{myadvertisements[zone_1]}
الإله المعقول والإله المنقول
فرج غير متصل
عضو فعّال
***

المشاركات: 104
الانضمام: Nov 2004
مشاركة: #1
الإله المعقول والإله المنقول
الإله المعقول والإله المنقول
إله العقل: دعوة إلى المعرفة بلا حدود! إله الأديان دعوة إلى الطاعة بلا سؤال!
إله العقل هو إله الفلسفة، هو إله الإنسان المنفتح على كل إنسان وعلى الكائن ككل !! إله الأديان عنصري وطائفي وانتقامي وسادي...

إله العقل، علاقته مباشرة مع كل الكائنات لا يحتاج إلى وسيط، فردا كان أو مؤسسة، فهو جوهر هذا الكون، إنه القلب النابض لكل موجود وليس خارج العالم بل إنه للعالم بمثابة الروح للجسد. بينما الإله الذي تصوره الأديان يتعالى على مخلوقاته ولا يتنازل لإقامة علاقة مباشرة معها بل يبعث بالوسيط تلو الوسيط ومن حين لآخر وإذا شاء فيضع حدا لهذه الوساطة ويقفل باب السماء في وجه مخلوقاته بانتظار يوم الحساب حيث البكاء وصرير الأسنان والعذاب الأليم كعقوبات مؤبدة على خطايا ارتكبها بنو آدم قبل أن تلدهم أمهاتهم، عقوبات مكتوبة منذ الأزل في لوح محفوظ.
الإله الحق هو إله العلوم الدقيقة، الإله المطلق الذي يتجلى في القوانين المطلقة التي تنظم الوجود والموجودات بدقة متناهية نقترب منها باستمرار أكثر فأكثر. الإله الحق هو القانون الأشمل في هذا الكون. والإرادة الإلهية التي لا رد لها هي عينها قوانين الطبيعة المطلقة، من قوانين الفيزياء على مستوى الظواهر الفيزيائية، إلى قوانين الكيمياء على المستوى الكيميائي وقوانين البيولوجيا على المستوى البيولوجي.
أمّا في المجتمع الإنساني والتاريخ البشري فوعي الإنسان لذاته كوعي يلعب الدور الحاسم. هذا لا يعني أن الوعي مستقل عن قوانين الطبيعة أو خارج الإرادة الإلهية. فالإله الحق لا يكون مطلقا حقا إلاّ إذا شمل مفهومه وإرادته الكائنات، كل الكائنات بدون استثناء بما في ذلك في قلب شريعة الغاب.
ولو بقي حيز خارج نطاق الإرادة الإلهية المطلقة مهما كان، فلا يكون هذا الإله مطلقا حقا. إن من يعتقد أن الإله له مملكته الخاصة به في عالمه الخاص به، ومخلوقاته في عالم آخر خاص بها، فهو يخطئ كل الخطأ ويشرك كل الشرك، أي ينتقص من مطلقية الإله.
قد يقول قائل: أين حرية الإنسان إذا كانت الإرادة الإلهية تشمل كل الكائنات؟ الرد على هذا السؤال هو أن لا وجود لحريتين في آن معاً. إن هي إلاّ حرية واحدة. إنها الحرية الإلهية المتجلية في حرية الإنسان على قدر استعداد كل فرد للاضطلاع بهذه المسؤولية عن مصيره كفرد وكإنسانية جمعاء. فالإنسان هو الطليعة الإلهية لهذه المسيرة الكونية نحو المزيد من الحرية=المسؤولية ونحو المزيد من وعي الذات لذاتها في آخرها كما في ذاتها. إذ أن آخَر الذات ماهو إلاّ الذات نفسها على درجة أو مستوى آخر في المسيرة نفسها.
فالإله الحق هو عقل وعاقل ومعقول ولا يمكن أن يصدر عنه تناقض مع ذاته، لا يصدر عنه أشياء تتناقض مع العقل والمعقول. والإله الحق لا يمكن أن يوصف بصفات لا يقبلها العقل مثل أن يسمح بخرق قوانينه المطلقة في الطبيعة، أو أن يخرقها بنفسه إرضاء لطفل مدلل بحاجة لمعجزة ليصدق أن الشمس تشرق من الشرق وتغيب إلى الغرب!!؟؟
باختصار، الإله الحق هو الكائن المطلق هو وعي ومعرفة وحرية ومحبة ولا تشوبه شائبة من الصفات البشرية اللاإنسانية. بينما إله الدين وتحديدا إله الأديان الثلاثة المسماة سماوية هو صورة عن إنسان العصر الذي ظهر فيه هذا الدين أو ذاك. يقول سبينوزا إن إله التوراة هو ملك اليهود، والإله الحق لا يتدخل في السياسة لنصرة قوم ضد قوم، فكل الأقوام مخلوقات الله. وطالب سبينوزا، ولعله أول من طالب، بإبعاد رجال الدبن عن السياسة لأن تدخلهم في السياسة لا يجلب إلاّ الكوارث والحروب. ولذلك استحق هذا الفيلسوف، المولود في عائلة يهودية متزمتة كانت تريد أن تجعل منه رجل دين، استحق الطرد من الجماعة اليهودية التي حاولت اغتياله وفشلت.
الإله الديني هو صورة تقريبية عن الإله الحق، صورة أو رؤية تستند إلى معارف العصر والبيئة التي ظهر فيها هذا الدين، فهي بالتالي تاريخية مشروطة بحدودها التاريخية ونسبية مثل كل رؤية بشرية مشروطة بزمان ومكان، وخاطئة من منظار عصرنا الراهن ومشوهة لأنها تضفي على الإله صفات لا يقبلها أي عقل فكيف بالأحرى العقل العلمي الدقيق المغتني بمعارف واكتشافات وعلوم تطورت خلال خمسة عشر قرنا من الزمن.
هذا لا يمنع أن النصوص الدينية الأصيلة فيها تلخيص لحكمة شعب، بل شعوب، وتصيب كبد الحقيقة في بعض ما تقوله، ولها جماليتها الفنية الأدبية كما لها دلالات رمزية تحتمل التأويل باتجاه المعاني الروحية. فالقراءة الصوفية والتأويل الصوفي للنص الديني المؤسس مما يفتح النص على النصوص الأخرى الدينية وغير الدينية، وبالتالي على الإنسانية جمعاء. فإذا أردت التدين عليك بالتصوف. ولكن قبل أن تتصوف خذ بنصيحة أبي حامد الغزالي في عهده الصوفي إلى المتصوفة بتهيئة النفس بمعرفة العلوم العقلية قبل مباشرة علوم المكاشفة.
الإله الديني يتجلّى في لحظة تاريخية معينة دون غيرها لقوم دون غيرهم من الأقوام وبشخص دون غيره من الأشخاص ثم يجعلهم شعبه المختار ... أو خير أمة، وبعد حين يتخلّى عنهم ويوصد أبواب السماء في وجوههم ...إلخ فأين العدل في كل هذا؟؟؟
والأحكام التي يصدرها الإله الديني تجعل منه حاكما طاغية مستبدا وساديا في التعذيب وانتقاميا، شرائعه أقرب إلى شرائع حمورابي وبابل وسومر، وتتعارض مع أبسط حقوق الإنسان المعترف بها عالميا في مطلع القرن الحادي والعشرين أو في الربع الثاني من القرن الخامس عشر الهجري.
وحيث نرى أن الإله الحق حي قيوم لا يتعارض مع المسيرة التاريخية التي يخلقها ويقودها عبر النشاطات الإنسانية الإبداعية، نرى الإله الديني وقد انسحب من التاريخ واستقر في صومعته العاجية بالنسبة لبعض عبيده، أما البعض الآخر فقد حوله إلى مومياء محنطة بين الحبر والورق في نوع من عبادة وثنية، عبادة الحرف والصوت بعيدا عن الكلمة والمعنى، بعيدا عن الروح الحي المستمد من قلب الحياة النابض!

أمّا عن الاندهاش أمام نظام الكون والكائنات فهو بداية التساؤل الفلسفي كما يقول أرسطو. بل إن هذا النظام الدقيق في الكون والكائنات هو حجة لصالح الإله العقل وليست لصالح الإله الديني الذي يذهب بعيدا في تدنيس الطبيعة أو في تقديسها.
في الواقع، في الطبيعة لا مجال للحديث عن أية عدالة أو عن غائية معينة. ذلك أن هذه مفاهيم إنسانية لا وجود لها خارج وعي الإنسان وهي دائما نسبية تغتني باستمرار من التجربة الإنسانية. فما هي الحكمة في شريعة الغاب في أن يأكل القوي الضعيف؟ وما هي الحكمة من الكوارث الطبيعية التي تزهق الأرواح وتسبب الآلام لملايين من الكائنات الحية؟
ما هي إلاّ أفعال القوانين الطبيعية = الإلهية لا لمعاقبة إنسان ما أو شعب من الشعوب ولا لمكافأة شيطان ما على بطولات قام بها لإبعاد الناس عن طاعة الإله. وهل من المعقول أن الإله الحق بحاجة ليطلب الطاعة من مخلوقاته؟ هل من وجود لكائن، مهما كان، خارج القوانين الإلهية = الطبيعية؟ وهل من طاعة بعد هذه الطاعة؟ وما حاجة الإله الحق إلى طاعة أكثر من هذه الطاعة؟ أما الإله الديني فيردد أكثر من ثلاثين مرة خلال عشرين سنة: أطيعوني، أطيعوني... وفي كل مرة لا ينسى أن يجيّر هذه الطاعة لصالح وكلائه على الأرض، أولي الأمر من أولهم إلى آخرهم.
وهل من حاجة للإله الحق، وهو المطلق، في أن يؤكد أكثر من مئة مرة أن لا شيء يتم بدون مشيئته؟ وهل من المعقول أن توجد مشيئة أخرى إلى جانب مشيئته المتمثلة بقوانينه المطلقة؟ أمّا الإله الديني فيضع مشيئته في خدمة أولي الأمر من الحكام المتسلطين، أصحاب السلطة المطلقة لتبرير أي فعل يفعلون وإن كان ذلك فعل الشيء ونقيضه بسبب أو بدون سبب وفي كل الأحوال بدون حرج والسؤال ممنوع: نفذ ولا تعترض!
الصراع الأبدي بين الطاعة والمعرفة من حكاية آدم في التوراة عندما فضل المعرفة على الطاعة إلى يومنا هذا. الإله الديني يحث على الطاعة ويمنع المعرفة لصالح أولي الأمر لتدعيم سلطة المتسلطين. في حين أن الإله الحق هو معرفة ويحث على المعرفة، وهو وعي ويحث على المزيد من المعرفة والوعي. أما موضوع الطاعة فهو محسوم كما ورد أعلاه. الإله الحق أكبر من أن يحتاج إلى طاعة من كائن ما! والكائنات الأخرى أقل وأصغر من أن تخالف القوانين الطبيعية الإلهية المطلقة. وزد على ذلك أن حرية الإنسان تغتني بمعرفته هذه القوانين وكيفية التعامل معها.
الإله الحق هذا هو أقرب إلى إله الفلاسفة منه إلى الإله الديني. بالنسبة للفلسفة القديمة، لأرسطو مثلا الإله هو عقل يعقل ذاته كعقل وهو المحرك الأول الذي لا يتحرك ولا يتغير لأنه كامل لا ينقصه شيء وغني عن العالمين. وبالنسبة للفارابي هو عقل يفيض عقلا في عملية خلق الكائنات الأخرى، وهو واجب الوجود بذاته لا بغيره. بينما الكائنات الأخرى واجبة الوجود بغيرها وبه في نهاية المطاف.
أما الفلسفة الحديثة، فهي تتجه نحو أنسنة الإله أكثر فأكثر وفق التقليد الفلسفي الصوفي " من عرف نفسه عرف ربه". كانت بداية الفلسفة مع سقراط بمقولته الشهيرة: "أعرف نفسك" . سبينوزا يساوي بين الطبيعة والإله، والطبيعة هي الطبيعة الطابعة والطبيعة المطبوعة، ويعتبر أن النور الطبيعي هو عين النور الإلهي، هو العقل الإنساني القادر على معرفة القوانين الطبيعية = الإلهية، والحب الإلهي في نظر سبينوزا هو معرفة عقلية توحد بين العارف والمعروف في فعل المعرفة حيث السعادة الإنسانية الحق. وعند هيجل المفاهيم مثل الكائن المطلق، الروح المطلق، العقل، الفكرة، المفهوم والله، كلها مفاهيم ذات مضمون واحد: الكائن المطلق المتجلي في كل مفهوم من المفاهيم على كل المستويات في حركة ذهنية لها تاريخيتها المفهومية (تاريخانية) الخاصة بها وبالموازاة مع تاريخ الفلسفة والتاريخ البشري ككل. والوعي الفلسفي للذات الواعية لذاتها في توحدها مع ذاتها في آخرها كما في ذاتها هو أرقى درجات الوعي التي تتحقق عندها السعادة الإنسانية التي ما بعدها سعادة !!!
في تجربة الحب، على سبيل المثال وباختصار سريع، كم تشتاق الذات إلى المحبوب، الآخر!!! لماذا؟ لأن الآخر مثيل للذات يتطابق معها أو يكملها وبالتالي لا تعشق الذات في الآخر إلاّ ذاتها.

الإله الفلسفي: دعوة إلى المعرفة بلا حدود! الإله الديني دعوة إلى الطاعة بلا سؤال!
06-11-2008, 11:51 AM
عرض جميع مشاركات هذا العضو إقتباس هذه الرسالة في الرد
{myadvertisements[zone_3]}
ابتسام سردست غير متصل
عضو مشارك
**

المشاركات: 15
الانضمام: May 2008
مشاركة: #2
الإله المعقول والإله المنقول
تحاتي سيد فرج

شكرا على موضوعك 00يعطيك العافية
أقرأ لك فأشعر بالاكتفاء
يعني باختصار 000الله المعقول هو القوانين الطبيعية التي تشمل كل المخلوقات وكل القوانين فيزيائية و كيميائية
و التي يسعى الانسان بإعمال العقل , و التزود بالعلم لسبر غورها و فهمها 000ليصل بعدها لمعرفة الإله الحق 00الإله العقل الذي يبتعد بنا عن المعجزات الوهميةإ
إله العقل لا يتناقض مع ذاته 000و لا تخترق قوانينه000هذه القوانين التي تسري على المخلوقات جميها دون تفرقة أو تفضيل
هو إله المحبة و الحرية 0000و العقل 0000و معه تعي الذات ذاتها إلى أبعد الحدود و تصل إلى السعادة الحقيقية
كلام جميل 000شكرا لك

يذكرني الكلام عن المعجزات بسؤالي لأحدهم 000قلت لماذا لا توجد المعجزات في زمننا هذا 00000كان الجواب 000زمن المعجزات انتهى
و لم افهم!!!
06-18-2008, 02:56 AM
عرض جميع مشاركات هذا العضو إقتباس هذه الرسالة في الرد
{myadvertisements[zone_3]}
فرج غير متصل
عضو فعّال
***

المشاركات: 104
الانضمام: Nov 2004
مشاركة: #3
الإله المعقول والإله المنقول
وخلقه على صورته ومثاله!
فأيّهما الصورة وأيّهما الأصل؟
(إهداء إلى ابتسام)
إنّ من يتصفح الكتاب، أو الكتب المقدسة الناطقة باسم الديانات الثلاث المسماة "سماوية"، تأخذه الدهشة أمام الصفات "الإنسانية" التي يتصف بها الإله. كما هي الحال في الديانات السابقة، من السومرية إلى البابلية إلى الأشورية وغيرها. حتى في البعد "اللاإنساني" لهذه الصفات الإنسانية نلاحظ أن الإله مغرق في التشبه بالإنسان إلى درجة المزايدة عليه. فإذا مكر الإنسان فالإله أكثر مكراً! وإذا ما طغى الإنسان وتجبر فالإله يطغى ويتجبر أكثر منه، وهو الجبار المتكبر، وهو خادع المخادعين... يقود الجيوش ويقتل ويدمر ويغضب ويفرح ...
حتى ليظن المرء أن هذه الآلهة، أو هؤلاء الآلهة مرضى مصابون بأمراض السلاطين المتسلطين، بالسادية والتحريض على القتل والذبح كما في قصة إبراهيم إذ طلب منه الرب أن يذبح ابنه الوحيد قربانا مقدساً للتكفير عن ذنب مفترض، أو لامتحان إخلاصه في عبوديته (نشير هنا إلى أن العبودية والعبادة والعبد والعابد من جذر واحد). أين وجه الذنب في أن يأكل الإنسان من ثمار شجرة تعطيه القدرة على المعرفة وتمييز الخير والشر؟ ولماذا يُمنع المرء عن هذه المعرفة كما مُنع من أكل ثمر شجرة الخلود، حسب الرواية التوراتية؟ وهذا المنع الأخير لم ينجح أكثر من الأول، إذ اقتحم الإنسان مملكة الخلود من بابها الواسع، من حيث هو "وعي ذات"، وعي الذات لذاتها في ذاتها وفي آخرها، أو في الآخر عموماً، متخذاً من اللغة مطية وسفينة يعبر بها القارات والمحيطات والعصور والحضارات على اختلاف لغاتها والمنفتحة بعضها على بعض بفضل الترجمة.
طبعاً لم يكن المنع،على كثرته، من أجل المنع، ولكن الغرض من هذا المنع وذاك هو اختبار الإنسان وامتحان قدرته على الطاعة، الطاعة المطلقة العمياء بدون سؤال ولا تساؤل. فالسؤال محدود بحدود سقف الطاعة. ففعل الطاعة، مثلاً، في صيغة الأمر "أطيعوا..." ورد ما لا يقل عن ثلاثين مرة في النص القرآني. وهاهنا سؤال يطرح نفسه: كيف يمكن أن يكون هذا الإله الذي يطلب الطاعة أو يتوسل لعبيده عشرات المرّات هو عين الإله الذي يقول للشيء كن فيكون ؟ بينما لم ترد صيغة الأمر من فعل عرف ولا مرة، بل ورد في الآية: "وقل ربي زدني علما" ولكن أي علم يقصد؟
. وعلى سبيل المقارنة والمثال لا الحصر، نلاحظ أن سقراط لخص تعاليمه كلها في جملة واحدة بصيغة الأمر: "اعرف نفسك بنفسك".أما القول: "أطلب العلم ولو في الصين" فليس آية بل حديث، وما أدراك ما الحديث!!!.
إذا ما ضرب زلزال مدينة بكاملها وأزهق عشرات الآلاف من النفوس البريئة، قالوا إن في ذلك لحكمة وعبرة لمن يعتبر! ولماذا كل هذه الآلام والأحزان والبكاء والشقاء؟ في حين أن هناك ألف وسيلة ووسيلة أقل عنفاً وأقل دماراً وأقل إيلاماً لتوصيل الحكمة والعبرة. هل من حاجة للتذكير بأن هذه الأساليب في الحكم وفي تلقين الدروس لمن بقي على قيد الحياة ليقدّر تقديراً عاليا حظه السعيد، هذه الأساليب هي المفضلة لدى حكام لا يتوانون عن التأكيد لرعاياهم مثلما كان فرعون يقول لعبيده: "أنا ربكم الأعلى".
هؤلاء الحكام ارتكبوا جرائم فظيعة ضد الإنسانية. وقد بدأ الضمير الإنساني العالمي يستيقظ من حين لآخر ويطالب بمحاكمة مرتكبي الجرائم ضد الإنسانية. وليس بعيداً اليوم الذي ستنظم فيه باسم حقوق الإنسان محاكمات لشخصيات أدبية (معنوية) تحث على القتل وارتكاب الجرائم ضد الإنسانية. ولكن للأسف ما زال القانون الدولي والعلاقات الدولية خاضعة لاعتبار "قانون الأقوى بمثابة الأفضل". والقوة المقصودة هي القوة العسكرية والوزن الاقتصادي أكثر مما هي القوة المعنوية لمفاهيم الحق والعدالة. ذلك أن التوازن العالمي وميزان القوى العالمي ما زال مختلاّ لصالح القطب الواحد، الطرف الأقوى على الساحة العالمية. ولكن هذا الوضع لن يستمر أبد الدهر! وإن استمر ردحاً من الزمن فلن يمنع الدول والحكومات من السير قدماً على طريق احترام الإنسان والاسترشاد بمبادئ حقوق الإنسان.
ونلاحظ، على سبيل المثال، أنّ الحكومات المعاصرة، باستثناء بعضها، تسعى جاهدة للحاق بتلك البلدان الطليعية منها التي ألغت من قوانينها حكم الإعدام. وإلام تنتظر هذه التي لم تلغ حكم الإعدام بعد؟ ما بال هؤلاء القوم لا يغيرون ما بأنفسهم، هل ينتظرون أن تغير آلهتهم ما بهم؟ أو ما يشاؤون إلاّ أن تشاء آلهتهم؟ وآلهتهم هذه المحنطة بثياب الأمس، ما بها؟ ألا تريد اللحاق بالركب، أم أنها لا طاقة لها على ذلك؟
وصورة الإله في نصوص الديانات "السماوية"، كما في أذهان العابدين، أقرب إلى صورة الحاكم السياسي المستبد بسلطته الفردية المطلقة التي لا يقيدها أي قيد، لا موضوعي ولا حتى ذاتي وكأنه لا يعرف الالتزام بقانون ما، أو بمبادئ معينة صادرة عن شخصه على الأقل، إلى درجة أنّه يخرق القوانين الطبيعية المطلقة التي إن مثلت شيئا فهي تمثل "المطلق الحق"، تلبية لنزوات بعض الكائنات الصغيرة والتي رغم صغرها فهي قادرة على التشكيك في عظمته وقدرته اللامتناهية!؟ وهل يعقل أن يكون الكائن المطلق، "واجب الوجود بذاته" في لغة الفلاسفة القدامى، هل يعقل أن يكون هذا المطلق بحاجة إلى إنسان فرد ينطق باسمه ويقوم بدور الوسيط بينه وبين خلقه؟ وكأن الخلق في عالم وهو في عالم آخر! وكيف يكون مطلقاً في حين أن العالم غارق في "الظلام" وفي "الفساد" بعيدا عن إرادته ومشيئته؟ فما هذا الشرك؟ وبالتالي يحتاج العالم من حين لآخر لتدخل الإله عبر وسطائه لإعادة العالم من جديد إلى الطريق القويم. ومن ثم يمتنع عن التدخل ولا يبعث الوسطاء مع أن العالم ما زال يعاني من فتنة كبرى هنا وحرب كبرى هناك! وكيف يخص بعنايته جماعة دون غيرها؟ فأين العدل في كل ذلك؟؟؟
فهو يتصرف بكل "حرية" وكأن الحرية هي الاعتباطية! يتصرف بشكل اعتباطي، "يضل من يشاء ويهدي من يشاء"، وهو على كل شيء قدير، يعني على الشيء ونقيضه. من "هو"؟ عمن نتحدث؟ عن الحاكم أم عن الإله، أم عن الحاكم الإلهي أو عن الإله الحاكم؟ فأيهما الصورة وأيهما الأصل؟ هذا التداخل ما بين الإلهي والإنساني عرفته المجتمعات البشرية كلها في مراحل وعيها الطفولي لذاتها وللعالم حيث الإلهي يتمتع بكل الصفات الإنسانية بما في ذلك تلك الأكثر لاإنسانية. أما اليوم، وقد انعتقت غالبية هذه المجتمعات من الفرضية الغيبية، فنكاد لا نرى هذا التداخل، ما بين الإلهي والإنساني في شخص الحاكم الفرد المطلق، إلاّ في هذه المنطقة التي شهدت وما زالت تشهد ولادة الصورة والمثال، الواحدة تلو الأخرى. و"الناس على أديان ملوكهم"، (لا حاجة لإضافة "ورؤسائهم" لأن هؤلاء الأخيرين ملكيون أكثر من الملوك). وقيل أيضاً: "كما تكونوا يولّ عليكم".
قال الإغريق قديماً: "الإنسان هو مقياس كل شيء".
ويقول هايدغر: "حقيقة الإنسان في انفتاحه على الحقيقة".
إن هو إلاّ الإنسان، الكائن الفرد، الذي رغم كونه محدوداً في الزمان والمكان إلاّ أنه هو الكائن الوحيد القادر على إدراك اللامحدود واللانهائي، وهو محل المطلق رغم محدوديته ونسبيته. وهل للمطلق من محل غير النسبي؟ وإلاّ صار النسبي مطلقاً آخر مستقلاّ عن المطلق الأول وهذا محال ويتنافى مع تعريف المطلق. الحقيقة تستوعب ذاتها ونقيضها، بينما الباطل لا يحيط حتى بذاته.
طالما أن إنساننا وشعبنا لم يكتشف حقيقة ذاته كمحل للحقيقة، كمصدر لكل حقيقة ولكل قيمة، فلن تقوم له قائمة. "إن هم إلاّ كالأنعام بل هم أضل سبيلاَ".
هذه هي الخطوة الأولى الضرورية للتحرر من كل القيود التي تكبل الفرد بتصورات وهمية وتمنعه من أن يخطو خطوة واحدة دون الاستناد إلى قوة تقع خارج إرادته ووعيه. كما أنّ الخطوة الأولى التي لا بد منها للطفل حتى يمشي على قدميه هي في أن يستقل عن اليد االقوية التي كانت تأخذ بيده. ولكن قبل أن يخطو الطفل الخطوة الأولى لا مفر له من محاولات عديدة، ربما بضعة أشهر، حتى يتمكن من السيطرة على حركة قدميه والسير قدما. وهكذا يحقق الطفل درجة من درجات الحرية التي لم يكن منها لديه شيء البتة. فالأطفال لا تلدهم أمهاتهم أحرارا، إذ يولدون في منتهى الضعف والعجز عن الإتيان بأي حركة غير التنفس والهضم، وحتى التنفس قد يتوقف فجأة، وكأن الطفل نسي أن يتنفس ويقع الموت المفاجئ. أمّا إذا لم ينس الطفل التنفس وتوفرت له العناية اللازمة فيبدأ باكتساب حريته درجة درجة من المشي إلى الأكل والشرب، إلى تنظيم هذه الضرورات البيولوجية فيتحرر من وطأتها إذا ما تركت على سجيتها. وهكذا تتواصل مسيرة الإنسان، فردا وجماعة، في إنتاج الوعي والمعرفة بالعالم المحيط به وبظواهره على اختلافها واكتساب المزيد من الحرية بعد أن كان عبدا لجهله المطبق. ولكن عندما كان المجتمع منقسما إلى عبيد وأسياد عبيد كان المرء يولد عبدا في بيت العبد، أي من أبوين عبدين. أمّا إذا كان الأب والأم من طبقة الأحرار الأسياد فيولد الطفل حرا، أي منتميا بحكم الولادة إلى طبقة الأحرار الأسياد. وهذا لا يمنع تحول السيد إلى عبد أو إلى "مولى" (منزلة بين العبد والسيد الحر) كما قد يتحرر العبد إذا أعتقه صاحبه. في هذا السياق أطلق عمر بن الخطاب قولته الشهيرة : "متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا ؟!"
هناك من يريد أن يحمّل هذا القول أكثر مما يحتمل وكأنه يؤسس للحرية كما نفهمها اليوم، في حين أنه لا يزيد عن كونه تكريسا للطبقية السائدة آنذاك. كما هو معروف عن عمر، الحريص على إنزال الناس (؟) منازلهم، موقفه من حجاب الأمة إذ كان كلما رأى أمة تضع حجابا يضربها بعصاه وكأنها ارتكبت جريمة! وهو كذلك فهذا قانون الحجاب في عهد عمر: الحجاب للحرة وليس للأمة!
إذن الخطوة الأولى هي في اكتشاف الذات لا كمركز للكون بل كمركز للعلاقة التي تربط ما بين الذات والعالم المحيط بها.
والخطوة الثانية تتلخص في اكتشاف الذات عند الآخر، وبالتالي إقرار المساواة بين الذات والذات، أو الاعتراف بالآخر كمثيل للذات.
هذا هو المنعطف الحاسم الذي يطبع بطابعه العصور الحديثة والحداثة عموماً ويميزها عن مراحل الاستلاب على اختلاف أشكاله. عند هذا المنعطف، الأقرب إلى الثورة الكوبرنيكية، لا يكتشف الإنسان حقيقة ذاته كفرد فحسب، بل يكتشف حقيقة الآخر، مثيله في الإنسانية، من حيث هو ذات مماثلة له. فالوصول، بالوعي أولاً وفي الممارسة ثانيا إلى درجة الاعتراف بالآخر كمثيل للذات رغم الاختلاف، يشكل نقطة تحول جذري في مسيرة الوعي الفردي كما في مسيرة الوعي السياسي الاجتماعي للجماعة.
هذا التحول الذي حققته بعض المجتمعات لم يحصل بين ليلة وضحاها. بل استغرق قروناً من الزمن بكل ما رافقها من صراعات اجتماعية ومراكمة المعارف العلمية وتطبيقاتها التقنية، وكذلك الأمر في مجالات الفكر الفلسفي والاجتماعي بما في ذلك الفكر الديني، وبصورة خاصة في التنظيم السياسي للمجتمع.
إذا كانت الأنظمة القديمة قد تميزت بتركيز سلطة فردية مطلقة في شخص الفرد الحاكم ممثل الإله على الأرض ومنه تستمد الشرعية والسيادة، فمقابل ذلك تتميز الأنظمة الحديثة بفصل السلطات الثلاث: التشريعية والتنفيذية والقضائية، واستقلاليتها بعضها عن بعض. هذا واحد من مبادئ النظام الحديث. ومن المبادئ الأساسية للحداثة السياسية مبدأ الاقتراع العام الذي يمارسه الشعب، وهو مصدر السيادة، لانتخاب ممثليه إلى الهيئات التشريعية والتنفيذية. وكنتيجة للانتخابات تتكون أكثرية وأقلية، موالاة ومعارضة، حكومة ومعارضة (حكومة الظل في بريطانيا)، على أساس البرامج السياسية ولا على أساس الانتماء الديني، الطائفي، أو العرقي، وضمن احترام حقوق الأقلية التي قد تتحول بدورها إلى أكثرية والأكثرية إلى أقلية في انتخابات لاحقة، حتى لا تكون هناك سلطة بدون سلطة مضادة. وأكثر من ذلك فقد برزت إلى حيز الوجود في المجتمعات الحديثة سلطة رابعة تتفاوت أهميتها من مجتمع إلى آخر، ألا وهي سلطة وسائل الإعلام، أو الرأي العام أو المجتمع المدني.هذا بدون شك اختصار سريع بل سريع جدا. فالموضوع يحتاج إلى فصول مفصلة عن:
الديموقراطية نظرية وتطبيقاً، تاريخاً وحاضراً، خصوصية وعالمية

لنبق الآن ضمن نطاق موضوعنا المحدود بحدود التداخل الخطير ما بين الديني والسياسي. قلنا إن الحاكم في الأنظمة القديمة يتماهى مع الإله. وعندما نقول قديمة هنا تشمل هذه الفئة كل الأنظمة العربية القائمة حالياً بدون استثناء. فالحاكم يعتبر أن الدولة هي شيئه الخاص، ملكه الخاص، وبالتالي كل شأن من شؤون الدولة مسألة شخصية. والعلاقة الشخصية هي التي تفرض الأشخاص القريبين والمقربين على هذا المنصب أو ذاك من المسؤولية. إذن الدولة، وإن كانت جمهورية أو "جماهيرية"، ليست res publica (شأن عام) بل شأن خاص. والحق يقال على لسان الشعب: "لكل دولة رجالها". وكلما تغير "صاحب الدولة" يتغير معه رجالها. وليس محك الكفاءة هو المعيار لاختيار "الرجل المناسب للمكان المناسب". بل المحك الأول والأخير والكفاءة المطلوبة كلها تتلخص في الولاء الشخصي لصاحب الدولة. بينما في الدولة الحديثة تحل محل الأشخاص والعلاقات الشخصية مفاهيم الكفاءة، القانون، المؤسسات (دولة القانون والمؤسسات) وتتوج هذه المفاهيم بمبدأ سيادة الشعب، مصدر كل السلطات، بواسطة الانتخاب الحر لممثليه ومحاسبتهم عند الضرورة. إذن لا بد من تحقيق ثورة كوبرنيكية في النظام السياسي أولاً وبالتالي على صعيد المجتمع ككل.
ماذا تعني الثورة الكوبرنيكية على صعيد النظام السياسي، أو الأنظمة السائدة في البلدان العربية؟
هذا يعني نزع صفة المطلق عن الحاكم والكف عن اعتباره المطلق الوحيد وكأن الآخرين بالكاد بشر، بل أضل من الأنعام. وهذا يعني أيضا الاعتراف بالقيمة المطلقة لكل شخص إنساني، لكل من قال: "أنا". وما هذه الأنا الفردية إلاّ من تلك الأنا المطلقة. وهذا يعني المساواة بين بني البشر في الدين والدنيا، أمام المطلق وأمام القانون. وهذا يعني الإقرار بسيادة الشعب المكوّن من مجموع المواطنين بكل ما يعنيه مفهوم المواطن المسؤول عن رأيه وكأنه رأي الإنسانية جمعاء، بعيداً عن أية وصاية أو رقابة غير رقابة ضميره الشخصي. الشعب في هذا المفهوم هو مجموع أفراده من نساء ورجال بالغي سن الرشد ويتمتعون بحقوقهم السياسية والمدنية على قدم المساواة.
وهذا يعني الإقرار بأن الشعب هو مصدر كل السلطات. وبالتالي إقرار مبدأ الانتخاب العام لكل الهيئات وعلى كل المستويات، التشريعية والتنفيذية وغيرها. على أساس هذه الهيئات المنتخبة تقوم دولة القانون والمؤسسات. ودولة القانون تعني، من جملة ما تعني، أن أي تغيير في المؤسسات يتم عبر تغيير القانون بطريقة قانونية.
إنّ أي تغيير في النظام السياسي الاجتماعي في بلداننا العربية، ليس له أي مبرر إذا لم يكن يهدف إلى تكريس الاحترام المطلق لشخص الإنسان. والغاية المعلنة، احترام الإنسان، إذا لم تكن حاضرة منذ الخطوة الأولى وفي كل خطوة، فيكون من المستحيل بلوغها.. فقد ولّى الزمن الذي ساد فيه شعار "الغاية تبرر الوسيلة" وسقط هذا الشعار وأية سقطة. والأصح القول: "إن الغاية تكمن في الوسيلة". والوسيلة المعتمدة لا تؤدي إلاّ إلى تكريس ذاتها وإلى الانفصال التام عن الغاية المعلنة إذا كانت هذه الأخيرة مغايرة لها من حيث الجوهر.
الإنسان هو الغاية والوسيلة في آن معاً.
جميع الرسالات، "السماوية" منها والأرضية، كلها تعترف بأنها جاءت من أجل الإنسان، لإسعاده في هذه الحياة الدنيا وفي ما وراءها، سعادة مادية، أرضية، وسعادة معنوية، سماوية. إذن إنها رسالات إنسانية في الأصل. فهي تبدأ كدعوة أخلاقية إلى الخير ونبذ الشر، تدافع عن المستضعفين والفقراء المظلومين. ولكن بمجرد أن تصبح الدعوة عقيدة رسمية لسلطة سياسية معينة تتحول إلى أداة سيطرة وقمع ضد الآخر المختلف. ينطبق هذا القول على العقائدية الدينية والعقائدية الدنيوية على حد سواء. هذا ما تؤكده التجربة التاريخية لكل الشعوب، بما في ذلك الأكثر تقدماً، وحتى الأمس القريب، وبصورة خاصة تجارب القرن العشرين. أمّا شعوب منطقتنا فما زالت ترزح تحت وطأة العقائدية على اختلاف أشكالها ومشاربها. أكانت هذه العقائدية مستوية على سدّة الحكم أو في الشارع. ولا شك أن العقائدية الدينية هي السائدة، وللأسف في صورتها الحزبية الطائفية الأكثر تعصباً، في عدم اعترافها بالآخر، إلى درجة إلغائه كلياً، أو إباحة دمه لمجرد اختلافه مع العقيدة الرسمية في الرأي. إذا كانت بعض الفترات التاريخية قد عرفت نوعاً من التسامح في ظل حاكم مستنير فقد كان هذا التسامح مشوباً بشوائب عديدة من الإهانة والإذلال وتدابير أخرى لا نجد لها في قاموسنا اليوم تسمية أقل من "قوانين الفصل العنصري".ولكن في عصرنا هذا، عصر حقوق الإنسان، لم يبق لمفهوم "التسامح" أو "الذمة" أي اعتبار ولا أية قيمة إيجابية، بل على العكس من ذلك إن استخدام مثل هذه المفاهيم يعني الرجوع إلى الوراء عدة قرون من الزمن. فالحق في المساواة أمام القانون يأتي في المرتبة الأولى، في البند الأول من بنود الإعلان العالمي لحقوق الإنسان.
عندما نقرأ هنا وهناك أو نسمع هذا وذاك يقول: "من لا يعجبه فليرحل". نقول لهؤلاء إن النماذج التي تبحثون عنها في الأوراق القديمة قد قامت بدورها التاريخي كاملا وانتهت بالسقوط. أولها، "الدولة الدينية"، أو "دولة المدينة" إذا أمكنت التسمية، فقد سقط هذا النموذج في فتنة كبرى وقامت على أنقاضه دولة دنيوية تستخدم الدين كعقيدة رسمية لتبرير أفعالها. وكذلك سقط النموذج الفيدرالي (الدولة العثمانية)، في حرب كبرى (الحرب العالمية الأولى) بعد أن أنهكته الأمراض المزمنة المستعصية التي جعلت من أسباب قوته سابقا أسباب هلاكه لاحقا بالمقارنة مع التجارب الحديثة في التنظيم السياسي للمجتمع. أما عن محاولات تقليد هذه النماذج الجارية في أيامنا هذه فهي كناية عن خليط هجين بين عناصر وهيكليات حديثة من جهة، ومضامين قديمة من جهة أخرى، خليط لا يصمد أمام هبات رياح الحداثة إلاّ بقوة الحديد والنار ولكن لحين مهما طال به الزمن.
ولا نقول لكم ارحلوا، بل نقول، كما قال ابن سينا في حينه وفي سياق آخر، إن "درب الحق يتسع برواده"، ونضيف إن الحق يضيء نفسه كما يضيء نقيضه، بينما الباطل يضيق بنفسه ولا يضيء شيئا. وبكلام آخر إن التعايش السلمي، بمعنى السلام المدني، مع الآخر ممكن وإن كان هذا الآخر يحمل أفكاراً على النقيض تماماً من أفكاري.
ولكن على صعيد الفكرة، بيني وبينه حرب فكرية ضروس، صراع لا هوادة فيه ولا مهادنة.

06-18-2008, 12:39 PM
عرض جميع مشاركات هذا العضو إقتباس هذه الرسالة في الرد
{myadvertisements[zone_3]}
ابتسام سردست غير متصل
عضو مشارك
**

المشاركات: 15
الانضمام: May 2008
مشاركة: #4
الإله المعقول والإله المنقول

تحياتي أستاذ فرج

شكرا على المقال

ذكرت أن القوة الموجودة حاليا هي القوة العسكرية و الاقتصاديةأكثر مما هي القوة المعنوية كماهيم الحق و العدالة...للأسف البشر يتطورون بالعلم نعم و التكنولوجيا, لكنهم يحبون في مدارج الطفولة في التطور من الناحية الانسانية المعنوية
لذلك مفهوم القوة من الناحية المعنوية كمفاهيم الحق و العدالة مازال يحتاج للكثير

كل الود
06-21-2008, 09:32 AM
عرض جميع مشاركات هذا العضو إقتباس هذه الرسالة في الرد
{myadvertisements[zone_3]}
فرج غير متصل
عضو فعّال
***

المشاركات: 104
الانضمام: Nov 2004
مشاركة: #5
الإله المعقول والإله المنقول
شكرا يا ابتسام على التشجيع،

نعم للتفاؤل، لا للتشاؤم.

على طريقة: ابتسم تبتسم لك الدنيا! مرحبا بالابتسام، ومرحبا بابتسام.

تحياتي لك.
06-21-2008, 01:34 PM
عرض جميع مشاركات هذا العضو إقتباس هذه الرسالة في الرد
{myadvertisements[zone_3]}


المواضيع المحتمل أن تكون متشابهة…
الموضوع الكاتب الردود المشاهدات آخر رد
  سلطان المسيح الإله على الشياطين ابانوب 12 2,699 01-06-2012, 11:23 AM
آخر رد: جمال الحر
  الإله الغائب .. وانتقادات شديدة اللهجة .. خوليــــو 38 9,286 02-13-2011, 11:48 PM
آخر رد: yasser_x
  مشيئة الإله الإسلامي ونهاية الحوار العقلاني المنطقي الإسلامي مؤمن مصلح 23 6,063 02-12-2011, 08:53 PM
آخر رد: yasser_x
  هل دائما قبلة وبيت الإله قريبة من منزل النبي , ولماذا ! ؟ الفكر الحر 8 2,109 10-27-2010, 10:12 AM
آخر رد: sora no kiwi
  لماذا يعذب الإله؟ مسلم 31 6,630 08-15-2010, 04:44 PM
آخر رد: Man Kind

الانتقال السريع للمنتدى:


يتصفح هذا الموضوع من الأعضاء الان: بالاضافة الى ( 1 ) زائر
{myadvertisements[zone_2]}
إتصل بنا | نادي الفكر العربي | العودة للأعلى | | الوضع البسيط (الأرشيف) | خلاصات التغذية RSS