الدكتور مصعب حمادي نجم الزيدي
جامعة الموصل - كلية العلوم الإسلامية
شهد عهد الملك الصليبِي فولك الأنجوي Fulk Anjoui([1]) (526-438 ﻫ/ 1131-1141 م) إقامة بعض المعاقل العسكرية في الجهة الجنوبية من مملكة بيت المقدس الصليبية، وهي قلاع (بيت جبرين Bethgiblin- يبنى Ibelin- تل الصافية Blanchgard) إلا أنها لم تكن محكمة للدفاع عن القدس التي كانت العاصمة الإدارية والدينية والعسكرية للصليبيين، فما زالت هناك ثغرة تمكن المسلمون النفاذ منها وهي المنطقة الواقعة شرقي البحر المميت، وقد انتبه إلى ذلك الملك فولك الأنجوي، فلم يقتصر اهتمامه بالجهة الجنوبية الغربية بل اهتم بإحكام دائرة التحصينات حول مملكته الصليبية من الجهة الجنوبية الشرقية([2]).
وبناءاً على ذلك أكمل الملك فولك هذا السوار من القلاع بتشييد حصن الكرك Petra Deserti([3]) في سنة (537 ﻫ / 1142 م)([4]) قام ببنائه باجان الساقي Paganus Pincerna، صاحب مقاطعة الشوبك، فوق قمة جبل شاهق([5]) بلغ ارتفاعه (960 م) عن سطح البحر([6]) وتحيط به أودية عميقة([7]) من ثلاث جهات: الشرقية والغربية الشمالية، أما من الجهة الجنوبية فقد حفر فيها خندق كبير([8]) على أن ذلك الجبل تنحدر سفوحه من الجانبين بشدة حتى وادي الست ووادي الفرنجة أسفل المدينة الحصينة تماماً([9]) والجدير بالملاحظة أن تلك الوديان التقت معاً قرب عين سارة التي تبعد حوالي (1 كم) إلى الغرب من الكرك، ومثلت مع قمة الجبل انحدارات قوية في جهتي الشمال والشرق أكثر انحداراً منها في جهتي الجنوب والغرب([10]).
أما ما يتصل بالموقع الجغرافي لحصن الكرك فيقع في الجنوب الغربي من المملكة الأردنية الهاشمية، ويبعد (130 كم) عن مدينة عمان حالياً([11]) وحوالي (35 كم) عن مدينة القدس([12]) وكذلك (105 كم) شمالي قلعة الشوبك([13]) وعلى بعد (30 كم) أقصى الجنوب الشرقي من البحر الميت في قلب محافظة الكرك الحالية([14]) ولكونه على أطراف الشام من جهة الحجاز([15]) فقد تحكم في طرق الحجاج المسلمين إلى الحرمين الشريفين مكة المكرمة والمدينة المنورة([16]) هذا فضلاً عن وقوعه على الطريق المؤدي إلى مصر([17])، مِمّا هيأ له السيطرة على الطرق الوحيدة السالكة الممتدة من بلاد الشام إلى مصر([18]) ونتيجة لذلك الموقع المتميز، فقد عده ابن الأثير من أمنع المعاقل العسكرية التي أقامها الصليبيون على طرف البر([19]) وقد استقر فيه عناصر فرسان الداوية، وقد اتسع لخمسة آلاف مقاتل وحظيرة اتسعت لألف حصان([20]).
أما فيما يتعلق بأسباب بناء حصن الكرك، فيرى ستيفنسون أنه يوفر الحماية لقلعة الشوبك من خطر أي هجوم إسلامي من جهة مصر([21]) بينما اتجه لين بوول إلى القول بأن بناءه كان لأجل التحكم في طريق القوافل المارة بين الشام ومصر لأنه المنفذ الأساسي لسورية وليكون شوكة ضد العرب المسلمين([22]) والراجح ما ذهب إليه رنسيمان بان باجان الساقي لم ينقل مقره من الشوبك إلى حصن الكرك بعد إنجاز بنائه إلا لغرض السيطرة على الجانبين الشمالي والجنوبي للبحر الميت([23]).
شهد حصن الكرك خلال الفترة الصليبية تعاقب عدد من الحكام، كان أولهم باجان الساقي في عهد الملك بلدوين الأول Baldwin I([24]) الذي عمل على تحصين الكرك وربطها ببعض القلاع مثل الشوبك وقلعة وادي موسى([25]) قرب البتراء القديمة([26]). ومنذ ذلك الحين أصبحت الكرك قاعدة لانطلاق الصليبيين من أجل العدوان على منطقة شرقي الأردن، ومن أجل التعرض لقوافل المسلمين التجارية التي كانت تتحرك ما بين بلاد الشام ومصر([27]).
وبعد وفاة باجان تولى ابنه مرقيوس Mauricius([28]) حكم الكرك([29]) ثم جاء بعده رومانوس بوي Romanus Puy الذي عرف في المصادر الصليبية باسم رومانوس بوديو Romanus Podio، وقد منحه الملك بلدوين الثاني Baldwin II([30]) (512-526 ﻫ/ 1118-1131 م) إقطاعية الكرك والشوبك وقد تشاجر مع الملك فولك الأنجوي، وأدين بتهمة الخيانة العظمى لأنه اشترك مع هيو بوزيه الثاني Hugh II أمير يافا في مؤامرة ضد الملك فولك الأنجوي فتمت مصادرة إقطاعيته، ومنحت لباجان كبير خدم الملك فولك الأنجوي([31]) وقد جاء بعده فيليب ميللي Philippe Milly (557-523 ﻫ/ 1161-1167 م) الذي كان قد اقطع الكرك بدلاً من نابلس في سنة 557 ﻫ/ 1161 م([32]).
والواقع أن فيليب ميللي حاكم إقطاع نابلس كان قد تنازل عن إقطاعه للملك بلدوين الثالث Baldwin III([33]) (538-559 ﻫ/ 1143-1163 م) مقابل حصوله على الكرك والشوبك إثر الاتفاق الذي تَمّ بين الطرفين في الاجتماع الذي عقد في مدينة الناصرة يوم الاثنين 6 شعبان سنة 556 ﻫ/ 11 يوليوز 1160 م، ويعود تنازل الملك بلدوين الثالث عن أمارة الكرك والشوبك مقابل الحصول على نابلس لأسباب عدة، أولها: إن نابلس كانت إحدى المدن التابعة للتاج الملكي مباشرة، وثانيها: إن فيليب ميللي سيد إقطاعية نابلس كان قد وقف إلى جانب الملكة ميليسند أثناء صراعها مع ابنها الملك بلدوين الثالث حول السيطرة على عرش مملكة بيت المقدس الصليبية، وثالثها: ربما شعر الملك بلدوين الثالث أن فيليب ميللي أصبح يشكل خطراً عليه إذا ما استمر في حيازته لإقطاعية نابلس، ولذلك قام بإجراء المقايضة، ورابعها: استهدف الملك من وراء استعادة نابلس ضمان دخل كبير يدخل إلى خزانة الدولة ولكي يحرم فيليب من التمتع بخيراتها الأمر الذي سيعود بالفائدة إلى الخزينة الملكية([34]).
وعلى أية حال فقد شهد حصن الكرك خلال مدة حكم فيليب ميللي تطوراً ملحوظاً في أساليب الدفاع العسكرية تجاه الهجمات الإسلامية، فقد اتخذ عدة إجراءات لتحصين الكرك تمثلت بحفر خندق عميق([35]) بلغ انخفاضه حوالي (60 ذراعاً) ([36]) في المنطقة الواقعة بين الربض والقلعة، كما أحيط الحصن بسور من جميع جهاته([37]) وله باب واحد نحت مدخله من الحجر الصلب([38]) وكان الدخول إلى حصن الكرك يتم بنفقين ضيقين منحدرين ومحفورين في الصخر الصلب، وفضلاً عن الخندق شيدت عدة أبراج تعزيزاً للدفاعات العسكرية فجعلت الحصن أكثر قوة ومنعة تجاه الهجمات الإسلامية، وبذلك كان لموقع التحصينات ومتانتها والأبراج المنحوتة بأشكال الأسود أهميتها في جعل الاعتداء عليه أمراً صعباً إذ في تركيبته العامة كان حصناً صليبياً قتالياً جهز بالأسلحة والماء والمؤن التي أسهمت في إطالة مقاومة الحصن لحصار بعد حصار([39]).
وقد بقي فيليب ميللي في حكم الكرك حتى عهد الملك املريك الأول Amalyric I (559-569 ﻫ/ 1163-1174 م)([40]) في سنة 563 ﻫ/ 1167 م، فعندما أصبح رئيساً لمنظمة الداوية تنازل عن إقطاعه لابنته اتنيت ميللي Etiennette Milly التي شهد عهدها مناوشات عسكرية بين الجانبين الإسلامي والصليبِي([41])، ونظراً لأهمية الكرك وموقعها الحيوي، فقد تنافس المسلمون والصليبيون للسيطرة عليها رغبة في الإفادة منها عسكرياً واقتصادياً بحكم هيمنتها على طرق المواصلات بين مصر والشام والجزيرة([42]).
ففي جمادى الآخرة سنة 565 ﻫ/ 1169 م، هاجم السلطان نور الدين محمود زنكي (ت. 569 ﻫ/ 1173 م) حصن الكرك لأجل تأمين مرور قافلة تجارية يرأسها نجم الدين أيوب والد صلاح الدين متجهة من دمشق إلى مصر، وبوصوله فرض حصاراً على الحصن ونصب عليه المجانيق لقذف الصليبيين الذين كانوا بداخله بالحجارة وانتظر خروجهم من الحصن لمباغتتهم غير أنهم لم يبرحوا مكانهم في الوقت الذي تمكنت فيه القافلة من المرور بأمان دون أن تتعرض لخطر الصليبيين في الكرك([43]) مركز السلب والقرصنة البرية([44]).
ولم يقف نشاط السلطان نور الدين زنكي عند ذلك الحد بل بحث مع صلاح الدين السبل والوسائل الممكنة لتقوية الاتصال بين الشام ومصر لأن سيطرة الصليبيين على الأردن ووادي عربة بما فيه حصن الكرك وقلعة الشوبك وغيرها أتاحت للصليبيين إمكانية التحكم في صحراء النقب الواقعة بين البحر الميت والبحر الأحمر لا سيما أن آيلة على خليج العقبة كانت خاضعة لهم، وهكذا صار طريق الاتصال مقطوعاً بين الشام ومصر([45])، ولأجل تحقيق ذلك الهدف فقد وحدا جهودهما واتفقا على مهاجمة حصن الكرك في سنة 568 ﻫ/ 1172 م ، وانتزاعه من أيدي الصليبيين غير أن ذلك التعاون المشترك بين السلطان نور الدين وصلاح الدين لم يثمر عن نتائج ملموسة([46]).
وقد برز دور حصن الكرك الصليبِي في عهد البرنس ارناط([47]) الذي عرف في المصادر والمراجع الأجنبية باسم رينو شاتيون Renaud Chatillon([48]) وهو أحد الفرسان المغامرين فرنسي الأصل قدم إلى بلاد الشام مع الحملة الصليبية الثانية، ضمن صفوف جيش الملك لويس السابع (532-576 ﻫ/ 1137-1180 م)، وبقي في فلسطين بعد فشل الحملة الصليبية الثانية وعودة رجالها إلى الغرب الأوربي([49])، ثم دخل في خدمة الملك بلدوين الثالث الذي اصطحبه معه في إحدى المرات إلى أنطاكية في سنة 546 ﻫ/ 1151 م، وشاءت الأقدار أن تزوج هناك من حاكمة أنطاكية الأميرة كونستانس Constance أرملة الأمير ريموند بواتييه Raymond Poitou (531-544 ﻫ/ 1136-1149 م)([50]) الذي قتل على يد قوات السلطان نور الدين زنكي في معرفة أنب([51]) سنة (544 ﻫ/ 1149 م) ([52]).
على أن ذلك الزواج تَمّ بصورة سرية إثر معارضة بطريرك أنطاكية إيميري الذي كان ينظر إلى ارناط نظرة شك وارتياب بسبب تطلعاته السياسية، ونتيجة لخشية البطريرك على نفوذه وسلطته القوية في انطاكية، فضلاً عن آرائه المعارضة التي عبر عنها علناً أمام صليبِي أنطاكية دخل في مشاجرة مع ارناط انتهت باعتقال ارناط للبطريرك في قلعة أنطاكية([53]).
ولأجل إضفاء الشرعية على ذلك الزواج أقدمت الأميرة كونستانس التي لم ترغب بإعلان زواجها على الملأ حتى تكون قد ضمنت قرار موافقة ابن خالتها الملك بلدوين الثالث خاصة أن إمارتها تقع تحت حمايته، وبناءً على ذلك أرسلت ارناط إلى الملك بلدوين الثالث الذي كان آنذاك يحاصر مدينة عسقلان ليبلغه نيتها، وبعد أن حصل على موافقة الملك عاد إلى أنطاكية، وأعلن زواجه رسمياً من الأميرة كونستانس سنة 548 ﻫ/ 1153 م، وبذلك الزواج أصبح ارناط حاكماً لإمارة أنطاكية (548-555 ﻫ/ 1153-1160 م)([54]).
وبذلك حصلت إمارة أنطاكية على محارب قوي وفارس صليبِي قام بدور هام في محاربة المسلمين، وذلك المغامر الخطير اتصفت كثير من تصرفاته بالطيش والتهور وعدم مراعاة العهود والجهل بأحكام السياسة وأصولها، مِمّا سبب متاعب لا حصر لها للصليبيين في بلاد الشام([55])، فقد هاجم بلاد السلطان نور الدين زنكي في شمال الشام، واستولى على المغانم والأسلاب، وأثناء عودته فوجئ بقوات الأمير مجد الدين أبي بكر بن الداية عامل نور الدين في حلب في سنة 555 ﻫ/ 1160 م فوقع أسيراً في يدها([56])، وقد ظل ارناط أسيراً في قلعة حلب ستة عشر عاماً حتى أطلق الحلبيون سراحه سنة 571 ﻫ/ 1176 م مع عدد كبير من أسرى الصليبيين([57]) إثر التنسيق الذي حدث بين الصليبيين من جهة والموصليين والحلبيين من جهة أخرى([58]).
وبعد أن أطلق سراحه عاد إلى أنطاكية وعلم أن زوجته كونستانس توفيت منذ مدة وقد أصبح ابنها بوهيمند الثالث Bohemond III أميراً فيها (559-598 ﻫ/ 1163-1201 م)، وإزاء ذلك الموقف اضطر إلى التوجه نحو القدس، في الوقت الذي كانت مملكة بيت المقدس تعيش في وضع سياسي سيء بسبب انقسام باروناتها نتيجة لوفاة الملك املريك الذي ترك لوراثة العرش الصليبِي طفلاً صغير السن لا يتجاوز الثالثة عشر من عمره وهو بلدوين الرابع([59]) Baldwin IV([60]).
وبوصول ارناط مدينة القدس دخل في خدمة الملك بلدوين الرابع (569-581 ﻫ/ 1174-1185 م) ودعماً لمركزه السياسي زوجه الملك في سنة (574 ﻫ/ 1178 م) من اتنيت ميللي وريثة بارونية الكرك طمعاً في إقطاعها والتي كان قد مات عنها زوجاها وهما همفري الثالث حاكم تبنين Humphrey III([61]) وميلو فانسي Milo Phancy([62]) فأصبح ارناط بذلك الزواج حاكماً لإقطاع الكرك (574-583 ﻫ/ 1178-1187 م) والذي كان أفضل من يستطيع الدفاع عن مملكة بيت المقدس الصليبية([63]).
وشكل إسناد أمارة الكرك إلى ارناط نقطة تحول هامة وخطيرة في دورها السياسي والاقتصادي، إذ كانت بارونية الكرك من أهم بارونيات مملكة بيت المقدس الصليبية من الناحيتين العسكرية والاقتصادية، فمن الناحية العسكرية: فهي تمثل خط الدفاع الأول عنها والحارس القوي المنيع الذي يحميها من هجمات المسلمين من جانبيها الشرقي والجنوبي وفضلاً عن تمتعها بمركز استراتيجي هام بين الشام ومصر كانت تراقب تحركات المسلمين بين جناحي دولتهم دمشق والقاهرة، أما من الناحية الاقتصادية: فتعد أكبر بارونية يرد منها عائد اقتصادي للمملكة الصليبية بما تحصل عليه من رسوم تفرض على القوافل التجارية المارة عبر أراضيها، وبما تفرضه من ضرائب على محاصيلها الوافرة بالغلات الكثيرة وبذلك كانت القلب النابض لمملكة بيت المقدس الصليبية؛ وهي بحق مفتاح الطرق العسكرية والاقتصادية للمسلمين([64]).
وقد اتخذ ارناط حصن الكرك قاعدة لانطلاق هجماته العسكرية ضد المسلمين، فكان يعترض القوافل التجارية وقوافل الحجاج أثناء مرورها بجانب إقطاعه ويسلبها ما تحمله من أموال وسلع([65]) فضلاً عما كان يحصل عليه من الأموال المتأتية من الرسوم المفروضة على القوافل التجارية القادمة من مصر والشام والعراق وبالعكس ومن اليمن والحجاز وسواحل الشام([66])، وليس ذلك فحسب بل إنه لم يكن يفهم كل سياسة تتعارض مع رغباته، فبمقتضى شروط الصلح الذي عقد بين الناصر صلاح الدين والمملكة الصليبية في سنة 576 ﻫ/ 1180 م أصبح للتجار المسلمين والنصارى الحرية في اجتياز بلاد الآخر([67])، فوفقاً للدواداري: «وقع الصلح بينهم إلى وقت معين بشرط أن المسافرين يسافرون والقفول لا تنقطع والتجار لا تتعوق من الشام إلى مصر والخفر على الإفرنج»([68]).
غير أن ارناط الذي كان كما وصفه ابن الأثير «من شياطين الفرنج ومردتهم، وأشدهم عداوة للمسلمين»([69])، وأغدر وأخبث أمراء الصليبيين وأنكثهم للعهود([70])، نقض الهدنة المعقودة بين الطرفين بعد أن ساءه أن يرى القوافل التجارية الوافرة الثروة تسير مطمئنة قرب أمارة الكرك([71]).
فقد تمادى ارناط ووصل به الحال إلى أن «شرب ذات ليلة وسكر وأمر الخيالة أن تنْزل وتقطع الطريق على المسافرين من المسلمين، فركبت الخيالة ومعه الرجالة ونزلوا فأخذوا خلقاً كثيراً من التجار والفقراء والمسافرين»([72])، ولم يكتف ارناط بتحصيل رسوم المرور من قوافل الحجاج المارة بحصن الكرم وقطع الطريق على القوافل الآمنة المطمئنة بل ركبه الطيش والغرور وخيل إليه أنه بلغ من القوة ما يمكنه من طعن الإسلام والمسلمين بمهاجمة المدينة المنورة([73]).
ففي رجب سنة 577 ﻫ/ كانون الأول سنة 1181 م توجه ارناط بقواته مخترقاً الصحراء العربية جنوباً وتوغل فيها حتى وصل تيماء([74])، وهناك هاجم قافلة تجارية كانت متجهة من دمشق إلى مكة وسلبها ما كانت تحمله من أموال وسلع وأسر من تمكن من أسره([75]).
ولم تقف الأمور بالصليبيين عند ذلك الحد بل عقدوا العزم على ضرب المسلمين في أهم مقدساتهم، وذلك بمحاولة الاستيلاء على المدينة المنورة، ونهب المسجد النبوي والاستيلاء على كل ما فيه من كنوز وذخائر، فضلاً عن قطع طريق الحجاج من مصر إلى الشام، ولما علم بالأمر الأمير عز الدين فرخشاه ابن أخ صلاح الدين ونائبه في دمشق جمع العساكر الدمشقية وتوجه بها لمهاجمة أمارة الكرك فنهبها وخربها واكتسح نواحيها، أما ارناط فما أن بلغه الخبر حتى انتابه القلق لما قام به الأمير عز الدين فرخشاه لذلك عاد مسرعاً إلى الكرك في حين رجع فرخشاه إلى دمشق([76]). هكذا فشل ارناط في تحقيق غرضه وتصدع مشروعه في الاستيلاء على النواحي الشريفة([77]).
وعلى الرغم من ذلك إلا أن ارناط انتهز فرصة انشغال صلاح الدين باستكمال جهوده الوحدوية في شمال الشام والجزيرة([78])، وأخذ يفكر من جديد في تنفيذ مشروعه القديم بمهاجمة الأراضي المقدسة مكة المكرمة والمدينة المنورة، ومحاولة الوصول إلى عدن للسيطرة على تجارة البحر الأحمر([79])، ولأجل تحقيق هدفه قرر ارناط أن يصنع أسطولاً خاصاً لتنفيذ تلك العملية الحربية الجريئة، فأمر بقطع أشجار غابات الكرك وحملها إلى حصن الكرك للبدء بعملية صنع المراكب([80])، كما عهد إلى صليبِيي مدينة عسقلان بصنع بعض مراكب الأسطول التي بلغ عددها خمس سفن حربية كبيرة وعدد من المراكب الخفيفة([81])، وبعد أن تَمّ صنعها نقلت مفككة على الجمال إلى الساحل بعد أن أغراهم بالمال([82])، ثم قام بتركيب المراكب ودهنها باللون الأسود([83]) وشحنها بالرجال والأسلحة، وعند وصوله أمر بإيقاف مركبين منهما على قلعة آيلة لمحاصرتها ومنع أهلها من استسقاء الماء، بينما اتجه الباقون في مراكبهم نحو عيذاب([84]) على وجه السرعة([85]).
ووصف البنداري ما قام به الصليبيون من أعمال بعد وصولهم عيذاب قائلاً: «فقطعوا طريق التجار وشرعوا في الفتك والنهب والإسار، ثم توجهوا إلى أرض الحجاز فتعذر على الناس وجه الاحتراز فإنه لم يعهد في ذلك البحر طروق الكفار فعظم البلاء وأعضل الداء وأشرف أهل المدينة النبوية على خطر»([86]). ويسترسل ابن جبير ذلك الوصف: «فأحرقوا فيه (البحر الأحمر) نحو ستة عشر مركباً، وانتهوا إلى عيذاب فأخذوا فيها مركباً كان يأتي بالحجاج من جدة، وأخذوا أيضاً في البر قافلة كبيرة تأتي من قوص([87]) إلى عيذاب، وقتلوا الجميع ولم يحيوا أحد، وأخذوا مركبين كانا مقبلين بتجار من اليمن، وأحرقوا أطعمة كثيرة على ذلك الساحل كانت معدة لميرة مكة والمدينة أعزهما الله، وأحدثوا حوادث شنيعة لم يسمع مثلها في الإسلام»([88]).
ولم يقف الأمر عند ذلك الحد بل واصل الصليبيون نشاطهم بنقل شروعهم الهدام إلى شاطئ الحجاز في سنة 578 ﻫ/ 1182 م، وفي ذلك قال المقريزي: «وتوجه فرنج الشوبك والكرك نحو مدينة رسول الله r لينبشوا قبره وينقلوا جسده الشريف إلى بلادهم ويدفنوه عندهم ولا يمكنوا المسلمين من زيارته إلى بجعل، فسارت الفرنج نحو عيذاب فقتلوا وأسروا ومضوا يريدون المدينة النبوية على سكانها أفضل الصلاة والسلام»([89])، على أن وصول الصليبيين إلى الأراضي المقدسة والتماسهم الطريق إلى الحجاز، ومعرفة معالمه لم يتم إلا بفضل مساعدة بعض البدو المتمردين من الأعراب الذين دلوهم على داخلية البلاد مِمَّا أتاح لهم التوغل فيها([90]).
وقد استهدف ارناط من وراء تلك الحملة تحقيق أغراض اقتصادية وعسكرية ودينية، فالغرض الاقتصادي والعسكري هو السيطرة على البحر الأحمر والتحكم في حركة التجارة الدولية المارة فيه، وتحويل جزء من تجارته إلى خليج العقبة ومملكة بيت المقدس الصليبية([91]). أما الغرض الديني فهو قطع طريق الحاج عن حجه وضرب العالم الإسلامي في قلبه، وطعن المسلمين في قبلتهم([92]). فقد كان يسعى لتدمير كعبة الإسلام المقدسة([93]) فضلاً عن دخول المدينة وهدم مسجد الرسول r وإخراج جثمانه الشريف من الضريح المقدس ونقله إلى حصن الكرك وعدم السماح للمسلمين بزيارته إلا من خلال فرض رسوم كبيرة على الزائرين([94])، ويرجع دافع ذلك إلى روح التعصب البغيض والكراهية التي تعتمل في قلبه فضلاً عن تشجيع فرسان الداوية له لتحقيق ذلك المطمع والاستيلاء على مكة والمدينة أقدس مقدسات المسلمين([95]).
وعندما علم صلاح الدين بما قام به الصليبيون بعث إلى أخيه ونائبه بمصر الملك العادل يأمره بتعمير الأسطول في مصر والإسكندرية، وقد قام الملك العادل بتنفيذ تعليمات صلاح الدين على أتَمّ وجه وأسرعه، فعهد إلى قائد الأسطول حسام الدين لؤلؤ([96]) بحمل مراكب مفككة على الجمال إلى آيلة وهناك أشرف على تركيبها وشحنها بالرجال المقاتلة من ذوي التجربة في شؤون البحر وخاصة المغاربة، كما قسم حسام الدين لؤلؤ أسطوله إلى قسمين، الأول: أبحر إلى قلعة آيلة فاستولى على مراكب العدو برمتها وقتل معظم مقاتليها. أما القسم الثاني: فقد آثر التوجه إلى عيذاب وأطلق المأسورين من التجار ورد عليهم ما أخذ منهم ولم يجد أحد من الصليبيين هنالك، وواصل حسام الدين جهوده في تعقب ارناط كي يمنعه من بلوغ هدفه، وقد أدركه بعد أن أصبح على مسافة يوم من المدينة النبوية فأوقع بهم هناك وتفرق شملهم واضطر بعضهم بعد أن شاهد الهلاك للخروج إلى البر نحو المرتفعات فتعقبهم في كل مكان وقتل وأسر معظمهم([97]). أما ارناط قائد الحملة اللعينة فقد استطاع الهرب والعودة إلى حصن الكرم ليواصل مشاريعه العدوانية من جديد ضد المسلمين([98]).
وتجدر الإشارة هنا إلى أهمية الكرك ودورها في نجاح الاستيطان الصليبي، فمن الناحية العسكرية منعت أي اتصال عسكري ويمكن تحقيقه بين دمشق والقاهرة، وشكلت حاجزاً منيعاً وقف بوجه أي اتصال بين أجزاء الدولة العربية الإسلامية([99])، كما كان الحصن مجهزاً تجهيزاً كاملاً بالأسلحة والآلات الحربية المعدة للأغراض العسكرية([100]). ومن الناحية الجغرافية امتاز الحصن بموقعه الملائم للاستقرار فيه إذ وصفه ابن جبير بأنه: «سرارة (أطيب) أرض فلسطين وله نظر عظيم الاتساع متصل العمارة يذكر أنه ينتهي إلى أربع مئة قرية»([101])، وقد أكد الصوري على نشوء التجمعات السكانية حول حصن الكرم، منها قرية ملاصقة للحصن، كان سكانها قد أقاموا منازل هناك كمركز أمن نسبياً على أن تلك القرية كانت محاطة بسور ليقيها من خطر الهجمات الإسلامية([102]).
أما الناحية الاقتصادية فقد جهز الحصن بالحبوب من القمح والشعير، كما زود بالزيت وغيره من الأقوات لديمومة الوجود الصليبِي في الكرك([103])، إذ أفادت مملكة بيت المقدس الصليبية من سيطرتها على شرقي الأردن، فقد أمدتها حقولها الخصبة الوافرة الإنتاج بما تحتاج إليه من غلاة زراعية وفي مقدمتها القمح([104])، فضلاً عن الرسوم التي فرضت على القوافل المارة عبر أراضيها من مصر إلى بلاد الشام والعراق التي شكلت دخلاً جيداً لها، كما أنها استطاعت أن تحول القوافل التجارية من جنوب شبه الجزيرة العربية لتصل إلى دمشق ثم إلى عكا([105])، وكان إليها يتجه التجار مع ما يحملون من بضائع مختلفة، وقد استفادت من تلك الحركة التجارية كثيراً، وبذلك أصبح حصن الكرك يسيطر على حركة النقل والمواصلات بين أجزاء المنطقة العربية الإسلامية وبطريق الحجاج منذ تشييده حتى سنة 584 ﻫ/ 1188 م([106]).
وقد كان الناصر صلاح الدين الأيوبي يرى أن استحواذ الصليبيين على حصن الكرك وبقائهم فيه يشكل خطراً دائماً على القوافل التجارية وقوافل الحجاج القادمة من مصر إلى بلاد الشام أو المتجهة من الشام إلى مصر والحجاز([107])، ولذلك عد تحريره لذلك الموقع الحصين إزالة لجميع العقبات بين الشام ومصر التي عززت من ديمومة الاتصال بينهما([108])، ولا سيما بعد العمل اللصوصي الذي قام به ارناط واعتدائه على القوافل الإسلامية، وتهديده لمدن الإسلام المقدسة (مكة والمدينة)، مما أدى إلى تأجيج أشد مشاعر الغضب في ضمائر أبناء الأمة الإسلامية، وسعيهم لتحريره من براثن الصليبيين([109]).
ومن أجل إنهاء الوجود الصليبي في حصن الكرك قاد الناصر صلاح الدين أربع حملات عسكرية لتحريره، كانت الأولى في سنة 579 ﻫ/ 1183 م عندما كتب إلى أخيه الملك العادل يطلب منه المدد، فجاءه العادل بعساكر مصر عندما كان الناصر صلاح الدين قد وصل إلى الكرك ففرضوا عليه حصاراً، وتمكنوا من الصعود إليه ونصبوا سبعة مجانيق قذفته بالحجارة ليلاً ونهاراً لإرغام الصليبيين بداخله على الاستسلام والتسليم([110]) وكاد ذلك يتحقق لولا أن صلاح الدين رفع الحصار عن الصليبيين لسببين رئيسين، الأول: عدم كفاية آلات الحصار التي احتاجها الجيش لاقتحام ذلك الحصن العظيم والمعقل المنيع، والثاني: أن صلاح الدين علم بتجمع الصليبيين لدفعه عن الكرك، فانسحب عائداً إلى دمشق([111]).
أما الحملة الثانية فكانت في سنة 580 ﻫ/ 1184 م عندما بعث صلاح الدين إلى أطراف دولته يطلب منهم المدد والعساكر، فجاءه الملك الظاهر بالعساكر الحلبية، كما وصل نور الدين محمد بن قرة أرسلان صاحب حصن كيفا([112]) وآمد في ديار بكر قادماً بالعساكر الجزرية وكذلك قدم ابن أخيه تقي الدين عمر نائبه في مصر الذي توجه مباشرة إلى الكرك للالتقاء بصلاح الدين هناك، فضلاً عن عساكر سنجار وماردين([113])، وهذا ما يعكس أهمية الحصن.
وبعد أن أكمل صلاح الدين استعداداته توجه بجميع تلك العساكر من دمشق قاصداً حصن الكرك، وعندما وصله ضرب عليه حصاراً، وأمر بنصب المجانيق لقذفه بالحجارة([114])، فقد كانت سياسته تهدف إلى التركيز والاستمرار في قتال الصليبيين الذين داخل الحصن كي يتمكن من تحريره بأقل جهد وبأقل خسارة ممكنة([115]) فأخذت المجانيق ترمي أبراج الحصن وأسواره وستائره حتى تهدمت، ولم يحل دون دخول المسلمين الحصن سوى خندق واسع يبلغ عمقه حوالي (60 ذراعاً) ولا سبيل لاجتيازه، فأمر صلاح الدين بإلقاء الأحجار والتراب فيه ليطمه، كما أمر بضرب اللبن وجمع الأخشاب لبناء سراديب تحت الخندق وسرعان ما بنى سراديب مسقفة بالخشب اتخذوها طرقاً آمنة يسيرون بداخلها إلى سور الحصن([116])، وبذل المسلمون قصارى جهدهم لردم الخندق لولا أن صلاح الدين أصدر أوامره بإيقاف العمل([117]).
ويرجع سبب ذلك إلى تزامن الحصار مع حفل زفاف ابن زوجة ارناط الأمير همفري الرابع حاكم حصن تبنين بالأميرة إيزابيلا الابنة الصغرى لملك القدس السابق املريك الأول وأخت الملك بلدوين الرابع، فأنفذت سيدة الكرك اتنيت وهي زوجة ارناط وأم العريس رسالة إلى صلاح الدين ترجوه عقد هدنة قصيرة حتى يتم حفل الزفاف، ولذلك أمر صلاح الدين بوقف العمل فوراً، واكتفى بأن قال حددوا لي برج العروسين كي لا أضربه([118]).
غير أن ارناط استغل الفرصة وأنفذ رسالة إلى مملكة بيت المقدس الصليبية يطلب المساعدة من الملك بلدوين الرابع ويحثه على مهاجمة المسلمين وإرغامهم على رفع الحصار عن الحصن، وسرعان ما استدعى الملك الجيش الملكي وأسند قيادته إلى ريموند الثالث Raymond III أمير طرابلس([119])، ولما علم صلاح الدين بخبر مسيرهم رحل عن الكرك متجهاً إلى طريق قدومهم ليباغتهم، ويعود بعد أن يهزمهم إلى الكرك، وعندما وصلهم أقام على مسافة قريبة من الجيش الصليبِي الذي عسكر في منطقة امتازت بخشونة أرضها ووعورة طرقها وضيق المسالك المؤدية إليها، مما اضطر صلاح الدين إلى البقاء في موقعه أياماً ينتظر خروجهم من ذلك المكان ليهاجمهم، غير أنهم لم يغادروا مكانهم خوفاً على أرواحهم، عندئذ أدرك صلاح الدين أنه لن يتمكن من تحقيق هدفه، فغادر الكرك عائداً إلى دمشق([120]) قبل إكمال مهمته في تحطيم الحصن وخاصة بعد وصول الإمدادات إلى الصليبيين الذين بداخل الحصن، مما رفع معنوياتهم للدفاع عنه([121]) مما أدى إلى عدم تحقيق صلاح الدين لأهدافه من الحملة([122]).
وإزاء الضغط الإسلامي المتكرر ضد حصن الكرك، اضطر ارناط إلى طلب عقد هدنة مع صلاح الدين، وفي ذلك قال ابن الأثير: «فذل (ارناط) وخضع وطلب الصلح من صلاح الدين، فأجابه إلى ذلك وهادنه وتحالفا، وترددت القوافل من الشام إلى مصر، ومن مصر إلى الشام»، غير أن روح الغدر كانت متأصلة في نفسه، إذ نقض الهدنة وهاجم في سنة 582 ﻫ/ 1186 م أمام حصن الكرك قافلة كبيرة كانت محملة بأنواع السلع التجارية قادمة من مصر في طريقها إلى الشام، فانقض عليها وأسر رجالها ونهب أموالها ومتاعها([123]).
وقد أدت تلك الحادثة إلى تصعيد الموقف الإسلامي تجاه الصليبيين، فأرسل إليه صلاح الدين يتهدده ويتوعده إن لم يطلق سراح الأسرى والأموال إلا أنه أصر على الامتناع فنذر صلاح الدين نذراً إن ظفر به قتله بيده عقاباً لما اقترفته يداه من أعمال عدائية ضد المسلمين ومقدساتهم([124])، ففي سنة 583 ﻫ/ 1187 م قام صلاح الدين بحملة ثالثة ضد حصن الكرك وأعماله، فبث سراياه نحوها وقطع المدد عن سكان الحصن ليتسنى له تحقيق ما يهدف إليه، أما ارناط الذي سمع بقدوم صلاح الدين نحو إقطاعه، أسرع للتحصن في حصنه يراقب الأحداث من حوله دون أن يجرؤ على الخروج للتصدي للمسلمين([125])، وبعد هذا الاعتداء الفاضح أخذ الناصر صلاح الدين يعد العدة ويجمع الجيوش ويعبئ قواته للمعركة المنتظرة مع الصليبيين. وما إن تكاملت الجيوش حتى التقى الطرفان في قرون حطين يوم السبت 25 ربيع الآخر سنة 583 ﻫ/ 1187 م كانت نتيجتها انتصار المسلمين وهزيمة الصليبيين وأسر ملكهم وكبار قادتهم وأبرزهم ارناط موقد شرارة هذه الحرب والذي قتله الناصر صلاح الدين تنفيذاً لوعده السابق([126]).
أما الحملة الرابعة فكانت في سنة 584 ﻫ/ 1188 م حاسمة للأمر وخاصة بعد أن أصبحت البلاد الساحلية من الشمال إلى الجنوب في قبضة صلاح الدين، ما عدا بعض الحصون مثل الكرك وكوكب وصفد، إذ قرر صلاح الدين أن لا يبقيها في أيدي الصليبيين لكونها تقع «في وسط بلاد الإسلام، ولا يؤمن شر أهلها، وإن أغفلناهم ندمنا فيما بعد والله أعلم»([127]).
وبناءاً على ذلك عهد إلى القائد سعد الدين الأسدي([128]) حصار الكرك، وتكليف أخيه الملك العادل منذ تلك السنة أن يقيم بقوة عسكرية كبيرة في تبنين ليكن على مقربة لنجدة القائد سعد الدين([129]) الذي بقيت قواته تحاصر حصن الكرك لمدة طويلة حتى نفذت أقوات الصليبيين وذخائرهم، واضطروا إلى أكل دوابهم، بعد أن يأسوا من وصل أية إمدادات صليبية تنجدهم من السقوط، وأدى بهم الموقف إلى الرضوخ للأمر الواقع، فراسلوا الملك العادل في طلب الأمان مقابل الاستسلام وتسليم الحصن للمسلمين، فوافق على طلبهم وأرسل إلى مقدم العسكر سعد الدين في تنفيذ الأمر، فامتثل وتسلم الحصن منهم وأمنهم([130]) في شهر رمضان سنة 584 ﻫ/ 1188 م بعد حصار قاسي استغرق ما يقرب سنة ونصف([131]).
وبسقوط حصن الكرك عاد الأمن والسلام إلى ربوع تلك المنطقة «وأمنت قلوب من في ذلك الصقع من البلاد، كالقدس وغيره، فإنهم كانوا ممن بتلك الحصون وجلين من شرهم مشفقين» حسب قول ابن الأثير([132])، وهكذا كانت نهاية حصن الكرك الذي تسبب في إلحاق الضرر بالمسلمين ومنه خرجت أسوء حملة صليبية قام بها صليبيو بلاد الشام لغزو الحجاز والأماكن المقدسة واليمن وعلى عاتق حاكمه ارناط وقعت مسؤولية نهاية مملكة بيت المقدس الصليبية([133]).
([1]) فولك الأنجوي: هو ثالث ملوك المملكة الصليبية تولى عشرها بعد وفاة الملك بلدوين الثاني في سنة 526 ﻫ/ 1131 م، توفي في ضواحي مدينة عكا أواخر فصل صيف سنة 538 ﻫ/ 1143 م، نقل جثمانه إلى مدينة القدس ليدفن في كنيسة القيامة. (ينظر: وليم الصوري، تاريخ الحروب الصليبية الأعمال المنجزة فيما وراء البحار، ترجمة سهيل زكار، دار الفكر للطباعة والنشر، بيروت، 1990، ج 2، صص. 731-732).
([2]) ستيفن رنسيمان، تاريخ الحروب الصليبية، ترجمة الباز العريني، دار الثقافة، بيروت، 1967، ج 2، ص. 396؛ سعيد عبد الفتاح عاشور، الحركة الصليبية، مطبعة لجنة التأليف والترجمة والنشر، القاهرة، 1923، ج 2، ص. 201.
([3]) يكتب باللغة العربية حصن الكرك وباليونانية كراكموبا Chara Chmoba وباللغة اللاتينية دومنتريال Crac Montreal، وبيترا ديزرتري Petra Deserti أي بتراء الصحراء أو صخرة الصحراء. (ينظر: فولفغانغ مولر، القلاع أيام الحروب الصليبية، ترجمة محمد وليد الجلاد، دار الفكر، دمشق، ط. 2، 1984، ص. 55). وقد اختلفت الآراء حول أصل تسمية الكرك، فقد ذكر ياقوت الحموي بأنها =
= كلمة أعجمية. (ينظر: شهاب الدين أبو عبد الله، معجم البلدان، دار صادر، بيروت، 1957)، ج 4، ص. 453). وهنالك من رأى أن تسمية الكرك ذات أصل سرياني من كلمة كاركو Karko التي تعني الحصن. (ينظر: رنسيمان، تاريخ الحروب، ج 2، ص. 370، هامش رقم (2))، في حين عدها فيلبي حتي لفظة آرامية تعني كرخا ومعناها بلدة. (ينظر: تاريخ سورية ولبنان وفلسطين، ترجمة كمال اليازجي، دار الثقافة، بيروت، ط. 2، 1972، ج 2، ص. 231، هامش رقم (1)). والراجح أن الكرك لفظة آرامية عربت وأدخلت إلى اللغة العربية وعن الآراميين أخذها اللاتين الذين أطلقوا على كل موضع حصين يماثل في حصانته وموقعه الكرم مثل الكرك، وسموها "كرك مؤاب" Krak Moabites و"الشوبك" مونتريال وسموها "كرك مونتريال" Krak Montream، و"كرك الشوبك"، وحصن الأكراد فسموه "كرك الفرسان" Krak Chevaliers، وقلعة صهيون فسموها "كرك صهيون" Krak Sahyun. (ينظر: يوسف درويش غوانمة، إمارة الكرك الأيوبية، دار الفكر، عمان، ط. 2، 1982، ص. 48-50).
([4]) هانز ابرهارد ماير، تاريخ الحروب الصليبية، ترجمة وتعليق عماد الدين غانم، منشورات مجمع الفاتح للجامعات، ليبيا، 1990، ص. 136؛ Andrew Ehrenkreutz, Saladin, New York University press, New York, 1972, p. 47.
([5]) الصوري، تاريخ الحروب، ج 2، ص. 1106.
([6]) وائل الرشدان، «المدرسة المملوكية في قلعة الكرك»، مجلة دراسات تاريخية، دمشق، 1996، العددان 57-58، ص. 201.
([7]) ياقوت الحموي، معجم البلدان، ج 4، ص. 453؛ الصوري، تاريخ الحروب، ج 2، ص. 1066.
([8]) الراشدان، المدرسة المملوكية، ص. 201.
([9]) مولر، القلاع، ص. 55؛ بسام العسلي، فن الحرب الإسلامي في أيام الحروب الصليبية، دار الفكر للطباعة والنشر، بيروت، 1988، م 4، ص. 361.
([10]) محمد مؤنس عوض، الحروب الصليبية دراسات تاريخية ونقدية، دار الشروق، عمان، 1990، ص. 90.
([11]) غوانمة، التأريخ الحضاري لشرقي الأردن في العصر المملوكي، دار الفكر، عمان، 1982،
ص. 259.
([12]) أبو الحسن محمد بن أحمد بن جبير، رحلة ابن جبير، دار صادر، بيروت، 1964، ص. 260.
([13]) عماد الدين إسماعيل بن محمد أبو الفدا، تقويم البلدان، اعتنى بتصحيحه رينود وماك كوكين ديسلان، دار الطباعة السلطانية، باريس، 1845، ص. 247.
([14]) نظير حسان سعداوي، التأريخ الحربي المصري في عهد صلاح الدين، مطبعة لجنة البيان العربي، القاهرة، 1957، ص. 126.
([15]) ياقوت الحموي، معجم البلدان، ج 4، ص. 453.
([16]) عبد الحميد زايد، القدس الخالدة، مطابع الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة، 1974، ص. 220.
([17]) مؤرخ مجهول، تأريخ الرهاوي المجهول، تعريب الأب ألبير ابونا، مطبعة شفيق، بغداد، 1989،
ج 2، ص. 192.
([18]) ستانلي لين بوول، صلاح الدين وسقوط مملكة القدس، ترجمة فاروق سعد أبوة جابر، مطابع الأهرام، القاهرة، 1995، ص. 208؛ اسمث غنيم، الدولة الأيوبية والصليبيون، دار المعرفة الجامعية، الإسكندرية، 1988، ص. 32.
([19]) عز الدين محمد بن محمد، الكامل في التاريخ، دار صادر، بيروت، 1966، ج 11، ص. 352.
([20]) سعداوي، التاريخ الحربي، ص. 172؛ أنتوني بردج، تاريخ الحروب الصليبية، ترجمة أحمد غسان سباتو ونبيل الحيرودي، دار قتيبة، دمشق، 1985، ص. 192.
([21]) W.B, The Crusaders, in The East, Second edition, Slem press, Beirut, 1968, p. 146.
([22]) صلاح الدين، ص. 119.
([23]) تاريخ الحروب، ج 2، ص. 37؛ ماير، تاريخ الحروب، ص. 136.
([24]) بلدوين الأول: هو أول الملوك الصليبيين في بلاد الشام، ويعد المؤسس الحقيقي لمملكة بيت المقدس التي ظل يحكمها لمدة ثماني عشرة سنة، فحولها من إمارة كنسية إلى دولة وسط محيط إسلامي معاد له، فضلاً عن دوره في تأسيس إمارة طرابلس. (ينظر: فوشيه الشارتري، تاريخ الحملة إلى القدس، ترجمة زيادة العسلي، دار الشروق، عمان، 1990، ص. 163.
([25]) قلعة وادي موسى: يقع ذلك الوادي في جنوب القدس بين المدينة المقدسة والحجاز. (ينظر: غوانمة، إمارة الكرك، ص. 65). أما القلعة فتقع على تل شديد الانحدار يعرف حالياً باسم تل عويرة على أطراف البتراء. (ينظر: رنسيمان، تاريخ الحروب، ج 2، ص. 371).
([26]) رنسيمان، تاريخ الحروب، ج 2، ص. 371.
([27]) العسلي، فن الحرب، م 4، ص. 368.
([28]) لم تزودنا المصادر العربية واللاتينية المعاصرة المتخصصة بدراسة الحروب الصليبية بمعلومات وافية عن مرقيوس سوى أنه كان ابن أخ باجان الساقي حاكم الكرك. (ينظر: الصوري، تاريخ الحروب، ج 2، ص. 1066).
([29]) الصوري، تاريخ الحروب، ج 2، ص. 1066.
([30]) بلدوين الثاني، هو بلدوين بورج أمي ر الرها تولى عرش المملكة الصليبية بعد وفاة الملك بلدوين الأول امتاز بالحنكة والخبرة في الحكم. عرف بعدائه الشديد للمسلمين، وقد استمر في حكم المملكة الصليبية حتى أصيب بمرض خطير أدى إلى وفاته في 21 آب سنة 526 ﻫ/ 1131 م ودفن في كنيسة القيامة. (ينظر: الصوري، تاريخ الحروب، ج 1، ص. 574، 650).
([31]) سعيد عبد الله البيشاوي، الممتلكات الكنسية في مملكة بيت المقدس الصليبية، دار المعرفة الجامعية، الإسكندرية، 1990، ص. 198، هامش رقم (2).
([32]) الصوري، تاريخ الحروب، ج 2، ص. 1066؛ ماسينيوس، "شوبك"، دار المعارف الإسلامية، ترجمة أحمد الشنتناوي وآخرون، دار الشعب، القاهرة، 1969، ج 13، ص. 439.
([33]) بلدوبن الثالث: هو الملك الصليبي الرابع للمملكة الصليبية تولى الحكم في الثالثة عشر من العمر تحت وصاية أمه ميلسيند، توفي في بيروت 10 شباط 559 ﻫ/ 1163 م، ونقل جثمانه إلى القدس ليدفن في كنيسة القيامة بجانب أسلافه السابقين. (ينظر: الصوري، تاريخ الحروب، ج 2، ص. 734-435).
([34]) البيشاوي، الممتلكات الكنسية، ص. 89-91.
([35]) الصوري، تاريخ الحروب، ج 2، ص. 1066.
([36]) الذراع: وحدة قياس قديمة للطول وتساوي (49,875 سم) تقريباً. (ينظر: فالتر هنتس، المكاييل والأوزان الإسلامية وما يعادلها في النظام المتري، ترجمة كامل العسلي، مطبعة القوات المسلحة الأردنية، عمان، 1970، ص. 63).
([37]) ابن الأثير، الكامل، ج 11، ص. 506؛ عز الدين محمد بن علي بن شداد، الأعلاق الخطيرة في ذكر أمراء الشام والجزيرة، تحقيق سامي الدهاني، المطبعة الكاثوليكية، بيروت، 1963، ج 2، ص. 69).
([38]) محمد بن إبراهيم بن بطوطة، رحلة ابن بطوطة المسماة تحفة النظار في غرائب الأمصار وعجائب الأسفار، دار صادر، بيروت، 1964، ص. 111.
([39]) لين بوول، صلاح الدين، ص. 119.
([40]) املريك الأول: أطلق عليه المؤرخون العرب المسلمون تسمية مري وأُمري. (ينظر: ابن الأثير، الكامل، ج 11، ص. 301، 335؛ شهاب الدين عبد الرحمن بن إسماعيل أبو شامة، الروضتين في أخبار الدولتين النورية والصلاحية، دار الجيل، بيروت، د.ت، ج 1، ص. 243؛ ج 2، ص. 75، كما ورد باسم أماري. (ينظر: محمد بن محمد بن العماد الكاتب الأصفهاني، الفتح القسي في الفتح القدسي، تحقيق مصطفى فهمي الكتبِي، مطبعة الموسوعات، مصر، د.ت، ص. 13). وكان أمير ليافا وعسقلان تولى عرش المملكة الصليبية بعد وفاة أخيه الملك بلدوين الثالث، شهد عهده تبلور سياسة التوسع الصليبي ومد النفوذ نحو مصر، توفي في تموز سنة 569 / 1174 م. (ينظر: الصوري، تاريخ الحروب، ج 2، ص. 734، 973).
([41]) رنسيمان، تاريخ الحروب، ج 2، ص. 640؛ ماسينيوس، "شوبك"، ج 13، ص. 439.
([42]) أحمد عبد الله الحسو وآخر، «الكرك كما أرخ لها السخاوي»، مجلة المؤرخ العربي، بغداد، 1999،
ع 57، ص. 155.
([43]) ابن الأثير، الكامل، ج 11، ص. 352.
([44]) خاشع المعاضيدي وآخرون، الوطن العربي والغزو الصليبِي، دار الكتب للطباعة والنشر، الموصل، 1981، ص. 127؛ كافين رايلي، الغرب والعالم، ترجمة عبد الوهاب محمد المسيري وآخرون، مطابع الرسالة، الكويت، 1985، ص. 150.
([45]) عاشور، الحركة الصليبية، ج 2، ص. 715؛ عوض، الحروب الصليبية، ص. 91؛ René Grousset, Historie des Croisades et du Royaume de Jérusalem, Librairie Plon, Paris, 1934, Vol. I, p. 553.
([46]) يروي ابن الأثير أن: «نور الدين لما وصل إليه كتاب صلاح الدين برحيله من مصر، سار إلى الكرك فوصل إلى الرقيم وبينه وبين الكرك مرحلتان (70 كم)، فلما سمع صلاح الدين بقربه خافه وجميع أهله، واتفق رأيهم على العودة إلى مصر، وترك الاجتماع بنور الدين، لأنهم علموا أنه إن اجتمعا كان عزله على يد نور الدين سهلاً»، عندئذ اكتفى صلاح الدين بإرسال الفقيه عيسى الهكاري مع الهدايا ليقدم اعتذاره إلى نور الدين ذاكراً له أن تدهور صحة والد صلاح الدين هي السبب المباشر وراء انسحابه. (ينظر: الكامل، ج 11، صص. 392-393).
([47]) هكذا وردت تسميته في المصادر العربية الإسلامية. (ينظر: العماد الأصفهاني، الفتح القسي، ص. 88؛ ابن الأثير، الكامل، ج 11، ص. 470؛ قوام الدين بن علي البنداري، سنا البرق الشامي، تحقيق فتحية النبراوي، مطبعة الجبلاوي، القاهرة، 1979، ص. 94).
([48]) الصوري، تاريخ الحروب، ج 2، ص. 814؛ هاملتون جب، صلاح الدين الأيوبي دراسات في التاريخ الإسلامي، ترجمة وتحرير يوسف أيبش، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت، 1973، ص. 139؛ Stevenson, The Crusaders, p. 228.
([49]) رنسيمان، تاريخ الحروب، ج 2، ص. 557.
([50]) الصوري، تاريخ الحروب، ج 2، ص. 814؛ J.R. Tanner, The Cambridge Médiéval History, Cambridge University press, Cambridge, 1968, vol. 5, p. 308.
([51]) أنب: حصن من أعمال عزاز من نواحي حلب. (ينظر: ياقوت الحموي، معجم البلدان، ج 1، ص. 258).
([52]) ابن الأثير، التاريخ الباهر في الدولة الأتابكية، تحقيق عبد القادر أحمد طليمات، دار الكتب الحديثة، القاهرة، 1963، صص. 98-99.
([53]) الصوري، تاريخ الحروب، ج 2، ص. 824؛ Jean Richard, «The Political and Ecclesiastical Organization of the Crusaders States», in Ahistory of the Crusades, éd. Setton, Wisconsin University press, Wisconsin, 1958, vol. 5, p. 203.
([54]) الصوري، تاريخ الحروب، ج 2، ص. 814.
([55]) عاشور، الحركة الصليبية، ج 2، صص. 649-650.
([56]) الصوري، تاريخ الحروب، ج 2، ص. 868؛ Stevenson, The Crusaders, p. 183.
([57]) البنداري، سنا البرق، ، ص. 94؛ جمال الدين محمد بن واصل، مفرج الكروب في أخبار بني أيوب، تحقيق جمال الدين الشيال، مطبعة جامعة فؤاد الأول، القاهرة، 1953، ج 2، ص. 38.
([58]) للوقوف على حقيقة ذلك التعاون من عدمه. (ينظر: دريد عبد القادر نوري، سياسة صلاح الدين الأيوبي في بلاد مصر والشام، مطبعة الإرشاد، بغداد، 1976، ص. 178-181.
([59]) بلدوين الرابع: عرف بلدوين الرابع باسم الملك المجذوم وبسبب مرضه فقد احتجب عن الظهور في الأوساط العامة، كما أن ذلك المرض لم يجعله قادراً على إدارة دفة الحكم في المملكة الصليبية، ولذلك تركزت ولاية العهد في البداية بيد أخته سيبل التي تزوجت من جاي لوزجنان الذي تولى حكم المملكة من بعد بلدوين الرابع. (ينظر: الصوري، تاريخ الحروب، ج 2، صص. 971-972).
([60]) المرجع نفسه؛ Tanner, The Cambridge, vol. 5, p. 313.
([61]) همفري الثالث: هو ابن همفري الثاني حاكم تبنين، كان قد تزوج من اتنيت ميللي وريثة إقطاع الأردن، غير أن ارتباطه بها لم يدم إلا مدة قصيرة لوفاته في سنة 572 ﻫ/ 1176 م. (ينظر: الصوري، تاريخ الحروب، ج 2، ص. 1021).
([62]) ميلو فانسي: هو أحد الفرسان الصليبيين، ينتمي إلى أسرة فرنسية نبيلة قربه إليه الملك املريك وجعله قائد جيش المملكة، وقد اشترك معه في الحملة على مصر في سنة 564 ﻫ/ 1168 م وبعد وفاة الملك املريك سنة 570 ﻫ/ 1174 م، عهد مجلس المملكة الصليبية إلى ميلو لتدبير شؤون المملكة ولانفراده بالسلطة دون التشاور مع النبلاء الصليبيين دخل في نزاع معهم انتهى بتحريض بعض الرجال بصورة سرية للتآمر على حياته، فقتل في مدينة عكا سنة 574 ﻫ/ 1178 م. (ينظر: الصوري، تاريخ الحروب، ج 2، ص. 933، 974-975.
([63]) عبد العزيز سالم، دراسة في تاريخ الأيوبيين والمماليك، مؤسسة شباب الجامعة، الإسكندرية، 1997، ص. 106؛ ماسينيوس، "شوبك"، ج 13، ص. 439.
([64]) غوانمة، إمارة الكرك، ص. 117.
([65]) ابن واصل، مفرج الكروب، ج 2، ص. 8.
([66]) غوانمة، إمارة الكرك، ص. 132؛ Stevenson, The Crusaders, p. 100.
([67]) رنسيمان، تاريخ الحروب، ج 2، ص. 696.
([68]) أبو بكر عبد الله بن أيبك، كنز الدرر وجامع الغرر، تحقيق سعيد عبد الفتاح عاشور، دار إحياء الكتب، القاهرة، 1972، ج 7، صص. 50-51.
([69]) الكامل ، ج 11، ص. 470.
([70]) البنداري، سنا البرق، ص. 289؛ ابن شداد، الأعلاق الخطيرة، ج 2، ص. 71.
([71]) رنسيمان، تاريخ الحروب، ج 2، ص. 696؛ لين بوول، صلاح الدين، ص. 148.
([72]) الدوداري، كنز الدرر، ج 7، ص. 51.
([73]) أبو شامة، الروضتين، ج 2، ص. 23؛ أحمد رمضان أحمد، شبه جزيرة سيناء في العصور الوسطى، المطبعة الشرقية، القاهرة، 1977، صص. 116-117.
([74]) تيماء: بليدة في أطراف الشام، بين وادي القرى على طريق حجاج الشام ودمشق. (ينظر: ياقوت الحموي، معجم البلدان، ج 1، ص. 907).
([75]) أبو شامة، الروضتين، ج 2، ص. 23.
([76]) ابن الأثير، الكامل، ج 11، ص. 470.
([77]) سهيل زكار، الموسوعة الشاملة لتاريخ الحروب الصليبية، دار الفكر، دمشق، 1999، ج 23،
ص. 61؛ سعداوي، التاريخ الحربي، ص. 126.
([78]) للمزيد من التفاصيل حول جهود صلاح الدين وأبعاده الوحدوية. (ينظر: محمود ياسين التكريتي، الأيوبيون في شمال الشام والجزيرة، دار الخلود للطباعة والنشر، بيروت، 1981، ص. 116-123).
([79]) أحمد، شبه جزيرة، ص. 118؛ غوانمة، إمارة الكرك، ص. 127.
([80]) المقريزي، السلوك لمعرفة دول الملوك، تحقيق محمد مصطفى زيادة، مطبعة لجنة التأليف والترجمة والنشر، ط. 2، القاهرة، 1956، ج 1، ص. 74.
([81]) لين بوول، صلاح الدين، ص. 155.
([82]) ابن جبير، رحلة، ص. 34؛ بردج، تاريخ الحروب، ص. 188؛ Stevenson, The Crusaders, p. 228.
([83]) هارولد لامب، شعلة الإسلام، ترجمة محمود عبد الله يعقوب، مطبعة الإرشاد، بغداد، 1967، ص. 95.
([84]) عيذاب: بليدة حسنة وهي مجمع التجار براً وبحراً، ومرسى المراكب القادمة من عدن إلى الصعيد على البحر الأحمر. (ينظر: ياقوت الحموي، معجم البلدان، ج 4، ص. 171).
([85]) شمس الدين يوسف سبط بن الجوزي، مرآة الزمان في تاريخ الأعيان، مطبعة دائرة المعارف العثمانية، الدكن، د. ت، ج 8، ق 1، ص. 370؛ شهاب الدين أحمد بن عبد الوهاب النوري، نهاية الأرب في فنون الأدب، تحقيق محمد محمد أمين، مطابع الهيئة المصرية، القاهرة، 1992، ج 28، ص. 397.
([86]) سنا البرق، صص. 212-213.
([87]) قوص: هي مدينة كبيرة، كانت قصبة صعيد مصر بينها وبين الفسطاط مسافة (440 كم) وهي محط التجار القادمين من عدن، وتقع في الإقليم الأول ضمن أقاليم العالم السبعة. (ينظر: ياقوت الحموي، معجم البلدان، ج 4، ص. 413).
([88]) رحلة، ص. 34؛ المقريزي، السلوك، ج 1، ق 1، ص. 79.
([89]) المقريزي، السلوك، ج 1، ق 1، ص. 79.
([90]) أبو شامة، الروضتين، ج 2، ص. 37.
([91]) قاسم، ماهية الحروب، ص. 143؛ غوانمة، «التجارة وسياسة الاعتدال والتسامح بين المسلمين والفرنج في عهد صلاح الدين الأيوبي»، ضمن أعمال مؤتمر بلاد الشام في فترة الصراع الإسلامي الفرنجي، جامعة اليرموك، الأردن، 2000، ج 2، صص. 632-633؛ غنيم، الدولة الأيوبية،
ص. 33.
([92]) أبو شامة، الروضتين، ج 2، ص. 75؛ أحمد، شبه الجزيرة، ص. 121.
([93]) لين بوول، صلاح الدين، ص. 155؛ لامب، شعلة الإسلام، ص. 95؛ رايلي، الغرب، ص. 150.
([94]) ابن جبير، رحلة، صص. 34-35.
([95]) غوانمة، إمارة الكرك، ص. 131.
([96]) حسام الدين لؤلؤ: كان أرمني الأصل ومن جملة أجناد مصر في أيام الفاطميين، وعندما سيطر صلاح الدين على مصر سنة 567 ﻫ/ 1171 م جعله على الأسطول، اشترك في العديد من المعارك ضد الصليبيين، توفي في القاهرة سنة 596 ﻫ/ 1199 م. (ينظر: أبو شامة، الروضتين، ج 2، ص. 240).
([97]) ابن الأثير، الكامل، ج 11، صص. 490-491؛ سبط ابن الجوزي، مرآة الزمان، ج 8، ق 1،
ص. 369.
([98]) لامب، شعلة الإسلام، ص. 96.
([99]) غوانمة، إمارة الكرك، ص. 67.
([100]) الصوري، تاريخ الحروب، ج 2، ص. 1067.
([101]) رحلة، ص. 260.
([102]) الصوري، تاريخ الحروب، ج 2، ص. 1066.
([103]) المرجع نفسه، ص. 1067؛ لين بوول، صلاح الدين، ص. 119.
([104]) رنسيمان، تاريخ الحروب، ج 2، ص. 371.
([105]) غوانمة، إمارة الكرك، ص. 67.
([106]) زكي النقاش، العلاقات الاجتماعية والثقافية والاقتصادية بين العرب والإفرنج خلال الحروب الصليبية، دار الكتاب اللبناني للطباعة والنشر، بيروت، ص. 1958، ص. 187؛ غوانمة، التاريخ الحضاري لشرق الأردن في العصر المملوكي، دار الفكر، عمان، 1982، صص. 42-43.
([107]) رنسيمان، تاريخ الحروب، ج 2، ص. 711؛ أحمد، شبه جزيرة...، ص. 132.
([108]) نيكتا إيليسيف، «المملكة اللاتينية في القدس والحكام المسلمون في القرن الثاني عشر للميلاد»، خطوط كبرى للعلاقات السياسية ضمن كتاب "الصراع الإسلامي الفرنجي على فلسطين في القرون الوسطى"، تحرير هادية شكيل دجاني، مؤسسة الدراسات الفلسطينية، بيروت، 1994، ص. 244.
([109]) رنيه كروسيه، الحروب الصليبية صراع الشرق والغرب، ترجمة أحمد أيبش، دار قتيبة للطباعة والنشر، دمشق، 2003، ص. 73.
([110]) ابن الأثير، الكامل، ج 11، ص. 502. وقد أكد الصوري وطأة الحصار الإسلامي على الصليبيين في حصن الكرك، إذ قال: «استمر الهجوم بشكل لا يعرف التعب ليلاً ونهاراً، وقذفت أحجار ذات حجم كبير جداً بحيث لم يجرؤ أحد من الموجودين ضمن الأسوار على رفع يد أو على النظر من الفتحات أو تجريب أية وسيلة مقاومة، واستحوذ الرعب واليأس على السكان البائسين إلى درجة أنهم لم يجرؤوا على إظهار أنفسهم حتى عندما تدلى (المسلمون) بواسطة الحبال... إلى داخل الخندق». ينظر: تاريخ الحروب، ج 2، صص. 1069-1070.
([111]) ابن الأثير، الكامل، ج 11، ص. 502.
([112]) حصن كيفا: بلدة وحصن في الجزيرة الفراتية من ديار بكر يشرف على دجلة بين جزيرة ابن عمر وبين ميفارقين. (ينظر: ياقوت الحموي، معجم البلدان، ج 2، ص. 265).
([113]) ابن الأثير، الكامل، ج 11، ص. 506؛ أبو شامة، الروضتين، ج 2، صص. 54-55.
([114]) سبط ابن الجوزي، مرآة الزمان، ج 8، ق 1، ص. 382.
([115]) نوري، سياسة صلاح الدين، ص. 380.
([116]) ابن الأثير، الكامل، ج 11، ص. 506؛ أبو شامة، الروضتين، ج 2، ص. 56.
([117]) ابن واصل، مفرج الكروب، ج 2، ص. 254؛ Stevenson, The Crusaders, p. 234.
([118]) لين بوول، صلاح الدين، ص. 159؛ لامب، شعلة الإسلام، صص. 96-97.
([119]) رنسيمان، تاريخ الحروب، ج 2، ص. 712؛ أحمد، شبه جزيرة...، ص. 125.
([120]) ابن الأثير، الكامل، ج 11، ص. 506؛ أحمد بن إبراهيم الحنبلي، شفاء القلوب في مناصب بني أيوب، تحقيق ناظم رشيد، دار الحرية للطباعة والنشر، بغداد، 1978، ص. 114.
([121]) نوري، سياسة صلاح الدين، صص. 280-281.
([122]) ناصر عبد الرزاق الملا جاسم، صلاح الدين الأيوبي في الدراسات الاستشراقية الإنجليزية والأمريكية، رسالة ماجستير غير منشورة مقدمة إلى كلية الآداب، جامعة الموصل، 1992، ص. 210.
([123]) الكامل، ج 11، ص. 528؛ ابن واصل، مفرج الكروب، ج 1، ص. 185.
([124]) سبط ابن الجوزي، مرآة الزمان، ج 8، ق 1، ص. 75.
([125]) ابن الأثير، الكامل، ج 11، ص. 530؛ البنداري، سنا البرق، ص. 292.
([126]) العماد الأصفهاني، الفتح القسي، صص. 80-81؛ وللمزيد من التفاصيل عن هذه المعركة. (ينظر: عبد الله ناصح علوان، صلاح الدين الأيوبي بطل حطين ومحرر القدس من الصليبيين، دار السلام، القاهرة، 2002، صص. 55-56).
([127]) ابن الأثير، الكامل، ج 12، ص. 5، 20.
([128]) سعد الدين الأسدي: هو أحد مماليك نور الدين محمود زنكي، وكان قد عينه نائباً عنه في الموصل سنة 566 ﻫ/ 1170 م، وظل في منصبه حتى وفاة نور الدين، إذ اضطر بعد ذلك إلى التوجه نحو حلب، وهنالك أخذ ينافس الأمراء في دمشق على السلطة. (ينظر: ابن الأثير، التاريخ الباهر، ص. 154، 176).
([129]) ابن واصل، مفرج الكروب، ج 2، ص. 271.
([130]) ابن الأثير، الكامل، ج 12، صص. 20-21؛ سبط ابن الجوزي، مرآة الزمان، ج 8، ق 1،
ص. 134.
([131]) ابن شداد، الأعلاق الخطيرة، ج 2، ص. 73؛ بردج، تاريخ الحروب، ص. 192.
([132]) الكامل، ج 12، ص. 21.
([133]) غوانمة، إمارة الكرك، ص. 162.