تواصل قوات حلف الناتو غاراتها على اهداف تابعة للزعيم الليبي معمر القذافي وكتائبه المسلحة، ومعها القوات التابعة للثوار المطالبين باسقاط الحكم في طرابلس، دون اي اعتبار لحرمة شهر رمضان وحجم المعاناة التي يعيش في ظلها ستة ملايين ليبي، سواء كانوا في المناطق 'المحررة' او الاخرى التي ما زالت تحت سيطرة النظام.

الثوار الذين يعتمدون على حلف الناتو وغاراته لتحقيق اهدافهم في الاطاحة بالنظام الديكتاتوري، يقولون ان معظم الفتوحات الكبرى في عهد الرسول (ص) والخلفاء الراشدين تمت في هذا الشهر الفضيل، وهذا صحيح، وابرزها معركة بدر، ولكن الصحيح ايضا ان هؤلاء ليسوا من الصحابة، وان حلف الناتو يقتل مسلمين، والضحايا في جميع الاحوال هم مسلمون في هذا الجانب او ذاك.

بعد خمسة اشهر من القصف المكثف ما زال الوضع في ليبيا يراوح مكانه، ولا يلوح في الافق اي مؤشر على وجود مخرج من حالة الجمود الراهنة، فالنظام ما زال صامدا وتقدم الثوار بطيء، وعمليات الانشقاق في صفوف جيش النظام شبه متوقفة بالكامل، مما يعني ان هذه الازمة ستطول، لان الحسم العسكري ما زال بعيد المنال.

النظام في طرابلس فقد الكثير من شرعيته ومن الاراضي التي يسيطر عليها، ويعيش عزلة دولية متنامية بعد اعتراف اكثر من ثلاثين دولة، بينها الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا بالمجلس الوطني الانتقالي المؤقت الذي يمثل الثوار، ولكن هناك حوالي 170 دولة على الاقل ما زالت تقيم علاقات معه، وتحافظ على وجود سفاراته في قلب عواصمها، من بينها اكثر من 15 دولة عربية وحوالى 50 دولة اسلامية، فاللافت ان دولا عربية كبرى مثل مصر والمملكة العربية السعودية والجزائر وسورية والمغرب والعراق والاردن والسودان ما زالت ترى في النظام القائم في طرابلس نظاما شرعيا، وهذه معضلة كبيرة للثوار الليبيين ربما تزداد تفاقما في ظل غياب الحسم.

من المؤكد ان حلف الناتو يراهن على عنصر الوقت وكذلك الثوار، من حيث ضعف النظام، وانفجار ثورة شعبية في المناطق التي يسيطر عليها، وخاصة العاصمة طرابلس، وهذا الرهان قد يكون ضعيف التحقق، لعدة اسباب ابرزها ان النظام ما زال متماسكا وقواته تظهر صمودا غير متوقع في ميدان المعارك بعد ستة اشهر من اندلاع الثورة، ولا توجد دلائل واضحة على ان انتفاضة ضده يمكن ان تنطلق في المناطق التي يسيطر عليها.

المعضلة التي ربما يتغافل عنها الثوار ان عنصر الوقت، وغياب الحسم العسكري السريع، ووقف زخم الاعتراف بمجلسهم او تباطؤه، ربما تلعب جميعها في غير مصلحتهم في المدى المنظور، وتراجع الاهتمام الاعلامي العالمي، والعربي بدرجة اقل، يؤكد هذه المخاوف.

فعملية اغتيال الجنرال عبد الفتاح يونس العبيدي الغامضة، بدأت تكشف عن شقوق كبيرة في صفوف الثوار، وتسلط الاضواء على حجم الخلافات المتفاقمة نتيجة التناقضات الكبيرة بين مختلف جماعاتهم المقاتلة، وخاصة بين الجناح الاسلامي الذي يتحمل العبء الاكبر من القتال ويقدم النصيب الاكبر من الشهداء ايضا، وبين المجموعات الليبرالية التي تواجدت قياداتها في اوروبا والولايات المتحدة، وحظي بعضها بالتدريب على ايدي اجهزتها العسكرية.

قبيلة العبيدات التي ينتمي اليها الجنرال يونس القائد العسكري لقوات الثوار تحدثت يوم امس الاول عبر متحدث باسمها بانها تريد تطبيق العدالة بنفسها، اذا اخفقت قيادة الثوار في التحقيق مع مرتكبي جريمة اغتياله، والقصاص منهم، وهذا مطلب يصعب على المجلس الانتقالي تطبيقه، ليس لانه ضعيف فقط، وانما لان هذه الخطوة اذا ما تمت فانها تعني تفجير حرب اهلية قبلية وعقائدية بين الثوار انفسهم. فسرية ابو عبيدة الجراح التي اتهمها السيد علي الترهوني احد اعضاء المجلس الانتقالي باغتيال الجنرال يونس تمثل اقوى المجموعات الاسلامية المقاتلة في صفوف الثوار، وهي من غير المتوقع ان تسلم بعض عناصرها تقول انهم قاموا بخدمة وطنية واخلاقية عندما اغتالوا الجنرال العبيدي المسؤول عن تعذيب وقتل زملاء لهم في سجن ابو سليم، عندما كان وزيرا للداخلية في نظام القذافي قبل انشقاقه.

الازمة في ليبيا تتجه الى المزيد من التعقيد بدلا من الانفراج، مما يعني ان الحل العسكري لم يحقق وحده اهداف الثورة في التغيير الديمقراطي، الامر الذي يحتم ضرورة اللجوء الى حل سياسي مواز يتم التوصل اليه بالتفاوض، والا فان البديل هو استمرار النزيف، وتحول ليبيا الى دولة فاشلة خارج السيطرة.

خطأ الثورة الليبية أنها دخلت بشكل سريع في صراع مسلح مع نظام القذافي البائد. وكل هذا كان بمصلحة القذافي وجيشه.

على كل حال، مهما حصل، فلا فرصة للرجوع قبل أن يحرر الثوار كامل الأرض الليبية من سيطرة الدكتاتور المجنون وعصابته.

اقتباس:. فسرية ابو عبيدة الجراح التي اتهمها السيد علي الترهوني احد اعضاء المجلس الانتقالي باغتيال الجنرال يونس تمثل اقوى المجموعات الاسلامية المقاتلة في صفوف الثوار، وهي من غير المتوقع ان تسلم بعض عناصرها تقول انهم قاموا بخدمة وطنية واخلاقية عندما اغتالوا الجنرال العبيدي المسؤول عن تعذيب وقتل زملاء لهم في سجن ابو سليم، عندما كان وزيرا للداخلية في نظام القذافي قبل انشقاقه.

قوات القاعدة لها حساباتها الخاصة فهي معنية فقط في تصفية اعدائها من اجل تعبيد الطريق الى سلطتها لاحقا. اسقاط القذافي بذاته ليست مشكلتها، على الرغم من ان الظواهري اعلن ان قواته ستساعد الشعب الليبي ولكن واضح ان قواته تقوم بتصفية حساباتها الخاصة.

واليوم يعترف القذافي والاصوليون الاسلاميون انهم يتحاورون من اجل اعلان دولة اسلامية في ليبيا والقضاء (مع بعض) على الليبراليين، الاعداء المشتركين للطرفين. بذلك يصبح الاسلاميين القاعديين حصان طروادة في الثورة الليبية.. وهي ازمة جديدة ستكون في مصلحة نظام القذافي وبقائه