اقتباس:أكبر شر يمنع ذكره في قلب حضارتنا هو ديانات التوحيد. و قد بدأ بكتاب من العصر البرونزي البربري يسمى العهد القديم, إنبثقت ثلاث ديانات – اليهودية و المسيحية و الإسلام. هذة ديانات إله السماء, إنها ديانات أبوية حرفيا – الله هو الآب القدير – لذلك ينتشر بغض النساء في تلك البلدان المصابة بإله السماء و وكلائه الأرضيين من الذكور. اعتقد ان ديانات التوحيد هي اكبر كارثه حلت على البشريه فانا لاارى اي خير في اليهوديه، المسيحيه او الاسلام نعم منهم اناس طيبون ولكن ايه ديانه تتمحور باله واحد يملك الخير والشر ويعاقب من يشاء ومتى يشاء لاتقدم اي نفع للبشريه .( غور فيدال )
يفخر المسلمون كثيرا بإيمانهم بوحدانية الله و يعتبرون تلك الوحدانية دليلا على صحة الدين و قوامة الطريق الذي يتبعونه, و لا نعدم وجود أحد المسلمين يتقول و يتلمز على عقيدة الثالوث في المسيحية التي يصر معتنقيها أنهم هم أيضا موحدين بالله و أن الثالوث الذي يؤمنون به لا يتعارض مع وحدانية الله. كما لا نعدم حتى بين العلمانيين من يفخر بإخناتون كأول مخترع لعقيدة التوحيد و كأن وحدانية الإله هي إختراع مهم أو مما يدعو إلي الفخر. و بالطبع لا أحد يقول لماذا يعتبر الإنتقال من تعدد الآلهة إلي الوحدانية هو ترقي أو تحسن في فهم الناس للألوهية و كما يقول ابن وراق في كتابه "لماذا لست مسلما" : أن التوحيد نفسه سيصاب بنفس نكبة إنقاص عدد الآلهة واحدا آخرا ليصبح إلحادا. يعني إذا كان إنقاص عدد الآلهة هو شيء جيد من حيث المبدأ فلماذا يتوقف إنقاص عدد الآلهة عند وحدانية الإله ؟
ملك واحد و إله واحد
إن أقدم الديانات المعروفة كانت دائما ديانات متعددة الالهه؛ وقد بدأ الإنسان بعبادةالأسلاف أولا، وهؤلاء كانوا جد او أب يموت فينتقل إلي درجة القدسية ، و يصبح حاميا سماويا لقبيلته، و مع مرور الوقت أصبح الأسلاف أربابا ..إلي أن تحولوا إلي آلهة بمرور التاريخ، و أصبحوا مرتبطين بظواهر الطبيعة، و الحاجة، او رموز اليها.
بعد ذلك كان تعدد الآلهة بسبب تعدد المدن في الإقليم الواحد حيث كان لكل مدينة معبودها الخاص و بالتالي حين توحدت تلك المدن تحت راية ملك واحد إحتاج الناس إلي معبود واحد أيضا لكي يتبعوه. ففي مصر القديمة مثلا يرجع تعدّد الآلهة إلى الفترة التي سبقت توحيد مصر حيث إن كل قريةٍ أو مدينةٍ كان لها إلهُهَا. وقد قدّس المصريون مظاهر الطبيعة التي كانت تؤثّر على حياتهم، فعبدوا الشمس بأسماء رع ثم أمون وأخيرًا أمون- رع، والقمر بإسم سن. وعبدوا الحيوانات مُعتبرين أن الآلهة حلّت فيها، كالبقرة. و في عهد الفرعون أمنوفيس الرابع كانت مصر تسيطر على سوريا وفلسطين وفينيقيا. وبذلك خضعت شعوب لها ديانات مختلفة، فأراد الفرعون أن يوحّد إمبراطوريته دينيًا. وقال بوجود إلهٍ واحدٍ هو آتون الذي مثّله بقرص الشمس الذي تنطلق منه أيادٍ حاملة الخير إلى البشر. وغير الفرعون اسمه إلى أخناتون.
و مع إن قصة توحيد الآلهة بإرادة سياسية فوقية لفرعون مصري إنتهت بالفشل بعد ذلك إلا أن الفكرة الأساسية هنا أن التوحيد الديني مرتبط بالحاجة للتوحيد السياسي و أن توحيد الآلهة في صورة إله واحد ليس فكرة متطورة او راقية بحد ذاتها بل هي تعبر عن الوحدة السياسية للإقليم.
بل إن سلطات و قدرات هذا الإله مرتبطه أيضا بالسلطات و القدرات التي يتركها الشعب في يدي الملك, فإذا كان الملك يملك سلطات مطلقة او عديدة كان الناس أقدر على فهم أن يكون للإله سلطات مطلقة أو عديدة. ففي إنجلترا مثلا بدأ عهد تقليص صلاحيات الملك منذ إعلان وثيقة الماجنا كارتا عام 1215 م و حتى آخر حكم الملكة فيكتوريا, مع مرور الوقت بدأ الناس يتقبلون فكره الملك الذي يملك ولا يحكم و بنفس الطريقة فكرة وجود إله خلق الكون ثم تركه يعمل لوحده, فكانت إنجلترا أيضا هي من أوائل البلدان التي إنتشرت فيها الربوبية كما سادت فيها الملكية الدستورية.
إذن فإرتباط الدين بالسياسة هو إرتباط حتمي و بديهي حيث أن الإله دائما كان يتخذ شكل الملك لأنه بلا وجود و الناس لديها خيال يعمل و يحاول أن يشبه الفكرة إلي أقرب ما يكون, و كان الملك حاكم الدولة هو أقرب شبه ممكن لفكرة الإله خالق الكون و الحاكم العام في نفس الوقت.
و مع ذلك فإن فكرة الإله الواحد لم تولد من رحم دولة موحدة سياسيا بل إن هذا المعتقد كما صاغته اليهودية و الإسلام بالذات قد ولد من رحم قبيلة و على يد زعامات قبلية أرادت صنع دولة موحدة مثل موسى و محمد و لو إن إبراهيم و موسى هي شخصيات مشكوك في وجودها إلا أن فكرة إرتباط الإله الواحد بالدولة الموحدة كانت واضحة بالنسبة لمؤسسي اليهودية (أيا كانوا) و الإسلام, بحيث أنهم أرادوا صنع دول قوية من خلال الإصرار على فكرة الإله الواحد فقط. و في النهاية كان يتحقق لهم ما أرادوا على أساس أن تعدد الآلهة يكرس لفكرة التعدد و الإختلاف بين الناس و بالتالي يكونوا ميالين لقبول فكرة تفكك الدولة الواحدة.
تعدد الآلهة و ثقافة الإختلاف
قد يكون تعدد الآلهة يكرس فعلا لتعدد السيادات على الإقليم أو تعدد الأقطاب السياسية و ربما تعني الوحدانية الإلهية ترسيخ لفكرة الأحادية في السياسة كما في الثقافة, إلا أن هذا يعني أن وحدانية الإله تدافع بشكل آلي عن الجمود و التصلب و ضيق الأفق (بغض النظر عن وجود الإله من عدمه, و سواء كان واحدا أم أكثر). ففكرة الإله الواحد الذي لا يتشاور مع احد و لا يراجعه احد في تصرفاته و الذي يتصرف في الكون كله كما يحلو له بدون حسيب أو رقيب أو حتى شاهد تصيب المؤمن بها بالشلل الفكري, لا إراديا يكون الإله هو المثل الأعلى و حلم المؤمن به و ربما حتى الكافر به أيضا بحيث يتمنى المؤمن في لاوعيه أن يكون في قوة و عظمة و مجد الإله و بالتبعية سيتمنى أن يكون بدون حسيب أو رقيب و سيصيبه الضيق (بلا وعي منه) من تدخل الناس في حياته أو مراجعتهم لتصرفاته.
بل على العكس يكون المؤمن حقا بالإله الواحد (ولا عجب) شخصا متزمتا لا يكف عن ملاحقة الناس بعينيه و آذانه متطفلا عليهم و مصححا لهم تصرفاتهم تماما كما يفعل مثله الأعلى, الإله الواحد الذي لا يكف عن التلصص على الناس و ملاحقتهم و محاكمتهم و مراجعة سلوكهم و كبت حرياتهم على أساس أنه هو لا يخطئ أبدا أو أنه هو شخصيا لديه إلتزامات شخصية وضعها لنفسه لكي يلزم بها نفسه.
يقول المسيحيين في قانون الإيمان الخاص بهم أن لهم إيمان واحد بإله واحد و كنيسة واحدة و معمودية واحدة, هم أيضا يفخرون بعقيدتهم الواحدة الوحيدة المتوحدة و التي تغالط كل ما عداها و تتعالى على كل ما عداها. صحيح أن أحادية الإله في المسيحية هي أحادية عجيبة و مصطنعة طالما أن المسيحيين يؤمنون بإله دموي وحشي قاتل للأطفال و الشيوخ و النساء هو إله العهد القديم كما يؤمنون بإله مخنث ضعيف أهين و عذب و صلب كما دعى الناس لأن تضرب و تقتل و لا تدافع عن نفسها بالإضافة لروح طائرة لا أحد يعرف مهمتها تحديدا أو صلاحياتها في منظومة الإله الواحد الإفتراضي تلك. لكن كل مسيحي اليوم يصر أنه يؤمن بإله واحد و ليكن ..
هذا الإله الواحد ليس مما يدعو إلي الفخر و لا الدفاع لدرجة الإستماتة لتلك الدرجة, كل الحضارات القديمة التي قامت في أوربا و العالم قامت على فكرة الآلهة المتعددة حيث أن هناك إله للحرب و إلهه للصيد و إله للبحر و إله للشمس و إلهه للجمال و إلهه للذكاء و هلم جرا. هذا التنوع و التعددية سمحت لحضارات الأغريق و الفراعنة و الرومان أن تقوم, حضارات إعتمدت على الفكرالحر و الفلسفة بدلا من الدين الواحد و الإيمان الواحد. بل بمجرد ما ساد الإله الواحد حتى دخلت أوربا و العالم القديم من بعدها عصرا ظلاميا طويلا لم تخرج منه إلا ببزوغ عصر العلمانية و تعدد الثقافات.
المشكلة في مسألة الإله الواحد تلك أنها تجعل لكل الأسئلة إجابة واحدة و لكل المشاكل حل واحد و لكل شيء أصل واحد بل إن المؤمن بفكرة الإله الواحد يرى العالم كله بلون واحد. لهذا السبب كانت الحضارات القديمة الوثنية أكثر إنفتاحا من الهمجيات التوحيدية اللاحقة. و لهذا السبب يحتاج كل إنسان ان يوسع مداركه و أفق تفكيره لكي يستوعب الثقافات المتعددة و الأفكار المتعددة و الحلول المتعددة بدلا من الواحدية الوحيدة التي كرستها الأديان التوحيدية الجامدة المقولبة.
الإله الوحيد المسكين
في النهاية لا يمكن إعتبار الله عظيما بسبب وحدانيته المزعومة تلك على الأقل. فالله هذا المسكين, هذا الشخص الوحيد ليس له عائلة أو زوجة أو أصدقاء. شخص بلا أصدقاء أو محبين مكافئين له بسبب خاصية لعينة, أنه واحد وحداني. و لأنه إله واحد فهو بلا أصدقاء أو محبين مساويين له يأتنس بصحبتهم, كل ما يملأ عالمه هو عبيده و ممتلكاته و عرائسه التي خلقها بأمر منه. تلك هي الوحدانية الحقة أن تعيش حياة مديدة وحيدا بليدا بلا أنيس أو زوجة.
كان من المفروض ان تكون تلك الوحدانية هي وجه من وجوه العظمة في الله أي أنه رائع و بلا نظير, و لكن أن تكون رائع فتلك بركة أما أن تكون بلا نظير على الإطلاق فهي لعنة ما بعدها لعنة. يعني شخص مثل روبنسون كروزو كاد أن يجن حين عاش وحيدا في جزيرة لبضع سنين فماذا لو كان إله وحدانيا يحيا في كون يمتد إلي ما لا نهاية و لا يوجد به إلا كائنات محدودة الذكاء تحيا مثل النمل على أحد الكواكب الصغيرة إسمه الأرض.
يعني أي شخص فقير و تعيس يستطيع أن يشعر ببعض السعادة لأنه يحيا مع زوجة محبة و حنونة و أن يجد بعضا آخر من السعادة حين يحصل على مولود من صلبه يرعاه و يفخر به. لكن إله عظيم مديد طويل عريض و ليس له زوجة او أطفال و لا حتى صديق أو أنيس : ما الذي يفعله إذن في حياته بحق الجحيم ؟ هل هو متفرغ لمشاهدة البشر و مضايقتهم بزلازله و براكينه و تسوناميه و كوارثه التي لا تنتهي ؟
لماذا إخترع اليهود و العرب كائن متوحد لكي يصير جبارا و عظيما. كل أمم الأرض إخترعت مجتمعات إلهية مثل الأغريق و المصريين و الهنود و غيرهم. لكن إله واحد لوحده يصعب أن يكون عظيما او سعيدا مثل لو كان إله يعيش في مجتمع إلهي. يعني اي عظمة في التفرد و الوحشة, مثل إنسان مقطوع من شجرة, ماتت كل عائلته و ناسه و لم يتبقى له احد, ياللحزن !! الله هو فكرة حزينة لا اكثر. فكرة قامت بسبب المغالاة في وصف عظمة الله حتى إنقلب الوصف إلي ضده, تلك المبالغة هي ما فضح الفكرة و اظهر ان الله ليس عظيما لهذة الدرجة.
أما العظيم فعلا هو الإنسان الذي مهما بلغ ضعفه و وهنه و سوء حاله فهو لايزال قادر على التمتع بمحبة الناس و صداقتهم و أنسهم. العظيم هو الشخص الذي له زوجة و ولد و أنيس و صديق بدلا من الإله الواحد المسكين المعزول الذي لو كان موجودا فهو ينظر بحسد و حقد بالغ على العلاقات الإنسانية شديدة الترابط.لأنه بلا ولد فهو يأمر إبراهيم أن يقدم إبنه الذي يحبه ذبيحة ثم يوقفه في آخر لحظة متلاعبا بمشاعره, هو لا يملك ما يملكه إبراهيم لذلك يغار منه. شخص مثل هذا قد جن من هول الوحدة و الوحشة التي يعيشها و من الطبيعي ان يلعب مثل تلك الألاعيب, القصة على مقاس الإله الوحداني تماما و قابلة لان تصدر منه.
لكن بالنسبة لبعض الناس فالحياة لا تحتمل هذا الهزل من كائن وحيد لا يعبأ بالحياة أو المشاعر الإنسانية. و لذلك يرفض العديدين قبول فكره الإله الوحداني بعد ان إحتكرت الخيال الديني لقرون, بل ينتصرون لفكر التعددية و التنوع و الإختلاف بدون الحاجة لخيال طفولي عن الآلهة يحيون على جبل الأولمب أو ما إلي ذلك. يكفي فقط أن نفخر بقبولنا للتعددية و سعة أفقنا فحسب و أن لا ننسى في رفضنا للوحدانية الواحدية أن نشفق على المؤمنين بها في كل الأحوال.