امية محمد صلى الله عليه و سلم
يحرص خصوم الاسلام على نفى امية النبى صلى الله عليه و سلم بمعنى الجهل بالقراءة و الكتابة ,و مع اعتقادى ان النبى (ص) بل اغلب العرب انذاك كانوا بالفعل اميين لا يقراون و يكتبون ,فان ثبوت ذلك او نفيه لا يفيد كثيرا فى نظرى لا فى اثبات ان محمد مؤلف القران و لا فى اثبات انه كتاب الهى
و وصف القران للنبى ب " النبى الامى " معناه فى نظرى
انه امى اى لا يعرف كتاب اهل الكتاب
فالاميون هم الجاهلون بكتاب اهل الكتاب
(وَ مِنْهُم اُمِّيُّونَ لا يَعْلَمُونَ الكِتَابَ إِلاّ أَمَانِيَّ وَإِنْ هُمْ إِلاّ يَظُنُّونَ) (البقرة ـ 78).
و من اوضح الدلائل على سذاجة و جهل البيئة المكية بكتب اهل الكتاب و نحوها ان كفار مكة كانوا يعتقدون ان النبى لا يمكن ان يكون بشرا ياكل الطعام !و هو ما يدل على جهل تلك البيئة التام بكتب اهل الكتاب , لذا قال تعالى لهم " فاسالوا اهل الذكر ان كنتم لا تعلمون ", و محمد (ص) هو ابن تلك البيئة و قد لبث فيهم عمرا من قبله دون ان يكون لديه اى مقدمات لهذه النتيجة المذهلة المتمثلة فى القران الكريم .
و مع ذلك فاغلب العرب كانوا اميين بمعنى الجهل بالقراءة ,فهذا الإمام البلاذري أتى «في فتوح بلدانه» بأسماء الذين كانوا عارفين بالقراءة والكتابة في العهد الجاهلي فما تجاوزت عدتهم عن سبعة عشر رجلاً في «مكة» وعن أحد عشر نفراً في «يثرب» وقال:
اجتمع ثلاثة نفر من طي بـ «بقة» وهم مرامر بن مرة وأسلم بن سدرة، وعامر بن جدرة فوضعوا الخط وقاسوا هجاء العربية على هجاء السريانية، فتعلّمه منهم قوم من أهل الأنبار ثم تعلّمه أهل الحيرة من أهل الأنبار وكان بشر بن عبد الملك أخو أكيدر بن عبد الملك بن عبد الجن الكندي،ثم السكوني صاحب دومة الجندل، يأتي الحيرة فيقيم بها الحين وكان نصرانياً فتعلم «بشر» الخط العربي من أهل الحيرة ثمّ أتى مكة في بعض شأنه فرآه سفيان بن اُمية بن عبد شمس وأبو قيس بن عبد مناف بن زهرة بن كلاب يكتب فسألاه أن يعلّمهما الخط فعلّمهما الهجاء، ثمّ أراهما الخط فكتبا، ثمّ إنّ بشراً وسفيان وأبا قيس أتوا الطائف في تجارة فصحبهم غيلان بن سلمة الثقفي فتعلّم الخط منهم وفارقهم بشر، ومضى إلى ديار مضر، فتعلّم الخط منه عمرو بن زرارة بن أعدس فسمّي عمرو الكاتب، ثمّ أتى بشر الشام فتعلّم الخط منه ناس هناك وتعلّم الخط من الثلاثة الطائيين أيضاً رجل من طابخة كلب، فعلّمه رجل من أهل وادي القرى فأتى الوادي يتردد فأقام بها وعلّم الخط قوماً من أهلها ـ إلى أن قال:ـ فدخل الإسلام وفي قريش سبعة عشر رجلاً كلّهم يكتب .. "
فتوح البلدان /457
و يحكى ابن خلدون في مقدمته، أنّ عهد قريش بالكتابة والخط العربي لم يكن بعيداً بل كان حديثاً وقريباً بعهد الرسول فقد تعرفوا عليها قبيل ظهور الإسلام حيث قال :
" كان الخط العربي بالغاً مبالغه من الأحكام والاتقان والجودة في دولة التبابعة، لما بلغت من الحضارة والترف وهو المسمّى بالخط الحميري وانتقل منها إلى الحيرة لما كان فيها دولة آل المنذر بسبأ التبابعة إلى أن قال: ومن الحيرة لقّنه أهل الطائف وقريش فيما ذكر، يقال إنّ الذي تعلّم الكتابة من الحيرة هو سفيان بن اُمية ويقال حرب بن اُمية وأخذها من أسلم بن سدرة وهو قول ممكن وأقرب ممن ذهب إلى أنّهم تعلّموها من أياد أهل العراق وهو بعيد، لأنّ اياداً وإن نزلوا ساحة العراق فلم يزالوا على شأنهم من البداوة، والخط من الصنايع الحضرية فالقول بأن أهل الحجاز إنّما لقنوها من الحيرة ولقنها أهل الحيرة من التبابعة وحمير ، هو الأليق من الأقوال "مقدمة ابن خلدون /418
ورقة بن نوفل :
ركز القس يوسف الحداد فى نقده للقول بامية محمد(ص) على ان ثقافة محمد(ص) كانت واسعة بزعمه و ان السر الاكبر فى ذلك هو ورقة بن نوفل !
لكن الواضح من حديث عائشة رضى الله عنها الذى يستند اليه المبالغون فى دور ورقة ان النبى لم تكن تربطه اى صلة وثيقة اصلا بورقة قبل ذلك,و ان ورقة امن بنبوته و سرعان ما مات ورقة ,و لم يكن هناك اى نسخة عربية من كتب اهل الكتاب فى تلك الفترة و هذا ما يعرفه علماء المسيحية المطلعون ,و كان علماء اليهود يحتفظون بالنسخة العبريةلكتبهم و يجعلونها - كما حكى القران - قراطيس يبدون بعضها و يترجموه و يخفون بعضها
و لا يخفى ان قريشا لم تذكر مطلقا تهمة تلقى محمد مضمون القران من ورقة بن نوفل ,و لو كان هناك اى احتمال حقيقى لذلك لما تاخروا عن الاحتجاج و التشكيك به,
بل لكان ذلك ابرز و اشهر حججهم و تشكيكاتهم
لكن لا حقيقة لذلك اصلا, لذا اضطروا الى ذلك الادعاء السخيف بان النبى -ص- تلقى القران من اعجمى
و حتى المسيحيون القدامى القريبى العهد من زمن النبوة , لم يكن احد منهم يحتج بحكاية ورقة تلك , كماتجد مثلا فى رسالة عبد المسيح الكندى حيث اضطر الى القول بان النبى -ص- تلقى القران من سرجيوس !!
قال الكندى فى رسالته :
"فنقول إنه ينبغي لك أن تعلم أولاً كيف كان السبب في هذا الكتاب-اى القران الكريم -، ذلك أن رجلاً من رهبان النصارى اسمه سرجيوس أحدث حَدَثاً أنكره عليه أصحابه، فحرموه من الدخول إلى الكنيسة وامتنعوا عن كلامه ومخاطبته، على ما جرت به العادة منهم في مثل هذا الموقف. فندم على ما كان منه، فأراد أن يفعل فعلاً يكون له حجة عند أصحابه النصارى، فذهب إلى تُهامة فجالها حتى بلغ مكة، فنظر البلد غالباً فيها صنفان من الديانة: دين اليهود وعبادة الأصنام، فلم يزل يتلطف ويحتال بصاحبك حتى استماله وتسمَّى عنده نسطوريوس، وذلك أنه أراد بتغيير اسمه إثبات رأي نسطوريوس الذي كان يعتقده ويتديَّن به. فلم يزل يخلو به ويكثر مجالسته ومحادثته إلى أن أزاله عن عبادة الأصنام ثم صيَّره داعياً وتلميذاً له يدعو إلى دين نسطوريوس. فلما أحست اليهود بذلك ناصبته العداوة، فطالبته بالسبب القديم الذي بينهم وبين النصارى. فلم يزل يتزايد به الأمر إلى أن بلغ به ما بلغ. فهذا سبب ما في كتابه من ذكر المسيح والنصرانية والدفاع عنها وتزكية أهلها والشهادة لهم أنهم أقرب مودّة، وأن منهم قسيسين ورهباناً وأنهم لا يستكبرون (مائدة 82).
فلما توفي وارتدّ القوم وانتهى الأمر إلى أبي بكر، قعد علي بن أبي طالب عن تسليم الأمر لأبي بكر، فعلم عبد الله بن سلام وكعب الأحبار اليهوديان أنهما ظفرا بما كانا يطلبان ويريدان في نفسيهما، فاندسَّا إلى علي بن أبي طالب فقالا له: ألا تدَّعي أنت النبوّة ونحن نوافقك على مثل ما كان يؤدب به صاحبك نسطوريوس النصراني، فلست بأقل منه؟ ولكن أبا بكر عرف بما كان من أمرهما مع علي، فبعث إلى علي. فلما صار إليه ذكّره الحرمة. ونظر علي إلى أبي بكر وإلى قوته، فرجع عما كان عليه ووقع بقلبه".
انتهى هذيان الكندى ..
و مع ذلك فلى ملاحظات على الرواية عن ام المؤمنين رضى الله عنها , فهى لم تكن شاهدة على هذه الاحداث , و هذا على فرض ان الرواية صحيحة عنها و ليست من كلام عروة و مثل هذه العلل محتملة جدا فى اى حديث , و لا تنس ان ما ورد عن محاولة النبى (ص) للانتحار هو كلام ارسله الزهرى و نسب الى عائشة غلطا,و ليس البخارى رحمه الله معصوما ,و هناك رواية عن عروة انه قال ان ورقة عاش حتى ادرك بلال و هو يعذب و هو ما يتناقض مع ما ورد فى روايته عن ام المؤمنين من وفاة ورقة بعد نزول الوحى , بل و نقل البلاذرى عن المؤرخ الشيعى الكلبى ما يفيد ان ورقة بعد ان تنصر رحل الى الشام و مات هناك ,و جدير بالذكر ان علماء الشيعة ينكرون رواية عروة و قد طعن فيها بشدة جعفر مرتضى العاملى فى كتابه صحيح السيرة , و هو ما اقتنع به مع اننى لست شيعيا , و عروة متهم عند المعتزلة و الشيعة بوضع الحديث و هو بالمناسبة من اسرة ورقة بن نوفل و لعل هذا ما يفسر اهتمامه باشاعة فضائل قريبه..
و على اى حال فان هناك رواية اخرى معارضة لرواية عروة المنسوبة لام المؤمنين و هى فى البخارى ايضا( كتاب التفسير - سورة المدثر )رواية اخرى سمعها الصحابى جابر بن عبد الله الانصارى من النبى (ص) نفسه و تخالف رواية عروة عن عائشة :
قال البخارى :
حدثنا يحيى حدثنا وكيع عن علي بن المبارك عن يحيى بن أبي كثير سألت أبا سلمة بن عبد الرحمن عن أول ما نزل من القرآن قال :يا أيها المدثر
قلت يقولون :اقرأ باسم ربك الذي خلق
فقال أبو سلمة سألت جابر بن عبد الله رضي الله عنهما عن ذلك وقلت له مثل الذي قلت فقال جابر لا أحدثك إلا ما حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم قال جاورت بحراء فلما قضيت جواري هبطت فنوديت فنظرت عن يميني فلم أر شيئا ونظرت عن شمالي فلم أر شيئا ونظرت أمامي فلم أر شيئا ونظرت خلفي فلم أر شيئا فرفعت رأسي فرأيت شيئا فأتيت خديجة فقلت دثروني وصبوا علي ماء باردا قال فدثروني وصبوا علي ماء باردا قال فنزلت
يا أيها المدثر قم فأنذر وربك فكبر
فهذه رواية مختلفة سمعها جابر من النبى (ص) نفسه , وتخالف صراحة الرواية عن عائشة , و ليس فيها اى ذكر لورقة , لكن روى الزهرى الخبر بسياق مختلف يجعل نزول المدثر بعد الفترة , و اعتقد ان الزهرى حاول الجمع بين رواية جابر و الرواية عن ام المؤمنين لذا اختلفت رواية الزهرى عن سياق رواية جابر الذى نقلناه انفا و الواضح فى انكار جابر لصحة ما روى عن ام المؤمنين من كون اول ما نزل هو اقرا
و اعتقادى الشخصى ان اول ما نزل من القران هو الفاتحة " ام القران " , و هو قول الامام القاسم الرسى من ائمة سلف العترة النبوية , و رجحه الامام محمد عبده , و يؤكده تسميتها ب ام القران .
و قد تخبط القس الحداد فى ادعاءاته عن دور ورقة
يقول الحداد فى كتابه " معجزة القران ":
"والسر الخطير في ثقافة محمد ودعوته هو وجود العالم النصراني ورقة بن نوفل ، ابن عم السيدة خديجة ، واستاذ محمد الأكبر "!!
لكن ينسف كل هذه الدعاوى من الحداد ما قاله هو من قبل , حيث قال :
"ما كنت تتلو من قبله من كتاب ولا تخطّه بيمينك : إذًا لارتاب المبطلون" (العنكبوت 48) .
فالآية لا تشهد بأمية محمد المطلقة بل بأمية محمد بالنسبة الى الكتاب المقدس ، "القرآن" على الاطلاق ، قبل مبعثه وهدايته الى الايمان به : "وكذلك أوحينا اليك روحا من أمرنا : ما كنت تدري ما الكتاب ولا الايمان ؛ ولكن جعلناه نورا نهدي به مَن نشاء من عبادنا ، وإنك لتُهدى الى صراط مستقيم ، صراط الله " (الشورى 52 – 53) . فمحمد قبل هدايته الى الايمان بالكتاب المقدس ، ما كان يدري ما الكتاب ولا الايمان ! وما كان يتلوه ولا يخطه بيمنه مثل أهل الكتاب . لكنه لمّا أُمر بالانضمام إلى الكتابيين المسلمين من قبله ، وبتلاوة قرآن الكتاب معهم ، أخذ يتلو الكتاب ، وربما يخطه بيمنه مثلهم ومعهم ، "فدرس" ، "وعلمهم الكتاب والحكمة" أي التوراة والانجيل ."
فقد اقر الحداد بان محمدا لم يكن يدرى ما الكتاب و لا الايمان و لم يكن يتلو اى كتاب قبل نزول الوحى , و هو بهذا قد نسف كل ما لفقه من دعاوى عن تتلمذ النبى على ورقة ,مع ملاحظة ان الرواية التى يستند اليها الحداد - الرواية عن ام المؤمنين - واضحة فى ان ورقة سرعان ما مات
و يبقى القول الفصل فى الرد على شبهة ورقة ان كفار مكة و هم اعلم بحال النبى من القس الحداد و اضرابه لم يذكروا مطلقا اى اشارة لدور ورقة , بل بالعكس اتهموا غيره و هو اعجمى , مما يؤكد بلا ريب عجزهم التام عن اثبات اى مصدر بشرى منطقى للقران , و لو كان هناك اى احتمال لدور لورقة لما تاخر كفار مكة عن الاحتجاج بذلك بل لكان هذا قطعا ابرز و اشهر احتجاجاتهم
و قوله تعالى "و ليقولوا درست .." كرر الاحتجاج به القس يوسف الحداد فى كتبه , و زعم ان القران لم يرد علي هذه التهمة متجاهلا هو و اضرابه من خصوم الاسلام ان القران نسف هذه الشبهة, حيث بين كما سبق انهم اتهموا اعجميا بانه معلم النبى و فند القران هذا مشيرا الى بدهية ان اللغة هى وسيلة التعلم فكيف يتعلم النبى من اعجمى لا يعرف لغته ,فهو دليل على افلاس قريش و تعنتها الواضح فى تكذيب النبى , كما بين القران ان الجالية التى كانت فى مكة من اهل الكتاب ,قد شهدت بنبوة محمد -ص-,للبشارات الكتابية به ,و امنوا بان القران وحى الهى ,و القران مشحون بالايات التى تقرر ذلك و تحتج بايمان هؤلاء على كفار مكة :
قال تعالى فى سورة الانعام التى وردت فيها تلك الاية :
"أَفَغَيْرَ اللّهِ أَبْتَغِي حَكَمًا وَهُوَ الَّذِي أَنَزَلَ إِلَيْكُمُ الْكِتَابَ مُفَصَّلاً وَالَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْلَمُونَ أَنَّهُ مُنَزَّلٌ مِّن رَّبِّكَ بِالْحَقِّ فَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ " الانعام :114
و قال تعالى :
"قُلْ آمِنُواْ بِهِ أَوْ لاَ تُؤْمِنُواْ إِنَّ الَّذِينَ أُوتُواْ الْعِلْمَ مِن قَبْلِهِ إِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ سُجَّدًا 107 وَيَقُولُونَ سُبْحَانَ رَبِّنَا إِن كَانَ وَعْدُ رَبِّنَا لَمَفْعُولاً 108 وَيَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعًا" الاسراء :107-109
و فى قولهم "ان كان وعد ربنا لمفعولا " اشارة الى بشارة الكتب السابقة بهذا النبى الامى .
و قال تعالى :
" وَكَذَلِكَ أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ فَالَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمِنْ هَؤُلَاء مَن يُؤْمِنُ بِهِ وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا إِلَّا الْكَافِرُونَ 47 وَمَا كُنتَ تَتْلُو مِن قَبْلِهِ مِن كِتَابٍ وَلَا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذًا لَّارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ "العنكبوت :47-48
"وَيَرَى الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ الَّذِي أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ هُوَ الْحَقَّ وَيَهْدِي إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ " سبا :6
"وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُواْ لَسْتَ مُرْسَلاً قُلْ كَفَى بِاللّهِ شَهِيدًا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِندَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ " الرعد:43
و دعوى ان القران الكريم مقتبس من العهد القديم دعوى ساقطة ,فالاختلافات بين القران و بين العهد القديم جلية واضحة , بل لا مجال اصلا للمقارنة بينهما ,لكن لنذكر على سبيل المثال امثلة للاختلاف فى اصول العقائد :
1- نفى القران ان الله تعالى تدركه الابصار ,و نفى ان موسى او بنى اسرائيل راوا الله تعالى
" لاَ تُدْرِكُهُ الاَْبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الاَْبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ" الانعام : 103
(وَلَمَّا جَاءَ مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَنْ تَرَانِي وَلكِن انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي فَلَمَّا تَجَلّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكّاً وَخَرَّ مُوسى صَعِقاً فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيكَ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ) الاعراف : 143
(وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَى لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْكُمُ الصَّاعِقَةُ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ )البقرة : 55
(يَسْأَلُكَ أَهْلُ الْكِتَابِ أَنْ تُنَزِّل عَلَيْهِمْ كِتَاباً مِنَ السَّمَاءِ فَقَدْ سَأَلُوا مُوسى أَكْبَرَ مِنْ ذلِكَ فَقَالُوا أَرِنَا اللهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ بِظُلْمِهِمْ) النساء : 153
اما فى العهد القديم فمما ورد فيه صريحا فى رؤية الرب ما جاء فى سفر الخروج - الاصحاح 33 :
18 فقال أرني مجدك.
19 فقال أجيز كل جودتي قدامك. وانادي باسم الرب قدامك. واتراءف على من اتراءف وارحم من ارحم.
20 وقال لا تقدر ان ترى وجهي. لان الانسان لا يراني ويعيش.
21 وقال الرب هوذا عندي مكان. فتقف على الصخرة.
22 ويكون متى اجتاز مجدي اني اضعك في نقرة من الصخرة واسترك بيدي حتى اجتاز.
23 ثم ارفع يدي فتنظر ورائي. واما وجهي فلا يرى
وعلى هذا فالربّ يُرى قفاه ولا يُرى وجهه !!
و فى سفر الخروج 24
9 ثم صعد موسى و هرون و ناداب و ابيهو و سبعون من شيوخ اسرائيل
10 و راوا اله اسرائيل و تحت رجليه شبه صنعة من العقيق الازرق الشفاف و كذات السماء في النقاوة
11 و لكنه لم يمد يده الى اشراف بني اسرائيل فراوا الله و اكلوا و شربوا
2- اهتمام القران البالغ بالحديث عن الاخرة , التى لا نجد لها حضورا يذكر فى العهد القديم
3- الاختلاف فى الحديث عن النبوات :فليس فى القران الكريم ما فى العهد القديم من افعال مشينة منسوبة للانبياء , بل فى القران تصحيح لذلك ,و يكفى ان القران الكريم برا هارون عليه السلام من تهمة صناعة العجل التى الصقها به العهد القديم , و يكفى تبرئته للمسيح و امه مما اتهمهما به اليهود
كما ان فى القران الكريم قصص ليست موجودة اصلا فى العهد القديم .
اما الاقتباس من المسيحية , فجلى ان القران خالف المسيحية تماما فى نظرتها للمسيح , فقد جاء القران برؤية فى شان المسيح غير الرؤى السائدة انذاك ,و لو كان القران من تاليف محمد (ص)لوافق رؤية اليهود مثلا ليستقطبهم ,
و لو كان القران مصدره ورقة لما خالف القران المسيحيين و كفرهم .
فدعوى اقتباس القران الكريم من العهدين لا تصدر الا عن جاهل بالقران و بالعهدين
و قد ركزت على شبهة ورقة لان خصوم الاسلام المتاخرين يركزون عليها ,كالقس يوسف الحداد و كالقس المدعو ابو موسى الحريرى فى كتابه " قس و نبى " , و كالمنافق خليل عبد الكريم فى كتابه " فترة التكوين "..
و صفوة القول : ان خصوم الاسلام اجمعوا على انه لا بد من مصدر خارجى تلقى منه محمد القران , و انه لا يمكن ان يكون محمد مؤلف هذا القران بنفسه , و هو ما اجمع عليه كفار مكة اعلم الناس بحال النبى (ص) , لكنهم تخبطوا و لا زالوا يتخبطون فى تحديد ذلك المصدر , فزعم كفار مكة انه تلقاه من اعجمى , و هو كما سبق دليل واضح على افلاس كفار مكة و تعنتهم فى تكذيب النبى و عجزهم الجلى عن اثبات اى مصدر بشرى منطقى لهذا القران الكريم , و لم يشيروا مطلقا الى المصادر الاخرى التى ادعاها خصوم الاسلام بعد ذلك , كدعوى تلقى مضمون القران من المسيحيين فى الشام كما كان يزعم المتقدمون من اهل الكتاب كالكندى فى رسالته و كابن كمونة اليهودى فى تنقيح الابحاث ,و كدعوى تلقى القران من ورقة , كما لم يشيروا مطلقا الى احتمال تلقى مضمون القران من الحنفاء و الشعر الجاهلى , و اعتقادى ان عامة ما ينسب للحنفاء و عامة الشعر الجاهلى لا اصل له و قد كفانا طه حسين فى ذلك و هو معظم عند خصوم الاسلام , كما كفانا الدكتور جواد على فى الرد على شبهة تلقى القران من امية بن ابى الصلت , و قد لاحظت ان بعض اهل الكتاب حاليا ادركوا تهافت دعوى تلقى القران من ورقة و كتابهم المقدس و اصبحوا يركزون على دعوى تلقى القران من الشعر الجاهلى كما فى كتاب قراته لمتنصرة تدعى ناهد متولى عنوانه " القران فى الشعر الجاهلى " .
و على اى حال فكل مصادر القران التى يدعيها خصوم الاسلام سلفا و خلفا لا تصمد امام التحقيق العلمى .
" قُلْ أَنزَلَهُ الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ"
|