اختراق الوهابية للمؤسسة الدينية في مصر .
.......................
خلال المداخلات السابقة مررنا بشكل عابر على إختراق الوهابية للأزهر بقوة المال السعودي ..و هنا أضع دراسة أوسع عن هذه الظاهرة ، حتى لا يكون هناك خلط بين الأزهر التاريخي الشافعي المعتدل و الأزهر المعاصر الوهابي أو الذي في طريقه لذلك المصير التعس إذا لم يفق المصريون .. ومتى فعلوا ؟.
.............................................
الأسلحة الأخطر التى يستخدمها وكلاء المذهب الوهابي فى مصر هو الكتاب حيث وجد دعاة الفكرة الوهابى ضالتهم فبدأوا فى تأليف الكتب بتمويل سعودى وترويجها داخل وخارج الأزهر، وهذه الكتب لا تختلف كثيرًا عن أى منشور لأى جماعة متطرفة، ومن هذه الكتب "تساؤلات الأمريكان حول أصول الإسلام" للدكتور صلاح الصاوى أستاذ الفقه بجامعة الأزهر ، وكذلك كتاب "مع الخالدين" للدكتور إبراهيم بيومى ، وكتاب "العقيدة اليهودية وخطرها على الإنسانية" للدكتور سعد الدين صالح ، وكتاب "على خطى الحبيب" لعمرو خالد ، وكتاب "مصدر القرآن" للدكتور إبراهيم عوض وغيرها الكثير، كما أن الدعاة لهذا الفكر سواء داخل الأزهر أو خارجه كثيرون جدًا، ومنهم الدكتور العجمى الدمنهورى، والدكتور يحيى إسماعيل، والدكتور محمد أحمد المسير والدكتور جمال المراكبى، والدكتور جمال الجنيدى والشيخ عبدالرحمن العدوى.
وهناك بعض الأساتذة قد أدخلوا بعض الأفكار على مناهجهم التى يدرسونها للطلاب كمناهج الفقه والتفسير وغيرها من المواد الدراسية التى يدرسها الطلاب.. كتب الدكتور محمد عمارة مثل "استراتيجية التنصير فى العالم الإسلامى" ، وكذلك كتب الدكتور سعد الدين صالح ككتاب "احذروا الأساليب الحديثة فى مواجهة الإسلام" ، وكتاب "مشكلات العقيدة النصرانية"، وكتاب "انهيار الشيوعية فى العالم الإسلامى"، وكتاب "مشكلات التصوف المعاصر".. ومثل مؤلفات الدكتور صلاح الصاوى الذى عمل أستاذًا بجامعة أم القرى من عام 1981 حتى عام 1986 وهو من أخطر الدعاة للفكر الوهابى، ومنها كتاب "أصول الإيمان وما لا يسع المسلم جهله"، وكتاب "تأملات فى سيرة العمل الإسلامى" وكتاب "تهذيب وشرح الطحاوية"، إضافة إلى مشاركته فى العديد من المحاضرات والندوات فى المملكة العربية السعودية وغيرها من البلدان للترويج للفكر الوهابى.
الكتب ليس الوسيلة الوحيدة لترويج الفكر الوهابى فى مصر، حيث ظهرت جمعيات ومؤسسات ومراكز تدعو لهذا الفكر مثل جبهة علماء الأزهر التى يرأسها الدكتور العجمى الدمنهورى خليفة، وهذه الجبهة قامت ككيان مواز للأزهر، ونشط فيها فصيلان: الأول يقوده عائدون من جامعات سعودية"أم القرى" و"آل سعود" بالرياض و"الجامعة الإسلامية"بالمدينة المنورة، وفريق آخر يقوده منظرو الإخوان المسلمين، ليدشنا معًا تحالفًا وهابيًا - إخوانيًا، سعى بقوة إلى اختراق الأزهر. ومنها أيضًا مركز صالح كامل للاقتصاد الإسلامى بجامعة الأزهر، والذى يشكل مساحة جديدة للاختراق السلفى للأزهر، حيث يجرى من خلاله استقطاب بعض علماء الأزهر سواء بالعمل أو المساهمة فى أنشطة هذا المركز بمقابل مادى كبير، الأمر الذى ترتب عليه تبنى مواقف متشددة سواء فى الفتوى أو المعالجات الفقهية للقضايا المعاصرة، كالموقف مثلاً من البنوك والبورصة وشركات التأمين والعودة إلى المسيحية واختلاق الأزمات بسبب الفتاوى غير المسئولة من بعض علمائه، خلافًا للمواقف الأزهرية التقليدية التى كانت تتعامل مع هذه القضايا بقدر كبير من التسامح والقبول والوعى بمتغيرات العصر، بل والتأصيل الفقهى لهذه المستجدات على الساحة الاقتصادية.
الأمر لم يعد قاصرًا على المراكز والكتب فهناك عمليات تجنيد منظمة قادها ملوك السعودية بأنفسهم لنشر الفكر الوهابى، هذا ما يؤكده الباحث فى الفكر الوهابى محمود جابر الذى يرى أنه فى عام 1926 وأثناء مؤتمر مكة حاول الملك عبدالعزيز آل سعود استدراج العالم الإسلامى إلى هذا الفكر على اعتبار أنه سيقوم بدور حامى الإسلام فى الحرمين الشريفين.. ومنذ تلك اللحظة أيقن الوهابيون خطورة الأزهر الشريف كأكبر مؤسسة دينية فى ذلك الوقت وأصروا على اختراقه، فبدأ عبدالعزيز آل سعود فى تجنيد بعض المشايخ والأساتذة بطريق غير مباشر، فبدأ المستشار حافظ وهبى وهو مصرى الجنسية وكان يعمل مستشارًا لدى عبدالعزيز باستقطاب اثنين من الدعاة المصريين، وهما محب الدين الخطيب ورشيد رضا إلى السعودية للترويج للثورة الفقهية التى دعا إليها محمد بن عبدالوهاب. وهذه ليست المحاولة الوحيدة، ففى عام 1930 حدثت محاولة ثانية يشير إليها الباحث محمود جابر ويراها الأخطر لأنها استهدفت اختراق الأزهر بشكل مباشر، عن طريق دس كتب ابن القيم، وابن تيمية لتدريسها فى المناهج الأزهرية بعد أن كانت ممنوعة داخل الجامعة منذ 200 عام، ولكن الشيخ الديجوى شيخ الأزهر وقتها نجح فى إجهاض هذه المحاولة ولم يكتف بذلك بل اتهم ابن تيمية بالخروج عن الإسلام.
دعاة الوهابية لم ييأسوا فبدأوا فى تعديل خططهم من خلال عملية جديدة أطلق عليها الباحث جابر اسم مرحلة الاستقطاب الحثيث،حيث أنشأ محمد حامد الفقى جمعية أنصار السنة المحمدية وهذه المؤسسة لعبت دورًا هامًا فى استقطاب الأساتذة والعلماء الأزهريين وإغرائهم بالمال، من أجل تسفيرهم إلى السعودية لدراسة وتدريس المذهب الوهابى فى جامعات أم القرى، وجامعة عبدالعزيز آل سعود، عن طريق الانتداب أو الإجازات التى يقوم الأساتذة بأخذها من الجامعة للسفر، وأثناء هذه الفترة نجح رجال كثيرون فى الترويج لهذا الفكر، أمثال يوسف القرضاوى والدكتور محمد عمارة والشيخ عبدالحميد كشك وغيرهم.
وحتى فترة النكسة وحسبما يؤكد جابر كان الدكتور أحمد عمر هاشم يروج أيضًا لهذا الفكر، قبل أن يصبح صوفيًا فقد كان متناغمًا مع الأحداث المصرية فى وقت النكسة منذ تلك اللحظة وقعت مصر تحت الأسر السعودى فكريًا وسياسيًا وكان هناك خوف لدى الساسة المصريين من الدخول فى صراع مع القيادة السعودية وقتها حتى لا تمتنع السعودية عن مد مصر بالبترول ومساعدتها فى الحرب.
السبعينيات كانت الأخطر فى تاريخ نشر الفكر الوهابى كما يرى جابر حيث بدأ الوهابيون مرحلة يطلق عليها الباحث مرحلة "الانقضاض" فبعد نكسة يوليو 67 بدأ الضرب بقوة من ناحية الوهابيين السعوديين وترويج فكرة أن مصر كانت تعبد الصنم "عبدالناصر" وتحولت إلى الوثنية من خلال التحول إلى الأضرحة والمقامات وهى سبب هزيمة مصر، وبدأ الشيخ عبدالحميد كشك فى دعوة الناس إلى التخلى عن هذه الفكرة وبدأ فى التحدث عن أن زائرى الأولياء يشركون بالله، ونتج عنها لبس القميص القصير على النمط السعودي، وبدأت النساء فى ارتداء النقاب السعودى ومن أخطر المبشرين لهذه المرحلة كما يقول محمود جابر هما: الدكتور محمد السالوسى، والدكتور على الشريف وأستاذ الفقه المقارن حيث بدآ فى تدريس مناهج الفكر الوهابى للطلاب بعد عودتهما من السعودية بعد أن درسا هناك فى جامعتى أم القرى، وآل سعود وساعدهم فى ذلك أفكار السادات نفسها حيث روج لمقولة إن مصر دولة العلم والإيمان وأصبح التليفزيون مستباحًا أمام الدعاة الجدد وبدأ السادات فى محاربة الفكر العلمانى اليسارى، وبدأ يطلق أيدى الوهابيين ، الإخوان والجماعات الإسلامية وأنصار السنة المحمدية، لترويج هذا الفكر.
وبرزت مجلات تمثل الهدى النبوى التى تتبع أنصار السنة والاعتصام التى تتبع الجمعية الشرعية وأصبحت هذه الإصدارات من أهم ما يروج للوهابيين فى مصر وبعدها بدأ السادات فى التنسيق مع رؤساء الجامعات "الأزهر بالتحديد" فى وضع برامج النشاطات داخل الجامعة، وبدأ التحكم فيها من قبل جماعات عقائدية مختلفة بعد أن كانت مؤسسة مستقلة. الإسلام لم يبتل بفكر غريب فى العصر الحديث إلا بالفكر الوهابى هذا ما يؤكده الدكتور على أبوالخير أستاذ التاريخ الإسلامى والخبير فى شئون الحجاز والأزهر ونائب مدير المركز العربى للصحافة والنشر، محذرًا من استمرار اختراق هذا الفكر الشاذ للأزهر، ويقول يكفى أن أبرز أتباع هذا الفكر الدكتور عمر عبدالرحمن الذى كان أستاذًا بالأزهر وقتها، وكانت أول فتوى وهابية هى إباحة دم الرئيس السادات نفسه.
الأساتذة المعتنقون للفكر داخل الجامعة كما يقول أبوالخير كثيرون، فهناك من يروج للفكر وهو متوفى كالشيخ محمد عبدالله دراز من خلال كتبه التى مازالت تدرس فى جميع المراحل التعليمية تقريبًا، مشيرًا إلى وجود العديد من الأساتذة المروجين لهذا الفكر داخل الجامعة وهم الشيخ على الشريف، أستاذ فقه "وصاحب كتاب" النبأ العظيم "والمبشر بقدوم الوهابية"، والشيخ محمد أحمد الميسر صاحب كتاب "قضية التكفير فى الفقه الإسلامى" وكتاب "الروح فى دراسات المتكلمين"، ومعظم الأساتذة الذين يكتبون فى مجلة التوحيد مثل د. محمد وهدان أستاذ الإعلام بكلية الدراسات الإسلامية جامعة الأزهر، د. جمال النجار رئيس قسم الإعلام بجامعة الأزهر، د. محمد عبدالمنعم البرى رئيس جبهة علماء الأزهر الأسبق وكذلك الدكتور جمال المراكبى.
"كنت واحدًا من الذين سافروا إلى السعودية فى فترة الثمانينيات ولما وجدوا أننى معترض على تدريس الفكر الوهابى أصروا على عودتى بلا رجعة" بهذه العبارة بدأ الدكتور أحمد السايح أستاذ العقيدة والفلسفة بجامعة الأزهر حملته على الفكر الوهابى كاشفًا النقاب عن أسماء جديدة لأساتذة أزهريين مازالوا ينشرون هذا الفكر الشاذ ومنهم الدكتور محمود خفاجى الذى درس بالسعودية لمدة 22 عاما وعاد منذ عامين إلى جامعة الأزهر ليرأس قسم العقيدة فى كلية أصول الدين بالجامعة، إضافة إلى عدد كبير من الأساتذة مازالوا موجودين هناك منذ الثمانينيات منهم الدكتور عبدالله بركات الذى عاد فترة ثم سافر مرة أخرى منذ شهور قليلة، والدكتور فريد التونى الذى تجنس بالجنسية الدانماركية وسافر بعد أن قضى خمسة عشر عامًا بالسعودية قام خلالها بتحضير رسالة ماجستير ودكتوراه فى الفكر الوهابى.
ويقول السايح إنه كان مشرفًا على رسالة التونى واعترض عليها ولكنهم أجازوها، أيضًا الدكتور يسرى زعفر والدكتور محمود مزروعة والدكتور محمد حسان كسبه، والدكتور محمد سعيد الذى استطاع الحصول على رسالة دكتوراه فى شرح الإيمان الكبير لابن تيمية كان السايح وقتها مشرفًا على رسالته ورفضها مرات عديدة أيضًا، ولم يستطع سعيد الحصول عليها إلا بعد عودة السايح إلى القاهرة.. ومن الأساتذة الآخرين العاملين بالسعودية بـ«جامعة أم القرى" أيضًا الدكتور جلال عجوة والدكتور أحمد رمضان وغيرهم الكثيرون، وجميعهم أساتذة فى العقيدة والفلسفة.
السايح يطرح حلا لمحاربة الفكر الوهابى المتطرف يتمثل فى أن يقوم المجلس الأعلى للشئون الإسلامية بطبع كتب علم الكلام والمنطق والفلسفة التى تعتبر من أهم الكتب العدائية لفكرهم، ويضيف السايح: وأنا أصدرت مجموعة من الكتب التى تحارب هذا الفكر منها "الهلوسة الدينية فى الفكر الوهابى"، و"خطر الوهابية على عقيدة التوحيد"، وقد لاقت هذه الكتب مواجهة شرسة من الوهابيين فى مجمع البحوث الإسلامية واعترضوا على نشرها واضطررت إلى أن أقوم بطباعتها وتوزيعها من الخارج.
الحل من وجهة نظر الدكتور رفعت سيد أحمد مدير مركز يافا للدراسات السياسية والاستراتيجية يكمن فى ضرورة إعادة بعث دور الأزهر السياسى لمواجهة فكر الغلو الذى يسئ للإسلام، ولا يخدم إلا الولايات المتحدة وإسرائيل، ويفرق الأمة إلى مذاهب وفرق متناحرة، وتساءل كيف يتولى مثل هذا الفكر الإشراف على الأماكن المقدسة فى الحجاز التى تحتاج إلى فكر سمح وسياسة معتدلة جامعة للأمة.
الدكتور عمرو الشوبكى الخبير فى الشئون الإسلامية بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية بالأهرام يرى أن الكارثة أكبر من ذلك بكثير لأن الفكر الوهابى المتشدد قد دخل مصر كلها، وليس جامعة الأزهر فقط، وكان ذلك فى فترة السبعينيات من القرن الماضى، وتصاعد فى تلك الفترة خاصة بعد زيادة أعداد العمالة المصرية فى دول الخليج السعودية بالتحديد،التى وفد إليها عدد كبير من الأساتذة والمهندسين والمهنيين، وربما كان للأزهر ومشايخه نصيب كبير من البعثات التى مازالت توفد حتى الآن، حيث درسوا الفكر الوهابى ثم عادوا لتدريسه فى الجامعة والمنابر وشرائط الكاسيت.
لمعلوماتك..
مركز "صالح كامل" للاقتصاد الإسلامى، أنشأه فى عام 1970 الشيخ السعودى صالح كامل المستثمر الشهير فى حقل الإعلام الترفيهى وصاحب قنوات "art"، ووضع وديعة باسم المركز بقيمة مليون دولار فى أحد البنوك، وبجانب هذه الوديعة فهناك موارد مالية أخرى للمركز من المؤتمرات، وتأجير القاعات، وحصيلة المطبوعات التى تعتبر من أهم وسائل ترويج الفكر الوهابى، مثل "مجلة صالح كامل للدراسات الاقتصادية".
المركز يرأسه الدكتور أحمد الطيب رئيس جامعة الأزهر، ويحظى بعضويته الشرفية الدكتور محمد سيد طنطاوى شيخ الأزهر.
كيف تسللت الوهابية ليلا الى أرض الكنانة_ مصر
(منقول)
قال الزينى دحلان فى الخلاصة (2\101) ـ أحداث سنة (1221): « وأما المحمل المصرى فإنه لما وصل أمر سعود بإحراقه وأمر بعد الحج أن ينادى : لا يأتى إلى الحرمين بعد هذا العام من يكون حليق الذقن وتلى المنادى فى المناداة "يا أيها الذين آمنوا إنما المشركون نجس فلا يقربوا المسجد الحرام بعد عامهم هذا" فانقطع مجئ الحج الشامى والمصرى من هذا العام ».اهـ
ـ وبدأت الدعوة الوهابية بالتسلل إلى الفكر المصرى عن طريق محب الدين الخطيب ، الذى هرب من مصر فراراً من وجه العثمانيين ، فالتقطه الفكر الوهابى عن طريق الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز أحد رموز الفكر الوهابي بأرض السعودية ، وتم تنقية فكر محب الدين الخطيب من الفكر الجاهلى _بزعمهم _ وإرساء الفكر الوهابى الجديد ، ثم عاد الرجل إلى مصر وأنشأ بها المطبعة السلفية ـ
ويقول الشيخ عبد ربه ابن سليمان فى كتابه " فيض الوهاب (4\75) : « ثم إن أول من صدع به ـ فكر الوهابية ـ فى مصر قريباً جمعية الشيخ محمود خطاب السبكى التى هى أول جمعية بمصر بعد الماسونية على شاكلة جمعية العروة الوثقى ، ثم حذا حذوه الشيخ محمد حامد الفقى الداعية للوهابية فى مصر ، ثم نحى نحوهم جمعية إخوان المسلمين فى مصر ».اهـ والتى قامت على نشر كتب وفكر الحشوية والمجسمة والحرورية والخوارج والكرامية التى تمتلئ بها كتب ابن تيمية وتلميذه ابن القيم ، ونشر كتب ابن عبد الوهاب التى تعد شروحاً لكتب ابن تيمية وتلميذه ، وقام بنشر كتاب "فتح البارى" للإمام الحافظ ابن حجر بعد أن حذف منه كل ما يضاد فكر الخوارج الذى يتزعمه ابن عبد الوهاب ـ
قلت : ولا يزال مسلسل التحريف مستمراً بين أتباع ابن تيمية تبعاً لشيخهم ـ كما تقدم بيانه فى غير موضع ـ فقد قام ناشر شرح الطحاوية – الشاويش – بالتلاعب كما فى (ص :5) من الطبعة الثامنة ـ حاشية الكتاب ـ حيث لم ينقل كلام الامام الحافظ السبكي بحروفه ، بل أخذ يزيد وينقص كيفما شاء ، فقد قال : قال الناشر : ( كلمة العلامة السبكي في كتابه ( معيد النعم ) هي : وهذه المذاهب الاربعة - ولله تعالى الحمد - في العقائد واحدة ، الا من لحق منها باهل الاعتزال والتجسيم ، والا فجمهورها على الحق يقرون عقيدة ابي جعفر الطحاوي التي تلقاها العلماء سلفا وخلفا بالقبول) . اهـ ـ ، وكانت الكتب فى البداية تُهدى ولا تباع لنشر ذلك الفكر وتغلغله فى البيوت المصرية والعقول الإسلامية.
وبدأت كتب ابن تيمية وابن القيم تجد الرواج ـ لأنها تهدى ولا تباع ، أو لبيعها بقروش قليلة جداً ـ بين صفوف الشعب المصرى ، حتى وصلت إلى داخل الأزهر الشريف، فالتقطها حامد الفقى فاغتر بها وأصبح بعدها من أشد المناصرين الداعين لها ، ثم نهج الشيخ نهج الخطيب فأقام جماعة أنصار السنة ـ كلمة حق أريد بها باطل ـ ليغرروا بها على عوام الناس ، هذا والحكم بالمظاهر من الخطأ الظاهر ـ ـ ثم بإصدار مجلة تحمل فكرة ابن عبد الوهاب وهى الدعوة والمحافظة على "التوحيد" ، ثم استقطبت تلك الدعوة بعض رموز الأزهر الشريف وكان على رأسهم عبد الرزاق عفيفى ـ والذى أصبح فيما بعد عضو هيئة كبار العلماء بالسعودية ـ وعبد الرحمن الوكيل محمد وعلى عبد الحليم ، وكان الشيخ عبد الرحمن الوكيل والشيخ محمد على ممن قام بالتدريس بأرض السعودية وتشربا الفكر الوهابى ، ثم لما عادا إلى مصر أخذا فى نشر ذلك المذهب الخارجى بعد يزينه وتزيفه بين طلبة الأزهر وخارجه ، حتى أخذ الفكر الوهابى ـ والحشوى الكرامى المنبع ـ فى الانتشارـ انتشار النار فى الهشيم ـ وأصبح له أهله والمتخصصون فيه وفى تدريسه ،وشيئاً فشيئاً أصبح هذا الفكر هو المتحكم والظاهر على حياة الناس .
واستمر الأمر على تزايده وانتشاره حتى سقطت الملكية ـ التى حاربت الفكر بالأمس ـ وجاءت الجمهورية بقيادة عبد الناصر ، وتوجهت العيون إلى أرض السعودية ودب الخلاف بين مصر والسعودية ، وسقطت الحركة الوهابية على يد عبد الناصر ، حتى جاء بعده السادات فأحيا مرة أخرى ذلك الفكر المتطرف بعد مصالحة السعودية ، وكانت قد انشقت عن جماعة الوهابية ـ أنصار السنة ـ جماعة أخرى وخرجت منها وأخرجت لنفسها مجلة الهدى النبوى ، ثم خرجت مجلة الاعتصام ، وقامت دار الاعتصام بإحياء الفكر الوهابى مرة أخرى ونشر كتب الوهابية ـ المستقاة من فكر ابن تيمية وتلميذه ـ بين طلبة الجامعات ـ تُهدى ولا تباع ـ وكان على رأسها كتاب العقيدة الواسطية و العقيدة الحموية لابن تيمية وكتاب التوحيد الذى هو حق الله على العبيد لمحمد بن عبد الوهاب ، وحكم بناء الكنائس والمعابد فى أرض المسلمين ، و مسائل الجاهلية ، الولاء والبراء ، اقتضاء الصراط المستقيم ـ إلى غير ذلك من الكتب التى تزرع الشقاق والفرقة بين أبناء الوطن الواحد ، وتكفير المسلم لأخيه المسلم.
ثم قامت الدار بعدها بطبع مجموع الفتاوى لابن تيمية والتى تعد المرجع الأساسى للفكر الوهابى ـ السلفى ـ ثم بعدها تلقفت دور النشر كتب ابن تيمية وتلميذه وكتب ابن عبد الوهاب وقامت على طبعها وأصبحت على الفكر الرائد فى ذلك الزمان وحتى اليوم ، وأصبح المسلم ''سلفياً'' إذا كان تيمياً أو وهابياً ، وما عدا هذا فهو يعيش حياة الجاهلية الأولى عندهم، ويحتاج إلى تجديد دينه مرة أخرى ومعرفة طريق الإسلام الصحيح !!!
ـ وقد كان الفكر الوهابى وراء كل تلك الجماعات التى خرجت على مصر وهى تحمل على عاتقها تغيير تلك الجاهلية والعودة بها إلى طريق "التوحيد " بداية من التكفير والهجرة والتى قامت بقتل الشيخ الذهبى رحمه الله تعالى ، مروراً بالجماعة الإسلامية و السلفية وحتى آخر جماعة ستظهر وهى تحمل الفكر الوهابى .
موقف الأزهر من الحركة الوهابية
وكما تصدى العلماء لابن تيمية فى عصره ـ وبعده ـ والرد على بدعته ، كذلك ومنذ الظهور الأول للحركة الوهابية وبيان معالم تلك الفرقة وأنها تُعد امتداداً لفرقة الخوارج قام علماء الأزهر الشريف بالتصدى لتلك الفرقة فى محاولة لوئدها فى مهدها ، وحتى لا يتركوا لها ثاغية ولا ناعية ، وما كان يدور بخلدهم أن ذلك الفكر الخارجى سيكون يوماً هو السنة ، وتكون السنة هى البدعة ، فخرجت الندوات والبيانات والكتب التى تندد بتلك الفرقة الزائغة الهالكة .
ولقد كان لموقف الأزهر من دعوتهم الباطلة الأثر السلبى عندهم فوقفوا من الأزهر موقف العداء ، وأصبحت فتاوى الأزهر لا تساوى عندهم ثمن الورقة التى كتبت عليها الفتوى ، وأصبحت فتاوى دار الإرشاد السعودية هى المرجع فى فتاويهم ـ وانهالت عليهم الفتاوى السعودية فى شتى شئون الحياة الدينية والدنيوية:
-بداية من اللحية وحكم حلقها ـ وأنه ملعون لمشابهته بالنساء ـ وكون المسلم يُعد أخاً أم لا بناء على إطلاق لحيته ، وإلقاء السلام على صاحب اللحية دون غيره ،
-وكفر تارك الصلاة ـ والتفريق بين الرجل وزوجه إذا كان أحدهما لا يصلى
ـ مروراً بملبس الرجل وحكم البنطال ، والنقاب للمرأة
- وعمل الرجال فى المصالح الحكومية ـ الربوية عندهم ،
- والعمل ببيع العطور والكتب والسواك والخمار والنقاب أولى
ـ وحكم عمل المرأة ،
- ولبس الساعة فى اليد اليمنى ،
- والتعامل مع البنوك ،
- وحكم الانتخابات وتحريم الصور والتماثيل ـ وما حادثة تماثيل بوذا ببعيدة ـ
-والإصرار على أن يكون يوم الجمعة إجازة وترك العمل لذلك ـ وقد قال تعالى : " فإذا نودى للصلاة من يوم الجمعة فذروا البيع " مما يدل على العمل يوم العمل ، وليس يوم إجازة تترك فيها الأعمال أو يترك صاحب اللحية العمل لأن صاحب العمل لا تكون إجازته يوم الجمعة ،
- وحكم التلفاز ، والحكم على بعض الكتَّاب بالردة أو الكفر ،
-وتبديع أو تكفير صاحب المسبحة ـ على أن ابن تيمية قال أنها حسنة قال فى الفتاوى (22\506) : وعد التسبيح بالاصابع سنة ، قال النبي عليه السلام للنساء : سبحن ، واعقدن بالاصابع فانهن مسؤولات مستنطقات ، واما عده بالنوى والحصى ونحو ذلك فحسن ، وكان من الصحابة رضي الله عنهم من يفعل ذلك ، وقد راى النبي عليه السلامام المؤمنين تسبح بالحصى ، واقرها على ذلك ، وروى إن أبا هريرة كان يسبح به . وأما التسبيح بما يجعل في نظام من الخرز ونحوه ، فقال فيه هو حسن غير مكروه .اهـ
وقد تبعه على هذا الشوكاني في نيل الأوطار (2\353) قال : والحديثان الاخران – يعنى حديث السيدة صفية وسيدنا سعد – يدلان على جواز عد التسبيح بالنوى والحصى ، وكذا بالسبحة ، لعدم الفارق ، لتقريره عليه السلامللمراتين على ذلك وعدم انكاره ، والارشاد الى ما هو افضل لا ينافي الجواز .اهـ
ـ بينما نجد المتمحدث الألبانى عدها من البدع !!! وأن فاعلها والحض عليها مبتدع !!!كما فى الضعيفة (1\83) تراه ماذا يقول فى ابن تيمية ـ والصلاة فى المساجد التى بها قبور ، والصيام مع السعودية ، والاحتفال بالعيد معهم ـ ناهيك عن تزمتهم فى بعض المساجد وتفرقتهم كلمة المسلمين وقت الاجتماع للعيد بأن التكبير على صيغة بعينها هو السنة وما عداه بدعة منكرة يجب انكارها والعمل على إزالتها ، وما درى المسكين أقوال الأئمة فى صيغ التكبير ـ حتى سمعنا عن بعضهم يحتفلون بالعيد تبعاً للسعودية والناس صيام ـ إلى غير ذلك الكثير والكثير ، وصولاً إلى تكفير الحاكم وتكفير من يرضى بالقانون الوضعى ،وإباحة الاغتيالات .
ولم تعد فتوى علماء الأزهر الشريف تجد صدى عندهم ، اللهم إلا أن توافق هواهم وتشددهم فيستشهدون بها ، كاستشهاد الألبانى بفتوى الأزهر فى طيات كتابه "تحذير الساجد من اتخاذ القبور مساجد" ، وأصبحوا يخالفون مجتمعهم فى كل شئ حتى قال بعضهم : كنا ننتظر منهم أن يخالفونا فى طريقة المشى ، فنراهم يمشون على أربع ، ودب الخلاف والشقاق بين أبناء الأسرة الواحدة تبعاً لعقيدة الولاء والبراء ، ولأنهم يُعتبرون كفاراً ـ على أنواع التوحيد السابق ذكرها ـ فتفرقت الأسرة الصغيرة ، وتفرقت تبعاً لها الأسرة الكبيرة ـ المجتمع بأسره ـ وزاد شتات الأمة وأصبحت غثاء كغثاء السيل ـ وكالقصعة بين يدي أكليها من دول الغرب .فلا حول ولا قوة إلا بالله .
يمكننا أن نستخلص مما سبق بعض طرق الوهابية ـ وأى داعٍ إلى فكره ومنهجه وعقديته ، وكيف اعتمد الوهابية التيمية على المال والتضحية بالمال فى سبيل نشر دعوتهم حتى أن مجموع الفتاوى المكونة من خمسة وثلاثين مجلداً كانت تُهدى ولا تباع ،
ولك أن تتخيل كما تتكلف النسخة الواحدة ثم آلاف النسخ المكبوعة لتويعها مجاناً على طلبة الجامعات والجوامع ، ثم كيفية نشر ذلك الفكر بتويع تلك الكتب على طلبة الجامعات والجوامع ، وإهداء تلك النسخ لبعض كشايخ الأزهر الشريف.
ولك أن تتخل شيخاً للأزهر مع ضيق ذات اليد أن يُهدى إليه مجموع فتاوى ابن تيمية المكونة من أكثر من ثلاثين مجلد ، مع قول صاحب الكتاب للشيخ الأزهرى : : قل لى رأيك فى هذه الكتب ، وياليتك تضع لنا بعض الشرح على بعض رسائل تلك الفتاوى ، ولسوف نقوم بطبعها على نفقتنا وسوف يأتيك منها ربح يعينك على تكاليف وأعباء الحياة ، أويقول له : علينا نحن أن نأتيك بالكتب ولك أن تتفرغ للعلم ، فهذا هو عمل الشيخ والعالم.
وبعد أن تمتلئ مكتبة الشيخ بالكتب التى تمتدح ابن تيمية وابن عبد الوهاب ووصف ابن تيمية بشيخ الإسلام وما سطره أهل الباطل بالكذب والزور والتمويه والتزيييف يغتر الشيخ الأزهرى بما بين يديه ، ثم تراه فى الخطوة التالية يُطلب منه تعليق أو شرح بعض تلك الرسائل ، ونشر تلك الأفكار التيمية وكله من باب المحافظة على توحيد الناس ، ولا مانع أن ياتى التيمى بأمثلة بعض المنكرات الواقعة فى المجتمع حتى يدخل بها على الشيخ الأزهرى ابتغاء مرضاة الله تعالى ومحافظة على سنة الحبيب صلى الله تعالى عليه وسلم.
وهكذا تبدأ الفكرة فى الخروج والانتشار
ـ ولا ننسى طبعاً تضخيم صغائر المنكرات طلباً للأفضل والأكمل ، وكله من باب المحافظة على التوحيد ....
طرق كثيرة ، ولكن أهم ما يدعمها هو المال وبذل الجهد والتضحية بكل غال ونفيس فة سبيل نشر فكرته ودعوته ، وغذا كان الرجل قد كفاه غيره مؤنة الحياة فسيتفرغ بالطبع لنشر فكرة ومعتقد من يغدق عليه المال ليل نهار وينتصر له .
و لا تنسلا ما كان يفعله ابن تيمية مع بعض مريديه وكونه كان يمنيهم بالمناصب الدنيوية فيقول : لو كنت فى مكان كذا لجعلت فلان حاكماً على كذا ، وفلان وزيراً لكذا ... حتى ينافح ويدافع عنه مريدوه
............................