{myadvertisements[zone_1]}
 
تقييم الموضوع:
  • 0 صوت - 0 بمعدل
  • 1
  • 2
  • 3
  • 4
  • 5
نص آخر مقابلة صحفية مع المرحوم جورج حبش
بسام الخوري غير متصل
Super Moderator
******

المشاركات: 22,090
الانضمام: Feb 2004
مشاركة: #1
نص آخر مقابلة صحفية مع المرحوم جورج حبش
المؤسس في مقابلة مع مجلة العودة... كل المؤتمرات التي تنتقص من الحق الفلسطيني لن يكتب لها النجاح

النص الكامل للمقابلة التي أجراها مؤسس حركة القوميين العرب والجبهة الشعبية لتحرير فلسطين الدكتور جورج حبش مع مجلة العودة في دمشق:

-مؤسس حركة القوميين العرب والجبهة الشعبية الدكتور جورج حبش لـ «العودة :
حق العودة طبيعي وقانوني، وجمعي وفردي، ليس لأحد في العالم أن يعبث به
كل المؤتمرات التي تنتقص من الحق الفلسطيني لن يكتب لها النجاح


بعنفوانه الأول الذي عتّقته ثمانون حولاً بحكمة الشيوخ، يرى «الحكيم» جورج حبش الأمور بمنظار فلسطيني واسع (تاريخاً وجغرافيا)، يحنّ لمضارب الصبا والشباب، ويلتقط اللحظة التي يتحول فيها حب الوطن إلى ثورة، ويناقش الماضي والحاضر ووسائل النضال فيهما، ويصرّ على العودة، ويحذر من التآمر عليها، ويعود إلى مقولته الدائمة.. الوحدة ثم الوحدة . الحديث مع الدكتور جورج حبش يطول، انتشلنا بأسئلتنا من جعبته الخبرة، تاركين الأحداث والروايات لحديث ذكريات نأمل أن يكون لنا نصيب فيه ..
كل هذا كان مفصّلاً في الحوار التالي :

- من عائلة أرثوذكسية في عام 1926، وُلدتَ في اللد المحتلة، كيف تنظر (الآن) إلى 22 سنة من حياتك، وإلى حلم العودة إلى مرابعها الأولى؟
* أشكركم على هذه المبادرة الكريمة بإجراء مقابلة لي على صفحات مجلتكم في عددها الأول، آملاً أن يكلل بدرجات النجاح والتوفيق في ما تسعى إليه المجلة من تكريس لمفهوم حق العودة، ودفاعاً عنه وتظهيراً له، ورفضاً لنقيضه من مشاريع التسوية الهادفة إلى دفنه حلماً وواقعاً .


-أما بشأن رؤيتي إلى السنوات الأولى من حياتي، فهذا سؤال وجداني بامتياز، يثير فيَّ حنيناً دافئاً، لا أزال وأنا في الثمانينات من عمري أحتاج إليه، حنيناً إلى أعزّ كائنٍ في حياتي، إنه الوطن، لقد كان كائناً حياً يحرك في أعماقي؛ طفلاً وشاباً وشيخاً، أجمل معاني ومدلولات الحب والعاطفة، والاشتياق، والحنين، والحاجة إلى الدفء، لطالما احتجت إلى هنيهات من الزمن للاستراحة على صدر هذا الوطن، فقد عشت في كنف هذا الكائن عشرين عاماً، مغموراً بتضاريسه، وسجايا خلقه، وجمال وجهه، وبهاء طلته صباحاً ومساءً، كنت طفلاً أستظلّ بجناحيه وأمارس هوايات الأطفال لعباً على ساحات وديانه وجباله وسندسه الأخضر. كان يحثني على التفكير بمستقبلي، يخلق فيّ دافعاً للحياة الأفضل ..


لقد غادرت الوطن للدراسة في بيروت لأجل الارتقاء، وكلّي أمل وإصرار على العودة إليه حاملاً معي آمالي وأحلامي وعزمي لأكمل مشواري بين أحضان وطني ..
وفي لحظة تاريخية فارقة لا يمكن أن تمحى من ذاكرتي.. افتقدت هذا الوطن..!! افتقدت كياني.. وغار الجرح عميقاً في كل جسدي.. إنها اللحظة الأصعب في حياتي التي حولتني من إنسان عاشق لوطنٍ وحياة إلى سياسي يبحث عن وطن.. وحياة أفضل، ذلك هو السر الذي دفعني إلى أن أوظف كل سنوات عمري لأجل استعادة هذا الوطن. وأستعيد معه كل أحلامي وآمالي .

إن ساحة الشعور بأهمية الوطن وعشقه تزداد طردياً مع فقدانه وزيادة منسوب المعاناة والتشرد والمطاردة .. فنحن الفلسطينيين نعرف أكثر من غيرنا قيمة الوطن ومعنى ضياع الوطن .. فثمة رابط روحي لم يزل بيننا وبين أرضنا فلسطين لن ينقطع طالما نعيشها هماً ومعاناة .. ومن هنا فإن السنوات الأولى من عمري كانت الأجمل لكنها سرقت مني مع سرقة الوطن . فيأتي سؤالكم العاطفي ليقيم همزة وصل بيني وبين تلك السنوات مجدداً. ولا غرو في القول إن حلم العودة حلم لا ينقطع ولا ينطفئ، لا مع الزمن، ولا مع الشيخوخة.. لكونه حلماً جمعياً للشعب الفلسطيني كلّه وليس لجورج حبش فحسب ..
- من «كتائب الفداء» و«العروة الوثقى» و«الشبيبة العربية» مروراً بـ«حركة القوميين العرب » و«الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين» وصولاً إلى العمل البحثي الاستراتيجي، كيف يلخص « الحكيم» تجربته النضالية باختصار؟
> لقد شكل اغتصاب فلسطين، والهزيمة العربية الصدمة التي لا تُحتمل، ولم تفسح لنا مجالاً للتفكير الهادئ وصياغة الرؤية على نحوٍ دقيق وصحيح بما يقود النضال الوطني والقومي نحو الطريقة الأكثر نجاحاً .. كان لا بد من الثأر، ولا بد من إعادة الاعتبار للإنسان الفلسطيني الذي ضاعت أرضه .. فهو في حالة انتظار واستعداد للعودة السريعة. فكان العمل المتواصل، والإرهاصات السياسية والفكرية المختلفة في إطارات سياسية وكفاحية مختلفة، لقد كنا نبحث عن إجابات للأسئلة المباشرة والصعبة، عن أسباب الهزيمة. لم نكن نملك إجابات شافية، فالتجربة وحدها كانت تدلنا على طريق الصواب. ولم نكن نعمل في ظروف عربية وإقليمية ودولية مواتية، إنما في محيط عربي مجافٍ، ومتخلف سياسياً واقتصادياً واجتماعياً، وكنا نعمل فوق قطريات عربية فاقدة لهويتها القومية ومع تصادم مع الرجعيات العربية التي كانت سبباً في الهزيمة العربية ..
كانت البوصلة نحو فلسطين.. ولكننا لم نكن نعرف كيف نعبر إلى فلسطين.. هل عبر الكفاح المسلح وحده، أم عبر الوحدة أو الاشتراكية، أم الحرية والديمقراطية.. هل عبر البعد القومي أم البعد الوطني. أم كلاهما معاً.. هذا ليس تِيهاً في الطريق، إنما الظروف الموضوعية الصعبة، وطبيعة المراحل السياسية التي مررنا بها، كانت تفرض علينا آليات عمل، وآليات تفكير، لقيادة نضال الشعب الفلسطيني وخلق ظروف مواتية وأفضل.. فلكل مرحلة سياسية استحقاقها في العمل والفكر والسياسية، ولا شك أن تلك التجربة المليئة بالدروس والعبر شكّلت ولا تزال الخميرة اللازمة لنضالات شعبنا التي ما زالت قائمةً لبناء الدولة الفلسطينية المستقلة، وتحقيق العودة وتقرير المصير، ولازمةً لبناء الوعي المقاوم، والتفكير المقاوم، فالنضال يجب أن يتواصل عبر محطاته المختلفة بغض النظر عن تقييم كل مرحلة ..

- أين كان «حق العودة» في مسيرة «الحكيم» النضالية؟ وكيف ينظر الآن إلى هذا المحور في منظومة العمل النضالي الفلسطيني؟
> حق العودة هو حق طبيعي، وقانوني، وجمعي وفردي، ليس لأحد في العالم أن يعبث به، فالمسألة واضحة كالشمس، هناك لاجئون أرغموا على ترك أرضهم وديارهم.. لهم الحق في العودة كحق طبيعي، ولهم الحق في العودة وفق قرار من الأمم المتحدة 194، وهو قرار يجيز لهم العودة . والمنطق الطبيعي أن يعودوا لا أن يحل مكانهم مستوطنون قادمون من آفاق الأرض، وعليه فنحن ننظر إلى حق العودة كأساس وجوهر للمسألة الفلسطينية، ولا حلّ سياسياً بدون ربط حق العودة بالأرض والوطن والكيان السياسي للشعب الفلسطيني، فلا معنى لحل سياسي يستبعد أكثر من ستة ملايين فلسطيني في الشتات، إن جذر المشكلة هو اغتصاب الأرض وطرد السكان الأصليين، وحل المشكلة يبدأ بعودة اللاجئين واستعادة الأرض، تلك معادلة لا يجوز التنازل عنها، وأية محاولة لتجزئة الحقوق عبر ما يسمى الأولويات أو الممكن وغير الممكن، والأهم وغير المهم، والمؤجل والراهن لا يخدم جوهر القضية الفلسطينية، لذلك نضالنا يسير وفق رؤية واضحة تترابط فيها كافة الحقوق دون المساس بأحدها.. وهذا لا يعني ضرب مرحلية النضال، إنما يعني الحفاظ على الترابط، وأن لا ينتهك التكتيكيُّ الاستراتيجيَّ .

- تجربة التخلي عن قيادة تنظيم أو تزعم حركة، تجربة فريدة ونادرة تسجل للدكتور حبش، وهي سابقة في العمل الفلسطيني، هل تجدها ممكنة التكرار في العمل الثوري، وهل أثبتت نجاحها؟
> دعني أُشِر إلى نقطة أساسية في تفكيري.. وهي أن النضال الوطني يجب أن يقاد عبر المؤسسة القيادية.. والأشخاص أو الرموز قد يصنعون التجربة ويطبعونها بسياستهم وبصماتهم.. إلا أنهم يتركون وراءهم المؤسسة القادرة على المواصلة.. من هنا جاء قراري بالتخلي عن قيادة الجبهة الشعبية، إيماناً مني بتلك الفكرة، وإيماناً مني بإفساح المجال لقادة غرسوا بالنضال، وقناعة مني بأن الجبهة الشعبية لديها القدرة على خلق القيادات.. بالإضافة إلى أهمية الجانب الديمقراطي وتعاقب القيادات على الحزب أو التنظيم.. هي سابقة لكنها رسالة ..
إنني أجد أن هذه التجربة «التخلي طواعية عن قيادة التنظيم» أمر ممكن ولازم في الحياة السياسية والعمل الثوري.. لكن الأهم أن تتولد القناعات والإرادة الصلبة لأخذ هكذا قرار، وتتوافر الشجاعة الكافية للتخلص من النزعات الذاتية والنرجسية التي تصيب البعض، وطرد هاجس الخوف من فقدان القائد أو الرمز وزنه وحضوره ومكانته بعد تخليه عن القيادة المباشرة. باختصار العمل الجماعي مجسَّداً بالمؤسسة هو الذي يحمي القائد ويجعله حاضراً حتى بعد تخليه عن المسؤولية الأولى ..


- العمل السياسي والمقاومة والاقتصاد.. و..، نظريات كثيرة تتفاضل وتتكامل في الطريق إلى فلسطين .. السؤال: من خلال أكثر من 55 سنة من تجربتكم النضالية كيف تنظرون إلى هذه المحاور؟

> إن تكامل أشكال النضال المختلفة السياسية والاقتصادية والكفاحية والإعلامية والجماهيرية كلها معاول يجب أن تستخدم بطريقة واعية وعلمية واستثمارها بأعلى طاقة ممكنة من الكفاءة ووضوح الرؤية.. غير أننا في حالتنا الفلسطينية يجب أن نرى الخاص في نضالنا.. مشكلتنا أننا أمام استعمار استيطاني وإجلائي وعنصري واضطهادي، يجب أن يقاوم بالكفاح المسلح أولاً وفق الظروف المناسبة والممكنة دون أن ننسى الأشكال الأخرى في النضال.. والتجربة علمتنا أن العمل السياسي العربي والفلسطيني معاً لم يثمر حتى الآن في إجلاء المحتل. لذلك يجب أن يتقدم الكفاح على الأشكال الأخرى، وإلا تحول نضالنا إلى نضال مطلبي اقتصادي .
- ناضل الشعب الفلسطيني بكل فئاته من أجل العودة والتحرير، هل تعتقد أن تجربة حركات المقاومة كانت ناجحة؟
> إن تقييم حركات المقاومة على أساس أنها حققت أهدافها أو لم تحققها فيه ظلم لشعبنا الفلسطيني وحركاته الوطنية والمقاومة.. إنما نحن ما زلنا نناضل نضالاً تاريخياً يربط برؤية آنية ومستقبلية للشعب الفلسطيني والعربي .. فصراعنا مع العدو صراع تاريخي ومفتوح على مصراعيه، ونحن نتحدث عن عدو صهيوني جاثم على أرضنا.. لكننا نواجه عدواً استعمارياً منذ عدة قرون.. ونضالنا لن يتوقف.. بهذا المعنى لم تفشل حركات المقاومة لكنها أدت وما زالت دورها الوطني والمقاوم في صيرورة تاريخية في مواجهة العدو ..

أما بالمعنى المباشر فحركات المقاومة لم تحقق حتى الآن الهدف الآني المباشر في تحرير فلسطين، لقد حَمَت حركات المقاومة الهوية الوطنية من الذوبان، وما زالت تشكل حركة ممانعة في الوسط والمحيط العربي في وجه محاولات التسوية والسقوط السياسي.. ويبقى السؤال هل انتصر العدو الصهيوني بالمعنى الاستراتيجي والتاريخي؟ أم أنه انتصر في عدة جولات ومعارك فحسب؟ وهل حقق العدو الصهيوني أمنه؟
- هل تعتقد أن الحراك النخبوي والشعبي الذي تفاعل بعد أوسلو 1993 ، من خلال المؤتمرات واللجان والمؤسسات العاملة من أجل «حق العودة»، سيكون فعالاً وذا تأثير في هذا المجال؟
> بلا شك.. ما دمنا نتحدث عن نضال وصراع تاريخي ومفتوح على المدى السياسي والاقتصادي والكفاحي والجماهيري، فإن كافة المؤتمرات واللجان والمؤسسات التي تعمل من أجل حق العودة، سيكون لها أثرٌ فعّالٌ وناجحٌ، أولاً في إظهار طبيعة الحق الفلسطيني «حق العودة».. وثانياً في كفاءة النضال من أجله بكل السبل حتى نستحق هذا الحق.. وثالثاً في منع المساومات السياسية على هذا الحق.. ورابعاً لتأسيس سياج جماهيري وشعبي وسياسي حول هذا الحق لمنع التفريط به من قبل النخب السياسية التي تستهين بهذا الحق الطبيعي.. وخامساً أن هذه المؤسسات واللجان هي مؤسسات مدنية سياسية واجتماعية وقانونية قادرة على أن تعمل في كافة مناطق العالم بدون اتهامها بالإرهاب والمقاومة.. من هنا تأتي أهميتها وضرورتها في هذه المرحلة السياسية، لكني في الوقت نفسه أحذر من أية محاولات لتسييسها من قبل بعض المؤسسات الدولية لحرفها عن أهدافها الوطنية، وحق العودة، بالذات .
- كيف تنظر إلى المؤتمرات والوثائق التي تتجاهل «حق العودة» كوثيقة (أبو مازن – بيلين ) ومؤتمر روما ومؤتمر جنيف؟ ما هي فرص نجاحها في الدفع باتجاه حل أو تسوية بدون «حق العودة» في ظل «لاءات» بوش الأربع (القدس، الحدود، المستوطنات، اللاجئين)؟
> كما قلت في أجوبتي السابقة إننا في حالة صراع مفتوح، ونضال مستمر، وصيرورة تاريخية في مواجهة المعتدي.. وليس مستغرباً أن يظهر على هامش هذه الصيرورة النضالية من يعبث بالحق الفلسطيني بصرف النظر عن الأسماء والمسميات، وكل محاولة للعبث بهذه الحقوق الوطنية عن وعي أو بدون وعي هي بمثابة كوابح سياسية وعملية لمسيرة النضال الوطني الفلسطيني، وعليه فإن كل المؤتمرات واللاءات والوثائق التي تنتقص من الحق الفلسطيني لن يكتب لها النجاح بفعل تمسك الشعب الفلسطيني بكافة حقوقه وثوابته. هل استطاعت أوسلو ووثائقها أن تنهي الحق الفلسطيني، أو تعيد جزءاً من الحق الفلسطيني؟ إن «إسرائيل» تستطيع أن تقول لاءاتها. ولكن كل واحدة من هذه اللاءات سيواجهها شعبنا بضراوة كفاحياً وسياسياً واستراتيجياً.. ويجب أن يدرك الجميع أن القضية الفلسطينية لا تنحصر في عناوين هذه اللاءات الأربع.. إنما هي الأرض والشعب معاً، أي فلسطين التاريخية ..

- « حق العودة» موجود ومؤكد في القرارات الدولية، ولكن هل هو مضمون وثابت، أم أنه قد يتم محوه وتغييره لاحقاً؟
> قرار حق العودة 194، هو حق قانوني من الشرعية الدولية، وعلى الرغم من أن هذا القرار يحمل في ثناياه الاعتراف بـ«إسرائيل»، والإجحاف بالحقوق الوطنية الفلسطينية، إلا أنه يسلّط الضوء على قضية اللاجئين الإنسانية والسياسية، ويعطي الحق لعودة هؤلاء.. «إسرائيل» أخذت في حينها ما يناسبها من القرار لتدعيم شرعيتها ووجودها في الأمم المتحدة.. واليوم تريد أن تأخذ الجزء الآخر من القرار الذي في صالح الشعب الفلسطيني.. ولما كانت الشرعية الدولية محصّلة ميزان قوى دولي تتحكم فيه القوى الإمبريالية وعلى رأسها أمريكا، فليس هناك ما يمنع في لحظة ما بعد أن تتواطأ أمريكا مع أصدقائها و«إسرائيل» على هذا الحق وتعمل على محوه أو تعديله في الأمم المتحدة أو مجلس الأمن وفق الرؤية الإسرائيلية، ومستأنسة بالرؤية العربية الجديدة (المبادرة العربية) وكذلك بالهبوط الفلسطيني على مستوى القيادة السياسية .. وهناك سابقة في محو بعض قرارات الأمم المتحدة بشأن اعتبار الصهيونية شكلاً من أشكال العنصرية .
إن هذه الإمكانية واردة لكنها الآن مستبعدة في ضوء البحث عن «حل عادل ومتفق عليه» والأمر مرهون أيضاً بمدى اشتداد الرفض الفلسطيني الشعبي والسياسي لأية محاولات لشطب حق العودة.. وهنا تأتي أهمية لجان ومؤسسات حق العودة .

- في العالم الأحادي القطبية، اختلفت وسائل النضال وفُرص التوازن عن الزمن الذي ناضلتم فيه، ما هي نصائح «الحكيم» في هذه المرحلة؟ > بلا شك إن المرحلة السياسية الراهنة ليست ذاتها التي انطلقت منها الثورة الفلسطينية المعاصرة.. وبالتالي الشيء الطبيعي أن تختلف وسائل وأشكال النضال، وأولويات النضال وفقاً للظروف المناسبة، وعلى القيادات الفلسطينية المناضلة أن تقرأ اللوحة الدولية بكل تضاريسها كي تعرف أين موقعها في هذا الصراع الدائر على مستوى العالم.. وابتداع الأشكال النضالية المناسبة، كما عليها أن تدرك أن هذا التوازن الآن، بل الاختلال بتوازن القوى الدولية ليس إلا مرحلة سياسية قد تقصر أو تطول. فلا يجب على هذه القيادات أن تقدم على تنازلات تحت وطأة هذا العالم الأحادي القطبية.. فهو عالم ليس سرمدياً وأبدياً .. إنما عليها أن تؤسس لحركة وعي وطنية وقومية جديدة لدى الإنسان الفلسطيني والعربي، مضمونها بعث الهوية الوطنية والقومية لجهة عدم الاندماج في ما يسمى الهوية العالمية.. هذا تضليل من قبل الآخر لتسهيل مهمته في احتلال الأرض والعقل والثقافة .

- كلمة أخيرة إلى أبناء شعبنا الفلسطيني في الوطن والشتات والغرب؟
> كلمتي إلى الشعب الفلسطيني في هذه المرحلة.. أذكّرهم بأن الاستعمار بكافة أشكاله سيرحل عن أرضنا ولنا بالتاريخ عبرة.. لكن الأمر يحتاج أولاً إلى الوحدة، ثم الوحدة، ثم الوحدة.. وإن فلسطين هي الهدف، والهدف الراهن والاستراتيجي، فلا نجعل من خلافاتنا وصراعاتنا الداخلية على السلطة الوهمية والتي هي تحت الاحتلال مجالاً لانتصار الآخر علينا .
وأدعو الشعب الفلسطيني إلى تنظيم صفوفه، عبر الحوار الوطني الشامل والبنّاء لأخذ زمام المبادرة من العدو، والعمل على وضع الخيار الكفاحي أمام الجميع .
رسالتي إلى الشعب الفلسطيني أن الدم الفلسطيني حرام حرام، ولا يجب أن يراق إلا في مواجهة العدو الأكبر .. ♦

أجرى الحوار أحمد حسين - دمشق
01-27-2008, 01:38 PM
زيارة موقع العضو عرض جميع مشاركات هذا العضو إقتباس هذه الرسالة في الرد
{myadvertisements[zone_3]}
بسام الخوري غير متصل
Super Moderator
******

المشاركات: 22,090
الانضمام: Feb 2004
مشاركة: #2
نص آخر مقابلة صحفية مع المرحوم جورج حبش
أسس «حركة القوميين العرب» و«الجبهة الشعبية» ... جورج حبش ... ضمير فلسطين ورمز وحدتها الوطنية
ماهر الطاهر الحياة - 28/01/08//


جورج حبش (رويترز)
في مساء يوم حزين (السبت 26/1/2008) وفي قلب العاصمة الأردنية – عمّان، توقف عن الخفقان قلب رجل كبير كان من أصدق الرجال وأخلص الرجال وأصلب الرجال، الدكتور جورج حبش، مؤسس حركة القوميين العرب قبل ستة عقود، ومؤسس الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين قبل أربعة عقود.

آخر الكلمات التي سمعتها منه في غرفة العناية المشدّدة في مستشفى الأردن قبل يوم من رحيله وكان في كامل وعيه، سؤاله عن أخبار قطاع غزة والحصار المفروض على أهلنا هناك، ولما أخبرته أن الناس اقتحموا المعبر ابتسم قائلاً: سيأتي اليوم الذي تزول فيه الحدود بين الدول العربية ويتحقق حلم الوحدة.

بقلوب يعتصرها الحزن والألم، تودع فلسطين والأمة العربية والإسلامية وأحرار العالم كله القائد الرمز، المناضل الفلسطيني والقومي العربي الكبير جورج حبش الذي أفنى عمره حتى آخر لحظة من حياته في خدمة قضية شعبه وأمته وفي خدمة قضية الحرية في العالم.

بقي قابضاً على المبادئ كالقابض على الجمر، على رغم كل الظروف والعواصف والتحولات.

غادر موقعه كأمين عام للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين بمحض إرادته لأنه آمن بالديموقراطية والتجديد، وأصر على ترك موقعه على رغم مطالبة رفاقه له بالبقاء.

غادر موقعه ولم يغادر مواقفه ومبادئه وقناعاته، وبقي يقدم النصيحة والمشورة حتى آخر لحظة من حياته، وكانت وصيته التمسك بالمبادئ ومواصلة النضال والمقاومة وتحقيق الوحدة الوطنية كشرط للانتصار وتحرير فلسطين.

في هذه السطور نقدم لمحة موجزة عن هذا القائد الفلسطيني والعربي الذي شكلت قضية فلسطين والوحدة العربية هاجسه اليومي منذ النكبة عام 1948 وحتى لحظة رحيله.


الميلاد والنشأة والتكوين

- ولد جورج حبش في الأول من آب (اغسطس) 1925 في مدينة اللد.

- بدأ دراسته في المدرسة الإنجيلية في المدينة نفسها، وانتقل بعد ذلك إلى مدرسة اللد الحكومية، وبقي فيها حتى إكمال المرحلة الابتدائية.

- تابع قسماً من دراسته الثانوية في المدرسة الأرثوذكسية في مدينة يافا، لأنه لم يكن في اللد ما يتجاوز دراسة المرحلة الابتدائية.

- واصل استكمال دراسته الثانوية في القدس، لأن المدرسة الأرثوذكسية في يافا لم تكن تشمل المرحلة الثانية بكاملها.

- أنهى دراسته الثانوية عام 1942 ونجح بتفوق.

- بعد حصوله على الشهادة الثانوية مارس التدريس لمدة عامين في يافا، في المدرسة التي تعلم فيها.

- في عام 1944 التحق بالجامعة الأميركية في بيروت، لدراسة الطب.

- تأثر كغيره من أبناء فلسطين منذ الصغر بالأحداث السياسية في بلاده.

- تأثر بشكل خاص بالإضراب الكبير عام 1936، والثورة المسلحة أعوام 1936 – 1939.

- أحدث قرار التقسيم عام 1947 صدمة كبيرة في نفسه، ولم يكن يتصور أن من حق أحد أن يقسم وطنه ويحرمه من أرضه، أرض الآباء والأجداد عبر آلاف السنين.

- بعد قرار التقسيم أصبح تفاعله وتأثره بالأحداث السياسية أبعد مدى وأكثر عمقاً.

- في عام 1948، بدأت قوافل من الفلسطينيين الذين طردتهم عصابات شتيرن والهاغاناه بالتدفق على لبنان ومعظمهم كان من شمال فلسطين.

- لا يمكن أن ينسى الحال المأسوية التي كان عليها أبناء فلسطين، ولا يزال يتذكر بعض النشاطات التي قام بها ضمن مجموعات من الطلاب، حاولت أن توفر للناس بعض المتطلبات الدنيا للعيش من غذاء وكساء.

- مع انتهاء السنة الدراسية في صيف عام 1948، وجد أنه لا يستطيع البقاء في بيروت على رغم طلب أهله وأصدقائه، فتوجه إلى فلسطين من طريق شرق الأردن، لأن طريق الناقورة أصبحت غير سالكة.

- من شرق الأردن – عمان ذهب إلى بيت والده الذي بدأ حياته العملية في بيع بعض البضائع في القرى المحيطة بمدينة اللد، ومع الوقت تحسنت أوضاعه، وافتتح محلاً تجارياً في يافا وفي القدس.

- في الأيام التي سبقت احتلال اللد، لا يزال يذكر أن الثوار الفلسطينيين المدافعين عن وطنهم كانوا يتصدون لجيش الهاغاناه، ويدافعون عن اللد من الأطراف.

- كانت صدمته كبيرة عندما عرف أن اللد سقطت في أيدي القوات الصهيونية، ولم يكن قادراً على تصور ذلك. وتساءل مع كل الناس: أين الجيوش العربية؟

- يذكر أنه بعد أيام قليلة من احتلال اللد، ألقيت قنبلة على العصابات الصهيونية، فاتخذ هذا الحادث ذريعة للهجوم على بعض الناس المجتمعين في مسجد المدينة، وقتل عدد منهم.

- في تلك الفترة عمل جورج حبش في مركز للإسعاف، ولم يكن يعرف ما حل بأهله، وأهله لا يعرفون ما حل به.

- فوجئ بإحدى قريباته التي تمكنت من الوصول إلى مركز الإسعاف تطلب منه ضرورة الحضور للقاء مع شقيقته.

- كان يعرف أن شقيقته الكبرى مصابة بمرض التيفوئيد، واستطاع أن يستنتج أنها على الأرجح قد فارقت الحياة.

- اضطر أن يتحرك إلى بيت أخته، وفي الطريق لا يزال يذكر صور الكثير من جثث المدنيين العزل من السلاح ممن يعرف بعضهم، والذين قتلوا بأيدي الصهاينة.

- بعد وصوله إلى البيت علم أن شقيقته توفيت، وأن أهله اضطروا لدفنها في حديقة البيت بسبب استحالة الوصول إلى المقبرة.

- أثناء وجوده مع أهله في البيت تأتي مجموعة من الجنود الصهاينة وتطالبهم بمغادرة المنزل من دون أن يعرفوا إلى أين ولماذا؟ وفي الطريق جنود جالسون يشيرون لهم كيف يسيرون، حتى وجدوا أنفسهم خارج مدينة اللد.

- لا يزال يذكر ذلك اليوم الحار جداً، من شهر رمضان المبارك، حين كان بعض كبار السن غير قادرين على مواصلة السير بسبب العطش.

- كان أفراد الهاغاناه يفتشون الناس الخارجين من اللد، يسلبون النساء جواهرهن، والناس يشعرون بالخوف والضياع، الأطفال يصرخون، الشيوخ يلهثون، فأي إنسان يقاوم التفتيش يتعرض للرصاص.

- لا يزال جورج حبش يذكر ابن الجيران الذي حاول مقاومة التفتيش فأردي قتيلاً.

- شقيقة ابن الجيران الذي قتل تفارق الحياة بنوبة قلبية حزناً عليه.

- مآس لا يمكن وصفها ستبقى شاهداً على همجية الصهاينة وفاشيتهم.

- وصل جورج حبش مع أهله إلى رام الله، وأقاموا هناك.

- كان الناس يتلقفون الأخبار، ويعتقدون بأنهم سيعودون خلال أيام أو أسابيع.

- كان شعور الناس: هل معقول أن يتركنا العالم ويصمت على هذه الجريمة؟ وهل معقول أن تتخلى عنا الجيوش العربية؟.. لا يمكن تصور ذلك ولا بد أننا سنعود خلال أسبوع أو أسبوعين.

- أسئلة كثيرة كانت تدور في ذهن جورج حبش في تلك اللحظات. وكان يسترجع بعض كلمات الأساتذة الأميركيين، في الجامعة الأميركية في بيروت، عن الحرية والكرامة، وحقوق الإنسان. وكان يتساءل: هل من المعقول أن كل الأشياء التي كنا نسمعها خدع وأكاذيب؟

- بعد النكبة، عاش جورج حبش صراعاً نفسياً حاداً بين إكمال الدراسة، أو التوقف عنها، انتهى بإكمال الدراسة بناءً على إلحاح والدته بشكل خاص، التي كانت تحلم أن تراه طبيباً.

- عاد إلى الجامعة، لكن تفكيره واهتمامه ومشاعره، انصبت حول المأساة التي حصلت.
مع فيديل كاسترو. (الحياة)



الحياة السياسية والنضالية

- ترك احتلال القسم الأكبر من فلسطين آثاراً عميقة في تفكير جورج حبش، وكانت مشاعره تتأجج بالغضب والتحدي، وضرورة الرد على ما حصل.

- كانت جمعية العروة الوثقى في الجامعة الأميركية في بيروت عام 1949، منتدى يهتم باللغة والآداب، حولته مجموعة من الشباب، من ضمنهم جورج حبش، إلى منتدى للنشاط السياسي والفكري. ومن خلال بعض النشاطات، حاول الشباب العربي الإجابة على أسئلة تفسر ما حصل في فلسطين. وكيف حصل، وما هو الرد.

- يذكر جورج حبش أنه تم تنظيم سلسلة من الندوات، تحدث فيها كبار ويتذكر منهم الشاعر العربي الكبير عمر أبو ريشة.

- كان الشباب العربي في تلك الفترة، يعاني حالاً من التمزق والغضب، والبحث عن طريقة للرد.

- كانت مشاعر جورج حبش وقناعاته، تتبلور باتجاه أن العنف هو الطريق الوحيد لاسترداد الحق، ومن هنا كان تحركه مع مجموعة صغيرة من الشباب العرب، الموجودين في سورية ولبنان والمشرق العربي لتشكيل «كتائب الفداء العربي».

- قامت كتائب الفداء العربي ببعض العمليات في ذلك الوقت، وبضرب بعض المؤسسات الصهيونية في الوطن العربي.

- انكشف تشكيل «كتائب الفداء العربي».

- بدأت تتبلور لدى جورج حبش فكرة وأهمية العمل من خلال الجماهير، وبين صفوفها، وهذا ما قاد إلى بداية التفكير بتأسيس حركة القوميين العرب.

- في بداية عام 1951، تخرج جورج حبش في الجامعة. وبدأ مع الشباب يفكر: وماذا بعد؟ وصلوا إلى حل أن يبقى في الجامعة الأميركية ويعمل على محاولة التدريس فيها بهدف الاستمرار في تعبئة وتنظيم الشباب العربي.

- في يوم، عندما كان معيداً في الجامعة، تم التخطيط لتظاهرة، فأحيطت الجامعة بالإجراءات الأمنية، وأغلقت أبوابها لمنع التظاهرة. وكانت الطريقة الوحيدة للتحدي والنجاح أن ينزل جورج حبش والشهيد وديع حداد، وغيرهم ويفتحوا الباب بالقوة.

- عرفت إدارة الجامعة أن أحد أساتذتها يحرض الطلاب على التظاهر ويخلع باب الجامعة، فقدم جورج حبش استقالته.

- بعد الاستقالة، تم الاتفاق أن يغادر جورج حبش إلى عمان لافتتاح عيادة، وبعد فترة يلحق به وديع حداد.

- في عمان افتتح جورج حبش عيادة طبية.

- أصبح الأردن المركز الذي يشرف من خلاله، جورج حبش، على ألوية حركة القوميين العرب، التي بدأت تتشكل في لبنان وسورية والخليج والعراق.

- في الأردن تم التفكير بضرورة شق مجرى للعمل بين الجماهير، من خلال بعض الوسائل وأهمها: العيادة المجانية، العمل في أحد نوادي الشباب، مدرسة لمكافحة الأمية، إصدار مجلة أطلق عليها اسم مجلة «الرأي».

- تابع جورج حبش، هذه النشاطات في الأردن، في الوقت الذي أشرف على النشاطات الأخرى في لبنان والكويت وسورية والعراق.

- انتقل إلى دمشق ثم غادر إلى الأردن.

- وبعد عودته جرت انتخابات نيابية، شارك فيها ومجموعة من أعضاء الحركة وأصدقائها بهدف الاتصال مع حركة الجماهير، وحصل جورج حبش على أصوات أكثر مما كان يتوقع، على رغم أنه لم ينجح في الانتخابات.

- في عام 1956، عقد المؤتمر التأسيسي الأول في الأردن، وتم اختيار اسم حركة القوميين العرب. وحضر المؤتمر مندوبون من: لبنان، العراق، سورية، الأردن، الكويت، وفلسطين.

- بعد قيام الوحدة بين مصر وسورية وتصاعد المد الناصري والتفاف الجماهير العربية حول قيادة عبد الناصر، طرح بعض مسؤولي الحركة سؤالاً حول مبرر استمرار وجود الحركة.

- جورج حبش مثل وجهة نظر أكدت ضرورة وأهمية تنظيم حركة الجماهير عبر إطار سياسي. وأن عبد الناصر يمثل القيادة الرسمية للجماهير العربية، والحركة واجبها تنظيم وتعبئة هذه الجماهير للنضال من أجل تحقيق الشعارات التي رفعها عبد الناصر.

- غادر جورج حبش الأردن إلى دمشق لتحديد الموقف، ومتابعة قيادة أوضاع الحركة، ورسم برنامج المستقبل بطموحاته الكبيرة.

- في صيف 1959 تم تأسيس ألوية لحركة القوميين العرب في ليبيا والسودان واليمن (بشطريه الشمالي والجنوبي)، ومناطق أخرى من الخليج العربي.

- عام 1961 وقع الانفصال، وانفك عقد الوحدة بين مصر وسورية. فقامت التظاهرات والتحركات الجماهيرية المطالبة بإعادة الوحدة، وإسقاط الانفصال. ولعبت الحركة دوراً في تحريك الشارع العربي، وبشكل خاص في سورية.

- في هذه الفترة تم اعتقال جورج حبش ثم أفرج عنه.

- عام 1963، حصل انقلاب جاسم علوان في دمشق، والذي كان يستهدف إعادة الوحدة الفورية مع مصر، وكان جورج حبش أحد المتهمين بالتخطيط لهذا الانقلاب.

- اختفى جورج حبش لمدة تسعة شهور، غادر بعدها إلى لبنان لقيادة عمل حركة القوميين العرب.

- بداية عام 1964، غادر جورج حبش إلى القاهرة، لمقابلة الرئيس عبد الناصر، وتكونت بينهما علاقات صداقة ومودة.

- طرح جورج حبش على عبد الناصر، موضوع الكفاح المسلح في جنوب اليمن، والكفاح المسلح في فلسطين، ودار نقاش طويل حول الموضوعين كانت نتيجته بدء الكفاح المسلح في جنوب اليمن الذي انتهى بطرد القوات البريطانية، وكذلك الاتفاق على بدء الإعداد للكفاح المسلح الفلسطيني على أن يتم التنفيذ في اللحظة المناسبة.

- عام 1967 وقع زلزال الخامس من حزيران (يونيو)، وكانت الصدمة الكبيرة والتحول النوعي العميق في فكرة جورج حبش.
... ويتوسط جورج حاوي ونايف حواتمة ومحسن ابراهيم. (الحياة)



التطور الفكري والسياسي (الثوابت والتحولات)

- شكلت هزيمة الخامس من حزيران نقطة تحول عميقة في مسار تفكير جورج حبش، وحركة القوميين العرب، وحصل في ضوء هذه الهزيمة أكبر تطور فكري لدى جورج حبش.

- كان بعد تجربة الانفصال عام 1961، وسقوط تجربة الوحدة بين مصر وسورية، بدأ يفكر بأهمية القضية الطبقية، أي تبني الاشتراكية العلمية، وأهمية العمل الوطني ضمن الإطار القومي. لكن هذا التفكير لم يتبلور بصورة واضحة إلا بعد هزيمة حزيران التي بلورت العديد من القضايا السياسية والنظرية في ذهن جورج حبش خلاصتها وأهمها:

1- أهمية الفكر الثوري، والمسألة الاجتماعية الطبقية.

2- الإطار القومي للنضال العربي: لا يجوز أن يغيب أهمية وإبراز النضال الوطني والشخصية الوطنية الفلسطينية.

3- الجماهير المنظمة والمعبأة هي وحدها صانعة التاريخ، وهي الأساس في معركة التحرير.

4- أهمية وضرورة العنف والكفاح الجماهيري المسلح كأرقى شكل من أشكال النضال، في مواجهة العدو الصهيوني.

5- ترابط حلقات النضال الثلاث: الفلسطينية، والعربية، والأممية.

- هذه الموضوعات والاستخلاصات النظرية والسياسية، التي بلورتها الهزيمة مهدت لنشوء وتكون «الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين».

- بعد هزيمة حزيران تم الإعداد لتأسيس الجبهة. وفي الحادي عشر من كانون الأول (ديسمبر) 1967 تأسست الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، وهذا المنعطف لم يكن يعني انتهاء قناعات جورج حبش في ما يتعلق بالقضية القومية والوحدة العربية، ولكن التركيز والاهتمام أصبح منصباً على العمل الوطني الفلسطيني والقضية الفلسطينية التي ستلعب دوراً أساسياً في تحقيق الوحدة.

- شكل تأسيس الجبهة الشعبية انطواء مرحلة في عمل ونضال حركة القوميين العرب وبداية مرحلة جديدة.

- في آذار (مارس) 1968، اعتقل جورج حبش في سورية، وشكل الاعتقال فرصة ثمينة له لتكثيف مطالعاته.

- نجح في الهروب من السجن في سورية، من خلال عملية دقيقة خطط لها وديع حداد، وغادر إلى لبنان، ثم سافر إلى القاهرة، حيث قابل الرئيس الراحل عبد الناصر للمرة الأولى بعد هزيمة الخامس من حزيران.

- جرى عتاب بين عبد الناصر وجورج حبش، بسبب نقد بعض جوانب التجربة الناصرية، وأوضح جورج حبش موقفه وقناعاته المبدئية. وجرى الاتفاق على ضرورة استمرار التعاون ودعم المقاومة الفلسطينية المسلحة.

- وقف جمال عبد الناصر موقفاً مبدئياً في دعم الكفاح المسلح الفلسطيني وقال لجورج حبش سأكون مع أي مناضل يقاتل ضد إسرائيل.

- كان عام 1972 من الأعوام الصعبة بالنسبة لجورج حبش، حيث أصيب بأزمة قلبية حادة، وفوجئ باغتيال رفيقه غسان كنفاني.

- في آب (أغسطس) 1973 يقوم الطيران الحربي الإسرائيلي، بمحاولته الأولى لاختطاف طائرة الـ «ميدل إيست» (شركة طيران الشرق الأوسط) المتوجهة من بيروت إلى بغداد، والتي كان يفترض أن يكون على متنها جورج حبش، لكن جنرالات إسرائيل وعلى رأسهم موشي دايان يصابون بخيبة أمل. حيث تم إجبار الطائرة على الهبوط في أرض فلسطين، لكن جورج حبش لم يكن على متنها.

- في عام 1975، واجه جورج حبش الحرب الأهلية في لبنان. وأكد ضرورة أن يكون التحالف الفلسطيني – الوطني اللبناني بقيادة الحركة الوطنية، وليس العكس.

- في عام 1978 تقوم إسرائيل بمحاولة اجتياحها الأولى للجنوب اللبناني، ويعطي جورج حبش التعليمات للقيادة العسكرية للجبهة بالصمود والتصدي للعدوان، وعدم الانسحاب من مدينة صور مهما كانت النتائج.

- في عام 1979، بدأ جورج حبش بالإعداد للمؤتمر الوطني الرابع للجبهة الشعبية وأنجز التقرير السياسي للمؤتمر.

- في عام 1980 أصيب جورج حبش بأزمة صحية وأجريت له عملية جراحية في الدماغ كان من مضاعفاتها أصابته بالشلل النصفي.

- خضع لعناية طبية مكثفة، اشترك فيها الطاقم الطبي للرئاسة الجزائرية وأرسل له الرئيس الراحل حافظ الأسد، الذي ربطت جورج حبش به، صداقة عميقة، طائرة نقلته من بيروت إلى دمشق ثم إلى الخارج لتلقي العلاج.

- في نيسان (ابريل) 1981، عُقد المؤتمر الوطني الرابع للجبهة الشعبية بعد شفاء جورج حبش، وكان من أنجح المؤتمرات في حياة الجبهة.

- قال جورج حبش في جلسة افتتاح المؤتمر: «أنه يشعر بالفخر والاعتزاز، لأنه أسس عملاً سيستمر ويتواصل وينتصر».

- في عام 1982، وأثناء الحصار الإسرائيلي لمدينة بيروت، رفع جورج حبش شعار: لنجعل من بيروت أسطورة في الصمود، وصمد شعب لبنان وفلسطين لأشهر عدة.

- في أحد أيام الحصار، وبعد قصف الطيران الإسرائيلي الهمجي على بيروت لمدة 18 ساعة متواصلة، وبعد أن تغيرت معالم بيروت البطلة، سأله أحد الصحافيين الأجانب: ماذا يوحي لك هذا القصف؟ أجاب جورج حبش: المزيد من حب السلام، المزيد من حب الأطفال، المزيد من التصميم على مواجهة العدو لاجتثاث المشروع الصهيوني وبناء السلام.

- عاشت الساحة الفلسطينية بعد الخروج من بيروت أزمة داخلية، عاصفة، وانقساماً عميقاً، كاد أن يهدد وجود الثورة الفلسطينية.

- بعد مرور 4 سنوات على الأزمة الداخلية والانقسام في منظمة التحرير الفلسطينية، جرت حوارات بين جورج حبش والشهيد أبو جهاد/خليل الوزير في العاصمة التشيكية. وتعرف جورج حبش على أبو جهاد عن قرب، وتلمس إمكانيات استعادة الوحدة الوطنية الفلسطينية.

- في نيسان 1987، عُقد المجلس الوطني الفلسطيني في العاصمة الجزائرية.

- في التاسع من كانون الأول 1987 اندلعت انتفاضة الشعب الفلسطيني في الضفة الفلسطينية وقطاع غزة.

- نظر جورج حبش الى الانتفاضة باعتبارها محطة نوعية هامة ومنعطفاً تاريخياً يؤسس لمرحلة جديدة في النضال الوطني الفلسطيني بشكل خاص، والنضال التحرري العربي بشكل عام، فرفع شعار: لتكن الانتفاضة محور عملنا في الجبهة الشعبية والثورة الفلسطينية.

- أكد جورج حبش أهمية الحماية السياسية للانتفاضة، والتمسك الثابت بشعارها الناظم المتمثل بتحقيق الحرية والاستقلال، وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس وحق العودة، ورفض بحزم سياسة التنازلات المجانية لبعض الاتجاهات في قيادة منظمة التحرير الفلسطينية.

- مرت تجربة الدكتور جورج حبش النضالية، القومية الوطنية، على امتداد العقود الستة الماضية بمنعطفات كبيرة وتطورات عميقة، ولكن على رغم كل التحولات، فإن تجربة الحياة الغنية بلورت في ذهن جورج حبش مجموعة من الثوابت تمثل جوهر تفكيره ومنطلق مواقفه، أهمها:

1- حقيقة الكيان الصهيوني، ككيان عنصري استيطاني، يمثل أسوأ ظاهرة استعمارية في هذا العصر، لا يمكن التعايش معها، أو التسليم بوجودها.

2- ترابط أشكال النضال وفي طليعتها العمل المسلح، كأرقى شكل كفاحي تفرضه طبيعة العدو العنصري الذي نواجهه.

3- ترابط النضال الوطني الفلسطيني مع النضال العربي، وأهمية إبراز الشخصية الوطنية الفلسطينية كنقيض للمشروع الصهيوني، ولكن في الوقت نفسه، الإيمان العميق والعلمي بقومية المعركة وترابط النضال الفلسطيني الوثيق والجدلي مع نضال حركة التحرر الوطني العربية.

إيمان جورج حبش بالوحدة العربية لم يتزعزع على امتداد تاريخ كفاحه الطويل، فقد آمن بعمق أن الجماهير العربية وقواها الطليعية على رغم واقع التجزئة والكيانات القطرية ستتمكن من تحقيق وحدتها وبناء مجتمعها الديموقراطي الاشتراكي الموحد.

4- أهمية وضرورة الربط الدقيق والواضح بين التكتيك والاستراتيجية، التي تستهدف في النهاية تحرير كامل تراب فلسطين.

5- أهمية الحفاظ على الوحدة الوطنية الفلسطينية كشرط أساسي من شروط الانتصار.

6- أهمية ترابط وتكامل حلقات النضال الفلسطيني والعربي والأممي.

- في المؤتمر العام السادس للجبهة في تموز (يوليو) 2000، ألقى حبش كلمة شاملة تضمنت قضايا أساسية في الفكر والسياسة والتنظيم جمعت خلاصة القضايا الجوهرية التي أراد التركيز عليها، وخاطب أعضاء المؤتمر موضحاً أسباب قراره بالتنحي عن موقعه، قائلاً: هناك سببان رئيسيان يقفان وراء قراره:

الأول: رغبة تبلورت لديه بتقديم مثال ونموذج بأن الإنسان المناضل والقائد يستطيع أن يستمر في العمل والعطاء من دون مواقع قيادية رسمية.

الثاني: شعوره أن من الأفضل أن يتفرغ لمهام بحثية من خلال توثيق تجربة حركة القوميين العرب، وتأسيس مركز للدراسات هدفه دراسة التجارب الوطنية الفلسطينية والعربية.


* عضو المكتب السياسي للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين - مسؤول قيادتها في الخارج
01-28-2008, 05:26 AM
زيارة موقع العضو عرض جميع مشاركات هذا العضو إقتباس هذه الرسالة في الرد
{myadvertisements[zone_3]}
بسام الخوري غير متصل
Super Moderator
******

المشاركات: 22,090
الانضمام: Feb 2004
مشاركة: #3
نص آخر مقابلة صحفية مع المرحوم جورج حبش
«الحياة» تعيد نشر حوار روى فيه قصة ولادة «حركة القوميين العرب» واشاد بكارلوس «مناضلاً ثوروياً أممياً» ... جورج حبش: خطف الطائرات كان ضرورياً و«فتح» حاولت الاستيلاء عليها ... تعذر تحويل بيروت ستالينغراد ثانية فتبلور قرار الخروج وشاركت فيه
لندن - غسان شربل الحياة - 28/01/08//

كان ذلك في العام 1995. سألت الدكتور جورج حبش، في منزله في دمشق، عن إمكان عودته الى مناطق السلطة الوطنية الفلسطينية بعدما سبقه إليها الرئيس ياسر عرفات وآخرون إثر توقيع اتفاق اوسلو في 1993. وجاء رده صريحاً واضحاً: «أنا لا أستطيع المرور عبر معبر يرفع العلم الاسرائيلي. لا أستطيع قبول أي عودة مشروطة. مثل هذه العودة تخالف قناعاتي وتفوق قدرتي على الاحتمال». شعرت يومها ان الأمين العام لـ «الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين» سيموت في المنفى بعيداً عن الضفة الغربية وغزة وبعيداً عن اللدّ التي ولد فيها قبل 82 عاماً.

خشيت في تلك الأيام ان يغدر القدر بالرجل قبل ان يروي قصته وتجربته. وهي قصة مهمة وخطيرة ومثيرة على امتداد عقود من عمر المنطقة والعالم. زرته محاولاً استدراجه الى سلسلة «يتذكر». وكانت المهمة شاقة. فهذا القائد الفلسطيني لا ينتمي الى مدرسة البارعين في تلميع أدوارهم أو تسويق حكاياتهم. وأوضاعه الصحية لا تساعد على جلسات طويلة تفتح باب الاسترسال واستعادة المحطات ببريقها وخيباتها. وفي النهاية تفهم دوافع الإصرار والإلحاح وكانت الثمرة أربع حلقات نشرت في مجلة «الوسط» بدءاً من 30 تشرين الأول (اكتوبر).
حبش وياسر عرفات وأبو إياد وأبو جهاد وأبو ماهر اليماني في مهرجان في بيروت في ذكرى انطلاقة حركة «فتح». (الحياة)


كانت الصفحة الأولى من «الحياة» في طريقها الى المطبعة حين بلغنا نبأ رحيل «حكيم الثورة» الذي أمضى سنواته الأخيرة في عمان، فسجلنا خبر رحيله. ووجدنا البارحة ان خير تحية نوجهها الى هذا القائد الفلسطيني هو ان نعيد نشر مقاطع محدودة من حديثه الطويل تسلط الضوء على بعض المحطات.

كان حبش لاعباً بارزاً على المسرح الفلسطيني. وكان لاعباً بارزاً على المسرح العربي ايضاً. أما على الصعيد الدولي فقد تحول في نظر جهات غربية كثيرة «إرهابياً» و «مطلوباً».

وهنا بعض ما دار في الحوار:

> ما هي قصة خطف الطائرات الغربية وإنزالها في «مطار الثورة» في الأراضي الاردنية؟
- عملية خطف الطائرات الغربية الى الاردن كانت عملية ضرورية جداً بالنسبة الينا، واستغرقت عمليات الإعداد لها حوالي ستة اشهر، كان هدفها الوحيد - وأرجو ان يكون ذلك واضحاً للجميع - هو مقايضة الرهائن الاسرائيليين بالافراج عن المعتقلين في سجون العدو، ولم يكن هذا العمل موجهاً ضد السلطة الاردنية أو غيرها من الحكومات الاوروبية، اثناء عملية التخطيط كان يهمنا ان تهبط الطائرات في مكان آمن نستطيع الدفاع عنه، وفي الوقت نفسه ان يكون هذا المكان صالحاً لهبوط الطائرات، اذ بالطبع لا يمكن ان ننزل الطائرات في المطارات الحكومية سواء العسكرية او المدنية، وكان المخطط ان نخطف ثلاث طائرات، طائرة اسرائيلية، وطائرة اميركية، وطائرة سويسرية، وبالفعل وصلت ثلاث طائرات الى المطار ولكن لم تكن بينها الطائرة الاسرائيلية، لأنه عندما خطفت الطائرة الاسرائيلية من مطار امستردام، وقع اشتباك داخل الطائرة التي خطفتها الرفيقة ليلى خالد ورفيق من الاورغواي استشهد اثناء الاشتباك، فيما قبضت الشرطة البريطانية على الرفيقة ليلى خالد، وقد وصلت في البداية الطائرة السويسرية ثم الاميركية، وبعد مرور 18 ساعة وصلت طائرة ثالثة تطلب النزول وقد التقطنا طلبها عبر اجهزة الطائرات الجاثمة في منطقة صحراوية كان يطلق عليها اسم «قيعان خنا»، وهي منطقة منخفضة ذات تربة صلبة تتحمل هبوط الطائرات، واختير المكان بعدما استشرنا احد المهندسين المتخصصين في هذه المسألة، والطائرة الثالثة كانت بريطانية قادمة من أبوظبي وعلى متنها أحد رفاقنا يطلب اتخاذ الاجراءات اللازمة لنزول الطائرة، كان ذلك يوم 6/9/1970، اي قبل حدوث الاشتباكات الدامية مع الحكومة الاردنية.

> كيف تصرفتم مع ركاب الطائرات؟

- في البداية أطلقنا النساء والاطفال والمسنين وأوصلناهم الى عمان ومن هناك نقلتهم طائرات الى بلدانهم. وبعد ذلك قمنا بعملية فرز لبقية الركاب فأطلقنا بعض الركاب من بعض الجنسيات التي تتخذ حكوماتها موقفاً معادياً لقضيتنا، والباقون كانوا مواطنين يحملون جنسيات مزدوجة. بعد الفرز والتدقيق تبين ان هناك اسرائيليين على الطائرات (لكنهم كانوا يحملون جنسيات مزدوجة)، وقد عرفنا ذلك عندما اكتشف احد الرفاق مجموعة من جوازات السفر الاسرائيلية ملقاة في سلة المهملات. كان عددهم 51 اسرائيلياً وكانوا في الطائرات التي أتت من اوروبا، أما الطائرة التي أتت من أبوظبي فكانت تقل بعض الجنود الاميركيين القادمين من الفيليبين وتايلاند وكوريا. وقررنا بعد ذلك الاحتفاظ بالاسرائيليين في منطقة بعيدة عن مكان وجود الطائرات. في هذه الاثناء وصل الينا مبعوث من وزير الدفاع العراقي صالح مهدي عماش، حاملاً برقية منه تطالبنا بإطلاق سراح الرهائن، بالطبع نحن لم نستجب طلبه، وطلبنا من اللجنة الدولية للصليب الاحمر التدخل من اجل اطلاق المعتقلين الفلسطينيين في السجون الاسرائيلية، كما أرسل أبو عمار وفوداً سياسية ضم أحدها حامد ابو ستة عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، طالباً اطلاق الطائرات والرهائن لأن المنظمة بدأت تتعرض لضغوط سياسية كبيرة. كما ارسلت «فتح» مجموعات مسلحة تحت ستار زيارة الطائرات (لأننا كنا سمحنا للمواطنين بزيارة الطائرات في أوقات محددة) وقد حاولت احدى هذه المجموعات الاستيلاء على الطائرات من الداخل، لذلك منعنا اي شخص مسلح من الصعود اليها.

> كم يوماً استمرت عملية خطف الطائرات؟

- احتجزنا الرهائن والطائرات الى 13/9/1970 اي لمدة اسبوع بعدما اتخذنا قراراً بنسف الطائرات، ونقل الرهائن الى عمان لاستكمال الاتصالات والمفاوضات مع الجهات الدولية المعنية، ويوم 16 ايلول (سبتمبر) اندلعت المعارك مع الحكومة الاردنية فكانت عملية حماية الرهائن تزداد صعوبة يوماً بعد يوم. في هذه الاثناء اتصلت بنا السفارة المصرية في عمان وقالت ان الرئيس جمال عبدالناصر يتمنى عليكم إنهاء موضوع الرهائن، على ان تتولى الحكومة المصرية عمليات نقلهم، ومتابعة المطالب التي اعلناها. وافقنا على طلب الحكومة المصرية لأن قضية الرهائن لم تعد تحتل مكاناً مهماً بالقياس الى ما هو حاصل من معارك ومجازر ولأن مصير الثورة ووجودنا أهم بكثير من الرهائن وهكذا أنهيت العملية من دون ان تحقق الهدف الاساسي منها وهو اطلاق المعتقلين في سجون الاحتلال.

> هل كان لوديع حداد دور في هذه العملية؟

- بالطبع كان لوديع حداد دور اساسي فهو كان المشرف الأول على العمليات الخاصة، لكن تنفيذ العملية تم بقرار سياسي من الجبهة. في المناسبة كان وديع حداد موجوداً في منطقة خطف الطائرات لكنه غادر المكان قبل أيلول بأيام معدودة الى مكان آخر وتسلم الرهائن عقيد مصري اسمه ابراهيم الدخاخنة (سامي).


خلاف مع وديع حداد

> ألا تعتقد ان عمليات خطف الطائرات أضرت بالقضية الفلسطينية ورسمت لكم صورة ارهابية في العقل الغربي؟

- الهدف الأساسي من خطف الطائرات هو محاولتنا إبراز القضية الفلسطينية لدى الرأي العام الغربي، لأن القضية الفلسطينية، خلال فترة ليست بالقصيرة، لم تكن واردة او معروفة بشكل واضح للغرب عموماً، وذلك بحكم سيطرة الحركة الصهيونية على وسائل الاعلام الغربية. وكان لا بد من كسر هذا الاحتكار عبر لفت الانظار الى القضية الفلسطينية. وهذا موضوع قديم أذكر ان بعض اساتذتنا في الجامعة الاميركية لفتوا انتباهنا اليه وطالبونا بعمل شيء لتنبيه الرأي العام الغربي، خصوصاً داخل الولايات المتحدة الاميركية. وفكّرنا نحن في أشياء كثيرة وكان من ضمنها موضوع خطف الطائرات. كنا مدركين منذ البداية ان عمليات خطف الطائرات لا تشكل عنوان مواجهة مع اسرائيل وأداة ضغط على الغرب بل وسيلة إبراز القضية الفلسطينية، لذلك عندما استنفدت هذه الوسائل أغراضها وأدت وظيفتها، قررنا وقف هذا النمط من العمليات. وكان هذا القرار الذي اتخذ في المؤتمر الوطني الثالث للجبهة موضع خلاف مع رفيقنا وديع حداد الذي استمر في هذا النهج بعد ذلك.

> هل يمكن ان نسأل كيف اقتحم جورج حبش عالم السياسة ومعترك النضال؟ ومن أين كانت البدايات؟

- حتى اكون صادقاً معك ومع نفسي فانني قبل نكبة العام 1948 كنت أعيش حياة عادية جداً، ولم تكن السياسة تشكل لي هاجساً خاصاً اذ لم اكن منخرطاً في اي تنظيم سياسي. وكنت قبل النكبة أقوم بدوري بحدود دور اي انسان وطني عادي، يحس ويعيش الاضطهاد الذي يتعرض له الشعب الفلسطيني على يد قوات الاحتلال البريطاني والعصابات الصهيونية من قتل وتدمير واستيلاء على الأرض. وحتى تاريخ النكبة لم أقم بأي دور مميز على صعيد العمل النضالي. ومع حدوث النكبة بدأ التحول الحاد في حياتي باتجاه العمل الوطني والقومي. هذه هي البداية وتلك كانت البوابة التي دخلت منها معترك السياسة. تم ذلك كله تحت ضغط الاجواء العامة التي ولدتها النكبة وتشريد الشعب الفلسطيني وهزيمة الجيوش العربية، فالاجواء التي كانت سائدة في الوطن العربي عموماً وفي فلسطين ولبنان خصوصاً كانت تدفع بكل انسان حر الى ضرورة التفكير في الرد على النكبة. حينها كنت لا أزال طالباً في الجامعة الاميركية في بيروت حيث كان الجو العام في لبنان كله وفي الجامعة الاميركية خصوصاً وداخل المدارس، مشحوناً جداً وأكثر مما نتصور. في هذه المرحلة التحقت بجمعية «العروة الوثقى»، وكانت هذه الجمعية ذات نشاط قومي فعّال على الصعيد الاعلامي والثقافي، خصوصاً على صعيد الندوات العامة التي كان يحاضر فيها كثير من المفكرين والأدباء العرب حيث تركز النقاش في تلك الفترة، سواء داخل أروقة الجمعية او خارجها، على اسباب هزيمة الجيوش العربية وكيفية ضياع فلسطين والسبيل الى استردادها. وأعتقد بأن أهم الاجابات وأكثرها موضوعية وعلمية قدمها الدكتور قسطنطين زريق في كتابه الشهير تحت عنوان «معنى النكبة»، وكذلك الكتاب الذي أصدره ساطع الحصري وتناول فيه اسباب هزيمة الجيوش العربية السبعة أمام العصابات الصهيونية. والتي يمكن تكثيفها بالخلاصة الآتية: ان تفتت العرب وانقسامهم، وغياب وحدتهم كانت العامل الرئيسي وراء خسارتهم المعركة امام العدو. وقد تعرفت الى ندوات الجمعية الى الأخ الكبير المرحوم كمال جنبلاط، كما تعرفت الى شاعرنا العظيم عمر ابو ريشة الذي ألقى في احدى ندوات الجمعية قصيدة عصماء ألهبت مشاعر الحضور. وفي هذه الفترة كان يدور حوار فعّال داخل اسوار الجامعة بين الاتجاه القومي والاتجاه الشيوعي. وكان الخلاف يتركز على شرعية قرار تقسيم فلسطين والاعتراف به، حيث كان الشيوعيون يدافعون عن قرار التقسيم نظراً الى موقف الاتحاد السوفياتي المؤيد للقرار. وكنا نرى في موقف الشيوعيين تبعية مطلقة للاتحاد السوفياتي. كذلك كانت الانتخابات داخل الجمعية تدور بين الاتجاه القومي - ومن ضمنه البعثيون - والتيار الشيوعي، وكان الرأي العام يميل الى مصلحة القوميين، وبالتالي فإن نتيجة الانتخابات كانت لمصلحة التيار القومي، وقد ترشحت كنائب لرئيس الجمعية وفزت. وفي العام التالي ترشحت لمنصب رئيس الجمعية وفزت به.

> في أي عام خضت الانتخابات للمرة الأولى؟

- خضت الانتخابات للمرة الأولى سنة 1949، وكذلك في الأعوام 50 و51 ولم يكن نشاطنا مقتصراً على الجامعة بل تعدى اسوارها الى المحيط، وبالذات في المخيمات الفلسطينية في لبنان حيث كانت الاجواء السياسية مشحونة والناس تريد فعل اي شيء للرد على الهزيمة. وباشرنا الاتصال بالناس. ومن خلال هذه الزيارات التي كنت أقوم بها أنا والشهيد وديع حداد تعرفنا الى الرفيق أبو ماهر اليماني، والرفيق المرحوم أبو عدنان قيس (عضو المكتب السياسي للجبهة الديموقراطية لاحقا). بعد ذلك بدأنا بإجراء اتصالات مع القوى السياسية السائدة آنذاك، ولا سيما منها حزب «النداء القومي» وكذلك مع حزب «البعث» الذي كانت تربطنا به علاقات جيدة. جملة هذه الاتصالات طرحت علينا جميعاً السؤال التاريخي الكبير «ما العمل؟» وماذا علينا ان نفعل من أجل فلسطين؟ اتصلنا بحزب البعث وعقدنا حوارات جدية مع الرفاق البعثيين ومن بينهم ميشيل عفلق، وهم رفاق موضع احترام وتقدير، الا ان محصلة الحوارات والنقاشات أظهرت ان هناك خلافات تمحورت حول قضيتين جذريتين: أولى هذه القضايا مركزية القضية الفلسطينية، وضرورة التركيز على فلسطين باعتبارها القضية المركزية ومحوراً للنضال القومي، فيما كان حزب البعث يركز على قضايا التحرر الوطني، من دون ان يعني ذلك ان البعث لم يكن يأخذ القضية الفلسطينية في الاعتبار بل كان يدرجها في جدول مهماته، لكنها لم تكن تحظى بالأولوية. وثاني هذه القضايا التي كانت مثار خلاف مع البعثيين، موضوع الاشتراكية التي شكلت ركيزة اساسية في نضال البعث، حيث كنا نرى ان طرح هذه القضايا لا يزال مبكراً، وأن التركيز على القضايا القومية يجب ان يأخذ المكانة الرئيسية بعد القضية الفلسطينية.

> في تلك المرحلة كانت حركة «الاخوان المسلمين» احدى القوى الرئيسية الفاعلة في المجتمع العربي عموماً وفي مصر خصوصاً، ما هي نظرتكم الى هذه الحركة في تلك الفترة؟ وهل كانت بينكم وبينها اي حوارات، سواء في لبنان أم في الأردن؟

- في لبنان لم يكن بيننا وبين حركة الاخوان المسلمين اي حوار او نقاش، اما في الأردن فكانت العلاقات بيننا في تلك الفترة علاقات عدائية، لأن موضوع التحرر الوطني كان طاغياً على كل الساحات العربية ومن ضمنها الأردن، والحركة لها موقف، والاخوان لهم موقف آخر مغاير بحكم طبيعة علاقاتهم وتحالفاتهم. اما في مصر، فلم يكن لنا وجود في مرحلة التأسيس، وبعد ذلك كانت العلاقة مع عبدالناصر والصراع بين عبدالناصر والاخوان هما اللذان يحكمان العلاقة بيننا.


نواة حركة «القوميين العرب»

> في المرحلة التي شهدت الحوار والخلاف مع البعث هل كانت حركة القوميين العرب قد شكلت؟

- في هذه المرحلة شكلنا نواة حركة «القوميين العرب». شكلت من ثمانية اشخاص أذكر منهم: وديع حداد وهاني الهندي وأحمد الخطيب وأنا، أما الاسماء الأربعة الاخرى فأعتقد انهم يفضلون عدم ذكر اسمائهم في هذه المرحلة. شكلنا هذه النواة وقررنا تالياً تأسيس التنظيم. حينها تساءلنا في البداية: ما هي شعارات هذا التنظيم، وكان الجواب: «وحدة، تحرر، ثأر». وكان شعار الثأر يشير بشكل اساسي الى عملية تحرير فلسطين. وبعدما بلورنا شعاراتنا التي كانت تعكس مضمون برنامجنا السياسي، برزت حركة جدل في اوساط الاطار المحيط بحركة القوميين العرب، تكثفت بالسؤال الآتي: لماذا لا نلتحق بحزب البعث؟ وفي ضوء ذلك التحق فريق من المحيط المتعاطف مع الحركة بحزب البعث، فيما بقي فريق آخر ملتحماً مع الحركة. وهنا أود لفت النظر الى مسألة في غاية الاهمية، وكانت تشكل لنا في حركة القوميين العرب ركيزة اساسية في رؤيتنا البرنامجية، وهي اننا كنا نرى في التلازم الجدلي بين تحرير فلسطين والوحدة العربية بعداً مهماً وضرورياً لا غنى عنه، لأننا كنا نرى في المشروع الصهيوني المندفع، مشروعاً استعمارياً توسعياً، يستهدف عموم المنطقة العربية والأمة العربية، وليس فلسطين فقط، وبالتالي ان مواجهة هذا المشروع يجب ان تتم من خلال مشروع قومي عربي يتجسد من خلال الوحدة العربية. ويكون في رأس جدول أعماله تحرير فلسطين باعتبارها جوهر الصراع وقضية العرب المركزية. ومن هنا كنا نشدد على قومية الصراع وقومية المعركة وقومية تحرير فلسطين. لكن البعث كان بعيداً نسبياً عن هذا الفهم الواضح. وأجزم بالقول ان تأكيدنا عملية الربط بين الوحدة العربية وتحرير فلسطين شكلت الأساس الذي خلّف امتدادات جماهيرية كبيرة وواسعة من حولنا، أوصلتنا بعد خمس او ست سنوات الى ان نكون احدى قوى حركات التحرر الرئيسية في المنطقة العربية.

> عندما توضحت اتجاهاتكم القومية، بأي المفكرين كنتم متأثرين؟
- من أبرز المفكرين القوميين الذين تأثرنا بهم قسطنطين زريق، وساطع الحصري.

> هل تأثرتم بفكر ميشيل عفلق؟

- كنت أحب ميشيل عفلق وأقرأ كتاباته، لكنني كنت أتساءل: لماذا يغيب عن فكر ميشيل عفلق، وهو الكاتب والمفكر اللامع، قضية الكفاح المسلح لاسترداد فلسطين؟ اضافة الى اني لم أكن مقتنعاً في تلك الفترة بضرورة طرح شعار الاشتراكية، هذا الشعار الذي تبنته الحركة لاحقاً، اذ أصبح شعار حركة القوميين العرب «وحدة، تحرر، اشتراكية، استرداد فلسطين». أنا اعتبر ان تطور شعارات الحركة بهذا الاتجاه كان يعبر عن المسار الطبيعي لآلية هذا التطور.

> الا تعتقد بأن إدخال شعار الاشتراكية أتى لتقوية عمليات المنافسة والصراع مع حزب البعث والشيوعيين؟

- لا لم يكن الهدف من تبني الاشتراكية منافسة الشيوعيين او البعثيين وإنما كان نتاجاً طبيعياً لتطور فكرنا. كذلك لعبت الاجراءات الاقتصادية التي اتخذها عبدالناصر في مصر على صعيد عمليات التأميم وإعادة توزيع الملكية الزراعية عاملاً اساسياً في تبنينا شعار الاشتراكية الذي تبنته «ثورة يوليو» لاحقاً.

> عندما نضجت حال وعيكم السياسي والفكري في بداية الخمسينات هل فكرتم في الانتقال من اطار العمل في اوساط الجامعة الى الاطار الجماهيري الأوسع؟

- نعم فكرنا في ذلك جيداً، وهنا برز سؤال مهم: هل نستطيع ان نأخذ على عاتقنا موضوع تشكيل حزب سياسي؟ كان جوابنا: اذا شعرنا بأن الشعارات التي نطرحها، خصوصاً في ما يتعلق بالكفاح والتمايز ستكون موضع تطبيق ونكون قادرين على تجسيدها وتمثيلها، حينها يكون جوابنا: نعم نحن قادرون على تشكيل حزب سياسي متميز. من هنا كانت مرحلة الأردن أول ساحة اختبار لقوتنا وسلامة شعاراتنا، وبالتالي مقدرتنا على بناء حزب وتنظيم جماهيري واسع.


العيادة - «القيادة»

> عمان الخمسينات كانت المحطة الأهم في تاريخك وتاريخ حركة القوميين العرب، كانت العيادة وكان وديع حداد وكان الاختفاء، والأهم كانت تجربة بناء حركة القوميين العرب، كيف تنظر الى هذه التجربة اليوم وأهم المحطات فيها؟

- بعد انتقالي الى عمان بستة أشهر عاد الرفيق وديع حداد الى عمان، وكنت تخرجت قبله بسنة. حينها قرر والدي ان يفتح لي عيادة في عمان، وكان والدي انساناً ميسور الحال يحبني كثيراً وأطلق لاحقاً على العيادة اسم «القيادة» لأنها كانت بمثابة غرفة عمليات لقيادة العمل الشعبي والجماهيري في الأردن. وهذه العيادة كانت تقع في شارع الملك طلال وقد بدأت العمل أنا والدكتور وديع حداد في العيادة بأجور رمزية جداً كنا نوظفها لسد بعض مصروفات الحركة. وفي تلك المرحلة كان الدكتور أحمد الخطيب عاد الى الكويت. وكان يتقاضى راتباً مقداره مئة دينار كويتي يحول منها تسعين ديناراً شهرياً كمصروفات للحركة. بدأت أنا والرفيق وديع بالدخول الى عمق العمل الجماهيري، خصوصاً وديع الذي كان دائم الحركة والفاعلية في الأوساط الشعبية، خصوصاً داخل المخيمات، حيث افتتحنا دورات محو أمية، وكذلك مستوصفاً لعلاج الجماهير. والجميع يعرف حالة الفقر التي كانت تئن تحته جماهيرنا في الأردن في ذلك الزمن. وكان لنا خط بناء آخر مواز للخط الجماهيري، يتمثل في بناء صلات مع الكثير من الشخصيات الوطنية في الأردن، وبالذات فئة البرجوازية الوطنية التي كان لنا بها صلات منذ أيام الجامعة الأميركية. وكان هذا بطبيعة الحال يعبر عن انفتاحنا على جميع فئات الشعب الوطنية. وعند اعادة قراءة تجربتنا في الأردن أستطيع القول بأمانة بأننا تمكنا خلال ثلاث سنوات من العمل الدؤوب والجاد، ان نوازي في قوتنا أحزاباً عريقة كحزب البعث، والحزب الشيوعي، وأصبحت حركة القوميين العرب احدى القوى الرئيسية العاملة في الأردن. خلال هذه الفترة أصدرنا صحيفة اسبوعية باسم جريدة «الرأي» التي رأس تحريرها الدكتور أحمد الطوالبه. ولعبت هذه الصحيفة دوراً مهماً جداً في التحريض على ضرورة تعريب الجيش الأردني، وطرد غلوب باشا الانكليزي رئيس هيئة أركان الجيش الأردني آنذاك. وأدى هذا بدوره الى قيام الحكومة بوقف الصحيفة.

في تلك الفترة كانت سورية تشهد حالاً من الانفراج والليبيرالية، فأصدرنا الصحيفة من سورية، وكنا نوزعها في الأردن الى ان جرت تحولات محدودة في عمان في العام 1956 في عهد حكومة سليمان النابلسي تجسدت بانفراجات سياسية على الصعيد الوطني العام. حينها عدت الى الأردن بشكل طبيعي. وفي تلك الفترة جرت انتخابات نيابية عامة وخضنا الانتخابات بكتلة من أربعة مرشحين، ولم يحالفني الحظ في النجاح إلا اننا في حركة القوميين العرب اعتبرنا ان الأصوات التي حصلنا عليها جيدة (مع الأخذ في الاعتبار انني كنت حينها شاباً صغيراً وفي بداية تجربتي النضالية والسياسية) وانجاز معقول لحركة سياسية فتية كحركة القوميين العرب. هذا أولاً، وثانياً كنا نرغب في قياس مدى عمق صلاتنا بالناس والشعبية التي نتمتع بها. وبعد الانتخابات بعام تقريباً دخل عامل مهم أثر في طبيعة الحركة، وتمثل هذا العامل بانقلاب النظام في الأردن على حكومة سليمان النابلسي الوطنية عام 1957. وكان لهذا الانقلاب تأثير كبير علينا، لكنه أفرز تجربة مهمة، اذ اعتقل الرفيق وديع حداد، وقررت أنا الاختفاء داخل الأردن لإعادة بناء الحركة ومواجهة المرحلة المقبلة التي كانت تتسم بالتسلط والقمع والملاحقة وكذلك البدء بممارسة الكفاح المسلح ضد العدو الصهيوني. وكنت أثناء اختفائي أقود العمل اليومي والسياسي داخل الأردن وفلسطين بشكل رئيسي. وبقيت على هذا الحال الى ما بعد قيام الوحدة بين مصر وسورية اذ غادرت الأردن الى سورية في كانون الثاني (يناير) عام 1959.

> هل كانت بنى حركة القوميين في الأقطار الأخرى ناضجة؟

- ليس في كل الأقطار العربية، ففي لبنان أكملت الحركة نضجها نسبياً، وأصبحت تنظيماً هرمياً من القيادة الى القاعدة. وكان من أبرز الشباب النشطين في تلك الفترة محسن ابراهيم، وشاب آخر على قدر كبير من الأهمية في كفاحه ونشاطه، خصوصاً في الجنوب اللبناني وهو المرحوم محمد الزيات الذي غادرنا مبكراً عن عمر يناهز 32 عاماً. وللإنصاف لعب المرحوم محمد زيات دوراً مهماً في أواخر الخمسينات اذ خاض الانتخابات النيابية في مواجهة قوائم وتكتلات للعائلات التقليدية والاقطاع الجنوبي، ولا بد من ذكر دوره بوصفه أحد الأركان المهمين في قيادة الثورة العام 1958 في لبنان ضد الرئيس كميل شمعون، هذه الثورة التي انطلقت من الجنوب اللبناني وامتدت لاحقاً الى مختلف الأراضي اللبنانية. وبالطبع كان هناك الرفيق أبو ماهر اليماني والرفيق أبو عدنان قيس والكثير من الرفاق المخلصين.

أما في سورية والعراق فكان وضع الحركة أقل نضجاً وأكثر بطئاً في فاعليته من لبنان والأردن، وذلك يعود الى وجود حزب البعث في كل من سورية والعراق بشكل قومي وفعال. الا ان تجربة القوميين العرب في كل من اليمن وليبيا والبحرين تستحق التوقف أمامها.


حصار بيروت

> كان حصار بيروت الامتحان الأصعب للمقاومة الفلسطينية، كيف كان الحكيم يعيش يوميات الحصار؟

- بطبيعة الحال كنت في بيروت عندما بدأت المعارك وكنت أمارس مهماتي الداخلية والخارجية. وكان لدي عشية الاجتياح مشروع لتوحيد القوى الديموقراطية في الساحة الفلسطينية لمواجهة العدوان الاسرائيلي المتوقع، والمخططات المرسومة لتصفية المقاومة. ولكن حتى أكون صريحاً معك لم نكن نتوقع ان تأتي الضربة الكبرى من اسرائيل مباشرة. كنا نعتقد ان الضربة المباشرة ستقوم بها الرجعية اللبنانية ممثلة بالجبهة اللبنانية ووحدات عسكرية نظامية. وتم تشخيص ذلك في مقررات المؤتمر الرابع للجبهة. وكان في ذهني باستمرار وجود مخطط لضرب المقاومة، وكان حجم هذا المخطط قائماً على اعتبار الرجعية اللبنانية أداته بالدرجة الأولى، ثم اسرائيل التي قد تكون حدود عدوانها الجنوب اللبناني فقط.

> كيف تقوّم أداء المقاومة في اجتياح 1982 بأمانة وصدق؟

- سأجيب عن سؤالك بمنتهى الصدق والمسؤولية: أداء المقاومة في مواجهة الاجتياح كان متفاوتاً. كان بائساً بمظهره الرئيسي في الجنوب وأقصد صور وصيدا، على رغم المواقف المشرفة التي شكلت مظهراً ثانوياً في بعض المواقع مثل النبطية وقلعة الشقيف وأرنون، وخاض خلالها المقاتل الفلسطيني قتالاً بطولياً ومشرفاً، وكان مثالاً للتضحية والتفاني. لو كانت المقاومة في الجنوب منظمة لتغيرت النتائج بعض الشيء، ولما تشجعت القيادة الاسرائيلية على الاندفاع وتوسيع رقعة الاجتياح باتجاه بيروت والجبل. وعندما اتضح المخطط الاسرائيلي وحجمه كنت على يقين انه لا يمكن ان يصمد في مواجهة هذا المخطط إلا إرادة جبارة بكل معنى الكلمة. ولم يكن في ذهني غير قرار الصمود وتحويل بيروت الى ستالينغراد ثانية في مواجهة الغزاة. وفي أول اجتماع للقيادة الفلسطينية عقدناه في منتصف حزيران (يونيو) قلت: نحن صامدون ومن يريد الصمود فليبق ويقاتل، وكانت الغالبية منسجمة مع هذا الرأي. خلال حصار بيروت كان أداء الثورة الفلسطينية في القتال أكثر تنظيماً، وقدم المقاتل الفلسطيني على مدار 86 يوماً من الحصار مثلاً رائعاً. دافع المقاتلون عن بيروت المحاصرة دفاعاً مستميتاً في ظل صمت عربي رسمي وهجوم اسرائيلي اطلسي مركز وكثيف، وعلى رغم قرار الخروج الذي حكمته جملة اعتبارات لبنانية داخلية وعربية واقليمية، شكلت معركة بيروت صفحة مشرفة في تاريخ الثورة الفلسطينية والأمة العربية، ولا يمكن لأي قائد فلسطيني ان يتجاهل التضحيات الكبيرة والجسيمة التي دفعها الشعبان الفلسطيني واللبناني ثمناً لهذا الصمود.

> أثناء فترة الحصار هل تعرضتم لضغوط من الحركة الوطنية اللبنانية، للخروج من بيروت؟

- في البداية كان قرار الجميع الصمود، ولكن مع مرور الوقت واشتداد الحصار، وتطبيق اسرائيل سياسة الأرض المحروقة، وشل كل مرافق الحياة بدأنا جميعاً نقوّم المرحلة وندرس امكان الصمود ومدى نجاعته. وعلى اثر تقويمنا المشترك بدأت أقتنع بأن لا ضرورة للعناد والدخول في مواجهة انتحارية، خصوصاً ان الموضوع لم يعد موضوع المقاومة والحركة الوطنية، بل اصبح موضوع الجماهير اللبنانية وشعاره تجنيبها المزيد من الضربات والخسائر، لأنني بت مدركاً ان شعار تحويل بيروت الى ستالينغراد أخرى مستحيل.

> عندما كان أبو عمار يفاوض فيليب حبيب عبر الرئيس شفيق الوزان وبعض الشخصيات اللبنانية هل كان يطلعكم على تفاصيل هذه المفاوضات؟
- يصف أبو عمار نفسه دائماً بأنه انسان ديموقراطي لكنه لم يكن كذلك، فهو لم يكن يطلعنا على تفاصيل مفاوضاته بالكامل مع فيليب حبيب، لذلك عليك ان تسمع لأبي عمار ثم تقوم أنت باستنتاج ما يريده أو ما يعرفه.

> قرار الخروج من بيروت، كيف تبلور؟ من اتخذه؟ ومن عارضه؟

- الغالبية الساحقة من قيادة المقاومة شاركت في اتخاذ قرار الخروج وأنا واحد منهم.

> ولكن كيف تبلور قرار الخروج؟

- الواقع ذاته هو الذي بلور قرار الخروج من بيروت، خصوصاً بعد اشتداد الحصار إذ أصبح لا بد من أخذ حال الجماهير اللبنانية في الاعتبار، وكذلك موقف الحركة الوطنية اللبنانية.

> ومن عارض قرار الخروج من بيروت؟

- اعتقد ان هناك بعض القيادات التي عارضت الخروج سواء داخل منظمة التحرير أو داخل كل فصيل، وعلى صعيد الجبهة كان الرفيق ابو ماهر اليماني من معارضي الخروج، اضافة الى خمسة اعضاء من اللجنة المركزية للجبهة.

> ماذا عن علاقتكم في «الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين» بكارلوس، وهل تعرفونه جيداً؟

- كارلوس مناضل ثوري وأممي، وبحكم انتمائه للفكر الثوري، جاء وتطوع للنضال الى جانب الشعب الفلسطيني وانتمى الى الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، ونحن في الجبهة الشعبية وفي الثورة الفلسطينية، كنا على الدوام نستقبل بكل ترحاب، كل أممي يأتي للانضمام الى ثورتنا ومناصرة قضيتنا، وكارلوس واحد من هؤلاء المناضلين. وشعبنا الفلسطيني الذي ضحى وناضل ولا يزال في سبيل حريته واستقلاله يدرك معنى الانتماء والتضحية، ولن ينسى كل من ناضل وضحى الى جانبه في نضاله المشروع، بل سيبقى حافظاً لهذا الجميل من دون أن يأبه لتشويهات الأعداء، لأن نضاله الذي حفظته له شرعة الأمم المتحدة يعتبر بنظرهم إرهاباً، بينما اسرائيل التي تمارس الإرهاب الرسمي على مستوى الدولة هي الضحية! ان تزوير حقائق التاريخ ليس بالأمر الهين أو السهل وان انطلى هذا التزوير لفترة فهو لن يدوم، وحديثهم عن الارهاب لن يضيرنا أو يخيفنا، بل سيجعلنا اكثر تصميماً على مواصلة النضال والتمسك بقيمنا الثورية والوطنية العادلة التي يحاول الغرب الرأسمالي تشويهها واعتبارها قيماً ماضوية طواها الزمن. معرفتي الشخصية بكارلوس معرفة عابرة، وعلاقته المباشرة كانت مع الرفيق الشهيد وديع حداد الذي كان مسؤولاً عن العمليات الخارجية في الجبهة.

01-28-2008, 05:31 AM
زيارة موقع العضو عرض جميع مشاركات هذا العضو إقتباس هذه الرسالة في الرد
{myadvertisements[zone_3]}


المواضيع المحتمل أن تكون متشابهة…
الموضوع الكاتب الردود المشاهدات آخر رد
  عدد خاص عن جورج حبش للتحميل Basic 2 1,974 02-14-2010, 09:36 AM
آخر رد: هاله
  ذكريات مع جورج حبش: «حكيم» الثورة الفلسطينية vodka 1 1,611 02-10-2008, 03:03 AM
آخر رد: vodka
  وداعا للحكيم : ملف الفقيد المناضل جورج حبش عزالدين بن حسين القوطالي 11 3,744 02-09-2008, 12:58 AM
آخر رد: ابن سوريا
  مدينة اللد تحتضن قداس ابن المدينة المناضل د.جورج حبش ابن سوريا 1 1,496 02-06-2008, 06:25 AM
آخر رد: ابن سوريا
  وداعا لايقونة فلسطين وداعا جورج حبش فضل 25 9,505 02-01-2008, 11:42 PM
آخر رد: فضل

الانتقال السريع للمنتدى:


يتصفح هذا الموضوع من الأعضاء الان: بالاضافة الى ( 1 ) زائر
{myadvertisements[zone_2]}
إتصل بنا | نادي الفكر العربي | العودة للأعلى | | الوضع البسيط (الأرشيف) | خلاصات التغذية RSS