{myadvertisements[zone_1]}
 
تقييم الموضوع:
  • 0 صوت - 0 بمعدل
  • 1
  • 2
  • 3
  • 4
  • 5
الفعالة
the special one غير متصل
......
*****

المشاركات: 1,945
الانضمام: Feb 2008
مشاركة: #1
الفعالة
الفعالة
رفيق الحلو

الفعالة (بشد العين) و مفردها "فعيل" كلمة تعني العمال اليومين غير المؤهلين الذين يستخدموا لشتى الأشغال: بناء جدار، ردم حفرة، حفر بئر، نقل أثاث، ..الخ .في ضيعتي المشتى حين كنت طفلا، كان الفعالة يأتون إلى ساحة القرية مع الفجر بأول بوسطة، و ذلك قبل أن تعج الساحة بباعة اللبن والخضار. كان الفعالة يعرضون بضاعتهم الوحيدة "عملهم" ،فتراهم يقفون بانتظار من يشغلهم. وكي يثبتون جديتهم، لا يجلسون على حافة و لا يتكئون إلى حائط، بالكاد يتبادلون بعض الأحاديث. يحمل كل منهم "زوادة" و هي صرة قماش تحتوي وجبة النهار : خبز و جبن أوخبز و عنب

يخاف الفعالة ألا يجدون من يستخدمهم فيخسرون عندها حتى أجرة البوسطة التي أتوا بها ، ومع تقدم النهار، يكون اغلب أرباب العمل قد مروا و اختاروا من بين الفعالة الشاب و القوي ، و تركوا الأقل شبابا و الاكسر انحناءأ، فترى القلق على وجوه الباقين ويبدأ أجرة ساعة العمل بالتناقص.في الأمر ما يذكر بسوق الرقيق ، خاصة انه ليس للفعالة عقد عمل و لا ضمان اجتماعي أو صحي

نادرا ما كنت أراهم في الفجر ولكني طالما التقيتهم وهم ينتظرون البوسطة للعودة مساءا إلى قراهم . لكني كنت اعرفهم واحدا واحدا فطالما قاموا بأشق الأعمال في قريتنا . حادثة واحدة عنهم لم انسها قط رغم صغر سني آنذاك، ربما لا أزال اذكرها لأن أحدا لم يحكها لي بل رايتها بأم عيني. بانتظار البوسطة سقط احد الفعالة مغميا عليه فاحضروا له طبيب القرية الذي أعلن بعد فحص سريع أن الفعيل بحاجة إلى حقنة.فسألوه : أعطيها له يا دكتور،شو ناطر؟أجاب: من يضمن لي أن معه ثمنها؟ فقالوا: بيعطيك يا دكتور بيعطيك و نحنا منضمن لك! بعد تفكير قال الطبيب : فتشوه،شوفوا إذا معه مصاري. بكبرياء حاد رفض الفعالة أن يفتشوا زميلهم وجمعوا من بعضهم المبلغ. اخذ الطبيب يعد ثم يطوي بعنايةالاوراق النقدية قبل أن يسعف المغمى عليه. الحمد لله أن الطبيب لم يكن سيئا بالطب كما بلآخلاق وعاد المريض إلى قريته في اليوم ذاته

بعد غياب عشرين سنة عدت ازور قريتي الجميلة البسيطة والمندثرة في حضن الجبل، فلم أجدها؟ حل محلها شيء خرافي من الاسمنت و الأضواء و الدخان. لا هو قرية و لا مدينة بل نوع من المجمع السياحي الصاخب والأهوج. الأبنية الملتصقة ابتلعت البساتين التي حضنت ذكريات طفولتنا. أصوات الموتوسيكلات و مطربين المقاهي تمزق سكون الوادي فتكف العصافير عن الغناء و أوراق الشجر عن الحفيف و تسكت الماعز والبقر رعبا. أما اللبن فيشرى من الماركيت في علب بلاستيكية كتب عليها "صنع في السعودية". بعد الصدمة جاءت الرغبة في التعرف الى هذه المدينة الزائفة التي لا تشترك مع قريتي إلا بالاسم. اخترت الليل لان هواءه أنقى. و بينما كنت عائدا من سهرة صاخبة، أعاني من صداع شديد و أقول لنفسي: حتى العرق تغير طعما و مفعولا، فاجئني أول ضوء للفجر و قد وصلت إلى ساحة المشتى. الساحة التي تضاعفت مساحتها الآن و صار يتوسطها بناء غريب حائر في نفسه، إذ يفترض أن يكون نافورة تضخ الماء و ساعة تشير إلى الوقت الصحيح و صرحا للإيديولوجية السائدة.

فجأة رأيتهم..

كأننا افترقنا البارحة..واقفين في الزاوية ذاتها و بالطريقة ذاتها :الفعالة! حتى وجوههم هي نفسها فعرفتهم جميعهم تقريبا.و هو أمر سهل التفسير : فعالة اليوم هم أبناء فعالة الأمس، و لهم عمر أبائهم عندما عرفت هؤلاء .ليس الغنى وحده يورث، بل الفقر و المعاناة أيضا

مغادرا المشتى و أنا اتامل سفح الجبل حيث انتشرت عشرات الفيلات التي يملكها رجال أعمال ، مسئولون أو كبار ضباط رحت أسأل نفسي

كم مرة أعلنا الحرب على الفساد؟ كم مرة صححنا او أصلحنا؟ كم حكومة جاءت؟ كم لجنة تشكلت؟ و الفعالة يستغلون بابخس الأجور؟ و ما زالوا يقفون مع مجيء كل فجر في ساحة المشتى..أربعين سنة وهم على نفس الحال..لا زادوا و لا نقصوا

الأغلبية الساحقة من الفعالة هم من أخوتنا العلويين

18/04/2011
10-31-2011, 04:32 PM
عرض جميع مشاركات هذا العضو إقتباس هذه الرسالة في الرد
{myadvertisements[zone_3]}


الانتقال السريع للمنتدى:


يتصفح هذا الموضوع من الأعضاء الان: بالاضافة الى ( 1 ) زائر
{myadvertisements[zone_2]}
إتصل بنا | نادي الفكر العربي | العودة للأعلى | | الوضع البسيط (الأرشيف) | خلاصات التغذية RSS