول إنها ببساطة ساحرة ، وتجعلك في حالة كأنك منوّم . تبدو وكأنها تنتمي إلى كائنات لا نعرفها وليس إلى إنسان ، إنها مؤخرة مدهشة تكاد لا تصدق ، لكنها تؤثر فيك ، وتترك لديك انطباعاً جميلاً )) *
تسقط يد عكروش إلى الأسفل ، ويمشي كأنما قد شرب ليتراً من العرق السيئ وهو يحدث نفسه :
ــ مليون دولار ؟! ثمن مؤخرة ... يخرب بيتها لو وقعت في يد سيفو الجزار لباعها بالغرام ، وربما استبدل دكان اللحمة بمكتب عقاري وباعها بالسنتيمتر مربع ، وأنا متأكد أن كل سنتيمتر واحد سيبني بثمنه عمارة تسكن فيها عشرات العائلات ، إي بشرفي مؤخرتها تبني مدينة كاملة ، يمكن أن نطلق عليها ( مدينة طيز لوبيز ) يا سلام وعلى القافية كمان ! .
وانفجرت من أعماق صدره ضحكة جعلت كل من يراه يوقن حتماً أنه قد جن ، لكنه وكمن لم ير أحداً عاد يحدث نفسه :
ــ مليون دولار ؟! ترى إذا كانت النظرة إلى لحمة سيفو بفلوس فكم تساوي النظرة إلى مؤخرة لوبيز هذه ؟ يالنا من أمة جاهلة لا تهتم إلا بالصغائر ، العالم كله منشغل بأخبار الحقيقة المرة ونحن ....؟! نعم نحن ! يالنا من صغار ! مازلنا نبحث في مشاكل صغيرة منذ خمسين عاماً ونحن نلوك فلسطين والقدس والآن العراق والفلوجة وكربلاء والنجف . نعم . نعم مازلنا صغار ، إي بشرفي نحن صغار ، تُرى إذا جمعنا مؤخرات الشهيرات في هوليود وبعناها وسط هذا الحشد الإعلامي والاهتمام العالمي والجماهيري بمثل هذه القضايا الدسمة ، يعني إذا جمعنا ثمن هذه المؤخرات ألا نستطيع إعادة إعمار العراق ؟
تجلجل ضحكة ثانية في صدرعكروش قبل أن يتابع حديثه مع نفسه :
ــ أما زلت تهتم بإعادة إعمار العراق ؟ ألم أقل لك ياعكروش أننا صغار ؟ ها أنت تثبت لنفسك أيضاً أنك صغير وتافه مثل حشرة صغيرة ، رغم أنف شهادتك الجامعية ، ورغم أنف مؤلفك الشهير الذي بعته بثمن بخس لصاحب دار الدفاع ، ونسبه لنفسه ، نعم صغير أنت ، لو أنك منذ البدء فكرت في كيفية الوصول إلى مؤخرات كهذه ، لكنت الآن من أصحاب الملايين ، نعم ولما سخر منك سيفو ، طز على سيفو وعلى لحمة سيفو . طز على العراق وفلسطين .
راح الصوت يعلو تدريجاً والجسد يدور حول نفسه متراقصاً ومغنياً بآن :
طز بالأمة طز تحيا أمريكا والانكليز
طز بسيفو طز تحيا مدينة لوبيز
لكن سيارة جيب بيضاء توقفت بالقرب منه، ترجل منها فارسان ، حملاه بمنتهى الرفق والحنان .... ألقيا به في غياهب الجيب الذي انطلق مسرعاً بينما عكروش يتابع رقصه وغناءه إلى أن فاجأته لكمة رقيقة بكعب بندقية حديثة ، جعلته يتوقف عن الغناء ... يصمت .... يخرس ... تنثال دمعتين من عينيه ... يردد في نفسه :
ستبقى صغيراً ياعكروش ، أمضيت شبابك تلهث خلف مؤخرات أولاد تغريهم بسيكارة تارة وبقطعة نقدية تارة أخرى ، تقضي فيهم شهوتك الحيوانية إلى أن انفض الناس من حولك . ستموت وحيداً يا عكروش ربما بضيافة هؤلاء الفرسان ، تقتلك الحسرة على مؤخرة لن تراها إلا بصحيفة عربية .
لكنه صرخ فجأة وبملء صدره :
ــ لا .
فاتحاً الباب الخلفي للجيب ومندفعاً بجسده ليتدحرج على إسفلت الشارع كخنفسة حمراء مرقطة بالأسود .
الكويت 13 / 5 / 2004
http://www.arabicstory.net/index.php?p=text&tid=4653