أزمة في ألمانيا لتأييدها غير المشروط لإسرائيل
هرمان ديركس *
يتقاطع الاحتلال الهمجي لفلسطين والأحداث الدموية التي يقوم بها الجيش الإسرائلي مع الغضب والإدانة الدوليين. وفي ألمانيا المتمسكة منذ عقود بالعلاقة المميزة مع إسرائيل، والمترافقة مع تواطؤ واضح مع الحكومات الصهيونية ضد المطالب الشرعية للفلسطينيين في تقرير مصيرهم، نتيجة الإبادة الجماعية التي قامت بها النازية حيال اليهود الأوروبيين، بدأ وضع تأييد إسرائيل غير المشروط بالتلاشي.
في الأول من تموز،
وللمرة الأولى في التاريخ، اتخذ البرلمان الفدرالي الألماني في برلين قراراً بالإجماع حيال الشرق الأوسط، تضمّن مطلبين أساسيين: الأوّل، إقامة لجنة دولية للتحقيق في مسألة الهجوم على أسطول الحرية من قبل البحرية الإسرائيلية في 31 أيار.
تم الاتفاق على مشروع القرار ببن الحزب الديموقراطي المسيحي والحزب الاشتراكي الديموقراطي والليبراليّين وحزب الخضر. أما حزب اليساريّين، فرفع مسودة خاصة به كانت أكثر اختصاراً ودقةً، إلا أنه قرر سحبها وأيّد مسودة الأكثرية بهدف الحصول على «تصويت بالإجماع» وتوجيه رسالة إلى المجتمع الدولي. لم تمرّ هذه الخطوة من دون مشاكل لأن القرار الذي اتخذته الحكومة وأحزاب الأغلبية لم يذكر أو يُدِن السنوات 43 للاحتلال الإسرائيلي غير الشرعي للأراضي الفلسطينية كونه موضوع الصراع الأساسي. على العكس من ذلك، تضمن القرار العديد من البنود الخاطئة لمشروع سلام حقيقي. ومرة أخرى حرص القرار على خلق انطباع لمقاربة متمايزة،
كأنه يلمح إلى تليين الاتهامات المبررة ضد إسرائيل. ويبدو أن القرار حال دون الوقوف إلى جانب فريق ما،
من خلال ذكره التبريرات الإسرائيلية لحصارها على غزة وهجومها على أسطول الحرية، ومن خلال الاستشهاد بالدفاع عن النفس الذي تدّعيه الحكومة الإسرائيلية، والابتعاد مرة أخرى عن حماس ومناصريها على متن الأساطيل.
ويتّهم هذا القرار حماس باستغلال الحصار لأسباب سياسية، وبأنه لا مصلحة لديها في رفع الحصار، ما دامت تستفيد من اقتصاد الأنفاق. ويكرّر القرار ادّعاءات اسرائيل في عرضها على الأسطول الذي يحثّ على القبول بدخول البضائع إلى قطاع غزة بعد تفتيشها من قِبل قنوات نقل مختلفة. ويتهم القرار حماس بعدم القبول بنقل البضائع من أسطول الحرية بالشاحنات، (والحقيقة هي أن حماس لم تكن مستعدة للعمل ضد إرادة المنظمين في الأسطول، والكل يعلم بأن إسرائيل ستوافق على دخول البضائع التي هي تختارها).
من ناحية أخرى، يعلن القرار مرة ثانية حق إسرائيل في وجودها والحفاظ على مصالحها الأمنية. فرفع الحصار عن غزة ـــــ وفقاً لمسودة الأكثرية ـــــ كان ضرورياً لأنه فشل في إضعاف حماس ولم يكن مثمراً للمصالح السياسية والأمنية الإسرائيلية. بالرغم من ذلك، فإن القرار المتخذ هو بداية مرحلة جديدة في العلاقة السياسية بين ألمانيا وإسرائيل. وككل التحركات الدولية التي تسلط الضوء على الهجوم على أسطول الحرية، أدى ذلك إلى الضغط على الحكومة الإسرائيلية لتغير سياستها بهدف تسوية دائمة مع الفلسطينيين. ولكن هل هذه التسوية ستكون عادلة وديموقراطية؟
منذ بداية تموز ٢٠١٠ عمل فريق من الناشطين للسلام وناشطون يساريون من مختلف التيارات السياسية من مناطق متعددة في ألمانيا على جمع تواقيع على عريضة لمشروع سياسي حول مسألة الشرق الأوسط. وقد نشر الجناح اليساري هذه العريضة أخيراً في صحيفة «جونج والت» اليومية وهي متوافرة في الصفحات الرئيسية لحركة التضامن الألماني ـــــ الفلسطيني. وما شجع على إعداد هذه العريضة توجيه أكثر من ١٠٠ إسرائيلي يساري رسالة مفتوحة في عام ٢٠١٠ إلى الحزب الألماني اليساري طالبةً منه موقفاً أوضح وأكثر تشجيعاً حول الصراع في الشرق الأوسط، شاملاً اليسار الفلسطيني والإسرائيلي. وقد وصفت العريضة أسباب الصراع الممتد لعقود من الزمن والمصالح الجيوستراتيجية للقوى الإمبريالية، وجذور الصهيونية وأسباب نجاحها. وكذلك تحلل العلاقة المميزة بين ألمانيا وإسرائيل بسبب الإبادة الجماعية لليهود من قبل النازيين.
إلا أنه لا يجب بعد الآن، كما تقول العريضة، استخدام واقع الإبادة التاريخية لستر التواطؤ بين ألمانيا وإسرائيل في اضطهاد الفلسطينيين.
إضافة إلى ذلك، تطالب الحكومة الألمانية بإجراءات ملموسة مثل وقف تجارة الأسلحة ووقف تعزيز العلاقات الإسرائيلية مع الاتحاد الأوروبي
بهدف وقف سياسة الدعم التقليدية الألمانية لإسرائيل ما دامت لا تحترم الحقوق الإنسانية والقانون الدولي. وتطرح العريضة حلاً سياسياً في الشرق الأوسط، يعزز السلام، الأمن، والرعاية الاجتماعية للفلسطينيين والإسرائيليين على السواء، مشددةً على الخيارات المختلفة، ومنها الحل القاضي بإقرار دولتين فدرالية أو كونفدرالية...
وتعارض العريضة الاضطهاد الاجتماعي والعنصري والوطني في كل مكان، وتنادي بالصراع الطارئ ضد الحروب الإمبريالية الاستعمارية والعنصرية والرفض للديموقراطية بهدف تجنب تكرار الظروف التي أدت إلى الإبادة الجماعية لليهود الأوروبيين من قبل النازية الإلمانية. فإن حملة المقاطعة ضد إسرائيل جرى دعمها للضغط على إسرائيل وكل الذين يستفيدون من اضطهاد الفلسطينيين، ولكن من الصعب تعميم تلك الحملة في ألمانيا.
* كاتب وناشط يساري ألماني
نشر
النص الأصلي في جريدة الأخبار اللبنانية تحت رخصة المشاع المبدع
cc-by-nc-nd 3.0 وأعيد نشرها هنا بنفس الرخصة.