مع بدايات الربيع العربي وإنطلاق الحركات الشعبية لمقارعة وإسقاط أنظمة الإستبداد في البلاد العربية .. سارعت إيران عبر مؤسساتها الدينية والسياسية وكافة رموزها بتأييد ودعم هذه الحركات والترويج لها.. ولكن ما إن وصلت نسمات هذا الربيع إلى سورية وبدأت رياح التغيير تهدد أركان نظام بشار الأسد حتى تغير الموقف الإيراني كليا" وبدأت هذه المؤسسات وعلى مختلف أنواعها بكيل شتى الإتهامات لثورة الشعب السوري من العمالة لأمريكا والصهيونية إلى الإرهاب والتكفير والأصولية ، وتهديد المقاومة والممانعة المزعومة وصولا"إلى تهديد السلم العالمي ،والإنخراط في المؤامرة الكونية مع قوى الشر ضد قوى الخير المتمثلة بإيران وسوريا ومن شابههم !! متجاوزة حقيقة هذا النظام الدموي وإستبداده وفساده ..وإنبرت إيران دولة" ومؤسسات لدعمه وتأييده بكل قوة كاشفة"عن الحقيقة المرة المتمثلة في طائفية الدولة الإيرانية وعدائها التاريخي لأكثرية أهل الشام عموما وسوريا خصوصا ..
ووصل الحد بهذا الدعم إلى إطلاق التصريحات المتتالية من قبل أفراد المؤسسة الدينية بأن سقوط نظام بشار الأسد خط أحمر ...وتصريحات قادتها السياسيين حول المؤامرة الكونية وعدم وجود ثورة شعبية في سوريا ..وأن الشعب مع النظام رغم أن كل الوقائع على الأرض تكذب هذه الأمور..
ومؤخراً خرج علينا أحد مشايخ إيران وهو رجل الدين مهدي طالب ،والذي يرأس مقر عمّار الإسترتيجي لمكافحة الحرب الناعمة على إيران ليصف سورية بأنها المحافظة الايرانية ال35 .. فسورية محافظة تابعة لإيران وليست دولة مستقلة ..ويقول هذا الرجل بأن هذه المحافظة أهم لإيران من الأهواز ..وأن خسارتها تعني خسارة طهران ..؟ ليفهم من لم يفهم حتى الآن مدى الأطماع الإيرانية في الدول العربية فسوريا محافظة إيرانية والعراق والبحرين كذلك ..؟وربما غدا" غيرهم ..
تدعي إيران أنها دولة مسلمة...ولكن بمعايير الإسلام ترتكب بإنحيازها السافر لطاغية سورية خطأ" استرتيجياً ستندم عليه ،يتجلى في الدعم الذي تقدمه لنظامٍ إستبدادي مجرم يقتل مسلمين أبرياء بلا ذنب لهم غير المطالبة بما أمرهم الله بإمتلاكه وهو حريتهم وحقهم في الحياة الكريمة، ويدمر دولة يفترض بحكامها أن يتدبروا شؤون مواطنيها وخيرهم وازدهارهم..
أما بمعايير السياسة ،فليس من حق إيران التدخل في شؤون بلد مستقل هو سوريا،يقاتل نظامه شعبه، علماً بأن تدخلها يتم ضد إرادة أبناء الشعب السوري ، فضلاً عن أنه ينتهك القانون الدولي والأعراف الانسانية والأخلاقية ، ويقوض تاريخاً طويلاً من إحترام حقوق البشر في الحياة والحرية ،التي قررها الإسلام قبل أن يقرها أي قانون أو عرف وضعي في العالم الحديث..
ولعلم من لايعلم من قادة إيران،والمروجيين لسياستها الحمقاء في بلادنا العربية،فإن الإسلام يعتبر الأمة مصدر الشرعية السياسية ونظام الحكم، ويلزم قادتها بطاعة الأمة،وبوضع انفسهم تحت تصرفها وفي خدمتها،فالسياسة في الإسلام تعرّف بأنها التدبير الذي ينصب على الشأن العام، من خلال إدارة شؤون الأمة بموافقتها وإستشارتها، وبذلك فإن كل من يصيب الأمة بالضرر يعتبر مخالفاً للدين .. والسياسة كتدبير تملي تعاليم الدين أسسه ومفرداته التي تجعل الأمة مصدر أية سلطة..
ولكن للحقيقة فإن المغرمون بسياسات إيران والداعميين لها يجادلون في شرعية نظام مجرم يعلمون علم اليقين بأنه أخذها بالتعسف والاستبداد والاجرام وعبر مؤسساته الأمنية والمخابراتية وبالتزوير والتزييف...وكن لماذا المجادلة في هذا الأمر ففي إيران يحدث نفس الشيء..والذي حصل في انتخابات الرئاسة الأخيرة وتكريس احمدي نجاد خير مثال..
إن سياسة إيران اليوم والموجهة ضد مسلمي سوريا بشكل خاص والشعب السوري بشكل عام ، والذين يرفضون نظاماً هم مصدر شرعيته، قد قوضت هذه السياسة ودمرت كيان امة المسلمين ،وفتحت ثغرة في جدار هذا الكيان ستتسلل عبرها قوى قاتلة تضر اليوم بالعرب وغداً بإيران،وسمحت باختراق الكيان الاسترتيجي الذي بذل أعداؤه التاريخيون جهوداً هائلة في تفكيكه ،وتساعدهم إيران اليوم على تحقيق ما عجزوا عن تحقيقه كل العهود الماضية، لتكون هي نفسها غداً من ضحايا ما تفعله يداها اليوم بسوريا، أمور يجب على حكام إيران أن يتوقفوا عندها ،والعمل على وقف تهديم سورية دولة ومجتمعاً بيد نظامها المجرم...
فإيران اليوم تهدم الغلاف الواقي الذي غطى الاسلام من خلاله جسد الأمة المسلمة الموحد ، وتكشف نفسها عبر كشفه ، فهل يراجع قادة إيران سياساتهم ويدركون الحقيقة ويتوقفون قبل فوات الأوان، أم يواصلون دعم نظامٍ غير شرعي، إستبد بشعبه وقتل منه عشرات الألوف ودمر المدن ، وشرد الملايين...كل ذلك لمجرد أن هذا الشعب طالب بحقوقه...
أما الممانعة الكاذبة للنظام فلم يلاحظها أحد من السوريين ولا أثر لها في تاريخ سورية الأسد؟
هذه الممانعة التي لو كانت موجودة وجدية لما كان الجولان محتلاً منذ حوالي نصف قرن، ولما كان منذ احتلاله من أكثر مناطق الأرض العربية المحتلة أمناً بالنسبة إلى المستوطنين الصهاينة، ولما جافت هذه الممانعة الروح الوطنية وقتلتها ، ووضعت جيش سورية المسمى حماة الديار في مواجهة شعبه ونقلت الحرب إلى داخلها، وجعلت عدوها المواطنين لا العدو الصهيوني المحتل...
فهل ستعدّل إيران سياستها وتصحح المسار الذي تسير به حالياً وتعالج هذا الخطأ قبل فوات الآوان، أم تواصل بإصرارأعمى من بعض قادتهاالسير في نهجها الرامي إلى السيطرة على العالم العربي ، ودعم نظام بشار الأسد المجرم بإسم الاسلام ، دين العرب الذي حملوه الى كل مكان،والاستمرار في واحدٍ من أفدح أخطائها وأكثرها سلبية على الاطلاق.