مقدمة:
إنّ الاهتمام بالتراث العلمي الذي خلفه المسلمون، واحد من سمات النهضة العربية الإسلامية، فبعد حالة النكوص و الغفلة، استيقظ الكثير من أبناء هذه الأمّة لنفض الغبار الذي غطى معالم و مفاخر هذه الحضارة، التي أنارت للبشرية الطريق في وقت كانت تعاني أمم أخرى من الجهل و التخلف؛ لكن هناك من لا ينتمون لهذه الأمة، و مع ذلك فقد اهتموا بالتنقيب عن التراث و بحثه، و أقصد بهؤلاء "المستشرقون" و منهم "غولدتسهير" و "شاخت" حيث درسا علم الحديث لا ليتبينوا قدرة المسلمين على الدرس العلمي، بل للتشكيك فيه و طمس سماته العلمية، و لقد وُجد من أبناء الأمة من اقتنع بذلك، فراحوا يرددون ما يقوله هؤلاء على غير هدى و لا بصيرة.

فالسنّة النبوية الشريفة عانت في الماضي من الوضع و الكذب عن رسول الله r، واليوم تعاني من هجمة جديدة، تشكك فيها كمرجع للتشريع الإسلامي لعدم ثبوتها للنبي r، بل تعتبرها من وضع علماء الحديث خدمة للسلاطين و الملوك آنذاك. الأمر الذي ينزع عن علم الحديث صفة العلمية، و هذا الذي دفع بالكثير من المخلصين لهذا الدين و لهذه الثقافة أن يهبوا مرّة أخرى لفضح هذه الدعاوى، و إجلاء الحق و دحض شبهات المغرضين.

و سأحاول في هذا البحث المتواضع أن أطرق هذا المسلك منطلقاً من الإشكالية التالية:

هل كون علم الحديث علماً شرعياً و ارتباطه بالدين الإسلامي ينزع عن صفة العلمية؟ وهل مهمة تحر أحاديث رسول الله r تخرج عن الضوابط العلمية؟ و هل لمنهج علماء الحديث قيمة معرفية و منهجية يعتد بها في العلم؟ و هل بإمكان عالم الحديث أن يكون موضوعياً في بحثه و تحريه أم أنّه يحكم هواه و نوازعه الذاتية؟

و للإجابة عن هذه الأسئلة ارتأيت أن أسلك منهجا يجمع بين التتبع التاريخي و الوصف و التحليل ثمّ الاستنتاج و التركيب، لذلك كانت خطة البحث أن أبدأ في الفصل الأول بضبط المفاهيم، كمعنى الحديث و السنّة، ثمّ تعرضت لأقسام علم الحديث (رواية و دراية)، و ما يتفرع عنهما من علوم، و بعد ذلك عرضت بإيجاز للتطور التاريخي لعلم الحديث من عهد الصحابة y إلى وقتنا الحالي، ثمّ حاولت بيان أسباب نشأة علم الحديث.

أما الفصل الثاني فقد خصصته لعرض و بيان منهج علماء الحديث و طريقة جمعهم للسنّة و دراستها و تمحيصها، كما عرضت بعض ضوابط علم الحديث رواية في تحمل الحديث و كيفية أدائه و شروط كتابته و الآداب الواجب توفرها في عالم الحديث و طالب العلم.

أما الفصل الثالث فتعرضت فيه لبيان القيمة العلمية لعلم الحديث أولاً من حيث المنهج، وثانياً من حيث المضمون(أو من الناحية المعرفية).

و أخيراً ختمت البحث ببيان أهم النتائج التي توصلت إليها.

و الله نرجو التوفيق و السداد.

آفلو يوم: 13 / ماي / 2007.



الفصل الأول: ضبط المفاهيم:
تعريف علم الحديث:
لغة: الجديد في الأشياء، كما يعني الخبر يأتي على القليل و الكثير([1]).

اصطلاحاً: ما أضيف إلى النبي r من قول أو فعل أو تقرير، أو وصف خُلقي أو خِلْقي.

و قال "ابن حجر" في (شرح البخاري): « المراد بالحديث في عرف الشرع ما أضيف إلى النبي r و كأنّه أريد به مقابلة القرآن لأنّه قديم»([2]).

تعريف السنّة:
لغة: الطريقة أو السيرة محمودة كانت أو مذمومة.

اصطلاحاً: عند المحدثين: « تعني ما أثر عن النبي r من قول أو فعل أو تقرير أو صفة خلقية أو خِلقية سواء قبل البعثة أو بعدها، و هي بهذا ترادف الحديث»([3]).

كما تطلق السنّة على ما أضافه الصحابة أو التابعين، و دلّ عليه دليل شرعي مثل: جمع المصحف في كتاب واحد، و يقابلها "البدعة"([4]).

فالحاصل من التعريفين أنّ الحديث أخص من السنّة بتعلقه بما أثر عن رسول الله r، بينما السنّة تشمل ما أضافه الصحابة؛ إلاّ أنّ علماء الحديث لا يفرقون بينهما و يستخدمون المسميين للدلالة على المعنى نفسه، أي ما اثر عن رسول الله r.

أقسام علم الحديث:
ينقسم علم الحديث إلى قسمين رئيسيين هما:

علم الحديث رواية:
« هو العلم الذي يقوم على نقل ما أضيف إلى النبي r من قول أو فعل أو تقرير أو صفة خُلقية أو خِلقية نقلاً دقيقاً»([5]).

أي يعتني علم الحديث رواية بجمع و تدوين ما يروى عن الرسول r، سواء كان قولا أو حديثا تلفظ به من غير القرآن، أو فعلا فعله تعبدي كان أم عادي يرتبط بشؤون حياته، أو ما أقر عليه أصحابه بالثناء على ما فعلوا، أو بالسكوت عن ذلك، بالإضافة إلى ما اتصف به من صفات خُلقية و خلقية.

علم الحديث دراية:
عرّفه "ابن الأكفان": « علم الحديث الخاص بالدراية: علم يعرف منه حقيقة الرواية، وشروطها، و أنواعها، و أحكامها، و حال الرواة و شروطهم، و أصناف المرويات و ما يتعلق بها»([6]).

أي: موضوع علم الحديث دراية، بيان القواعد و الشروط التي بها تعرف حالة الراوي، و مدى توفره على الصفات التي تقتضي قبول روايته، كما يبيّن هذا العلم الشروط التي بها تعرف صحة الرواية، و لأهمية هذا العلم و توسع علماء الحديث في بحثه و وضع شروطه تفرع إلى عدّة علوم نذكر منها:

علوم رواة الحديث: الذي يشمل بدوره علوماً أهمها:

علم الجرح و التعديل: فالجرح لغة يعني: إحداث جرح في البدن يسيل منه الدّم، واصطلاحاً: يعني ظهور وصف في الراوي يثلم عدالته أو يخل بحفظه و ضبطه، مما يترتب عنه سقوط رواته أو ضعفها أو ردها، أما التعديل: أصله العدل و هو الاستقامة و التزكية، واصطلاحاً: يعني وصف الراوي بصفات تزكيه و تظهر عدالته و يقبل خبره؛ و من هذا معلم الجرح و التعديل يعني: « العلم الذي يبحث في أحوال الرواة من حيث قبول روايتهم أو ردها»([7]).

علم تاريخ الرواة: و هو العلم الذي يعنى بترجمة الرواة و ضبط أحوالهم في الميلاد والوفاة، و طبقاتهم و أوطانهم، إلاّ أنّ هذا العلم ليس مجرد سرد تاريخي لحياة الرواة، بل هو دراسة نقدية سمحت لعلماء الحديث بتمييز الثقات من الضعاف، و قد كان لهذا العلم الأثر الحسن في معرفة اتصال الأسانيد أو انقطاعها، و فضح الكاذبين و كشف أحوالهم([8]).

علم علل الحديث: العلّة تعني المرض، أمّا في اصطلاح المحدثين فيعني: « العلم الذي يبحث عن السباب الخفية الغامضة من جهة قدحها في الحديث»([9]).

علوم المتن: يقصد بالمتن لغة: كل شيء ما صلب ظهره، كما يعني ما ارتفع و صلب من الأرض. أما اصطلاحاً: فيعني ألفاظ الحديث التي تتقوم بها معانيه([10])، و بهذا تنقسم الأحاديث النبوة إلى: الحديث القدسي، و الحديث المرفوع، و الحديث الموقوف، و الحديث المقطوع...

علوم السند: يقصد بالسند لغة: ما ارتفع من الأرض، و اصطلاحاً: سلسلة الرواة الذين نقلوا المتن عن مصدره الأول([11])، و بهذا ينقسم الحديث على متصل، مسند، معنعن، مسلسل عالي، مسلسل نازل، المنقطع المرسل، المعلق، المعضل، المدلّس...

كما أنّ هناك علوماً أخرى نجمل ذكرها كعلم مختلف الحديث و مشكله، علم أصول الحديث، علم أسباب ورود الحديث، علم ناسخ الحديث و منسوخه...([12])

تاريخ و أطوار علم الحديث:
شاع بين المؤرخين و المهتمين بعلم الحديث أنّ تدوين الحديث ظهر متأخراً حتى عهد "عمر بن عبد العزيز"t، بل يذهب المستشرق "غولد زهير" إلى القول أنّه بدأ في القرن الثاني للهجرة([13])، إلاّ أنّ هذا الرأي غير دقيق، بل ستترتب عنه نتائج و اتهامات خطيرة تعصف بعلم الحديث و ما جمع من روايات، حيث انتهي "غولدزهير" إلى أنّ ما جمع – من أحاديث – وافق فقط أهواء و آراء و قناعات الجامع – العلم الذي جمع الأحاديث – ([14])، لذلك يجب علينا أن ندقق في هذه المسألة، للرد على هذه الشبهة بالتوثيق العلمي و التدقيق التاريخي، فعلم الحديث مرّ بالمراحل التالية:

الحديث في عهد الرسول r:
ورد في صحيح "مسلم" قول رسول الله r: { لا تكتبوا عنّي و من كتب فليمحه، وحدثوا عنّي و لا حرج، و من كذب علي متعمداً فليتبوأ مقعده من النّار}([15]).

يفهم من هذا الحديث أنّ الرسول r نهى عن تدوين الأحاديث، و بالتالي فلم تكتب قط، لكن هذا غير صحيح إذ تذكر كتب الأحاديث وجود صحائف لبعض الصحابة، و قد دونوا فيها أقوال الرسول r و سننه و من هؤلاء: "عبد الله بن عبّاس" t، و "عبد الله بن عمرو بن العاص" t، و "سعد بن عبادة الأنصاري" t، و "عبد الله بن أبي أوفى" t، و "سمر بن جندب" t...، و هذا التدوين كان بإذن من رسول الله r، فالصحابة أحرص على إتباع أوامره و توجيهاته، و هذا ما يفسر بعض الأحاديث التي ورد فيها الإذن بالكتابة منها قوله r: { اكتب فو الذي نفسي بيده ما خرج منه إلاّ حق} عندما سأله "عبد الله بن عمرو بن العاص" t بعد ما نهته "قريش" عن الكتابة([16]).

و تفسير ذلك – النهي عن الكتابة من جهة و السماح بها لبعض الصحابة من جهة ثانية – أنّه في بداية الدعوة خشي رسول الله r التباس القرآن بكلامه فنهى عن تدوينه... لكن بعد ما أمِنَ عدم إختلاطهما أجاز لبعض الصحابة تدوين السنّة([17]).

بالإضافة إلى هذا التبرير يبدو لي أنّه مادام رسوله الله r حيّ و الوحي ينزل عليه فلا حاجة ملحة لتدوين كلّ ما يتحدث به، بل مادام أنّ صدور الصحابة و ذاكرتهم تسع القرآن وأحاديثه فالباعث على كتابتها و تدوينها غير قوي، فلم يحرصوا y على ذلك.

الحديث في عهد الخلافة الراشدة:
لم ينتشر تدوين الحديث في عهد الخلافة الراشدة، بل حرص الصحابة على حفظها في الصدور، و تناقلها مشافهة، لأنّ قوة ذاكرتهم و صفاء أذهانهم أهلاهما لذلك، كما أنّ الكثير منهم لم يكن يعرف الكتابة و القراءة، الأمر الذي يفسر قلة الاشتغال بالتدوين في مقابل الحرص الشديد على حفظها في الصدور و العمل بها. فكتب التاريخ تروي أنّ "أبا بكر الصديق"t جمع بعضها إلاّ أنّه عدل عن ذلك و أحرق الصحف التي كتبها، و في عهد "عمر بن الخطاب" t عزم على تدوينها لكنه عدل عن ذلك هو الآخر([18]).

الحديث في عهد التابعين:
رغم اهتمام التابعين بحديث رسول الله r حفظاً و تطبيقاً و استنباطاً للأحكام، إلاّ أنّهم استمروا على نهج الصحابة y بعدم تدوينها و الاكتفاء بحفظها في الصدور، و دافعهم لذلك حرصهم على أن لا يختلط بآرائهم و أقوالهم... إلاّ أنّ الخلافات الفقهية و السياسية و العقائدية حتمت كتابتها و جمعها؛ و هذا ما حمل "عبد العزيز بن مروان" (ت: 85 هـ) أمير مصر على الأمر بتدوينها، و واصل ابنه "عمر بن عبد العزيز" ذلك عندما بعث للأمصار يطلب تدوين الأحاديث و حفظها، فانبرى لهذه المهمة "ابن شهاب الزهري" و غيره([19]).

الحديث من القرن الثالث الهجري إلى القرن الرابع([20]):
يعتبر هذا القرن عصر السنّة، حيث دونت و ظهرت علومها، و ابتكر علماء الأحاديث "المساند" (جمع الأحاديث حسب أسماء الصحابة y)، و برز في هذا العصر أهم أعلام الحديث، و أشهرهم الإمام "البخاري"، الذي أفرد الأحاديث الصحيحة، و بوبها حسب الأبواب الفقهية، و ساهم في تطوير علوم الحديث، و وضع قواعد التثبت منها، كما ظهر "مسلم" و"الترمذي" و "النسائي" و "ابن خزيمة" و "ابن حبان" و غيرهم كثير...

الحديث من القرن الرابع إلى القرن السابع الهجري:
تمّ ف هذه القرون جمع ما تفرق من تصانيف و أبحاث في فن واحدٍ، فأضفوا على علوم الحديث التنظيم و التناسق، و من أشهر علماء هذه الحقبة القاضي " أبو محمد الرامهرمزي" و"أبي بكر أحمد بن علي الخطيب البغدادي" و القاضي "عياض بن موسى اليحصبي".

الحديث من القرن الثامن إلى العاشر الهجري:
تعتبر هذه الحقبة عصر النضج و الاكتمال حيث استوفى العلماء فنون علم الحديث وأنواعه، و رواد هذا الفترة "أبو عمر عثمان بن صلاح" (ت: 643 هـ)، و "يحي بن شرف النووي" ( ت: 676 هـ) و "العسقلاني" (ت: 852 هـ)، و "السخاوي" (ت: 902 هـ)، و"السيوطي" (ت: 911 هـ).

عصر الركود:
امتد هذا العصر من القرن العاشر إلى مطلع عصرنا هذا، حيث توقف الاجتهاد والابتكار في مسائل العلم و كثرت المختصرات و الشروح...

عصر اليقظة:
بدأ من مطلع قرننا الهجري هذا، حيث تنبه العلماء لضرورة بعث العلوم الشرعية وفق قواعد علمية جديدة مبتكرة لتطويرها و الاستفادة منها، و هذا ما حرص عليه باحثون مثل "محمد الغزالي" في كتابه (السنّة بين أهل الفقه و أهل الحديث)، و "يوسف القرضاوي" في كتابه (كيف نتعامل مع السنّة معالم و ضوابط)، و "جمال الدين القاسمي" في كتابه (قواعد الحديث)، و "عبد العزيز الخولي" في كتابه (تاريخ فنون الحديث)، و "مصطفى السباعي" في كتابه (السنّة و مكانتها في التشريع الإسلامي)...



أسباب نشأة علم الحديث:
بعد الاستعراض الموجز لتاريخ علم الحديث، نود في هذا المبحث أن نعرض السباب التي كانت العلّة في نشأة هذا العلم حيث نوجزها فيما يلي:

السبب الديني:
لا يخفى علينا حرص الصحابة y على سنّة رسول الله r، فتمسكوا بها حفظاً و عملاً، و حرصوا على تعليمها و تلقينها، و اكتفوا في ذلك بالمشافهة الأمر الذي جعل التدوين و الكتابة نادرين في العهد الأول، إلاّ أنّ هذا لم يمنعهم من التدقيق فيما يروون أو ما يسمعون خشية الكذب عن رسول الله r، و ما ينتج عنه من تزييف للدين و تحريفه.

لكن الباعث على تدوين الأحاديث قوي في عهد التابعين، و الذي حملهم على ذلك العامل الديني، فعمدوا على وضع القواعد التي تمّز ما صح عن رسول الله r، لكي لا يختلط بما راج من أحاديث موضوعة، بل حرصوا على أن لا تختلط بآرائهم، و لا عجب في ذلك فالسنّة النبوية الشريفة تعتبر المصدر الثاني للتشريع الإسلامي الأمر الذي يوجب التدقيق فيها.

و نفس هذا الباعث نجده عند المتأخرين من علماء الحديث، فقد كان الحرص على الدين محركاً أساسياً للاشتغال بالسنّة النبوية.

السبب العلمي:
تعود جذور الاهتمام بالسنّة لعهد رسول الله r، لأنّها شارحة للقرآن، و مبيّنة لأحكامه، و مفصلة لمجمله، لذلك تمسك بها الصحابة حفظاً و عملاً؛ و بعد وفاته حرصوا على نقائها بوضع شروط بسيطة للتثبت من الرواية عند الأخذ و عند الأداء، كعدم الإكثار من الرواية، وعرضها على القرآن، و ما ثبت عندهم من أحاديث، فيتجلى لنا من هذا أنّ علوم الحديث مبعثها علمي أيضاً، فتعلم الدين و استنباط أحكامه يوجبان العودة إلى القرآن و السنّة.

كما أنّ حاجة العلوم الشرعية من عقيدة و أصول و فقه و تفسير... للسنّة حتمت الاهتمام بها، فكانت بحق الباب الذي يلج منه طالب العلوم الشرعية، لهذا السبب يجب التأكد من الأحاديث و الروايات.

بالإضافة إلى ما سبق فقد ضعفت ملكة الحفظ عند المتأخرين، الأمر الذي يؤدي إلى عدم ضبط الرواية و بالتالي حتّم تتبع نقلة الخبر، و بهذا ظهر علم مصطلح الحديث([21]).

السبب السياسي:
لا يراد بهذا أنّ علوم الحديث ظهرت بقرار سياسي، كما قد يوحي به العنوان، بل هناك ظروف سياسية خلقتها الفتنة الكبرى، أدت إلى انقسام المسلمين و ظهور فرق ذات طابع سياسي سرعان ما أخذت بعداً عقائدياً فكرياً دفع ببعض الفرق إلى وضع الأحاديث لإضفاء الشرعية على آرائها و جلب الأنصار و الترويج لأطروحاتها([22])، و يمكن أن نضيف تحت هذا العامل أسباباً أخرى كـ"الزندقة" و "التعصب للجنس و اللغة و الإمام" و "القصص و الوعظ" و"الخلافات الفقهية" و "التقرب للملوك و الأمراء"([23])، الأمر الذي حمل "عبد العزيز بن مروان" أولا و ابنه "عمر بن عبد العزيز" ثانيا على تكليف علماء عصره بتدوين السنّة.

منهج علماء الحديث:
نحاول في هذا المبحث بيان الطريقة التي سلكها علماء الحديث في دراستهم للأحاديث والتثبت من صحتها، بعرض الخطوات و الشروط التي وضعوها فيما يتعلق بالسند و المتن، وراوي الحديث، و على هذا الأساس فعالم الحديث يبدأ أولاً بالتأكد من السند و راوي الحديث، ثم يتثبت من المتن، و بهذا يظهر أنّهم يعتمدون على ثلاث خطوات هي:

إسناد الحديث:
لقد سبقنا و أن عرّفنا السند بأنّه: « سلسلة الرواة الذين نقلوا المتن عن مصدره الأول»، لذلك لا يقبل عالم الحديث الرواية إلاّ إذا عرف طريق الرواة و اطمأن إلى عدالتهم، و ضبطهم. حيث يقول "ابن مبارك": « الإسناد من الدين و لولا الإسناد لقال من شاء ما شاء»([24]).

لهذا اشترط في صحة الحديث أن يكون الإسناد متصلاً، أي: أنّ كلّ واحد من رواة الحديث سمع ممن فوقه من أوله إلى منتهاه. فإذا انتهى السند إلى رسول الله r اعتبر الحديث مرفوعاً([25])، أما إذا توقف الإسناد عند الصحابي فيدعى موقوفاً([26])، أمّا إذا وقف عند التابعي فيدعى الحديث مقطوعاً([27])، و لما كان الإسناد ضرورياً ضبط علماء الحديث العلل التي تقدح في شرط الاتصال، و بالتالي تنفي الصحة عن الحديث نجملها فيما يلي:

1. إبطال السماع الصريح، أو نفي السماع المتوهم بالعنعنة: مثال ما نقله "ابن رجب" أنّ "أحمد" قال: « ما أراه سمع عن عائشة، إنّما يروي عن عروة عن عائشة، رغم أنّه في حديث زائدة، عن السدّي حدثتني عائشة...»

2. إبدال الإسناد كله أو بعضه، و من أسبابه سبق اللسان إلى الإسناد المشهور، مثال قد يورى الحديث عن "مالك" فيسبق اللسان فيه إلى "نافع" عن "ابن عمر" و في الواقع يكون "مالك" قد رواه عن غير "نافع".

3. الوهم في رفع الموقوف أو وصل([28]) المرسل ([29])، أو ما فيه انقطاع، فقد يروى الحديث مرفوعاً و لكن النقاد يكشفون عن وهم في رفعه و يثبتون أنّ وقفه أصح، و قد يروى الحديث متصلا و إرساله أثبت و أأكد، أو قد يروى متصلا و هو في الحقيقة معضل([30])، أو منقطع.

4. جمع الشيوخ و بقاء اللفظ واحداً، كأن يروي أحد الرواة حديثاً واحداً عن عدد من الشيوخ ثمّ ساق اللفظ سياقاً واحداً، فإنّ هذا دليل على الوهم و الخطأ.

5. أن يحدث الثقة عن راوٍ مجروح فيلتبس على النّاس حال المجروح، فـ"مالك بن أنس" حدث عن "عبد الكريم بن أبي أمية" و هو متروك الحديث([31]).

و الإسناد بدوه يتطلب العلم بالرواة، و أسمائهم و تواريخهم و شيوخهم و بلدانهم وطبقاتهم، و هذا ما عني به "علم تاريخ الرواة".

نقد الرواة:
ترتبط هذه الخطوة بما سبقها حيث تهتم برواة الحديث، أي الذين ذكروا في السند، بحيث يهتم المحدث ببيان حالهم من صدق أو كذب، بتتبع الراوي و دراسة حياته و تاريخه و سيرته وما ظهر و ما خفي من أمره، لذلك اشترط المحدثون في الراوي جملة من الشروط نجملها فيما يلي:

1. العدالة: و تعني الاستقامة و هذا لا يكون إلاّ في المسلم البالغ العاقل السالم من الفسق، بحيث لم يرتكب كبيرة، أو يصر على صغيرة، و لا عرف عنه الكذب و لا الابتداع في الدين، كما أنّه سالم من خوارق المروءة، و يقصد بهذه الأخيرة تعاطي المرء ما يستحسن و تجنب ما يسترذل، مثل الأكل ماشيا و البول في الطريق من غير ضرورة، و تثبت العدالة بشاهدين عدلين أو واحدٍ، كما قد تثبت بالشهرة و هذا حال الأئمة المتبوعين([32]).

2. الضبط: و يعني إتقان الراوي ما يرويه، و ذلك يتطلب اليقظة و عدم الغفلة، و أن يكون حافظاً لما يرويه عالماً به، أما إذا كثر خطؤه و خالف الثقات، و كثر نسيانه و ساء حفظه فيتوقف عن قبول روايته إن لم يترك. لذلك ترد رواية الكافر و الصبي و غير المميز و الفاسق و التائب من الكذب احتياطاً و المبتدع، و الذي يأخذ على الحديث أجراً، كما ترد رواية سيء الحفظ و الذي يكثر من رواية الروايات المنكرة و الشاذة، و كثير السهو و الغفلة و التساهل في سماع الحديث أو روايته و كثير الخطأ([33]).

و لقد اضطلع "علم الجرح و التعديل" بهذه المهمة فميّز لنا بين من تجوز روايته و من هو متروك الحديث، بل ضبط علماء الحديث أسماء هؤلاء و قيدوهم في كتب خاصة.

التوثق من الحديث:
لقد كان للصحابة منهجهم الخاص في التوثق من الحديث، كطلب الشهود أو اليمين خاصة عند "أبي بكر الصديق" t و "عمر بن الخطاب" t، و بنقد المتن عند تعارضه مع كتاب الله U، أو حديث آخر صحّ عندهم، أو عند وجود معارض عقلي معتبر كما فعلت "عائشة" رضي الله عنها، بالإضافة إلى السؤال عند السند و صدق الراوي([34]).

أما في عهد التابعين الذين عاصروا الصحابة y، فكانوا يتوثقون من الحديث بالرجوع إليهم، و سؤالهم عنه بما حفظوا من أحاديث رسول الله r، الأمر الذي أدى إلى كثرة الرحلات كما فعل التابعي "سعيد بن المسيب"([35]).

و بتراكم خبرة علماء الحديث، تمّ وضع منهج خاص بنقد الرواية أو ما أطلق عليه "المتن" شهد الدارسون بدقة و علميته « فالخطوات التي يتبعها المحدثون لمعالجة المتن، وتقويم أوده و تمييز صحيحه من منحوله و مقبوله من مدخوله، هي خطوات تمثل أرقى مناهج النقد العلمي و أمتن نظريات البحث في عالم المناهج و النظريات لا تضاهيها مناهج النقد والبحث العصرية الأجنبية التي تزهو بالمنهجية و صياغة النظريات»([36]).

و ما يهمنا في هذا المبحث بيان ما يقدح في صحة المتن و هما "الشذوذ" و "العلة" وتفصيلهما كما يلي:

1. الشذوذ: جاء في تعريفه عند الإمام "الشافعي": « ليس الشاذ من الحديث أن يوري الثقة ما لا يرويه غيره، هذا ليس بشاذ. و إنّما الشاذ أن يروي الثقة حديثاً يخالف فه النّاس (والمقصود هنا الثقات»([37]).

و للشاذ عيوب خمسة هي: الزيادة ([38])، أو القلب ([39])، أو الاضطراب ([40])، أو التصحيف ([41])، أو الإدراج ([42])؛ و لمعرفتها يجمع عالم الحديث طرقه و ألفاظه المختلفة و يقارن بينها، أو بالإطلاع على أقوال أهل الشأن في ذلك الحديث في كتب العلل أو شروحها([43]).

2. العلة: لغة: المرض. و اصطلاحاً: سبب غامض يطرأ على متن الحديث فيقدح في صحته مع ظهور سلامة منه([44]).إلاّ أنّ كشف العلة ليس بالمر الهين حيث يحتاج إلى التمرس و سعة الإطلاع و فهم دقيق، حيث قال "ابن حجر": « و هو من أغمض أنواع علوم الحديث، وأدقها، و لا يقوم به غلا من رزقه الله تعالى فهماً ثاقباً و حظاً واسعاً و معرفة تامة بمراتب الرواة وملكة قوية بالأسانيد و المتون»([45]).

إلاّ أنّ هذه الصعوبة لا تعني أنّ كشف العلّة مسالة تخص بعض العلماء دون غيرهم، بل هناك قواعد عامة يمكن الاحتكام إليها فتكشف العلة نجملها فيما يلي:

3. مخالفة الحديث للقرآن الكريم: فهذه علّة كافية لبيان ضعف الحديث و رده، فقد ردت "عائشة" رضي الله عنها بعض الأحاديث لأنّها تخالف نصوصاً قرآنية مثل حديث: « إنّ الميّت يعذب ببكاء أهله عليه» فهو يعارض قوله تعالى: } َلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى { [الإسراء 15].

4. مخالفته لحديث صحيح معمول به: فقد ردت السيدة "عائشة" رضي الله عنها حديث قطع المرأة و الحمار الصلاة، بحديث صحيح معمول به، اعتراض الجنازة و هو يصلي.

5. مخالفته للتاريخ الثابت ثبوتاً صحيحاً: مثال ذلك الحديث الذي رواه "الحاكم" عن "بريدة" قال: { أوحي يوم الاثنين و صلى علي يوم الثلاثاء}، فقد ثبت تاريخياً أنّ الصلاة فرضت ليلة الإسراء و المعراج في العام الثاني عشر من البعثة النبوية يوم الاثنين، فكيف أوحي إليه؟، و الصحيح كما رواه "الحاكم" { نبئ النبي يوم الاثنين و أسلم علي يوم الثلاثاء}.

6. مخالفته للعقل السليم: حيث ردت السيدة "عائشة" رضي الله عنها العديد من الأحاديث مثل: { إذا استيقظ أحدكم من نومه فلا يدخل يده في الإناء حتى يغسلها ثلاثاً}، فقالت: يا "أبا هريرة" فما نصنع بالمهاريس.

7. مخالفته للحس: مثل الحديث الذي أنكره "البيهقي" من رواة "أبو يعلى" الذي جاء فيه: { من حدّث حديث فعطس فهو حق} و قال "ابن القيم": الحس يشهد بوضعه لأنّا نشاهد العطس و الكذب يعمل عمله.

8. اشتماله على المجازفة في الثواب و العقاب على عمل صغير: فقد ردّ بهذه العلّة "ابن الجوزي" أحاديثاً منها: { من صلى يوم الجمعة أربع ركعات يقرأ في كل ركعة بـ[قل أعوذ برب الفلق...] عشرة مرات دفع عنه شر الليل و النهار... له ثواب كثواب إبراهيم وموسى و يحي و عيسى...}

9. ركاكة اللفظ و المعنى: أي: يكون اللفظ غير فصيح و ليس من ألفاظ رسول الله r، فيمجه السمع و يدفعه الطبع. مثل الحديث التالي: { إذا بعثتم إلي بريداً فابعثوا حسن الوجه حسن الاسم}، فالمعنى سخيف و مقام النبوة يتنزه عن ذلك.

ضوابط و قواعد علم الحديث رواية:
قبل بسط قواعد علم الحديث رواية، لابد من التنبيه إلى أنّه عادة يرتب قبل علم الحديث دراية، إلاّ أنّه في الحقيقة متأخر عنه و نتيجة له، بل يستفيد منه، و لا يتم إلاّ به، حيث يضطلع "علم الحديث رواية" بمهمة الرواية و التدوين، الأمر الذي لابد فيه من التثبت أولاً، و بعد أن يقطع عالم الحديث بصحة السند و الرواية يرويه و يدونه.

و مما سبق فرواية الحديث لا يفهم منها مجرد سرد الأحاديث و كتابتها، بل هو فن له قواعده و آدابه لابد للمحدث أن يلتزم بها نجملها فيما يلي:

طريقة تحمل الحديث و أدائه([46]):
يقصد بالتحمل الطريقة التي أخذ و تلقى بها الراوي روايته (الحديث)، أما الأداء فهو الكيفية التي يجب أن يؤدي بها ما لديه من رواية، و لكل منهما ضوابط و شروط هي:

طرق التحمل:
لا يكون الراوي أهلا للرواية إلاّ إذا توفر فيه أركانها و ذلك أن يكون مسلماً و عاقلاً مميزاً، أما عن طرق التحمل فقد أحصاها علماء الحديث فيما يلي:

1. السماع: و هو أن يكون سمع من الشيخ (راوي الحديث) تحديثاً أو إملاء من حفظه أو من كتابه، و هذه أعلى طرق التحمل و أفضلها.

2. العرْض (القراءة): و هو أن يقرأ الطالب من حفظه أو من كتاب مصحح على الشيخ، وهو يصغي إليه معتمداً على حفظه أو على أصله(الكتاب).

3. الإجازة: إذن من السيخ برواية المرويات عنه لشخص معين في معين، بقوله أجزت لك رواية كتاب البيوع من صحيح البخاري عني و قد سمعته (أي الشيخ) من فلان...

4. المناولة: و هي أن يعطي المحدث تلميذه حديثاً أو أحاديث أو كتاباً ليرويه عنه، و يقول له: هذا من حديثي أو هذا من سماعي، من غير أن يقول له: اروي عني أو أجزتك.

5. الكتابة: أن يكتب الشيخ بخطه أو يكلف من يثق به بكتابة بعض أحاديث لطالب حاضر أو شخص غائب فيقرنه بالإجازة أو من غيرها و يرسله غليه مع ثقة.

6. الإعلام: إعلام الشيخ الطالب أنّ هذا الحديث من سماعه أو الكتاب من مروياته لكن دون أن يصرح بإجازته له بروايتها عنه.

7. الوصية: أن يوصي الشيخ لشخص بأن تدفع له كتبه عند سفره أو بعد موته، حيث اعتبر علماء الحديث أنّ هذه الطريقة في التحميل ضعيفة.

8. الوجادة: يطلق على ما أخذ من العلم من صحيفة من غير سماع و لا إجازة و لا مناولة، كأن يجد شخص كتاباً بخط شيخ يعرفه لكنه لم يسمع منه، إذ يجوز أن يروي منه على سبيل الحكاية قائلاً: (وجدت بخط فلان حدثنا فلان...).

طرق الأداء:
بقصد به تبليغ ما حمل الراوي من حديث، و إلقائه للطلاب بصورة من صور الأداء، ويشترط فيه: التبليغ بصورة تدل على كيفية تحمله و ذلك بذكر العبارة المناسبة للطريقة التي تحمل بها الحديث و منها:

1. عبارة التحمل بالسماع: تكون بلفظ "سمعت" "حدثنا" و "أخبرنا" و "خبرنا" "أنبأنا".

2. عبارة التحمل بالعرض: مثل "قرأت على فلان" أو "قرئ علي فلان" "حدثنا فلان قراءة عليه".

3. عبارة التحمل بالإجازة و المناولة: مثل "أنبأنا إجازة أو مناولة".

4. عبارة التحمل عن الكتابة: مثل "كتب إلى فلان قال: حدثنا فلان" "أخبرني فلان مكاتبة أو كتابة"

5. عبارة الوجادة: يقول "وجدت بخط فلان حدثنا فلان"

شروط الكتابة و علاماتها([47]):
أجمع المؤرخون على أنّ تدوين و كتابة السنّة لم يكن شائعاً في العهد الأول (عهد رسول الله r و عهد الصحابة y بل حتى في عهد كبار التابعين)، لأنّها كانت محفوظة في الصدور إلاّ ما ندر من صحائف لبعض الصحابة، إلاّ أنّ الحال تبدل لكثرة المرويات و اختلاطها بما هو موضوع و منحول، فحتم ذلك فحصها و تنقيتها و بالتالي تدوين ما صحّ منها، لذلك وضع علماء الحديث شروطاً تضبط الكتابة نذكر منها:

1. أن لا يكون الخط دقيقاً بحيث يشكل على القارئ تمييز الحروف أو الكلمات، قال "أحمد بن حنبل": « أحوج ما تكون إليه يخونك» (يقصد الخط الدقيق).

2. يجب تحقيق الخط دون مشق([48])، و لا تعليق([49]).

3. ضبط الحروف: كتابة الحروف المعجمة بالنقط و ضبط المهملات بعلامات الإهمال.

4. وضع دائرة تفصل بين كل حديثين بينهما ليحصل التمييز.

5. كتابة اسم الشيخ الذي سمع منه و كنيته و نسبه ثمّ يسوق ما سمعه منه على لفظ الشيخ.

6. تثبيت ما سقط في الحواشي بأن يخط من موضع سقوطه من السطر خطاً صاعداً إلى فوق ثم يعطفه بين السطرين إلى جهة الحاشية التي يكتب فيها "اللحق"([50])، و ليكن على اليمين و يكتب عند انتهاء اللحق [صح] أو [رجع].

7. التصحيح و التضبيب و التمريض: فالتصحيح يعني كتابة [صح] على الكلام أو عنده فيما صح من رواية و معنى. أما التضبيب أو التمريض فهو وضع علامة [صـ] على ما صح وروده من جهة النقل غير أنّه فاسد لفظاً و معنى دون أن يلزق الرمز بالكلمة المعلم عليها.

8. الضرب: نفي ما وقع في الكتابة ما ليس منه بالضرب، أي: بخط بيّن يسمح بقراءة ما خط عليه دون أن يطمسه.

9. يتجنب وضع رموز خاصة لا يفهمها غيره.

10. يلتزم و يحافظ على الثناء على الله U و كتابة صلى الله عليه و سلم عند ذكر رسول الله r ، و يتجنب كتابتها منقوصة بالرمز لها فقط بـ[صلع]، أو معنى (صلى الله عليه).

11. تجنب كتابة الأسماء مجزأة بين آخر السطر و أوله كأن يكتب في آخر السطر عبد ثم في السطر الذي يليه الكريم أو الله أو الرحمن...

و بفضل هذه الشروط شرع المحدثون في كتابة السنة، و تدوينها بكيفية جامعة مستفيضة، خاصة من القرن الثاني للهجرة، أما عن طريقة التصنيف فتنوعت و تعددت، نذكر بعضها: كتب المصنفات ( و هي الكتب التي تجمع الأحاديث النبوية و أخبار الصحابة و آثار التابعين)، الموطآت (الموطأ هو الممهد و يوضع لتقريب الأحاديث للنّاس لتعم الفائدة و يشمل الحديث و الفقه)، المسانيد: (و هي الكتب التي دونت فيها الأحاديث على أسماء الصحابة الذين رووها)، الجوامع ( و هي الكتب التي تشمل أبواب الدين من توحيد و فقه و تفسير و آداب)، كتب السنن (و هي الكتب المرتبة على أبواب الفقه و الآداب و الأذكار...)([51]).

آداب المحدث و طالب الحديث([52]):
"المحدث" هو الشيخ الذي يلقن الأحاديث و يعلمها، أما طالب الحديث فهو المتعلم، ولكل منهما آداب يجب أن يراعيها نذكر منها:

آداب المحدث:

1. تصحيح النّية: أي أن لا يطلب الدنيا و أغراضها كحب الرياسة و السمعة...

2. حمل الحديث و نقله و إسناده إلى من عزي إليه بصيغة من صيغ الإسناد.

3. الإمساك عن التحديث إذا خشي التخليط أو الغلط لهرم أو خرف.

4. حسن الأخلاق و حسن الطريقة، فلا يحدث في الطريق أو هو قائم أو مضطجع.

5. يستحب له الطهارة و التطيب و الاستياك و الوقار.

6. لا يسرد الحديث بوجه يمنع فهمه كالهذرمة([53]) أو الهينمة([54]).

7. أن يفتتح مجلسه بقراءة القرآن و التحميد على الله U، و الثناء عليه و الصلاة على النبي r و ختمه كذلك و زيادة الدعاء.

8. عقد مجلس للإملاء و يختار كتاباً يقظين.

9. الثناء على شيوخه و من علمه.

آداب طالب الحديث:

1. إخلاص النّية و عدم طلب علم الحديث للسمعة و الرياسة.

2. الإنصات و اليقظة و الفطنة ليعي ما يسمع و يضبطه.

3. مذاكرة ما حفظ و مباحثة أهل المعرفة و العلم.

4. التخلق بالأخلاق الفاضلة فلا يرفع صوته في مجلس شيخه و عليه أن يوقره ويجله.

5. العمل بما سمع من أحاديث خاصة في العبادات و الآداب و الفضائل.



القيمة العلمية لعلم الحديث:
من حيث المنهج:
بعد هذا العرض الموجز بعلوم الحديث، نحاول في هذا الفصل بيان قيمتها العلمية، على ضوء بعض المفاهيم الابستيمولوجية التي وضعها الابستيمولوجيون كمعالم يرجع إليها في بيان علمية هذا العلم أو ذاك، بالكشف عن الأصول العقلية و المنطقية التي يعتد عليها و قيمتها من الناحية العلمية.

و لذلك سنبدأ أولا بمناقشة علم الحديث من الناحية "المنهجية" أو ما يطلق عليها "الميتودولوجيا"، فقد عرّفها "محمد عابد الجاري" بأنّها: « جملة العمليات العقلية و الخطوات العلمية التي يقوم بها العالم من بداية بحثه حتى نهايته، من أجل الكشف عن الحقيقة و البرهنة عليها»([55])، و لهذه السبب يميل الباحثون إلى تصنيف الميتودولوجيا ضمن المنطق و يخرجونها من مجال الابستيمولوجيا كما فعل ذلك "أندري لالاند" في معجمه، إلاّ أنّ "روبير بلانشي" يعترض على فصل الميتودولوجيا عن الابستيمولوجيا، و يرجعه لأسباب تاريخية عارضة حيث قسم الفرنسيون "المنطق" إلى عام: الذي يهمل مادة المعرفة و يهتم بصورتها، و منطق خاص: و هو الذي يدرس المناهج الخاصة بكل واحد من العلوم المختلفة.« و بهذا فإنّ نظرية المناهج تكون تابعة للمنطق و هي قسم فرعي منه لكن مثل هذا التقسيم لم يعد اليوم يمكن الدفاع عنه»([56])، و هذا ما أكده "جون بياجي" حيث قال: « التفكير الابستيمولوجي يتولد دائما عند أزمات هذا العلم أو ذاك، و أنّ هذه الأزمات تسببها ثغرة في المناهج السابقة لكي يقع التغلب عليها بفضل اختراع مناهج جديدة»([57]).

و لذلك سنبدأ أولا ببيان علمية "علم الحديث" بالنظر أولا في منهجه، لنجيب عن هذين السؤالين: هل منهج المحدثين يستوفي الشروط العلمية؟ و هل خطواته معقولة و ممكنة الاستعمال؟

للإجابة على السؤال الأول علينا أن نتفق أولاً أنّ المنهج العلمي لا ينحصر في المنهج التجريبي لوحده، ذلك أنّ الاستقراء طريقة من طرق البحث إلاّ أنّها ليست الطريقة الوحيدة([58])، و على هذا الأساس تنوعت المناهج بتنوع موضوعات البحث و ميادينه، الأمر الذي حتم تحديد سمات المنهج العلمي و هي "التجاوب مع مقتضيات البحث" و "المرونة" و "التدرج" و"التطور"، فهل تتوفر هذه السمات فيما قام به علماء الحديث؟.

نلاحظ أولا أنّ مقتضيات علم الحديث هي التأكد من صحة الرواية و الخبر، و ما دام أنّ الذي يرويها إنسان يعتمد في الغالب على ذاكرته، و في بعض الأحيان على الكتب، حتم ذلك أولا التأكد من أمانة هذا الراوي و صدقه و أهليته لأن ينقل لنا هذا الخبر أو تلك الرواية، فنتج عن ذلك أول خطوة و هي الإسناد و نقد الرواة، و هذه الخطوة بدورها أنتجت علوماً أهمها (علم الجرح و التعديل، و علم تاريخ الرجال...)، أمّا الخطوة الثانية فهي التأكد من صحة الرواية ومقارنتها بالقرآن و التاريخ و العقل السليم، بل بغيرها من الروايات التي ثبتت صحتها، و هذا ما ولّد علوم المتن (كعلم غريب الحديث و علم العلل...)، فيظهر من هذا أنّ سمة التجاوب بين المنهج و مقتضيات البحث متوفرة الأمر الذي سمح بتنقية و تصفية "السنّة" من الروايات الموضوعة و المنحولة.

أما سمة "المرونة" التي نعني بها أنّ المنهج لا يستبد بصاحبه، بحيث يترك له مجالاً للحركة و التفكر الحر، فلا تكون القواعد جامدة تطبق بكيفية آلية؛ نلاحظ في هذا الشأن أنّ "البخاري" مثلا اشترط في قبول صحة الحديث "المعاصرة" و "السماع" بينما خفف "مسلم" من ذلك فاشترط "المعاصرة" دون السماع، و بفضل هذه المرونة تمكن "مسلم" من تصحيح بعض الروايات التي قد لا تكون كذلك على شرط "البخاري".

كما نلمس المرونة مثلا في شروط تحمل الحديث ففي الوقت الذي تشدد فيه أوائل المحدثين بعدم قبول رواية الصبي، تسامح المتأخرون في ذلك فحدّدها البعض بخمس سنوات شرط أن يكون الصبي مميزاً، و هذا ما يوسع من دائرة من يؤخذ عنهم الحديث، و تتجلى المرونة أيضاً في علم الجرح و التعديل بحيث أنّ هناك من علماء الحديث من تشدد في التعديل و تعنت في الجرح فيقدح بالغلطة و الغلطتين، بينما هناك من تساهل في تعديل الرجال وجرحهم، فنجد بعض من حكم لهم بالعدالة مجروحين عند محدثين آخرين، و هذا الاختلاف محدود و محصور إلاّ أنّه يدل على مرونة القواعد و الشروط، على أن لا يفهم من ذلك أنّها كانت مطاطية يتصرف فيها المحدث حسب هواه، فمثلا المتشدد في التعديل و المتعنت في الجرح يؤخذ تعديله لكن لا يؤخذ جرحه([59]).

أما سمة "التدرج" و "التطور" فيمكن الكشف عنهما من خلال تتبع خطوات عالم الحديث فهو يبدأ أولا من سماع الرواية و الخبر ثم يسال عن السند و يتوثق من رجاله، و في نفس الوقت ينظر لاتصال السند و بعد ذلك ينظر في متن الرواية و الخبر ليخرج بحكم حسب درجة القبول و الصحة.

فهذه خطوات متدرجة متسلسلة، ليس هذا فحسب بل استعراض تاريخ علم الحديث يظهر تطور منهجه و ضبط قواعده و علومه، فمن قواعد بسيطة في عهد الصحابة كالشهود و اليمين و مقارنة الرواية بالقرآن و بما هو أصح منها، إلى قواعد مفصلة في السند و المتن و الرجال، ومضبوطة و مدونة في الكتب و المصنفات، بل إلى علوم متنوعة و متخصصة و لكل مجالها (كعلوم السند و علوم المتن...).

أمّا عن السؤال الثاني، و المتعلق بمعقولية الخطوات و إمكانية العمل بها و تطبيقها، فليس من العسير توضيحه فسمة التدرج تدل على معقولة الخطوات، فمن سماع خبر إلى التأكد من السند إلى التأكد من المتن؛ فكون الحديث خبراً و رواية يتطلب أولا سماعه من الأشخاص الذين يروونه، أمّا عند سند الرواية و اتصالها من راوي الحديث إلى مصدره رسول الله r فلا غرابة في ذلك بل هذا الذي يضفي المعقولية على عمل علماء الحديث قطعاً للطريق أمام المدّعين و المتشككين، بل بفضل هذا الشرط تحولت الرواية من مجرد قول و خبر إلى واقعة يمكن التأكد منها و تتبعها لأنها مرتبطة بالرجال أي الرواة الذين يروونها، و هؤلاء أشخاص لهم وجود مادي واقعي تتبعهم علماء الحديث فعرفوا تاريخهم و حياتهم و شيوخهم و صفاتهم التي تدل على عدالتهم، أو الصفات التي تقدح فيهم، و مصنفات علم الجرح و التعديل تزخر بذلك، أما عن إمكانية تطبيقها و العمل بها فالإجابة واضحة في ما نتج من علوم و مصنفات بل و بإمكان المتأخرين أن يسلكوا هذا المنهج و يعملوا به في دراسة ما أشكل من أحاديث.

الإحصاء في منهج علماء الحديث:
تتجلى القيمة العلمية لمنهج علماء الحديث في أنّه وظف الإحصاء، الذي نعني به "العدّ" فقد قال "السخاوي" عن "البخاري": « و قد كان من أهل الاستقراء التام في نقد الرجال»([60]).حيث يشكل هذا المنهج أهم الطرق العلمية التي تعتمدها مختلف الدراسات خاصة الإنسانية و الاجتماعية، فعالم الحديث يقوم بـ«جمع المعلومات عن الراوي و عن الرواية ثمّ يحللها و يستخلص النتائج منها كمرحلة نهائية»([61]).

فمجال الإحصاء يتمثل في تتبع الرواة و التثبت من إمكانياتهم و توفرهم على مؤهلات الرواية و درجة تلك الأهلية، و تتبع المرويات لمعرفة "تواترها" و "آحادها" و اتفاقها واختلافها في اللفظ لكشف "الشاذ" و "المنكر"([62])...

فالإحصاء في الرواية سمح لعلماء الحديث بكشف طرق الرواية المتعدّدة التي يروى بها الحديث الواحد، و يعرف ذلك من خلال النظر في الأسانيد، فإذا تعدّدت الطرق يحصي المحدث كم عددها؟، و هل بلغت من الكثرة بحيث تفرض صحة الرواية؟ و هذا ما يفسر لنا تصنيف الأحاديث إلى:

1. المتواتر: و هو ما رواه جمع تحيل العادة تواطؤهم على الكذب، عن مثلهم من أول السند إلى منتهاه على أن لا يختل هذا الجمع في طبقة من طبقات السند([63]).

2. المشهور: و هو عند الأصوليين ما رواه عدد من الصحابة لا يبلغ حدّ التواتر (حدّده البعض بثلاثة)، حيث قال "ابن حجر": « المشهور ما له طرق محصورة بأكثر من اثنين و لم يبلغ حدّ التواتر»([64]).

3. العزيز: و هو ما انفرد بروايته عن راويه اثنان، فلا يرويه أقل من اثنين عن اثنين، في أية حلقة من حلقات الرواية، أو كلها و هو نادر و قليل لذا أطلق عليه اسم "العزيز"([65]).

4. الغريب: و هو ما يروى على وجه واحد بطريق واحد، بحيث يرويه راو واحد في الجيل الواحد([66]).

الحكم على الحديث:
تنتهي دراسة عالم الحديث بإصدار حكمه على ما سمع من رواية، و يتوقف هذا الحكم على حسب درجة القبول و استفائها للشروط، و بذلك فالحكم ليس عملية آلية صورية سهلة، بتوفر شروط الصحة يصدر المحدث حكمه، بل يتطلب منه ذلك التثبت أولا، حيث أنّ كل شرط يتطلب بدوه بحثاً خاصاً منفرداً، فمثلا سلسلة الرواة تحتم على المحدث أن يسأل عن كل اسم ورد في السلسلة من حيث العدالة و الضبط... كما أنّ المتن يتطلب هو الآخر بدوره بحثاً مستقلاً لكشف علّة فيه أو شذوذ أو إنكار... و هذا ما يفسر فصل علماء الحديث بين صحة المتن وصحة السند، بحيث لا يلزم أحدهما عن الآخر، و إن كانت صحة المتن تتوقف على صحة السند([67]).

تصنيف منهج الحديث:
رغم أنّ علم الحديث يصنف ضمن العلوم الشرعية من تفسير و فقه و أصول... إلاّ أنّ المهتمين بالتراث الإسلامي يميلون إلى اعتبار منهج علم الحديث ذو طابع تاريخي، و هذا مبرر لأنّ السنّة (قولا كانت أم فعلا أم تقريراً) نقلت إلينا عن طريق الإخبار، و بالتالي فهي خبر عن الماضي، و هذا ما دفع بالكثير من الدارسين للمقارنة بين علم الحديث و التاريخ؛ ففي دراسة للدكتور "محمد مصطفى الأعظمي"([68]) بيّن فيها مدى وجود تماثل بين منهج المحدثين و منهج علماء التاريخ.

فخطوة جمع الأصول: التي يعتمدها المؤرخ في جمع المادة التاريخية من مصادرها خاصة الوثائق و الروايات... تقابلها عند علماء الحديث سماع الرواية من المحدث و بالتالي يمكن اعتبارها وثيقة كما هو اصطلاح علماء التاريخ.

أما خطو إثبات صحة النصوص: بنقد الأصول باطنياً و خارجياً، يقابلها في علم الحديث علوم السند و علوم المتن و شروطهما، إذ بفضلهما يتمكن عالم الحديث من كشف الرواية الصحيحة من غيرها.

أما خطوة تحليل النصوص: للتحقق من معنى الألفاظ و من مراد مؤلفها يقابلها في علم الحديث عمل المحدثين في كشف المنكر و المقلوب و المصحف و الشاذ و المدرج و الغريب...

فمن هذه المقارنة يظهر مدى التماثل بين علم الحديث و علم التاريخ من حيث المنهج، بل ذهب "مصطفى الأعظمي" إلى القول: « أنّنا لو طبقنا شروط علماء الحديث على الوثائق التاريخية لما ثبتت وثيقة على رجليها»([69]).

لكن بعض المهتمين بعلم الحديث لم يكتفوا بإثبات السبق التاريخي لمنهج النقد التاريخي لعلم الحديث، بل حاولوا بيان أصالة هذا المنهج – عند المحدثين- و تميّزه عن منهج التاريخ، وتجاوزه له؛ فعملية الإسناد تقوم على أساس إتاحة أكبر قدر من عنصر الملاحظة لنقد الخبر والرواية، بحيث ينأى النقد عن مجرد الافتراضات و الظنون و الأوهام، و لعلّ هذا ما يميّز منهج المحدثين في النقد عن منهج الغربيين في النقد التاريخي.

فمنهج النقد التاريخي عند الأوربيين في أساسه منهج استردادي كما قال "أندري لالاند"([70])، و معنى ذلك أنّه لا نصيب له من الملاحظة و التجربة، و هذا ما يعترف به "لانجلوا" و "سينبوس"، فهما يقولان: « و الخاصة المميزة للوقائع التاريخية هي أنّها لا تدرك مباشرة، بل وفقا لآثارها، و لهذا فإنّ المعرفة التاريخية هي بطبيعتها معرفة غير مباشرة، ولهذا السبب ينبغي أن يختلف منهج علم التاريخ اختلافاً أساسياً عن منهج العلوم المباشرة... و علم التاريخ مهما قيل فيه ليس علم ملاحظة»([71]).

فالمؤرخون الأوربيون قطعوا الأمل في حصول أي نوع من أنواع الملاحظة المباشرة للواقعة التاريخية، و المحدثون قد أدركوا هذه الاستحالة في الواقع العملي، لكنهم حاولوا أن يوفروا مجالاً لتحقق نوع من أنواع الملاحظة المباشرة حتى يخرج هذا العلم عن حيز الخرص و الأوهام؛ يقول الأستاذ "عثمان موافي": « فمنهج الملاحظة غير المباشرة الذي هو أساس كل بحث تاريخي في عصرنا الحاضر من الصعوبة بمكان أن نصل منه إلى اليقين، بينما المعرفة الإسلامية التي أساسها منهج الملاحظة المباشرة في درجة أقرب إلى العلم و اليقين، لأنّهما كما أشرنا ترتد أصلا إلى رؤية حسية مباشرة للظاهرة موضوع البحث و الدّرس، و هي ليست يقينية تماماً و إنّما في درجة أقرب إلى اليقين»، و قد أشار الأستاذ الدكتور "موافي" إلى أنّ المنهج الإسلامي في رواية الخبر اعتمد التجربة و ذلك بالموازنة بين الروايات و معارضة المكتوب على المسموع([72]).

لقد كان الإسناد هو المعمل أو المختبر الذي تجري فيه الملاحظة المباشرة، ليس للواقعة التاريخية و لكن لم شاهدوا الواقعة التاريخية، يقول "مرغليوث": « و المنهج الثاني لضمان الصحة – ف تسجيل الأحداث – هو الإسناد، و هو سلسلة الرواة الذين مكن تتبع آثار الرواية عن طريقهم إلي شاهد العيان الأصلي»([73]).

إذ يتبيّن لنا تفرد منهج النقد عند المحدثين بخصيصة الإسناد الذي جعلهم أقدر على الفحص و الملاحظة المباشرة للرواية من غيرهم، و هذا ما اعترف به "مرغليوث".

من الناحية المعرفية:
في هذا المبحث نحاول أن نبيّن القيمة المعرفية لعلم الحديث على ضوء أهم المقولات الابستيمولوجية و منها:

1. أنّ "علم الحديث رواية" تمكن من نقل الأحاديث من طابعها الشفوي، أي من ثقافة سماعية إلى تراث مدون، يمكن تتبعه و دراسته و تحليله، فبفضل التدوين حلّ المسلمون عدّة إشكاليات منها التخلص من سلسلة الإسناد التي ستطول لو اعتمدنا فقط السماع دون الكتابة والتدوين، فتخيل طول سند حديث يرويه محدث من القرن الثامن أو التاسع أو قرننا الحالي، و ما سينتج عن ه

جزاكم الله خيرا

موضوع جيد جداً