مَنْ يدفع مصر إلى الفوضى؟
بقلم علاء الأسوانى ١٠/ ٥/ ٢٠١١
فى الشهر الماضى ذهبت لتناول العشاء بمنطقة الحسين، تبادلت الحديث مع العاملين بالمطعم ففوجئت بأحدهم يقول:
ــ إذا ذهبت إلى ميدان الحسين فاحترس لأنه أصبح مليئا بالبلطجية والمجرمين.
ولما سألته «لماذا لا تقبض الشرطة عليهم؟» قال:
ــ لقد سألت أمين شرطة من المنطقة فقال لى إنه يعرف كل هؤلاء المشبوهين واحدا واحدا،
لكن لديه تعليمات بألا يتعرض لهم مهما فعلوا. واقعة أخرى حدثت للكاتب المعروف مدحت العدل، الذى كان فى شرم الشيخ وفوجئ ببعض البلطجية يتحرشون جنسيا ببعض السائحات فذهب يشكوهم إلى ضباط الشرطة الموجودين فى المنطقة فقالوا له:
ــ
قبل الثورة كنا نقبض على هؤلاء المتحرشين ونرحّلهم من المدينة لكننا الآن ممنوع علينا التعامل معهم.
هذا الكلام كاذب بالطبع، فلا يوجد ما يمنع ضباط الشرطة من تطبيق القانون، لكنهم ببساطة لا يريدون أن يؤدوا واجبهم. كل يوم تحدث اعتداءات على أرواح المصريين وأعراضهم وممتلكاتهم بواسطة البلطجية بينما ضباط الشرطة لا يفعلون شيئا لمنع الجريمة. البلطجية يهاجمون كل شىء فى مصر، بدءا من أقسام الشرطة إلى قاعات المحاكم حتى المستشفيات والكنائس. عندما اقتحم البلطجية المسلحون مستشفى المطرية أطلقوا الرصاص وروعوا الأطباء والمرضى على مدى أربع ساعات، وأصابوا طبيبا بجرح غائر فى قدمه، وقتلوا أحد المرضى ثم خرجوا من المستشفى بينما ضباط الشرطة يتفرجون عليهم بهدوء..
الخلاصة أن الشرطة فى مصر معطلة، ضباط الشرطة لا يريدون حماية الناس ويتقاعسون عن أداء واجبهم.. وأسباب ذلك متعددة:
أولا: هناك عامل نفسى.
ضباط شرطة كثيرون تربوا على ثقافة الاستعلاء على المواطنين، والأمن بالنسبة إليهم لا يتحقق إلا بالضرب والقمع والتعذيب، وهؤلاء يعتبرون نجاح الثورة هزيمة لهم ويحسون بأنهم انكسروا أمام الناس لأنهم كانوا يعتبرون أنفسهم فوق القانون ولا يعرفون كيف يتعاملون مع المواطنين باحترام،
وبالتالى فهم يتقاعسون عن حماية المصريين كأنما يعاقبونهم على قيامهم بالثورة أو كأنهم يريدونهم أن يختاروا بين أمرين: إما قمع الشرطة وإهاناتها وإما ترويع البلطجية والخارجين على القانون.
ثانيا: ض
باط شرطة كثيرون مارسوا الفساد فى العهد البائد، وكانوا يربحون أموالا طائلة بطريقة غير شرعية، وهؤلاء قضت الثورة على مكاسبهم، وبالتالى لم يعد لديهم باعث حقيقى على العمل لأنهم تعودوا على دخول مرتفعة فأصبح عليهم أن يعيشوا على رواتبهم فقط.
ثالثا: سوء الإدارة. وزير الداخلية اللواء منصور عيسوى رجل طيب ونظيف اليد لكنه فشل حتى الآن فى تطهير جهاز الشرطة وإرجاعه إلى حالته الطبيعية، م
عظم مساعدى وزير الداخلية الحالى هم أنفسهم مساعدو الوزير الأسبق الذى يحاكم الآن بتهمة الفساد وقتل المتظاهرين. مديرو الأمن الذين يحاكمون بتهمة قتل المتظاهرين لم يتم إيقافهم عن العمل، بل إن أحدهم وهو اللواء فاروق لاشين، مدير الأمن السابق فى محافظة الشرقية، أحيل إلى المحاكمة بتهمة قتل المتظاهرين وبدلاً من إيقافه عن العمل تمت ترقيته بتعيينه مديرا لأمن الجيزة. إن هذه الأوضاع الشاذة تفسر كثيرا مما يحدث فى مصر الآن. ماذا نتوقع من ضابط شرطة يحاكم بتهمة القتل وهو لايزال يعمل فى منصبه؟! ألا يمكن أن يستعمل سلطته من أجل إفساد الأدلة التى تدينه؟!..
الغريب أن ضباط أمن الدولة الذين مارسوا التعذيب سنوات لايزال كثيرون منهم يعملون فى وظائفهم كأن لم يكن، ولكن بعد أن تغير اسم جهاز أمن الدولة إلى «الأمن الوطنى»..
ماذا نتوقع من ضابط تتلخص خبرته كلها فى ضرب المواطنين وتعليقهم من أقدامهم كالذبائح وصعقهم بالكهرباء..؟! هل يمكن أن يتحول هذا الضابط بين يوم وليلة من جلاد إلى محقق يحترم القانون وحقوق الإنسان..؟
بالطبع، هناك ضباط شرطة كثيرون لم يمارسوا الفساد ولا التعذيب ولم يقتلوا المتظاهرين، وقد كون هؤلاء الضباط الشرفاء «ائتلاف ضباط الشرطة» وقدموا إلى الوزير عيسوى اقتراحات محددة حتى يقوم بتطهير الشرطة من الفاسدين، لكن الوزير للأسف لم يستفد بمقترحاتهم ولم ينفذ منها شيئا.
على أن ما تشهده مصر من أحداث خطيرة لا يرجع فقط إلى غياب الشرطة.. فثمة مؤامرة يتم تنفيذها خطوة خطوة حتى تنزلق مصر إلى فوضى شاملة تمهيدا لشىء ما يريد أعداء الثورة تنفيذه. هذه المؤامرة تشترك فيها عناصر داخلية وخارجية. إن
رموز النظام السابق المحبوسين الآن تمهيدا لمحاكمتهم، وأتباعهم فى الخارج، مستعدون لإنفاق الملايين من أجل تخريب مصر انتقاما من الثورة التى خلعتهم من السلطة وألقت بهم فى السجون، وهم بلاشك يتعاونون مع ضباط أمن الدولة الذين يملكون كل ما يلزم من أدوات التخريب: المعلومات الدقيقة عن كل مؤسسات المجتمع المصرى والخبرة والسلاح والعملاء المدسوسون فى كل مكان.
ا
لعناصر الداخلية التى تتآمر على الثورة معروفة، أما العناصر الخارجية فأولها إسرائيل التى دافعت عن حليفها المخلص حسنى مبارك إلى اللحظة الأخيرة، إسرائيل أعلنت بوضوح استياءها من تغير السياسة الخارجية لمصر بعد الثورة.. مصر الآن، لأول مرة منذ عقود، تحقق مصالحها الوطنية دون اعتبار لما تريده إسرائيل.. مصر تتفاوض من أجل بيع الغاز لإسرائيل بسعر عادل، وقد قررت فتح معبر رفح من أجل فك الحصار عن الفلسطينيين فى غزة، وهى تعمل على استعادة علاقاتها المقطوعة مع إيران، وقد نجحت فى عقد مصالحة بين الفصائل الفلسطينية.. من السذاجة أن نتصور أن إسرائيل التى تملك واحدا من أقوى أجهزة المخابرات فى العالم سوف تقف مكتوفة الأيدى وهى ترى مصر تنهض وتتحول إلى دولة ديمقراطية قوية تهدد المصالح الإسرائيلية
هناك أيضا بعض العائلات الحاكمة فى دول الخليج التى دافعت عن حسنى مبارك وفعلت المستحيل حتى تمنع محاكمته.
هذه الأنظمة الخليجية تكره الثورة المصرية وتدافع عن حسنى مبارك ليس فقط لأنه كان صديقا لهم وليس فقط لأنه وأفراد أسرته كانوا شركاء فى مشروعات مالية عملاقة مع بعض أمراء الخليج، بل لعل السبب الأهم أنهم يعلمون أن مصر تقدم دائما النموذج للعالم العربى كله، وبالتالى فإن خلع الرئيس الظالم الفاسد فى مصر ثم مثوله أمام محاكمة عادلة وإدانته ستؤدى بالتأكيد إلى تصدير الثورة إلى تلك البلاد النفطية التى مازالت تعيش فى مرحلة القبيلة حيث الحاكم هو شيخ القبيلة والأب ورمز الدولة الذى لا يجوز أبدا الخروج عليه أو توجيه النقد لسياساته مهما كانت فاسدة وظالمة.. بقى أن نعلم أن الجماعات السلفية فى مصر كانت على مدى عقود وثيقة الصلة بجهاز أمن الدولة وبالنظام السعودى معا، الأمر الذى قد يفسر لماذا تلعب هذه الجماعات الآن دورا رئيسيا فى مسلسل التخريب.
بقى اعتبار مهم: لقد قامت القوات المسلحة المصرية بحماية الثورة المصرية وتعهدت بتنفيذ كل مطالبها.. هذا الدور العظيم للجيش المصرى لن ينساه المصريون أبدا، لك
ن تعامل الجيش مع أحداث الشغب كثيرا ما تغير من حادثة إلى أخرى بطريقة غير مفهومة.. لقد قامت الشرطة العسكرية بفض اعتصام طلبة كلية الإعلام فى جامعة القاهرة با لقوة واستعملت العصى الكهربائية لإخراجهم، وبنفس الطريقة قبضت الشرطة العسكرية يوم ٩ مارس الماضى على المتظاهرين فى ميدان التحرير الذين تم تقديمهم إلى محاكمة عسكرية قضت بحبسهم لفترات تتراوح بين عام وثلاثة أعوام..
هذ
ا الاستعمال المسرف للقوة لم يلجأ إليه الجيش فى حوادث أكثر خطورة، ففى محافظة قنا قطع المواطنون خط قطار الصعيد وعطلوا الطرق السريعة كلها فلم تمنعهم الشرطة العسكرية ولم تقبض عليهم، وقامت بعض الجماعات السلفية فى قنا أيضا بالاعتداء على مواطن قبطى وقطع أذنه فلم يقبض على الفاعل ولم يقدم إلى المحاكمة وتم الاكتفاء بمجلس صلح تنازل فيه القبطى عن حقوقه، وقد تم هدم كنيسة فى أطفيح فلم تقبض الشرطة العسكرية على مواطن واحد من الذين ارتكبوا الجريمة ولم تمنعهم من ارتكابها.
صحيح أن القوات المسلحة أعادت بناء الكنيسة على نفقتها وهذا تصرف طيب لكن العدل لا يتحقق إلا بتطبيق القانون. مرة أخرى قام السلفيون بإحراق الأضرحة فى أكثر من محافظة فلم يقبض على واحد منهم، الأمر الذى أغرى بعض السلفيين بالتمادى فى أفعالهم فقاموا بمحاصرة الكاتدرائية وهددوا باقتحامها لتحرير السيدة كاميليا شحاتة المسيحية التى يزعمون أنها أسلمت فاحتجزتها الكنيسة. إن اقتحام دور العبادة بالقوة وترويع المصلين الآمنين فى حدود معلوماتى جرائم يعاقب عليها القانون لكن الشرطة العسكرية لم تقبض على شخص واحد من الذين هاجموا الكنائس بل اكتفت بمنعهم من دخولها..
ثم تصاعدت المؤامرة من أجل إحداث الفتنة الطائفية، فبعد أن تبين أن مزاعم السلفيين كاذبة وظهرت كاميليا على قناة تليفزيونية قبطية لتنفى إسلامها وتؤكد أنها ستظل على دينها المسيحى فى اليوم التالى مباشرة تم الترويج لشائعة جديدة مفادها أن سيدة مسيحية أخرى قد أسلمت واختطفتها الكنيسة.. لقد أذاع بعض المواقع على الإنترنت تسجيلا من غرفة بالتوك.. يقوم فيه شخص بتحريض من سماهم بـ«الإخوة المسلمين» على الهجوم على كنيسة مارمينا بإمبابة وهو يصف لهم الطريق إليها ويؤكد لهم أن الأخت المسلمة محتجزة فى بيت بجوار الكنيسة ويدعوهم إلى تفتيش البيت بحثاً عنها ويقول لهم بالحرف:
ــ اهجموا على البيت وأخرجوا كل النصارى منه وفتشوه.. أنتم ٣٠٠ فرد وتستطيعون أن تفعلوا ذلك بسهولة.
وقد حدث.. فقد هاجمت مجموعات مسلحة مجهولة كنيسة مارمينا وأشعلوا النار فيها ثم انسحبوا وتم تبادل إطلاق النار على مدى ساعات حتى سقط ١١ شهيدا، مسلمين ومسيحيين، السؤال هنا:
إذا كانت الشرطة المصرية معطلة ولا يمكن الاعتماد عليها فلماذا لم تمنع الشرطة العسكرية البلطجية من الهجوم على الكنيسة؟!. لماذا لم تستعمل العصى الكهربائية لردعهم، كما فعلت مع طلبة كلية الإعلام، وأيهما أخطر: اعتصام سلمى للطلاب، أم اعتداء على الكنيسة وإحراقها؟
إن القوات المسلحة التى طالما حمت مصر واحتضنت الثورة مطالبة الآن بأداء مهمة وطنية جليلة.. أن تنفذ القانون فورا وبحسم على كل من يخالفه.
مصر الآن بين طريقين لا ثالث لهما:
إما القانون وإما الفوضى.
الديمقراطية هى الحل.
نقلا عن
المصري اليوم.