مقال أعجبني خاصة بعد أن حصلت على الجزء الثاني من التفسير المنسوب إلى ابن عربي
http://www.4shared.com/file/18880576/d275f...n_3arabe_2.html
Arrayرأى في ابن عربى و دراسته
لحضرة الاستاذ الدكتور محمد يوسف موسى
أستاذ الفلسفة بكلية أصول الدين
ابن عربى الفيلسوف، هو محمدبن على بن محمد الحاتمى، الملقب بمحيى الدين، والمعروف بالشيخ الاكبر، و هو غير أبى بكر بن العربى المحدث الاندلسى، قاضى قضاة اشبيلية المتوفي عام 543 هـ وفي هذا يقول «المقرى»:
«و كان بالمغرب يعرف بابن العربى بالألف واللام، و اصطلح أهل المشرق على
ذكره بغير ألف و لام، فرقا بينه و بين القاضى أبى بكر بن العربى»(1).
ولد الشيخ الاكبر بمدينة مرسية، و انتقل منها و هو في دور الطفولة الى اشبيلية حيث استقر نحوا من ثلاثين عاما، و في هذه المدينة كان تحصيله للعلم دراسة و سماعا، حتى ظهر و علا أمره. و يصفه بعض من ترجم له بأنه كان «محصلا لفنون العلم أخص تحصيل، و له فيه الشأون الذى لا يلحق، و التقدم الذى لا يسبق».
و قد جرى على سنة السلف له، من جلة العلماء، من المغرب و الاندلس، من الرحلة الى الشرق للقاء كبار الشيوخ و الاخذ عنهم. و للانتفاع بما يوجد في مكتبات الشرق الحافلة بعيون الكتب و المؤلفات، اذ كان الشرق في ذلك العصر مهد العلم و دار المعرفة، و لذلك تراه يترك اشبيلية عام 598 هـ الى المشرق ليبقى فيه حتى يتوفاه الله. و في هذه الفترة من حياته، تراه يحج الى الحجاز أكثر من مرة، كما يزور الشام و الموصل وآسيا الصغرى، و أخيراً ينتهى به المطاف الى دمشق عاصمة الشام، حيث يلحق بربه عام 638 هـ .
و ابن عربى له المكانة المرموقة جداً في العلم و الفكر، و تآليفه تبلغ نحو مائة و خمسين كتابا في ضروب مختلفة من العلوم و المعارف، و كلها عظيمة القدر و الاثر، و المنتفعون به في حياته، و بكتاباته بعد وفاته لا يحصون كثرة. و من أجل مؤلفاته: «فصوص الحكم» و «الفتوحات المكية» و هما ـ في رأينا ـ المرجعان الاساسيان لمن يريد دراسته و معرفة مذهبه معرفة حقة من كلامه نفسه، و قد أفدت منهما كثيراً في البحث الذى كتبته منذ سنوات عنه في كتابى: «فلسفة الاخلاق في الاسلام و صلاتها بالفسلفة الاغريقية»، و هو بحث لا أرى بأساً في الانتفاع منه في هذه الكلمة.
و قد تعارف الناس لابن عربى كتاب تفسير القرآن المطبوع منسوبا له في مجلدين، و قد تناوله بعض الباحثين(2) على أنه له، مع أنه لأحد تلامذة مدرسته و هو عبد الرزاق الكاشانى المتوفد عام 730 هـ و قد نبهني لهذا منذ سنوات العالم المحقق الاستاذ الكبير الشيخ محمد زاهد الكوثرى، فله عظيم الشكر.
ـــــــــــــــــــــ
1- نفح الطيب، ج 2: 373، نشر مطبعة السعادة بمصر سنة 1949.
2- أنظر بحث ابن عربى في التفكير الاسلامى لحضرة الزميل المحترم الاستاذ الدكتور محمد البهى بالعدد الماضى (جمادى الآخرة سنة 1370 هـ ابريل سنة 191 م) من هذه المجلة الغراء.
و الواقع، كما قلت من قبل بكتابى «فلسفة الاخلاق»، أنه بالرجوع الى كشف الظنون لحاجى خليفة، بمناسبة الحديث عن «تأويلات القرآن» للكاشانى المذكور يعلم أن كتاب التأويلات هذا هو ما نشر فيما بعد باسم تفسير ابن عربى، مع أنه ليس له بيقين.
على أن في نفس هذا التفسير دليلا ماديا يجعله لغير ابن عربى قطعا، ذلك أنه في تفسير قوله تعالى في سورة القصص: «واضمم اليك جناحك من الرهب»، يذكر المؤلف نقلا عن شيخه المولى «نور الدين عبد الصمد»، و نور الدين هذا توفي في حدود عام 690 هـ، فلا يمكن أن يكون شيخاً لابن عربى الذى توفي عام 638 و نظن أن الامر، بعد هذا، لا يحتاج الى دليل آخر(1).
و نسبة بعض الوراقين بعض الكتب لغير أصحابها أمر معروف غير منكور و ذلك لاسباب ليس الآن محل بيانها أو الاشارة اليها، بل ان ابن عربى نفسه قد أضيفت اليه رسالة في الاخلاق ليست له، و نشرها محيى الدين الكردى ضمن مجموع عام 1328 هـ على أنها له، كما نشرها غيره بعده مستقلة. و هذه الرسالة دخلت على كثير من العلماء، و اعتقدوا أنها من مؤلفات الشيخ الاكبر، فرجعوا اليها لمعرفة مذهبه في النفس و الاخلاق.
و الحق أن هذه الرسالة ليست لفيلسوفنا الصوفي، و لا للجاحظ الذى نسبت اليه، و نشرت باسمه أحيانا، انها ليحيى بن عدى النصرانى اليعقوبى، الذى انتهت اليه رياسة أهل المنطق في عصره ـ كما يقول القفطى ـ المتوفي ببغداد عام 363 هـ و اذا قابل الباحث هذه الرسالة المنسوبة لابن عربى، برسالة «تقريب الاخلاق» ليحيى بن عدى التى نشرها جرجس عوض بمصر عام 1913 هـ يجد نفسه أمام رسالة واحدة لا رسالتين، مما يدل على عدم صحة نسبتها الى صاحب الفتوحات، فضلا عن أن المذهب الذى تقول به هذه الرسالة لا يتفق في شىء مع مذهب ابن عربى(2).
ـــــــــــــــــــــ
1-و مع هذا انظر نفح الطيب للمقرى ج 2: 376 من الطبعة المذكورة، ففيه أن ابن عربى وصل في تفسيره الى آية: «و علمناه من لدنا علما» من سورة الكهف، و أنه توفي و لم يكمله، و هذا طبعا غير التفسير الذى بأيدينا و ينسب خطأ له.
2- و انظر ص 3، أصل و هامش، من دراسات في تاريخ الترجمة في الاسلام للدكتور كراوس.
و بعد هذا، يحسن أن نتبه الى أمر له خطورته في درس ابن عربى. ذلك أن قارىء كتبه: «الفصوص، و الفتوحات» و غيرهما من المؤلفات صحيحة النسبة له يحس من أول الامر أن فيها من النصوص ما يتعسر، ان لم نقل يتعذر، تأويلها لتتفق مع أصول الاسلام التى نعرفها من القرآن و الحديث الصحيح، و مع هذا لا يصح المبادرة الى استبعاد صدورها عنه، و التفكير في أنها مدسوسة عليه كما فعل أحد تلاميذه غير المباشرين و هو الشعرانى المتوفد عام 973 هـ .
انه ليقول في مختصره للفتوحات، كما جاء بترجمة ابن عربى الملحقة بكتاب الفتوحات ج 4: 555 من المقرى: «و قد توقفت حال الاختصار في مواضع كثيرة منه، لم يظهر لى موافقتها لما عليه أهل السنة و الجماعة، فحذفتها من هذا المختصر و ربما سهوت فتبعت ما في الكتاب... ثم لم أزل كذلك أظن أن المواضع التى حذفت ثابتة عن الشيخ محيى الدين، حتى قدم علينا الاخ العالم الشريف شمس الدين أبى الطيب المدنى فذاكرته في ذلك، فأخرج لى نسخة من «الفتوحات» قابلها على النسخة التى عليها خط الشيخ محيى الدين نفسه بقونية، فلم أر فيها شيئاً مما توقفت فيه وحذفته، فعلمت أن النسخ التى بمصر الآن كلها من النسخ التى دسوا على الشيخ فيها ما يخالف عقائد أهل السنة والجماعة، كما وقع له ذلك في كتاب «الفصوص» و غيره».
لكن الباحث الذى يبحث لحق وحده، لا يرضيه هذا المنهج من الشعرانى، انه قد اعتقد بادىء الامر موافقة ابن عربى لاهل السنة في العقيدة، فهو لهذا يحذف من كلامه ما يخالف ذلك، و تلك خطة اثمها اكبر من نفعها! ان هذه الخطة تشكك في الكتب المتوارثة عن أسلافنا الامجاد، بلا ضرورة أو برهان، اللهم الا الخوف من تهمة أحدهم بالرقة في الدين، و هذا ما لا ضرر فيه، و قد ذهب الى رب يعلم السر و أخفى! أما التشكيك في التراث العلمى بلا دليل، فمن شأنه أن يدعو بعض من في قلوبهم مرض من المستشرقين و أمثالهم الى الشك فيما هو صحيح و يقوم عليه الدين من هذه المؤلفات، و حينئذ يكون الخطر حقا، اننا حينئذ لا نستطيع أن ندفعهم عن الشك في هذا الكتاب أو ذاك، من الكتب التى نعتبرها صحيحة لا ريب في نسبتها لاصحابها، مادام طريق وصولها الينا ليس أكثر من طريق وصول
«الفتوحات» أو «فصوص الحكم» مثلاً !
هذا، و ابن عربى أحد فلاسفة الاسلام بلا ريب، و له مذهبه الذى كونه مستنداً في جوهره الى الافلاطونية الحديثة، و له مدرسته التى يسير تلاميذها على هديه و في طريقه، على أنه آثر أو اضطر الى وضع ما وصل اليه من حقيقة في اطار كثيف من الرمز و الاشارة. و يبين منه اعتماده في التعبير على عاطفته و خياله، و لا عجب! فهو، ككل الصوفيين أمثاله، حاول أن يعالج مسائل ليس من السهل ـ في رأيه ـ على العقل وحده أن يعالجها، دون اعتماد على الذوق و الكشف، و لا على اللغة المتعارفة أن تعبر عن أسرارها. و من ثم رأوا ضرورة التأويل المجازى لكثير من آى القرآن الكريم، و أحاديث الرسول صلى الله عليه و سلم، و لهم في هذا نظراء من مفكرى اليهودية و المسيحية سبقوهم في هذا السبيل.
و هذا المذهب، أو فلسفة ابن عربى كلها التى أراد أن يشرح بها الوجود، هى «وحدة الوجود» فهذه الفكرة يراها الباحث مبثوثة في جميع كتبه، و بخاصة الفتوحات و الفصوص، و في هذا الكتاب الثانى نجد الشيخ الاكبر يقرر مذهبه في وحدة الوجود في صورته الاخيرة التى فهمها و ارتضاها، كما نراه يعالج المشاكل الاخرى التى تفرعت عن هذه الفكرة، نعني فكرة وحدة الوجود، وكل هذا على نحو نعرف منه بوضوح ثباته في رأيه الذى انتهى اليه.
انه يرى أنه ليس هناك الا موجود واحد بحق، هذا الموجود ـ و لك أن تسميه بالحقيقة الوجودية أو الكلية أو بغير هذا من الاسماء ـ هو واحد باعتبار ذاته و جوهره، و متكثر باعتبار صفاته و أسمائه التى تعرض له بحسب النسب و الاضافات، أى أن لهذه الحقيقة، أو للحق، وجوداً حقيقياً في ذاته، و وجوداً اضافياً في أعيان الموجودات و هى، أى هذه الحقيقة، قديمة أزلية، و ان كانت الصور التى تظهر فيها محدثة متغايرة، قلنا أن نصفها بالقدم ان أردنا بها الموجود بلا سبق عدم أو وجود الله، و بالحدوث ان أردنا بها الموجود بعد أن لم يكن و هو ما سوى الله، و لكنها مع هذا كله واحدة على كل حال.
و هنا يجب أن نلاحظ ان ابى عربى حين يتكلم عن الحدوث و الخلق والوجود بعد عدم، انما يريد تبدل الصور و تعاقبها على الحقيقة الواحدة، أى ظهور الموجود بحق في صورة غير التى كان ظاهرا فيها من قبل، أى لا يريد المعانى التى تفهم من هذه المصطلحات في لسان الشريعة، بل ان خروج «الشىء» من صورة لاخرى، يكون من «الشىء» نفسه، لا بارادة الله تعالى. و هكذا، يقضى ابن عربى على فكرة
الخلق كما نفهمها، و يعطل الارادة الالهية(1).
و يحرص صاحب الفتوحات و الفصوص حرصاً شديداً على ألا يظهر مذهبه بعيداً عن الدين و تعاليمه، و لهذا يلجأ كثيراً للقرآن يحاول أن يتخذ منه سندا لآرائه و هذا بتفسيره على ما يريد، و لنذكر لذلك مثالا واحدا:
ففى تفسير قوله تعالى: (سورة لقمان آية 16): «ان الله لطيف خبير» يرى أن الله للطافته يكون منبثاً في كل شىء، من سماء و أرض و شجر و حيوان، و ما الى ذلك مما خلق(2) حتى عجل بنى اسرائيل هو بعض تعينات أو مظاهر الذات الالهية، و لهذا صح لموسى أن يقول للسامرى الذى صنعه: «و انظر الى الهك» اذ علم موسى أن هذا العجل هو بعض المجالى الالهية التى ظهر فيها الحق تعالى، و لهذا أيضا كان عتب موسى على أخيه هارون عليهما السلام، اذ لم يدرك هذه الحقيقة «فان العارف من يرى الحق في كل شىء، بل يراه عين كل شىء»(3) هكذا يقول ابن عربى متناسياً تتمة الآية الكريمة، و هى: «و انظر الى الهك الذى ظلت عليه عاكفا لنحرقنه ثم لننسفنه في اليم نسفاً».
هذا مثل واحد فيه الكفاية على ما نعتقد، لنعرف أى طريق سلكه ابن عربى في تفسير القرآن! طريق جعل القرآن الكريم كأنه نصوص في الفلسفة الارسطية حينا، و في الفلسفة الافلاطونية الحديثة حيناً آخر! و كل هذا يشهد لمذهبه القائم على وحدة الوجود، أى على عدم الاعتراف بوجود خالق و مخلوق بالمعنى الذى يعقله العقل، و يقول به الدين الحق.
* * *
و أخيراً، نحب أن نختم هذه الكلمة ببيان أن ابن عربى لم يضف الى الادب الفنى
ـــــــــــــــــــــ
1- راجع مثلا في كتاب فصوص الحكم و شرحه للدكتور أبو العلا عفيفى ج 1 ص 115، 116 و ج 2 ص 134، طبعة القاهرة سنة 1946 م، عند الحديث في الفصل الحادى عشر عن تكوين العالم، اذ يؤكد أن الشىء متى قال الله «كن» يوجد بنفسه بلا ارادة و خلق من الله تعالى، لان في قوة الشىء التكون من نفسه.
2- الفصوص، نشر الدكتور عفيفى، ج 1: 188، 189
3-نفسه، ج 1: 192
«موضوعا لم يطرق من قبل و هو موضوع القصة في الفلسفة، كما جاء ببحث «ابن عربى في التفكير الاسلامى» المنشور بالعدد السابق من هذه المجلة. (جمادى الآخرة سنة 1370 هـ ـ ابريل سنة 1951 م) فان من المعروف أن لابن سينا قصة «حى بن يقظان» التى تسمى أيضاً «الرسالة الطبرية»، و هى مطبوعة و مخطوطة. كما أن له قصيدته العينية المشهورة، و هى ليست الا قصه النفس في فترات وجودها المختلفة.
و بعد ابن سينا نجد الفيلسوف الاندلسى «ابن طفيل» يكتب في بيان فلسفته قصته المعروفة: «حى بن يقظان». و من المعلوم أن كلا من هذين الفيلسوفين سبق ابن عربى في الوجود و الحياة، و اذا لا يمكن أن يكون قد طرق في هذا السبيل موضوعا لم يطرق من قبل، بل انه لم يسم بعض ما كتب باسم «القصة» كما فعل الشيخ الرئيس في المشرق، و ابن طفيل في المغرب.
[/quote]
المصدر