في الافلام الخيالية ليس من النادر ان نرى انفجار الكواكب والمراكب الكونية مصدرين اصواتا هائلة، غير ان الحقيقة ان الفضاء االخارجي يحتوي على القليل من الجزيئات الضرورية لانتقال الصوت، وبالتالي فالصوت لاينتقل سماعياً في الفضاء الخارجي.. هذه الحقيقة تبدو غريبة مع كوننا نسمع ان العلماء يقومون " بالتنصت على الاصوات" القادمة من الكون الخارجي، والاجهزة الالكترونية تُظهر لنا ان الكون ليس فقط مملوء بالاصوات، ولكنها ايضا اصوات موسيقية، كما تمكن الباحثون من "سماع" قرعات متواترة قادمة من ثقوب سوداء ونفخات عميقة صادرة عن اعماق النجوم. والحقيقة ان آذاننا قادرة على سماع تأثيرات موجات في حدود معين، في حين ان الاجهزة قادرة على تحويل بقية الموجات، بما فيه الضوئية والاشعاعية الى موجات صوتية فنصبح قادرين على سماعها. ولذلك فإنه يمكن القول ان " الاصوات" تصدر عمليا عن كل الاجسام الكونية في الفضاء الخارجي.
الموسيقى ليست شئ قابل للسماع على الفور، وانما تحدث بعد ان تقوم مجموعة متوالية من العمليات الفيزيائية بتحويلها الى موجات صوتية، يبعث فيها القدرة على التأثير المرئي على محيطها. هذا التأثير المرئي هو الذي يتمكن الباحثون من ملاحظته والتقاطه وتحويله الى صوت مسموع فيتمكنوا من فهمه افضل.
في السنوات الاخيرة اصبح الانصات الى " الموسيقى الكونية" جزء هام من علم الفلك، لكون الصوت قادر على إعطاء مجموعة من المعلومات عن المصدر الناشئ عنه. دراسة الموجات الصوتية الصادرة عن الشمس وبقية النجوم اعطتنا معلومات اساسية جديدة عن بنية النجوم. مثلا، الاصوات الصادرة عن الثقوب السوداء تساعدنا على معرفة كيفية نشوء المجرات.
الصوت ينشأ من تردادات تؤدي الى تحريك الجزئيات الجوية المحيطة، بحيث ان منطقة محددة تزداد كثافتها في حين ان المنطقة المجاورة تصبح ارق. القياسات العلمية تُظهر ان هذا الامر يجري حول العديد من الاجسام الكونية ومن بينها الثقوب السوداء وحتى في اعماق النجوم، حيث توجد جزيئات يمكن بعث الحركة فيها.
غير ان الموجات الصوتية، في اغلب الحالات، هائلة الابعاد وبطيئة للغاية بحيث ان الترنيمة الناشئة عنهم تكون مليار مرة اعمق من قدرة الاذن او الميكروفون على التقاطها.
الترددات يجري قياسها بالهيرتز Hz, وهي عدد الترددات في الثانية الواحدة. كلما ارتفعت الموجة كلما كانت الترنيمة اكثر اضاءة، في حين ان اذن الانسان قادرة على التقاط وفهم الاصوات في المنطقة الواقعة بين 20 هيرتز الى 20 الف هيرتز، ولكن جميع الاجسام الكونية تطلق " اصواتها" في منطقة تردد اعمق من 20 هيرتز ، ولذلك على الفلكيين تحفيز الصوت اصطناعيا او خلق الصوت عن طريق موديل كمبيوتري بتلقيم المعطيات واجراء الحسابات.
على مدى اكثر من 25 سنة يعرف الباحثون ان الشمس يصدر عنها صوت يشبه موسيقى اسطوانات الاورغن . بمساعدة مايسمى helioseismologi, ( علم دراسة الانفجارات الشمسية) تمكن الفلكيون من ملاحظة فترات تواتر منظمة للموجات الصوتية والتحركات الناشئة في المناطق العاصفة تحت سطح الشمس. الموجات تحدث بسلسلة تواترية روتينية، لكونه يجري جذبهم للخلف كلما وصلوا الى السطح فيرتدوا للاسفل عائدين ليعاد دفعهم الى السطح عندما يقتربوا من نواة الشمس. هذه الحركة يمكن توثيقها من الارض ومن المحطات الفضائية، والباحثين وضعوا خارطة لمنظومة معقدة من الموجات النبضية الصغيرة للغاية. على سطح الشمس، والتي تملك جذورها واسبابها في تفاعلات النواة الشمسية. هذه النبضات المتواترة تخلق شوشرة عميقة من آلاف الانماط من الترددات الصوتية والتي تقع تحت مستوى قدرة آذاننا على الإلتقاط. من حيث ان قوة وتردد الصوت يعتمد على المادة التي ينتقل الصوت فيها ، يمكن للعلماء قياس المكونات الكيميائية لنواة الشمس بطريقة غير مباشرة من خلال تحليل " نوطة الصوت" . مثلا يستطيعون معرفة العلاقة بين الهيدروجين والهليوم، مما يجعل بالامكان معرفة عمر الشمس.
عام 2001 تمكنت مجموعة من الفلكيين الدوليين من محطة لا سيلا التشيلية من ملاحظة ان النجمة القريبة Alfa Centauri A, تملك ايضا صوتها الخاص، تماما مثل شمسنا. مواصفات هذه النجمة تتطابق تقريبا مع مواصفات شمسنا على الرغم من انها اقدم بمليار ونصف السنة واكبر قليلا. هذه النجمة التي تقع في برج القوس، kentaurer, ترسل اقوى الاضواء بين مجموعتها بنبضات مثل نبضات شمسنا إعتمادا على الصدى الارتدادي للموجات القادمة من النواة. ولكون هذه النجمة اكبر واقدم من شمسنا تصبح الموجات ابطئ مع الزمن.
نبضات الموجات في نجمة الفا سينتاوري تقع على فترات تتابع مقدارها سبعة دقائق في حين ان الفترة لدى شمسنا هي خمسة دقائق، مما يعني ايضا ان الترددات اقل في نواتها بالمقارنة مع شمسنا. إذا ترجمنا ذلك الى ترددات صوتية سيصل اقوى الاصوات المنبعث عن النجمة ، الى مستوى Eb واحد ، 15 او 16 octava, (حيث الاوكتاف الفترة بين موجتين صوتيين وحيث العلاقة بين الترددات هي واحد الى اثنين، ايضا الرمز للمستوى الثامن والاعلى في المدرج الموسيقي)، تحت مستوى مايمكن للاذن البشرية التقاطه. بمعنى اخر يمكن القول انه لو كانت الشمس تعزف على الكمان فإن نجمة الفا تعزف الكمان الاكبر (cellon).
وحتى النجوم الابعد التي تشبه شمسنا بمقدار اقل ايضا ممتلئة بالاصوات التي تأسر اهتمام الباحثين. احد الامثلة على ذلك النجمة Xi Hydarae, وهي اكبر بعشرة مرات وتضئ بقوة ستين مرة اكثر من شمسنا. نحن نعلم ان هذه النجمة العملاقة والتي تقع على بعد 130 سنة ضوئية في كوكبة الشجاع The Water Serpent تقترب من نهاية حياتها، إذ انها تقترب من لحظة التحول الى مايسمى عملاق احمر، مما يجعلها مختلفة عن شمسنا التي قضت نصف حياتها فقط. مجموعة من الباحثيين الدوليين اكتشفوا عام 2002 ان النجمة اكسي هيدراي يصدر عن سطحها نبضات تقع على فترات ثلاثة ساعات، مما يشبه ايقاعات ثابتة وعميقة صادرة عن طبل. هذه الايقاعات صادرة عن موجات صوتية منخفضة التردد ناشئة عن غاز يتحرك للاعلى والاسفل في اعماق النجمة. كون النجمة كبير الحجم وعجوز يجعل حركة الغاز بطيئ الى درجة اننا نصبح مضطرين ان نقوي التردد مليون مرة حتى يصبح الصوت قابل للسماع.
وتماما كما كان الحال مع الشمس يستخدم الباحثين قياسات تردد الموجات الضوئية الصادرة عن هاتين النجمتين ليتعلموا المزيد عن مكوناتهم. من خلال سماع " الاصوات" الصادرة عن اعماق النجوم يمكنهم معرفة كيف سيكون سلوك شمسنا بعد 1،5 مليار سنة، وكيف سيكون في نهاية عمرها.
الصوت الاعمق كصوت الكمان الكهربائي (باس) يصدر عن ثقب اسود، مركز احد المجرات في المجموعة المجرية بيريسيوس. (persusgalagshop), على بعد 250 مليون سنة ضوئية. Chandra X-Ray Observatory العائد لناسا تمكن منذ فترة قصيرة من اكتشاف موجات صوتية هائلة تتدفق من هذا الثقب ذو الحركة البطيئة.
الحسابات تشير الى ان هذا الثقب الاسود يصدر عنه بصورة دائمة صوت بتردد مليون مرة اعمق من قدرة الاذن على سماعه. هذا الصوت يمكن تشبيهه بالصوت الصادر عن bas, وقادر على مساعدة الباحثين على حل معضلة كونية كبيرة. حسب النظريات السابقة فإن الغاز الموجود في سديم مجموعة مجرية (مجرات تنتمي الى مجموعة واحدة) يتبرد مع الزمن، وهذا الغاز البارد يخلق منطقة منخفضة الضغط حول مركز مجموعة مجرية. هذا الامر يؤدي الى ان الغاز على حافة المجموعة المجرية يتوجه نحو المركز وهي العملية التي تؤدي الى نشوء البلايين من النجوم.
غير ان الباحثين لاحظوا مدهوشين، مجموعة مجرية، حيث السديم الكوني لازال حارا اكثر من المستوى الذي يسمح بنشوء النجوم. الجواب على هذه المعضلة حصل عليه الباحثون من مجموعة المجرات بيريسيوس. هنا تم العثور على "نافورة" هائلة من الجزيئات المرتفعة الطاقة وحقل مغناطيسي منطلق عن الثقب الاسود في المركز. التيار الصادر عن النافورة يقوم بدفع جزيئات الاشعة الرونتجينية حول الثقب الاسود مما يؤدي الى نشوء موجات صوتية هائلة تنتشر على شكل حلقات في الماء. في الطريق يصدر عن الموجات حرارة تنتقل الى غاز السديم تمنع نشوء نجوم جديدة في منتصف المجموعة المجرية.
الاشعة الرونتجينية حول الثقب الاسود هي الاثار الاخيرة على ابتلاع الثقب الاسود لنجوم وكواكب ومجرات بكاملها. وهذه الاشعة هي التي تخلق الاصوات التي يمكن ان تتألف من ايقاع واحد او معزوفة كاملة من الايقاعات. غير ان المعزوفات لاتتبع نمطاً معينا ، إذ ان قوة الاشعة غير ثابتة، وقوة الاشعة هي التي تقرر مستوى الصوت. الاشعة القوية تعني صوتا اعلى والاشعة الضعيفة تعطي صوتا عميقا. والثقب الاسود الذي لايزال بكثافة شمس واحدة تخرج عنه اشعة تعطي اصوات تتغير بعد بضعة اسابيع في حين ان الاصوات الصادرة عن ثقوب سوداء هائلة تحتاج الى ملايين السنوات حتى تتغير. لذلك الاعتقاد ان بيريسيوس انطلقت زمجرته في فضاء الكون منذ 2،5 مليارد سنة.
NASA's Rossi X-ray Timing Explorer, RXTE, وهو قمر اصطناعي، تمكن مؤخرا من العثور على قنبلة موقوتة هائلة. يقول Diego Altamirano انهم تمكنوا من العثور على قنبلة بدأت العد التنازلي. والمقصود ثلاثة نجوم في منظومة 4U 1636-53, ويبعدان عنا 20 الف سنة ضوئية. احدى هذه النجوم تسلك سلوكا غريبا، إذ تقوم بسحب المادة من اطراف النجوم القريبة. هذا الامر يخلق حولها سحابة حلزونية هائلة تدور بسرعة وتصبح النجمة اكبر على الدوام حيث يحدث على سطحها إنفجارات متوالية دائمة تؤدي الى اطلاق طاقة في اليوم الواحد مايعادل طافة الصادرة عن شمسنا في اسبوع، ومع ذلك تبقى ثابتة. غير ان الباحثين ينتظرون انفجارها قريبا.
وحتى مجموعتنا الشمسية تلعب موسيقاها الخاصة. الارض تترنم بصوت طويل وعميق مطلقة مجموعة من النغمات الصادرة من اعماق الارض بتردد مقداره 10 ميليهيرتز.
احد الاختصاصيين بجيلوجيا الاهتزازات الارضية اكتشف قبل بضعة سنوات ان السبب يمكن ايجاده في الموجات الصوتية الغير مسموعة في القسم الادنى من الطبقة الجوية والتي تقوم بدفع وسحب سطح الارض لتخلق موجات صوتية في باطن الارض. وتوجد مجموعة من الاصوات في الكواكب الجارة لنا. منذ نهاية السبعينات الماضية قامت المركبات الفضائية فويجير 1، 2 بإلتقاط العديد من الظواهر الصوتية كالصفير الغير منتظم والتشويش. في عام 1979 التقطت فويجير 2 صفيرا منتظما عندما كانت تعبر الطبقة الخارجية من الحقل المغناطيسي لجوبيتر. هذا النوع من الاصوات ينشأ عندما تكون هناك بلازما( غاز كهربائي) وحقل مغناطيسي، وهذا الصوت يخبر رواد الفضاء عن مدى كثافة البلازما في موقع محدد. هذا الصوت يمكن تشبيهه في تصاعده وانخفاضاته بصوت المزمار.
Voyager 1 تمكن من التقاط اصوات حول جوبيتر. هذه الاصوات تشبه الاصوات الصادرة عن طائرة نفاثة عندما تخترق حاجز الصوت. هذه الاصوات تحدث عندما تعبر الموجات الشمسية القوية الحقل المغناطيسي لجوبيتر (والقمر). والقمر الاصطناعي غاليلو التقط بين الاعوام 1995-2003 مختلف الاصوات قادمة من حزام الكوكب الغازي الضخم جوبيتر والعديد من اقماره. وهنا ايضا كانت الحقول المغنطيسية هي مصدر الاصوات، حيث يصدر عنها اشعة راديو يمكن تحويلها الى صوت.
جميع " الموسيقيين" الكونيين يجري الاحتفاظ بارشيف ظهورهم في نوتة موسيقية هائلة تسمى الاشعة الكونية الخلفية. هذه الاشعة التي يمتلئ بها الفضاء الكوني عبارة عن ميكروموجات صدرت عن الشوربة الكونية الاولى التي حدثت 380 الف سنة بعد الانفجار العظيم. هذا الصدى لازال باقيا بعد 13،7 مليار سنة ويمكن للباحثين سماعه والتعلم منه.
من خلال تحليل النتائج القادمة من مجموعة من المشاريع (satellit COBE, 1989; ballon BOOMERANG, 1998; sond WMAP), تمكن العلماء من العثور على اختلافات صغيرة للغاية في حرارة الاشعة. اليوم حرارة الاشعة الكونية ثلاثة درجات فوق الصفر المطلق، والتغييرات التي جرى ملاحظتها هي بضعة مئات الاجزاء من مليون جزء من الدرجة.
الباحثين يؤكدون ان هذا الفرق الصغير قادم من الصوت الاول، ويشبه الصوت الصادر عن ساعة هائلة مخترقة ماسورة العالم الجديد في ولادته ومرافقة لرحلة المادة والضوء. البروفيسور جون كرامير John G Cramer من جامعة واشنطن ، وعلى قاعدة المعادلات الحسابية، قام بإنشاء موديل كمبيوتري لاعادة بناء الاصوات الاولى، لنسمع صوت الصور الاول.
ترجم عن مجلة:
Illustrerad vetenskap, 6/2004, p.72-75
للمزيد من المصادر راجع الموضوع الرئيسي على موقع الذاكرة