المداخلة التالية وجدت طريقها إلى هذا الموضوع من رحم
هذا الموضوع
ورداً على هذه الجملة بالتحديد..والتي وردت في مداخلة العزيز "حمزة الصمادي..فتداعت علي الذكريات وقررت إعادة فتح هذا الموضوع..
اقتباس:الامر يشبه تربية ثعبان سام داخل بيتك ....
شوف يا حمزة يا أخويا إنت عارف إنك عزيز علي..لكن الحق أعز وأولى أن يتبع..
الجملة السابقة جملة عنصرية بغيضة لا أحسبها إلا نتاج عدم معرفتك بتاريخ "اليهود المصريين" وظروف رحيلهم عن مصر..وربطك بينهم وبين ماحدث في فلسطين..
لن أتفلسف عليك بل سأحكي لك قصة شخصية للعبرة أفضل من أي تنظير تاريخي أو حقوقي..
................
السبت الموافق الأول من سبتمبر 2001
تركني صديقي في منتصف الشارع و قرر أن يذهب ليشتري علبتين بيرة ليشربهما على البحر على شاطيء "فينس" في كاليفورنيا، مهد فريق "ذا دورز" وحركات "الهيبيين"..أسرع صديقي الخطى ولم ينتظرني لأصحبه فبدأت أصيح لاعناً أباه بالمصري متكاسلاً عن اللحاق به..
وفجأة وجدت هذا الرجل العجوز يجري في اتجاهي صارخاً "تعالى هنا يا ريحة الحبايب"
ابتسمت للرجل الذي يبدو كأي مصري عجوز يقابلك في الغربة..متأنقاً ومرتديا حلة إيطالية تبدو غالية الثمن جداً على بعد عشرة أمتار من الشاطيء...
عانقني بشدة وكأنه يعانق في الوطن وأجهش بالبكاء وبدأ يحكي لي، بلهجة قاهرية راقية و سليمة تماماً، وكأنه رحل من مصر البارحة، عن مصر التي في خاطره التي لم يزر منذ الخمسينات..أخذ يؤكد لي إنني قليل الحظ لأني لم أرى مصر التي أفسدها "العسكر"...
جلست معه على دكةٍ خشبية مستغلاً غياب صديقي المندفع وأخذ يحكي لي عن المحل الذي كان يعمل فيه في وسط البلد..وجمال وسط البلد في مشهد رأيته بعد ذلك من عادل غمام في فيلم "عمارة يعقوبيان"
سألته لماذا إذا كان يحب مصر إلى هذا الحد رحل" فقال لي "أنا اتطردت يا إكسلانس، عبد الناصر طردني، ليه عشان ديني ..يعني أنا مصري وإبن مصري وحفيد مصري...أنا مالي ومال إسرائيل...أنا لا أتحدث العبرية بل ولا أمارس "الشابات"ولا علاقة لي بأي دين...أنا ديني مصري.."
حاولت ألا أبدو متفاجئاً وأنا أرى الدموع تنهمر من عينه...
أخرج سيجاراً و أعطى لي واحداً وقال لي "خد واحد.. ده بأربعين دولار" رددت عليه "لا ده كتير قوي مقدرش" فرد "يا بني خد متبقاش عبيط.. أنا إشتريته من سواق التاكسي وقعدت أفاصل معاه إلى أنا أخدته بخمسة عشرة دولار" قلت له بابتسامة "يبقى مسروق" فرد علي بضحكة مجلجلة "منا يهودي وتربية شارع فؤاد يالا"..
سألته سؤال حساس كان يدور في بالي "هاجرت على إسرائيل" قال لي "لا طلعت على سويسرا....خالي كان يعيش هناك"
وأخرج صور شخصية من محفظته وقال لي الأن إبني ضابط في الجيش السويسري وإبنتي متزوجة من أمريكي وتعيش في كاليفورنيا، أنا هنا لأزورها" وحياة السيد البدوي يا شيخ تيجي تتغدى معايا عندها"
قلت له ثانية واحدة أسأل صديقي لأني لا أستطيع أن أتركه هنا.."قول له يا أهلاً بيه..وأهي لقمة هنية تكفي مية"
كان صديقي قد رجع من السوبر ماركت...فشرحت له الأمر على عجالة وحماسة وقلت له "يريدنا أن نذهب معه" قال لي "لا لن أذهب إلى أي مكان مع هذا اليهودي" فاتسعت عيناي بدهشةٍ واستنكار "إذا كنت محرجاً فسأذهب وأقول له ذلك بنفسي..".فعاجلته "لا مش عايز فضائح.."
وذهبت لاعتذر إلى الرجل وأنا في "نص هدومي، كما نقول" وأنا أحاول أن أتجنب النظر إلى عيونه المغرورقة بالدموع وإبتسامته التي توحي بخيبة الأمل والفهم للموقف..
....................................................
"مش هتيجي تطرقع البيرتين يا بوب؟"
تجاهلته و قفزت في أول أتوبيس وقف أمامي على غير هدى...ودموع الرجل المصري العجوز الذي لم أسأله عن اسمه مازالت في رأسي..وذنب العسكر في الماضي وصديقي اليوم على كتفي..