بقلم : رشا المالح
فيكتور هوغو روائي وشاعر وكاتب مسرحي من أهم الكتاب الفرنسيين في الأدب الرومانسي. طور أسلوبه الخاص في الرواية التاريخية حيث جمع بين مصداقية البيانات التاريخية والخيال الميلودرامي المتألق وفي بعض الأحيان الملتهب، أما أسلوبه في السرد فغني، مكثف، وزاخر بالأصوات والإيقاعات.
ولد هوغو عام 1802 في بيزانسون الفرنسية، وعاش طفولته في عدة بلدان وذلك بحكم وظيفة والده الضابط في جيش نابليون. وفي السادسة عشرة كان ملهمه الأديب فرانسواز ريني شاتوبريان، وأول مجموعة شعرية نشرت له كانت عام 1822، اما كروائي فكانت بدايته مع نشره لكتاب جزيرة هان في العام التالي حيث ترجم العمل إلى الانجليزية بعد عامين. وخلال تلك المرحلة تواصل هوغو مع الكتاب الثوريين. وفي عام 1830 نشر عدة دواوين شعر من خلال ملهمته وعشيقته الممثلة جولييت درويه. ومع نشره لرواية أحدب نوتردام عام 1831 حقق نجاحا فوريا وشهرة واسعة في فرنسا وخارجها. وفي المرحلة اللاحقة من حياته، ارتبط بالسياسة كمؤيد لحكومة الجمهوريين، وبعد وفاة ابنته عام 1843 غرقا مع زوجها، توقف هوغو عن الكتابة حقبة من الزمن، وتقلد خلالها عددا من المناصب في الحكومة. وعاد بعد ذلك للبدء بكتابة رواية جديدة عام 1845 والتي ستكون رائعته البؤساء التي نشرها عام 1862.
ومع تقلد نابليون الثالث الحكم عام 1851، أحس هوغو أن حياته في خطر سيما بعد انتقاده له واتهامه بالخيانة فتم نفيه لعشرين عاما. وهناك كتب أعظم أعماله منها عمال البحر والبؤساء ودواوين الشعر ومنها المتحدثون وملحمته الشعرية نهاية الشيطان، ولم يعد من المنفى إلا بعد سقوط المستبد. وتوفي في 22 مايو1885 مات بذبحة صدرية بعد أن أجهد نفسه بعلاقاته العاطفية العديدة.
تدور أحداث روايته الشهيرة عمال البحر التي نشرت عام 1866على أرض جزيرة غرونسي إحدى جزر القناة الانجليزية، وبطلها الشاب غيليات الذي عاش منذ طفولته في عزلة عن سكان الجزيرة، وذلك نظرا لتحاشي السكان له بسبب إقامته في أحد البيوت المسكونة قديما.
وعزلة غيليات، جعلته يتعايش مع الطبيعة ويكرس طاقته في العمل مما دفعه لإتقان العديد من المهن، فهو بحار بتفوق وصياد ماهر وكذلك الأمر على صعيد حرفة النجارة والحدادة وحتى في علاج بعض الأمراض مما جعل الجميع يلجأون إليه ولكن بحذر وتوجس، وذلك بسبب تطيرهم وتعصبهم وتخوفهم مما هو غير مألوف لهم.
بعد وصف مسهب لطبيعة الجزيرة وسكانها وتاريخها، ينتقل هوغو إلى غيليات الذي كان عائدا في أحد الأيام من رحلة صيد مع ارتفاع المد، ليلوح له وجود شخص جالس على مقعد الصخرة الذي نحتته عوامل الطبيعة ويعتبر بمثابة لعنة لسكان الجزيرة، حيث من يجلس عليه يفتتن بمشهد البحر أمامه فينسى نفسه ويستسلم للنوم، دون أن يدرك الخطر الذي يحيق به.
يصل غيليات إليه قبل فوات الأوان ويوقظه من سباته ليحمله في قاربه إلى بر الأمان. ولم يكن القادم سوى الكاهن الشاب الذي أتى لتسلم مهامه في الكنيسة. وبعد مضي زمن وحينما كان غيليات يسير في أحد الدروب عائدا إلى منزله في ليلة عيد الميلاد وشاردا ببصره كعادته، يسترعي انتباهه توقف الفتاة ديتروشيت التي كانت تسير أمامه بمسافة حيث انحنت على ثلج الرصيف إلى حين قبل متابعة سيرها.
وبدافع الفضول يتوقف غيليات في ذات المكان وينظر إلى الثلج ليفاجأ بأن الشابة نقشت اسمه على الدرب. ومنذ تلك الليلة سكنت قلبه وهيمنت على مشاعره. ولم يكن يمتلك الجرأة للتقدم خطوة باتجاهها فهي ابنة أخ الثري ليسيري، الوحيد الذي يملك سفينة بمحرك بخاري في الجزيرة وهو الفقير مقارنة به.
وبعد مضي سنوات، يسترعي انتباهه تجمع السكان في منزل العم الثري، وحينما يدخل يعلم بالكارثة التي حلت بالعم حيث تحطمت سفينته التي تمثل ثروته خلال الإعصار. بعدما حادت عن مسارها واصطدمت بصخرتي دوفر العملاقتين والخطرتين في عمق البحر.
وحينما ذكر أحد الحضور وكان قبطان سفينة بأنه شاهد جزءا من السفينة المحطمة عالقا بين الصخرتين وهو الجزء الخاص بالمحرك البخاري الذي كان سليما، أعلنت ديتروشيت بأنها ستتزوج ممن يستطيع إنقاذ المحرك. وهنا تقدم غليليات وأعلن عن تصميمه على إعادة المحرك فقد رأى في هذا العرض فرصته الذهبية لتحقيق حلمه بالزواج من محبوبته.
وهنا تصل حبكة الرواية إلى ذروتها، إذ يتوجه غيليات بقاربه إلى الصخرتين، ويبدأ الصراع بين هذا الشاب وتحديات الطبيعة، سواء في إيواء نفسه ومعداته في الصخرتين العموديتين، أو هيجان البحر في مده وجزره، أو أعاصير الرياح التي لا ملاذ منها والتي تهدد بسحب ما تبقى عالقا من حطام السفينة أو حرارة الشمس وبرودة الليل، ناهيك عن مؤونته التي فقدها في الأيام الأولى بسبب الطيور التي سلبت جزءا منها والرياح التي بعثرت الجزء الآخر.
يمضي غيليات ما يزيد على الشهرين في هذا المكان المنعزل، وفي كل يوم يواجه تحديا جديدا. وقبل مغادرته نزل إلى إحدى الصخرتين بحثا عن طعام، ويكتشف كهفا بمحاذاة المياه وبلا تردد يدخل فيه وكانت المياه تصل إلى وسطه.
وعندما مد يده في أحد التجاويف المظلمة، يفاجأ بذراع يلتف حول ذراعه ولتمتد أذرع أخرى تطوق صدره وتبدأ من خلال الماصات الممتدة على الأذرع بالضغط عليه. ينجح أخيرا وقبل أن تخور قواه بالكامل في طعن سمكة الشيطان أو الأخطبوط في رأسه بسكينه الحادة.
وبعد عودته سالما غانما بعد منتصف الليل، يتوجه بحالته المزرية مباشرة إلى بيتها حيث يجلس على أحد مقاعد الحديقة في الظلام يحلم بسعادته القادمة. لكنه يفاجأ بلقاء ديتروشيت بحبيبها الكاهن ويستمع لمناجاتهم محتجبا بالظلام.
في اليوم التالي يتقدم غيليات منهما ويصر على تزويجهما ومن ثم سفرهما على متن سفينة كشمير. وبعد تحرك السفينة يتجه غيليات إلى مقعد الصخرة ليراقب بعينيه الغائمتين في الأفق ابتعاد السفنية وأحلامه التي كانت نهايتها على غير ما توقع. ومع غياب السفينة في الأفق تغيب عينا غيليات في البحر. ولا شيء بات مرئيا سوى البحر.