أفتتح هذا الجزء الثالث بقولة لأدونيس " في البدء لم نـُخلـَق ، في البدء كان القول "
تعامل الإنسان مع الكون كموضوع معقد فكانت عمليّة الاكتشاف تتمّ تدريجيًّا عن طريق التسمية ، تسمية الموجودات و المُدرَكات . كانت اللغة تزخر بالحياة ، مليئة بالاحتمالات و الإمكانات ، لقد كانت تضطلع بأشدِّ أدوارها خطورة : التسمية / الكشف و الكشف / التأسيس

معنى ذلك أنَّ اللغة هي شرط الوجود . فهل تعطـّلت وظيفتها تلك و أدركها البـِلـَى ؟ هل فقدت حرارتها الأولى بالتداول و التكرار و الاستعمال ؟ هل ماتت الكلمات و لم يبق منها بين يدي الإنسان مجرَّد ثرثرة تقوم على أنقاضها " مملكة الأشياء "
يقول محمود درويش " أرى عصرًا من الرَّمل يغطـِّينا ، أرى فيما أرى مملكة الرَّمل على الرَّمل "
لا بدَّ أن تتمرَّد اللغة على عِقال البُعدِ الواحد حين تكفُّ عن كونها ذات دلالة واحدة ، و تطفح بالدلالات التي تجعلها تلتقط الشيء و تسمِّيه و تعرِّي كوامنه و تكشف عن أبعاده ، فيكفُّ الواقع تحت مفعولاتها عن كونه فجًّا مسطـَّحًا مَوَاتا . و بذلك يكون النصّ ، بتعامله الأصيل مع اللغة ، قد انتشل اللغة و انتشل الواقع و من ورائهما الإنسان . فمتى استلبت اللغة و تقادمت و اغتربت أدركها البـِلـَى ، فهي عوض أن تمنحنا ماهيَّة الكائنات ، تسلـِّمنا مظاهرها ، و تمنحنا قشرتها الخارجيَّة . فتفقدُ أهمَّ مميِّزاتها . و من ثمَّ يصبح الإنسان ذاته – ذلك الذي ربط حضوره في الكون بحضور بقيَّة الموجودات- مُهدَّدًا في وجوده أيضا .
ههنا ، صار لزامًا أن نضطلع بأشدِّ أدوارِنا خطورة : أن نجدِّدَ اللغة فنجدِّدَ الوجود . أن نقدر على الفعل في اللغة و إجبارها على استرداد ذاكرتها في زمن بلا ذاكرة . تبعا لذلك يصبح التوقف عن الكتابة إقرارا بسلطان العدم و سيطرته .

هكذا ينكشف لنا أنَّ الكتابة تغدو- نتيجة قدرتها الفائقة على انتشال اللغة / الوجود / الإنسان– أعظم فعل مارسه الإنسان على الإطلاق

تحية عطرة

حسب فهمي للموضوع
أنتي تريدين ان تتحول اللغة من مجرد وسيلة الى غاية ووسيلة في نفس الوقت
أعتقد أن هذا صعب في عالم يتجه كل يوم ناحية المادية



أديبة رائعة في نادي الفكر
يا مرحبا :redrose:

اتمنى ان تنقل هذه المواضيع الى ساحة لغة وأدب

مع احترامنا لادونيس ، نجد ان علينا تقديم بعض الايضاح لما يطرح من تصورات .ليست اقوال ادونيس مجرد رمزيات ادبية ، انها تصورات دينية ، يعبر عنها باسلوبه الادبي الرمزي . ففي التصور الديني الادونيسي ، في البدء كان الامام ، و كان قول الامام .لكنا نقول ، في البدء كان الفعل ، حيث عبر العقل عن ظهوره !
عملية اكتشاف الكون لا تكون بالقاء الاسماء على الاشياء ، على طريقة "في البدء كانت الكلمة " ، كما نجد في العهد القديم ! فعملية الاكتشاف تسبق التسميات بعمليات ذهنية متعددة ، و تأتي مرحلة التثبيت، بعد الاختبار ، بوضع التسميات .
في القديم ، كانت اللغة طفلة فوضوية ، يشوبها عدم الوضوح ، و النقص ، و كثرة الاخطاء ، و تداخل المفاهيم ، الى أن اتت الكتابة ، فسجلت ، و نظمت ، و خرجت ، و دققت ، و كشفت ، و تطورت اللغة ذلك التطور المدهش !
ليس للوجود من شرط معلوم حتى هذه اللحظة . و ان كان العلماء ينتسبون للجدل المادي، او الذري، قيمة ايجاد شروط اولية لبدء الوجود . اما اذا اردنا ان نضفي على اللغة قيمة فوق حجمها بكثير ،بان ندعي ان اللغة هي شرط الوجود ، فهذه ليست فكرة مقبولة .
اللغة لا تستلب ، انما الانسان، و اللغة تعبر عن ذلك الاستلاب الانساني . و النص هو احد اشكال اللغة ، فكيف يتعامل النص مع اللغة ، باصالة او بدون اصالة ! وهل للنص من قدر الا ان يكون جزءا اصيلا من اللغة التي وضع فيها .
ليست اللغة هي التي تضع ماهية الاشياء . فتلك الماهية ندركها بنوع من الادراك المتميز ، كما قال كانط ، او ندركها من خلال التواصل العقلاني ، كما قال هابرماس ، فاللغة مجرد وسيلة للتعبير عن حركية العقل، و نوعية الرؤية الى ما حولنا .
اذا كان التوقف عن الكتابة هو اقرار بهيمنة العلموية التي قال بها هابرماس ، فان التوقف عن العلم لصالح اللغة بدوره ما هو الا فرصة لهيمنة النص و تحوله الى إيقونة جامدة ، فارغة من اي معنى .
و هنا تتكشف وظيفية اللغة ، و دورها الجمالي لا اكثر . فما اللغة التي تطعم الجياع ، ولا اللغة التي تطيل الحياة ، و لا اللغة التي تقيم المؤسسات ، ولا الغة التي ترفع الاهرام ، و لا اللغة التي اوصلت الانسان الى أبعد الآفاق ! فاللغة هي اللغة ، و حسب .


:Asmurf:

قرأت الموضوع وأمتعني جدا ، واستمتعت بالنقاش خاصة وأن صاحب القلم الرشيق Awarfie مشارك فيه ، لم أملك سوى أن أنقل النص ، وأضعه هنا ، أرجو المغفرة على تطفلي ..
شكرا لولاده.

" في البدء لم نـُخلـَق ، في البدء كان القول " ليس قولا لأدونيس يا استاذ wallada هذا القول لمحمود درويش في قصيدة (بيروت) وتتمة القول:(والان في الخندق ظهرت سمات الحمل ) . بقية ما كتبته جيد لكن حماسك افقدك بعض الموضوعية .

مثلا : اللغة ليست شرط الوجود ولكنها شرطا من شروط الوجود .ثم ان اللغة لا تكون لغة الا بالتداول و التكرار و الاستعمال
وهذه شروط للغة بحد ذاتها . لعلي فهمت منك انك تعني اللغة المبدعة التي يجب ان نجترحها لكي نجدد ونطور شروط وجودنا وننفلت من عقال التكرار الممل ومن ثم ننعتق فكريا ووجدانيا ،ان كان هذا ما عنيته فأنت على حق . ثم اني - تقديرا لحماسك المبدع - اريد ان اهديك كتابا عميقا في هذا الموضوع كتبه فيلسوف عربي مهم غير معروف الا في الاوساط الفلسفية الضيقة والمتخصصة - اسمه عادل ضاهر من لبنان اصلا ومقيم ويدرس في الولايات المتحدة - وكان لي شرف التتلمذ على يديه في الجامعة الاردنية . الكتاب بعنوان الشعر والوجود : دراسة فلسفية في شعر ادونيس . والان اليك الرابط راجيا ان تستمتع بقراءته وان تجد اجوبة ذات قيمة على اهتماماتك وتساؤلاتك

http://www.4shared.com/file/71408566/1a9f2...______.html?s=1

سؤال عارض:
كم مشاركة نحتاج لكي نتمكن من كتابة موضوع في الساحات الأخرى؟

Array سؤال عارض:
كم مشاركة نحتاج لكي نتمكن من كتابة موضوع في الساحات الأخرى[/quote]

20 مشاركه علي الاقل

Arrayسؤال عارض:
كم مشاركة نحتاج لكي نتمكن من كتابة موضوع في الساحات الأخرى؟[/quote]

Array20 مشاركه علي الاقل
[/quote]


أول الغيث قطرة:)
ههههههههه