الـقـبـر الذي نـبـعـت منه الميــاه
تجد الكثير من المحلات التجارية أو حتى بعض البيوت وقد علقت على جدرانها لوحة تصويرية
لأشجار غابة قيل أنها في ألمانيا , وقد تشكلت ( معجزة ) من جذوع تلك الأشجار لترتسم
عبارة التوحيد ( لا إله إلا الله محمد رسول الله ) , وما هذه اللوحة في الحقيقة سوى
مركب تصويري مزيف كاذب , في حادثة أخرى تجد صورة لمسخ غريب جدا نصفه إنسان ونصفه رأس
أقرب للقردة قيل بأنه لفتاة من دولة عُمان وقد رمت القرآن الكريم في وجه أمها فمسخها
الله على هذا الشكل ( حسب الرواية الكاذبة بالطبع ) , وما هذا التـكويــن المسخ في
الحقيقة سوى عمل تشكيلي ومجسـمـات لبعض الفنانين لتصور حالة التناسخ بين البشر وبين
الحيوانات , أيضا في صور قيل أنها التقطت عبر الأقمار الصناعية من الفضاء تصور لنا
منطقة شبه الجزيرة العربية وما حولـهـا مظلمة وعند منطقة الكعبة يشع نور واضح …! هــذا
أيضا تزيـيف وخـداع من خــلال برنامــج الفوتوشوف الحاسوبي الشهير , ولا ننسى قصص كثيرة
ملفقة مثل التي تقول بأن نيل أرمسترونغ أول رجل وطأت قدمه سطح القمر سمع صوت ( الله
أكبر) هناك...! وهذه أيضا فرية وكذب فاضح نفاه الرجل , فلا أعلم كيف سمع أرمسترونغ
أساسا هذا الصوت والقمر لا هواء فيه ينقل الأصوات بالإضافة إلى الخوذة التي يضعها الرجل
على رأسه…..!! ونسـمع عن قصص أغرب عن الجــن والعفاريت في ظهورهم للناس , ومقدرات بعض
المشـعوذين والدجـالين على جلب الغائب وفـك النحس والمقدرة على ضرر أو نفع أحد من الناس
, أوعن تيس يدر الحليب فأصبح الناس يتهافتون على هذه المعجزة الخارقة وهذا الحليب الذي
له قدرة على إبراء الناس من كل علة .!! وقصص عن شجرة دوما حيث نام الناس واستيقظوا من
نومهم ليجدوا بأن الشجرة التي كان ارتفاعها متر واحد وقد بلغت قمتها سطح كوكب المريخ
..! فهرع كل مخبول ساذج ليحظى بدوره للتـبـرك بـتـلك الشجرة السحرية المعجزة ….!!
والآن
خرجت قصة أيضا لا تبتعد كثيرا عن هذه الترهات وتلك الخزعبلات وهذا الجهل المطبق
والاعتداء الصارخ على العقل , في أن قبرا قرب مدينة طرطوس وقد نبعت المياه من
واحد من أطرافه , حيث رأس الشخص الميت ومن تحت الإسمنت , وتحاك تلك الـــكذبـة ليلبسها
البعض لبوس المعجزة , ويسبغون على المتوفى الذي يضمه الجدث قصصا أغرب من كــل خيـال
ممكن , ليتحول بين ليلة وضحاها وبعد مرور أكثر من سبعة وعشرين عاما ويصبح فجـــــأة
أحـد أوليـــاء الله الصالحين , ولتحاك قصص عنه بعد مرور كل تلك السنين التي كــــان
منـسـيا فيـها وتستجر قصص وخرافات عنه ما أنزل الله بها من سلطان , فالرجل هاجر لواحدة
من دول أمريكا اللاتينية وقضى فيها ما يقارب الخمسين عاما لم يتكلم فيها سوى لغته
العربية , وكان يتصدق على الناس , وكان رجل بر وخير ….إلخ من هالات نورانية غلفوها
لصاحب القبر , ثم تتم غريزة القطيع بتوكيد بعض الجهابذة من علماء المنطقة بأن الأرض
جافة تماما وما حولها , ولا إمكانية لتواجد مياه فيها على الإطــلاق , ولا يعلم علماء
الجيولوجيا هؤلاء مصدرها , وكأنهم بذلك يـســكـبـون عـلـى الأمر صفــات وعلل الخوارق
بدورهم …!! فهرولت الخلائق من كل حدب وصوب واتخذوا سبلهم بالآلاف نحو القبر لما سمعوه
عن مقدرة الماء السائح السائل المنبعث المنبجس من تحت رأس ( المرحوم ) على الاستشفاء
وعلى اكتساحه مقدرة الفيـاغرا أيضا ..! وبث الدم في كل العروق الجافة , وجعل العاقر
تحمل بعشرات من التوائم ولا ننسى ما لهذا الماء من بركة حميدة نادرة تبعد عنك الحسد
والهم والغم والشرور…..!! فبالله عليكم , ألا يكفينا ما نسبح فيه من وحل التخلف
والانحطاط بالعقل لأدنى درك ما يجعلنا ننحاز قليلا إلى جادة المنطق والصواب …؟ ألا
يكفينا ما نحن فيه من غباء وعتـه جمعي تـدعـمـه عادات وتقاليد أبسط ما تنعت بالبهيمية
والغريزية والهمجية والمشاعة …؟ والمســـتـغرب مع استهجان واشمئزاز حين نعاين تنامي
تجارة قامت على دراسة حال الغوغاء والسوقة في تكوين أمزجــتـهــم وشخصياتهم التي تقوم
على هذا الاستهزاء بالعقل , ليعملوا على افتتاح قنوات فضائية ربحية قوامها اللعب على
هذا الوتر من غباء وسخافة وسذاجة وتخلف العامة وهم كثر , قنوات تستضيف ســــادة
الشـعوذة والدجل والنفاق تحت مسميات كاذبة هدامة كثيرة أقلها مسمى ( الشيخ ) فلان
الــفــلانـي أو ( الشيخ العارف ) عــلان العلاني , وما هم في الحقيقة سوى مجموعة من
الـكاذبـين الأفــاقـيـن الذين يتكســبون عبر تلك الثغرات والفرج السوداء , فيلعبون
بذكاء وخسـة في دغدغة مفـضـوحـة لعقول كثير من المتتبعين من ضعفاء اللب ومسلوبي الإرادة
من جمهور كبير جـلـه من الـســيدات وربــات المنازل كونهن الأكثـر متابعة لما يفرضه وقت
التواجد في المنزل , فنخرج هكذا بنسبة عاليــة من أمهــات مغسولات الأدمغة تقع على
عاتقهـن مهمة بناء وتربية جيــل يفترض فيه أن يكون واعيــا لقضاياه وتحديات عصريـة
أبسطها اللحاق بقطار العلم والحضارة واحترام المنطق , كل هذا يدعونا لأن نرفع وتيرة
ونبرة الصوت تنبيها لما يراد بنا من كوارث تدمر المـركـز الأول للإنســان ألا وهو العقل
, كل هذا يدفعنا للوقوف وبقـوة أمــام هــذا الــمــد الخطير لنواجهه بكل ما لدينا من
وســائل فعالة تدحضه في استئداء للمعرفة قبل كل شيء , ألا نتعظ ونتفكر بدعوة الشاعر حين
يقول : العلم لاح لأهل الغرب فيه سـنا ….العلم قـدَّمـهم والجهل أخـَّـرنا ….؟ وليكن
الإعـلام خـيـــر وســـيـلة للتوعية والتنوير ضد الجهالة والتخلف , لا أن يفتح الإعلام
خطوطه الهاتفية ووسائل اتـصــالاتـه من أجـل سرقة المشاهدين وفوق هذا تدمير بيوتهم
ومجتمعاتهم …! الله أعظم وأجل وأكبر من كل تلك الموبقات التي يحاولون إلباسها ثياب
الدين والدين منها براء , كبرت كلمة تخرج من أفواههم , فالدين رسالة علم وعقل وبيان حجة
, والمعجزات انقطعت بانقطاع الوحي , أما عن الكرامات فلا أعتقد بأنها ستهبط على شيوخ
قنوات الدجل والكذب ومن تستقبلهم من مذيعات أشد تفاهة و نفاقا من ضيوفهن , أفلا
تتحدون على اختراع شريحة حاسوب آلي , أفلا تتحدون على صناعة حصادة آلية متطورة ,
افلا تتحدون على النهوض بصناعة تقنية متطورة تدعمون بها أنفسكم وبلدانكم خير من
الوقوع في هذا الغباء المطبق ...؟ كل الخـوف مثـلا أن نفـاجـــأ بـإعلانات لتســويق أحدث أنــواع من الميـــــاه الشافية
والتي تدخل على الأفئدة العافية , اشـرب وانتعش وارو ظمأك ويسِّــر البركات لقلبــك مع
ميــاه ( الـمـقـبـــرة ) المعدنية , مياه المقبرة مياه مباركة تنبع من أعالي رؤوس
الموتى , مياه المقبرة تضمن لك أن تخلف ولدا في مطلع كل شهر لا تسعة أشهر , فهي مياه
مباركة خالصة …!
أحمد علي المصطفى
|