ربما يكون السيد حميد الشاكر مرهف الحس، وربما شاعراً يحب أن يُحلّق في أجواء الكلمة المقروءة، ولكن الذي يهمني أنه كتب مقالاً مطولاً عن كلمة " اقرأ " واسبغ عليها من المدح والصفات ما يفوق كلمة " يوريكا " ُEureka التي نطق بها عالم الرياضيات أرخميدس عندما اكتشف نظرية الثقل النسبي Relative Density. وهذه الكلمة فتحت أبواب البحث لكافة العلوم الأخرى. والسيد الشاكر يتابع إنعطافات وتموجات كلماته لدرجة تجعل من الصعب متابعة ما يرمي إليه. وهو يبني نظرياته على افتراضات غير صحيحة، فهو مثلاً يقول: " كما انه من صفات البحوث والاستكشافات الناجحة انها ترجع لبحث نقطة البداية - ايضا - والتوقف والتأمل بهذه البداية وهذا المنطلق ، باعتبار ان كل مشروع او محاولة ..، كتب لها النجاح في العالم الانساني ، لابد وان يكمن السرّ والقوة في اللبنات الاساسية والقواعد الابتدائية التي بنيت عليها تلك التجربة واقيم عليها ذالك المشروع ؟." وهذا الافتراض ما هو إلا نصف الحقيقة لأن كل المشاريع والنظريات حتى التي فشلت منها يرجع سبب فشلها إلى اللبنات الأولى في بناء تلك النظرية. فمثلاً نظرية ماركس الشيوعية فشلت لأنها بُنيت على لبنات افتراضية هشة تتعارض وطبيعة الإنسان الأنانية، ولذلك فشلت. فالبحوث الناجحة لا تُعنى فقط بالتجارب الناجحة. ومثال آخر للافتراضات الخاطئة هو قوله: " فكان لابد والحال هذه من ان تكون الولادة والبداية هي القوة وهي الضعف بنفس اللحظة ، القوة عندما تكون البداية واضحة لا لبس فيها ، والضعف عندما تكون الولادة والبداية غامضة او مفقودة الوجود لسلسة الحدث التاريخي او الفكري او الانساني " فالمعلوم أن اكتشاف العجلة كان من أهم الاكتشافات التي أدت إلى تطور الإنسان، لكننا نجهل نقطة البداية لهذا الاكتشاف العظيم، ولا نعلم أين أو متى اكتشفت العجلة، ولكن هذا الجهل بالتاريخ لا يُضعف من أهمية الاكتشاف.
ثم يبدأ السيد حميد الشاكر بتقديس الإسلام وإعلائه على الديانات الأخرى فيقول: " ان الاسلام وباعتبار انه ملتفت لما ذكرناه آنفا من موضوعة الولادة واهميتها الفكرية والنفسية والروحية والتاريخية ...، اراد ان تكون ولادته التاريخية والانسانية والفكرية والنفسية .....، ولادة مختلفة في كل ابعادها الايحائية والفكرية ، كما انه استهدف ان يكون حدث ولادته التاريخية حدث له من الوضوح والقوة والتواجد ما لم يجد في غيره من الحركات والاديان والفلسفات " فما هو اختلاف الإسلام عن الديانات الأخرى في الأمور الإيحائية. ففي كل الأديان السماوية بدأ الوحي من السماء إلى موسى ومن جاء بعده بكلمات من إله السماء. وهذا هو نفس الذي حدث مع رسول الإسلام عندما هبط عليه جبريل بالوحي. ونحن لا نستطيع أن نجزم ما هي أو كلمة قالها إله السماء لموسى، ولا نستطيع أن نجزم كذلك بما قال جبريل لمحمد، ولكن محمد أخبرنا أن جبريل قال له " اقرأ " ولا يعني هذا أن هذه كانت أول كلمة قالها له. ولكن لو سلمنا بأنها كانت أول كلمة قالها له، ما هي أهمية كلمة " اقرأ " حتى يدبّج السيد الشاكر المقالات الطوال في مدحها. فإله السماء عندما أعطى موسى الألواح المكتوبة لا بد أنه طلب منه أو توقعه أن يقرأها، وإلا كان إعطاؤه الألواح مجهوداً ضائعاً إن لم يقرأها موسى أو أحد الأشخاص الذين كانوا معه. فعملية القراءة هنا تُفترض من دون أن يصرح بها إله السماء. فإذاً محمد ليس أول من طُلب منه أن يقرأ. ثم إذا كانت القراءة بهذه الأهمية في الإسلام، لماذا اختار الله نبياً أمياً لا يقرأ ولا يكتب، حسب زعم المسلمين ؟ فمن الصعب تصور أن الله اختار النبي الأمي ثم كانت أول كلمة له أن أمره أن يقرأ. ومع أهمية القراءة هذه لم يهتم النبي بفتح مدارس لتعليم المسلمين وأطفالهم القراءة والكتابة، وعندما مات النبي كان عدد الأشخاص الذين يستطيعون الكتابة والقراءة محدوداً لدرجة أن كتب السيرة تعدد أسماءهم.
واستمر السيد حميد الشاكر في تمجيد كلمة " أقرأ " فقال: " ان الكلمة القرانية ( اقرأ ) وكولادة للمشروع الاسلامي في الارض ، وكأعلان اولي لبداية تحرك رسالي ، وكرمزية فكرية ومعنوية ملفتة للنظر تجذب الباحث عن بداية الولادة ، وترغم المفكر على التأمل الهادئ في مثل هذه الولادة الغريبة العجيبة ............................، غريبة بسبب كونها ولادة ذكر التاريخ جميع تفاصيلها الدقيقة ، وقسمات وجهها المشرق ، بحيث ان هذه الولادة وبوضوحها الملفت للنظر ، انعكست بصورة تحدي لجميع المشاريع الرسالية السماوية الاخرة والمقارنة بينهما والتساؤل عن البدايات الاخرى ولماذا لم تتوفر على نفس الوضوح التي امتازت به الولادة الاسلامية هذه ، وعجيبة لكون الكلمة الاولى في المشروع الاسلامي قد ذكرت بصيغة ملفتة للنظر ، فمن النادر ما تذكر أول كلمة بنيت على قواعدها مشاريع ثورية انسانية غيرت من الحياة الانسانية ." ومع أني لم أفهم شيئاً مفيداً من هذه الجملة المنفلوطية الطويلة، إلا أني أظن أن السيد الشاكر قد أخطأ هنا حينما ظن أن القراءة غيرت من مجرى حياة الإنسان. فالقراءة لم تغير من مجرى حياة الإنسان، إنما اختراع اللغة هو الذي أثر في مجرى حياة الإنسان وميزه عن الحيوانات الأخرى. فاللغة مكنت الإنسان من تبادل المعلومات والتجارب مع الأشخاص الآخرين وبالتالي أصبح في إمكانه أن يناقش الأفكار التي تخطر بباله ويأخذ الصالح منها ويترك الطالح. وظل الإنسان على مدى سبعة أو ثمانية ملايين من السنين يجوب بقاع الأرض المختلفة ويرحل من قارة إلى قارة، ويصطاد ويرسم على جدران الكهوف ويكتشف النار ويصنع الآلات البدائية التي تساعده على الزراعة والحصاد دون أن يكتب كلمةً واحدة أو يقرأها. وكان السومريون هم أول من اخترع الكتابة، حوالي العام 3000 قبل الميلاد. وربما اخترع قدماء المصريين والصينيون الكتابة في وقت قريب من وقت اختراع السومريين لها. فالقراءة والكتابة تمثل لمحة قصيرة في تاريخ البشرية الطويل. وتجدر الإشارة هنا إلى أن أعظم الفلاسفة في تاريخ البشر، وأعني سقراط، انتج كل فلسفته العظيمة هذه دون أن يكتب كلمةً. فكل ما جاءنا من فلسفته كتبه تلميذه إفلاطون بعد موته. والنبي محمد أمر أتباعه ألا يكتبوا أحاديثه ولا سيرته، ولم تكتب الأحاديث إلا بعد مرور مائة وخمسين عاماً على وفاته. فكلمة اقرأ ليست بهذه الأهمية التي اسبغها عليها السيد حميد الشاكر. كل الذي فعلته الكتابة أنها ساعدت الإنسان على تدوين المعلومات وقللت من ضياعها إذ أن ذاكرة الإنسان قابلة للنسيان وضياع المعلومات. ولو أسهب السيد حميد الشاكر في مدح آلة الطباعة لوافقناه في ذلك لأن المطبعة مكنت الإنسان من تبادل المعلومات على نطاق واسع بعد أن كانت محصورة في دوائر صغيرة قريبة من الشخص الذي يكتب.
ويستمر السيد حميد في تمجيده لكلمة اقرأ، فيقول: " فمن النادر ما تذكر أول كلمة بنيت على قواعدها مشاريع ثورية انسانية غيرت من الحياة الانسانية ، كما انه من الصعب تماما وفي كل التاريخ الانساني ان تذكر او تكتشف الكلمة الاولى التي اسست لبناء أمة ولدت من انقاض وجود اجتماعي مهترئ وممزق ؟." ولكننا نستطيع أن نذكر أول كلمة قيلت لبناء أمة أخرى عظيمة، وتلك الكلمة أو الكلمات قالها عيسى بن مريم بمجرد أن وضعته أمه: " فناداها من تحتها ألا تحزني قد جعل ربك تحتك سريا " (مريم/24). فهذه كانت أول كلمات قالها عيسى، ولا بد أن تكون بإيحاء من الله، أدت فيما بعد إلى ولادة أمة مسيحية عظيمة غيرت وما زالت تغير العالم بأحسن مما غيرته به الثقافة الإسلامية.
والسيد حميد الشاكر كاد أن يعبد كلمة اقرأ حينما قال: " فولادة الاسلام من رحم الكلمة ( اقرأ ) دليل لا يقبل الشك ، ان هذا المشروع السماوي ليس هو (افيون ) كما انه ليس المشروع الذي يعمق من حالة الجهل لاستغلال البساطة البشرية لاغراضه اللارسالية ، بل هو مشروع تفكر وتأمل وتنوير .....، ودفع نحو العالم الثوري الممون على قاعدة ( اقرأ = تفكر تأمل تثقف تنبه تعلم ...الخ ) ، والذي يكوّن عالما مناقضا تماما لعالم المستبدين والظلمة والمستغلين والمنحرفين ......، الذين يسعون جاهدين لقتل روح العالم المتفكر عالم ( اقرأ ) الذي يكشف كل مداخل ومخارج اساليبهم المستغلة من خلال التنوير الفكري الذي تطرحه كلمة ( اقرأ ) الثورية ؟." وأنا لا يخامرني أدنى شك في أن الله لم يقصد من كلمة اقرأ كل هذه الافتراضات التي قال بها حميد الشاكر إذ أن الله أرسل نبياً أمياً لعرب أميين : " هو الذي أرسل في الأميين رسولاً منهم يتلوا عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين " ( الجمعة/2). ونلاحظ هنا أن الله قال " يتلوا عليهم آياته " ولم يقل " يقرأ عليهم " والتلاوة طبعاً تكون عن طريق حفظ الآيات عن ظهر قلب ثم تلاوتها، وهذا يختلف عن القراءة والكتابة. أما الذين يسعون لقتل روح العلم فليسوا هم المستبدين والظلمة والمستغلين، إنما هم فقهاء الإسلام الذين صلبوا واحرقوا المفكرين مع كتبهم وصلبوهم بعد القتل وكونوا محاكم الزنادقة في عهد الخليفة المتوكل لتحرق كل من قال بخلق القرآن أو اتهموه بالانتماء إلى فرسان العقل المعتزلة وكذلك القدرية. وما محاربة حجة الإسلام أبو حامد الغزالي للفلاسفة إلا برهان على أن فقهاء الإسلام اغتالوا الفكر التنويري في مهده ولم يعبأوا بكلمة " اقرأ ".
واستمر السيد حميد فقال: " كما ان اقرأ وبهذه الممونات المعرفية القرآنية هي ليست مجرد مفهوم ما للقراءة من نفع ورقي فحسب ، بل هي فعل امر ودعوة صريحة للدخول في عالم الكلمة المقروءة ليس في هذا الجانب فحسب بل وفي كل الجوانب المعرفية ايضا ، فالقراءة سلاح بالامكان ومن خلال دخول هذا المضمار الحضاري ان تنفتح على باقي العالم المقروء ايضا ، وبدلا من ان تعيش بين جدران الجهل الكتابي ، انت الان مع كلمة ( اقرأ ) القرانية توسع من افاقك المعرفية لتنفتح على زوايا الفكر العالمي الاخر حديثا وماضيا ، فنقرأ الفارابي وبن سينا وابن رشد والصادق وول ديورانت ، كما نقرأ مارك ونيتشه ولوك ...الخ ، من هذا العالم المقروء ، فهل يحق بعد هذا لمارك او نيتشه - مثلا - ان يتمشدق بالتنويرية ، بعد ان اسس الاسلام لميلاد كلمته القرانية بهذه الصورة من التألق ؟" وأرجو أن يعذرني السيد حميد لأني لم أفهم ماذا يقصد بكلمة " الممونات " ولكن سياق الجملة يوحي بأن العالم لم يعرف القراءة والعلم إلا بعد أن جاء محمد بكلمة " اقرأ ". وهذا طبعاً بعيد عن الحقيقة بعد الشمس عن الأرض، إذ أن قدماء الأغريق قد عرفوا علم الحساب ودرسوا النجوم ودونوا أصول الفلسفة قبل أن يأتي محمد بألفين أو ثلاثة من السنين. وأما ابن سينا وابن رشد والفارابي وغيرهم لم يتألق نجمهم إلا بعد أن قرأوا الفلسفة والطب اليوناني المترجم. فاليونانيون لم يحتاجوا إلى كلمة " اقرأ " تأتيهم من السماء قبل أن يتفوقوا في العلم.
وفي مغالطة واضحة للحقائق يقول السيد حميد: " ولا ريب والحال هذه من القول ان الولادة ان لم تكن بكلمة ( اقرأ ) القرانية فسوف يكون تشييد البناء الاجتماعي ، او الفكري او النفسي مختلف تماما ما لو كانت الكلمة ( اقرأ )هي التأسيس المعرفي لمنظومة الفكر الاسلامي والانساني فيما بعد - اي - ان كلمة اقرأ وباعتبار انها المقدمة ومشروع الولادة ، لم تكن تستهدف بناء وانشاء أمة قارئة فحسب ، وانما هي ستساهم ايضا في انفتاح هذه الامة واعتبار ممون فعل القراءة ممون انساني ، وغير مسموح عندئذ ممارسة منع القراءة ومنتوجاتها الطبيعية لهذه الامة من التفكير في المقروء والاخذ من نتاجاته الانسانية والتي تعتبر الأس الطبيعي لمفهوم اقرأ ، وهذا المنحى هو ما دفع المسلمين للانفتاح على النتاج العلمي للامم الاخرى بينما بقت الامم الاخرى منغلقة عن الانتاج او غير متأثرة بهذا الانتاج الفكري للعالم الانساني ؟." ومع أن السيد حميد يقول إنه غير مسموح عندئذ ممارسة منع القراءة ومنتوجاتها، فالتاريخ يخبرنا بغير ذلك. يقول ابن خلدون في تاريخه: " ورأى النبى صلى الله عليه وسلم في يد عمر رضى الله عنه ورقة من التوراة فغضب حتى تبين الغضب في وجهه ؛ ثم قال : " ألم آتكم بها بيضاء نقية ، والله لو كان موسى حياً ما وسعه إلا اتباعى " فهاهو الرسول يمنع عمر من قراءة التوراة. ويقول الذهبي في كتابه " تاريخ الإسلام " : " : أنبأ الحسن بن مسلم، عن سعيد بن جبير، أن ابن عباس كان ينهى عن كتابة العلم، وأنه قال: إنما أضل من كان قبلكم الكتب ." وغريب أن يقول السيد حميد إنه غير مسموح ممارسة منع القراءة، بينما يمنع الجامع الأزهر وما شابهه في كل البلدان المسلمة الناس من قراءة الكتب التي لا توافق مزاج ومفهوم شيوخ الإسلام. فقد صادر الأزهر قريباً كتاب " مدعو النبوة في التاريخ " لمؤلفه الصحافي وليد طوغان. وصادر كذلك كتاب " ملامح النصوص الأدبية في العصر الحديث " للدكتور عبد الحميد علي، عميد كلية اللغة العربية في جامعة الأزهر بالزقازيق. كما صادر كتب فرج فودة وطه حسين وحامد أبو زيد وغيرهم من المفكرين. ومن الغريب أن يكون الإسلام قد بدأ رسالته بكلمة " اقرأ " وبعد ألف وأربعمائة سنة ما زالت نسبة الأمية في العالم الإسلامي أعلى نسبة أمية في عالم اليوم.
وبالطبع لا يمكن أن يختم السيد حميد الشاكر مقالته الطويلة دون أن يذكر علي بن أبي طالب، فقال: " ان انسانا كعلي ابن ابي طالب ( ع ) كان ينظر بنوع خاص لولادة الكلمة القرانية ، ولبداية المشروع ، كما انه نظر للنهاية بنوع خاص ايضا ، فالنهاية وان كانت عظيمة وناجحة بكل المقاييس الانسانية والرسالية السماوية ، الا انها تمثل انعكاسا وتعبيرا عن اهمية البداية والولادة ايضا ،سواء كانت النهاية مأساوية او تكون النهاية ناجحة ومنتصرة ؟." ثم قال: " يرى علي بن ابي طالب ( ع ) انه على الولادة ترتب لملمت شتات امة ، وولادة انسان يحمل الصفات الانسانية ، ، ويرى ان الولادة والبداية كانت هي بداية وولادة لمشروع تآلف ومحبة واجتماع وتآزر ، وهي صلة ارحام ونماء اقتصادي وعدالة اجتماعية ، وهي حقبة نور والتفات الاهي ، وقرب رباني ، وهي شعور بالوضوح وعدم اللبس ، وهي مرحلة جواب لاسئلة الانسانية الغامضة ، وهي خط اتصال بين صاعد ونازل كوني وانساني ، الاهي وبشري ...الخ ، كل هذه المعاني وغيرها كان يختصرها علي ابن ابي طالب (ع ) بمرحلة الولادة والبداية ، كما كان ينظر للنهاية او لمرحلة اغلاق المنافذ الكونية وانتقال الانسان الرسول ، وانقطاع الاتصال المباشر بين الكون الفسيح والانسان ...، على اساس انها فرصة سوف لن تعوض مرة اخرى للانسانية ، كما انها سوف لن تمنح بعد هذه الفرصة من اللقاء فرصة اخرى مشابهة في العظمة:(بأبي انت وأمي يارسول الله ، لقد انقطع بموتك مالم ينقطع بموت غيرك من النبوة والأنباء ....، ولولا أنك أمرت بالصبر ، ونهيت عن الجزع لأنفدنا عليك ماء الشئون ولكان الداء مماطلا والكمد محالفا وقلاّ لك ..) وكل هذا الوجد على مرحلة النهاية كان تعبيرا حيا حول عظمة البداية وكيف هي كانت اكبر واعمق بكثير مما يتصوره العقل المادي المحدود ؟." وكل هذه الفقرة عبارة عن حشو لا يزيد في فائدة المقال إذ أن علي بن أبي طالب لم يكن الوحيد الذي حزن لموت الرسول، فقد سبقه عمر بن الخطاب وأقسم أن يقتل من يقول إن رسول الله قد مات. وهذا ما قصد إليه كارل ماركس عندما قال الدين أفيون الشعوب.
وقد ألغى السيد حميد كل ما جاء في مقاله عندما قال في آخره: " هل حقا نحن على مستوى من الرقي لندرك ان الكلمة المقروءة أنسانا ينبغي احترامه والتعامل معه بكل نضج ، فضلا ما لو كانت تلك الكلمة هي الكلمة القرانية والتي ينبغي ان نضعها في حيزها الطبيعي داخل حياتنا النفسية والفردية والاسرية والاجتماعية ولنراها من ثم كائنا متجولا بين مفردات حياتنا المتألمة ؟.
ألم يأن الاوان لندرك أننا نعتقل الكلمة القرأنية بين جدران النسيان ، كما نعتقل كلمة الفكر والعلم والمعرفة في زنازين الذاكرة ، ولذالك هي كلمة غير فاعلة ولا بانية ولا مؤثرة في واقع حياتنا الانسانية ؟.
وكيف لكلمة لا تملك حريتها ان تنطلق في حياتنا لتبني وتقيم وتشيدّ انسانا متأثرا بالكلمة ( آقرأ ) ؟. لا بل الانكى كيف لكلمة تنويرية مثل ( آقرأ ) تقتل وتدمر بأسم الافيون والتخلف ؟. "