قصص قصيرة لأطفالنا الكبار
قصص قصيرة لأطفالنا الكبار من واقع الثورة المصرية
1 - العنكبوت الأحمق والدستور
يحكي يا أطفالي الكبار أنه كان هناك عنكبوت ذكر يافع , له عدة أرجل وبطن ضخم وفم فخم شأن كل العناكب , وكان يعيش في بيته الصغير المكون من خيوطه العنكبوتية , هكذا وجد نفسه بضربة حظ , يجثم في منتصف بيته منتظرا رزقه الذي تسوقه الأقدار , عندما يهتز خيط من خيوط بيته ينتبه من كسله ويسرع إلي ضحيته ويلف حولها كثيرا من خيوطه الدبقة ثم يتركها قليلا حتي تجف الخيوط وتسكن حركة الصيد , كان يرتب ضحاياه ويضع لهم أرقاما , هذا للإفطار وهذا للغذاء وهذا للعشاء وهكذا , وفجأة اشتاق عنكبوتنا للتناسل , شهوة ألمت به من داخله أقضت نومه وعكرت جو نهاره , كان يتجول خلال خيوط بيته حائرا لا يعرف ماذا يفعل بشهوته , كانت شيئا زائدا عما يفعله يوميا من ترتيب خيوط شبكته وإصلاح ما تلف أو نسج خيوط جديدة , لم يكن عنكبوتنا ذكيا بفطرته العنكبوتية في أعماله اليومية الصغيرة , وإنما كان للموقع الذي احتله من الحائط ومرور الضحايا عليه الفضل في صيده الوفير , طال به الوقت علي هذا الحال أياما وليالي حتي رأي من البعد شبحا لعنكبوت أنثي , سلط عينيه عليها فيما الشهوة التي داخله تفهم نفسها , عرف ببساطة أنه عليه أن يتودد لتلك العنكبوت وقد كان , أخذها واسكنها في بيته وعاشرها معاشرة الأزواج العناكب , ولكن لما وجد أن غلمته قد تلاشت وأن بطنها قد انتفخ , فكر في طردها من مسكنه خاصة أنها لا تفعل شيئا غير أن تعبث بأرقام ضحاياه التي يرتبها لوجباته , ولكنه توقف عن قراره عندما استيقظ في الصباح فلم يجدها وحدها وإنما وجد حولها مجموعة من العناكب الصغيرة الذين عاثوا فسادا كما فكر لحظتها في أرقام ضحاياه , ظل أياما في عمله اليومي يجهز خيوطا جديدة وهم جاثمون مع أمهم العنكبوت لا يفعلون شيئا إلا أن يهرعوا فور اهتزاز خيط الصيد ويلتهمون الضحية , هكذا فكر وقتها أيضا , ولما رأته زوجته العنكبوت مهموما وفهمت سبب همه أوحت إليه أن يجد لهؤلاء الصغار عملا في هذا البيت الكبير , ثارت ثائرة عنكبوتنا , وكأي عنكبوت فكر في وحدته في الأيام الخوالي وقال لنفسه : إن هذا البيت صنعته بجهدي الخاص والموقع الذي يشغله من الحائط هبة إلهية , ولذلك قرر أن يطردهم جميعا من بيته , وفي الحال هجم عليهم وأخذ في سبابهم وضربهم وعضهم وهم يجرون من أمامه إلي حواف الشبكة العملاقة , اتخذ موقعا في المنتصف وأخذ يراقبهم وهم منتشرون علي الحواف ينظرون إليه في غيظ , حالما سقطت أول ضحية أسرع إليها ولف خيوطه حولها ورتب رقمها , وعندما حاول أحد الصغار التقدم نحوها تحرك إليه وطارده حتي أوصله إلي ركن الحائط ثم صنع شركا له هناك فيما لو حاول أن يكرر فعلته , بعد أن وقعت ضحية أخري أسرع إليها , وعمل لها ما يلزم ووضع لها رقما وصنع شركا آخر حولها للصغير الذي يراقبها هناك , ولم يكتف بذلك بل سهر ليلة ينسج شراكا أخري حول البيت كله , في الصباح استيقظ الصغار فوجدوا أن البيت كله مدجج بمختلف الكمائن وإذا تقدموا خطوة واحدة في البيت لا يستطيعون , مع مرور الوقت يا أطفالي الكبار , كان عنكبوتنا يجلس في منتصف البيت وحوله ضحاياه بالمئات مسلسلة في أرقام , وعلي الحواف ينتشر الصغار الذين يلتقطون الضحايا المارة حولهم بالصدفة وقد هزلت أرجلهم العنكبوتية , عندما مر وقت أطول وبدأ العمر يتقدم بالعنكبوت وجد أنه يتحرك في البيت بصعوبة من كثرة عدد الضحايا ومن العوائق والفخاخ والكمائن الكثيرة التي نصبها لتعوق صغاره , فكر في فك بعض العوائق ولكنه خاف أن تتناقص أرقام ضحاياه , كان يتحرك بصعوبة داخل البيت , وعندما مر وقت آخر أطول رأي الصغار الذين لم يعودوا صغارا يبدأون في الحركة من الأطراف , لاحظ أن حنكتهم قد زادت عندما يفكون الشراك التي زود بها البيت , لاحظ أيضا أن حركته في مطاردتهم قد راحت تضمحل أخذ في تكديس الضحايا من حوله في المنتصف ونصب عدد أكبر من الشراك , كانوا يزدادون في الجراة والحنكة وهو يزيد من الخيوط حوله , وفي يوم لم يدر عنكبوتنا يا أطفالي الكبار أين بدايته من نهايته وجدهم فجأة وقد حلوا جميع فخاخه وشراكه وكمائنه وأنهم يقفون علي مسافة قصيرة جدا منه وهو يحاول أن يتجاوز الشراك والكمائن التي نصبها بينه وبينهم دون جدوي , كانت الخيوط متداخلة ومتشابكة بشكل مخيف ولا يستطيع الحركة خلالها أخذ يحاول عبثا وكلما حاول فك خيط , كانت الخيوط الأخري المرتبطة به تلتف حوله أكثر وتمنعه من الحركة نهائيا , ضحك الصغار الذين لم يعودوا صغارا من محنته وعدم قدرته علي فك الخيوط التي سبق له وأن سهر الليالي في تكديسها وأخذوا يتفرجون في مرح علي خيوطه وهي تلتف حوله وتصير كسجن له ولا تظهر منه إلا جزءا من رجل أو نظرة من عين ثم يفتحون ثقبا في الشرنقة ويبدأون في استخراج ضحاياه الرقمية المسلسلة الواحدة تلو الآخري.
- يتبع -
كوكو
|