هو واحد من مجموعة كتب تراثية كانت أول ما وقعت عليه عيني من كتب وبعضها كان أول ما حاولت قراءته (خارج الكتب المدرسية بالطبع) في حياتي ، وضمن هذا البعض كان "العقد الفريد" لابن عبدربه وأجزاء من التحفة الملحمية المسماة "الأغاني" لأبي الفرج الأصفهاني و "الخصائص" لابن جني ، وعدد آخر من الكتب تشترك جميعاً بطبيعة الحال في رصانة اللغة وصعوبة مفرداتها بالنسبة لتلميذ الإعدادي (المتوسط) الذي كنته وقتها ، ورغم تعدد محاولات القراءة في هذه السن المبكرة نسبياً لا أتذكر أنني أنهيت وقتها قراءة كتاب واحد ولا حتى نصف صفحات كتاب من هذه المجموعة التي أحسن الوالد اختيارها ولكنه وقف بها عند حدود التراث القديم عظيم القيمة لكن صعب اللغة ، وحين تجاوز القديم إلى الحديث كانت "آلام فرتر" في ترجمة أحمد حسن الزيات الشهيرة (يقال أنها تُرجمت له وتولى هو إعادة صياغتها باللغة العربية) وربما بعض الكتب "الحديثة" الأخرى التي لم أعد أتذكرها لكن لم يكن من بينها رواية لإحسان عبدالقدوس أو ديوان شعر لإبراهيم ناجي أو أيٍ مما يمكن لمعدة مراهق عادي غير ذي نبوغ أو قدرات عقلية خاصة أن تهضمها ، واحتاج الأمر لسنوات عدة قبل أن أعود لهذه الكنوز .

كتاب واحد فقط من ضمن ما تصفحته من المجموعة التي تزيد عن ثلاثمائة كتاب ربطتني به علاقة مودة منذ أن تصفحته أول مرة ، ذلك أنه وإن كان ينتمي باسمه واسم مؤلفه إلى اللون التراثي مثل معظم كتب المجموعة إلا أن صفحاته تطرح تنوعاً في الأسماء والإبداعات يمتد من امرؤ القيس إلى حافظ إبراهيم ومن أبي منصور الثعالبي إلى عبدالله النديم ، هذا التنوع الهائل في مادة الكتاب أتاح لي من البداية أن أنصرف عما لا أستطيع فهمه إلى صفحات أقل تعقيداً في اللغة والأسلوب ولكن ليس بالضرورة أقل في القيمة . الكتاب عبارة عن مختارات أدبية تغطي تاريخ اللغة العربية من العصر الجاهلي إلى الثلث الأول من القرن العشرين (وقت تأليف الكتاب أو بالأحرى تجميعه) ويغطي فنوناً أدبية تشمل الخطابة والمراسلات والشعر والمناظرات والمقامات وغيرها ، ولنترك المؤلف يقدم كتابه ، يقول :

" أحلى ما سجعت به بلابل الأقلام ، وأغلى ما انتظمت فيه عقود البلاغة والانسجام ، وأشهى ما ينعت به جواهر الأدب ، حمدُ مولانا الذي شرّف لغة العرب ، وأرسل لنا نبياً عربيا منزهاً عن جميع الريب ، سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ومن صحب .

(أما بعد) : فهذا كتاب سميته "جواهر الأدب ، في أدبيات لغة العرب" أودعته ما وقع عليه اختياري ، لا من نثري وأشعاري ، فليس لي في تأليفه من الافتخار أكثر من الاختيار ، واختيار المرء قطعة من عقله ، تدل على تخلقه وفضله ، وفضيلة هذا التأليف هي في جمع ما افترق ، مما تناسب واتسق ، واختيار عيون ، وترتيب فنون ، من أحاديث نبوية ، ومكاتبات أدبية وحكم باهرة ، وأبيات نادرة ، وأمثال شاردة ، وأخبار واردة ، ووصايا نافعة ومواعظ جامعة ، ومناظرات مستظرفة ، ومقامات مستطرفة ، وأوصاف علية وخطب اجتماعية ، والله سبحانه وتعالى هو الموفق للصواب ، إليه المرجع والمآب " ـ انتهى .

اسم الكتاب : جواهر الأدب من أدبيات وإنشاء لغة العرب
المؤلف : معلم البيان أحمد بن إبراهيم بن مصطفى الهاشمي الأزهري المصري ، المتوفي عام 1943م .

الناشر : في مصر عليك بدار المعارف ، أما إذا بحثت عن الجمال والفخامة فعليك بـ "دار إحياء التراث العربي" في بيروت ، وصدرت الطبعة الأولى عن هذه الدار عام 1999م .

من تعريف الناشر اللبناني بالمؤلف :

هو معلم البيان أحمد بن إبراهيم بن مصطفى الهاشمي الأزهري المصري ، أديب من أهل القاهرة ، ولد عام (1295هـ/1878م) وتتلمذ للشيخ محمد عبده ، وصار مديراً لمدارس الجمعية الإسلامية ، ومراقباً لمدارس فكتوريا الإنجيلية ، وتوفى بالقاهرة عام 1362هـ / 1943م .



يتبع ..

شكرا كثيرا على هذا الموضوع الشائق والذي يزيد من اهتمامي بكتاب جواهر الأدب؛ وما إن بدأت أقرأ سطورك حتى قلت لنفسي إن آمون يواصل مسيرته في تثقيفي فلولاك لما عرفت المزيد عن زكي نجيب محمود وجماعة لجنة التأليف والترجمة والنشر وأمين عثمان وهذه الأسامي البراقة في بناء الفكر العربي الحديث. لي سؤال: هل ياترى هذا الكتاب مشابه لكتاب المستطرف من كل فن مستظرف؟ وفيما يختلف عنه؟ ألا ترى أن مثل هذه النوعية من الأدب العربي يجعلنا أسرى الفصحى العالية والتي تحول دون خطاب العوام بشكل متعلم ولكنه ميسور للجميع؟ ولي عودة معك وشكراً جزيلا على هذا المواد القيمة والتي سأستغلها لأسئلك أسئلة عديدة آملاً أن لا أحتكر معارفك لنفسي ولكن أعطي غيري من الزملاء فرصة كذلك للاستفادة بالتفاعل معك.

(f)

الكتاب هنا بصيغة ورد
http://www.almeshkat.net/books/archive/boo...ahr%20aladb.zip
واذكر اني رايت نسخه منه pdf
سابحث عنها ...
ولسيدنا ع الرحمن بدوي راي في هذه الكتب والتي عادت في الظهور الان منذ فتره بفضل دار المعارف مثل البلاعه الواضعه والنحو مش عارف ايه كده لعلى الجارم وامين ............. يجعله عامر

يا الله يابراهيم ، مش هتبطل مبالغات ومجاملات من النوع كامل الدسم :)
عموما يا سيدي شكرا ، أخجلتم توضعنا ، بس يا ريت ماتخجلهوش تاني :23:

جواهر الأدب والمستطرف كلاهما ينتمي لنهج في الكتابة ممكن أن نسميه "فن المختارات" ، ولابد أنك كدارس للأدب الانجليزي مثلي تعرف نوعية الكتب الانجليزية التي يبدأ اسمها بكلمة Selected كما في "Selected English Romatic Poems" مثلا ، لكن أعتقد أن المختارات العربية توسعت لتشمل الحكايات والقصص والنوادر والتراث الشفهي الفولكلوري بصفة عامة ، هذا فن أصيل جداً وراق جداً في التراث العربي الإسلامي لكن للأسف يبدو أنه خرج عن الخدمة ما عدا استثناءات قليلة وغالباً مهملة من القراء والنقاد على حد سواء مثل "جواهر الأدب" ، وهناك أيضاً مختارات أدونيس الشعرية المنتقاة على الطريقة الغربية .
طبعا هناك فوارق بين المستطرف والجواهر ، لعل أهمها أن صاحب الأول متواجد دائما في سطور كتابه يعيد صياغة مختاراته ويعلق عليها ويستخلص منها العبر والنصائح ويعظ ويحذر ويبشر وينذر ، لكن صاحب الجواهر اختار "الحياد" إذ يكتب مقدمة بسيطة يقدم بها النص المختار ثم يترك النص للقارىء ، هذا الاختلاف بينهما ناتج عن اختلاف نوع المختارات التي تفضل كلاهما علينا بها ، أحدهما اقتصرت مختاراته على النصوص الأدبية بمختلف أشكالها وهذا مؤلف الجواهر والآخر امتدت اختياراته لتشمل الحكايات والطرائف والأمثال وغيرها مما يستوجب منه التدخل .
ولا ننسى ما يقرب من خمسة قرون تفصل هذا عن ذاك ، يضاف لها أن أحدهما قاهري والآخر من الفيوم ، أي من "أدباء الأقاليم" بلغة هذه الأيام :) .

بصراحة لم أفهم سؤالك عن الفصحى ومخاطبة العوام :grin:


Array
ولسيدنا ع الرحمن بدوي راي في هذه الكتب والتي عادت في الظهور الان منذ فتره بفضل دار المعارف مثل البلاعه الواضعه والنحو مش عارف ايه كده لعلى الجارم وامين ............. يجعله عامر
[/quote]

أشكرك عزيزي على وصلة الكتاب ، لكن "جواهر الأدب" شيء وكتب البلاغة والنحو شيء آخر ، صحيح أن المؤلف يطرح بعض الشروحات والتعريفات المدرسية البسيطة عن فنون الكتابة العربية لكنها مجرد مقدمات بسيطة ومجرد هوامش على متن الكتاب .

لكن "جواهر الأدب" شيء وكتب البلاغة والنحو شيء آخر
_________________
اكيد طبعا يا استاذنا
لكني كنت اقصد تقييمه لهذه الكتب جواهر ونحو وبلاغه صرف النظر عن الفن المكتوب فيه .......... ما علينا . مشاركتك حضرتك اضافت لي الكثير..
اذا ممكن نذكر هنا بخصوص المختارات والجواهر ،، هناك كتاب اسمه المستطرف الجديد لهادي العلوي قد يكون مفيدا لكم الاطلاع عليه والكتاب عندي صوره منه لمن يريد وهادي العلوي تقريبا يسير في اغلب مؤلفاته على طريقة المختارات حسب منهجه هو ............ يمكن نكمل كلامنا

هذه الكتب هي ما وجدته للهاشمي الان لمن اراد ان يحملها :
* جواهر البلاغة في المعاني والبيان والبديع
بيانات الكتاب :
الناشر: المكتبة العصرية
رقم الطبعة: 1
تاريخ الطبعة: 1999
نوع التغليف: ورق مقوى
عدد الصفحات: 406
حجم الكتاب: 13.1 ميجا
http://s166728140.onlinehome.us/books/01/0047.rar

** القواعد الأساسية للغة العربية
http://s166728140.onlinehome.us/books/03/0266.rar
والشكر لمكتبة المصطفى والوقفيه

شكرا على ردك عزيزي آمون وبصراحة قمت بتصحيح مفهوم عندي بخصوص الـ selected writings. أحيانا كنت أظن أن هذا النوع من الكتابة هو ليستفيد المؤلف ويطبع الكتاب بصورة أو بأخرى وأني لست بحاجة لما هو مختار ولكن للأعمال الكاملة. ودائما أفرح عندما أجد عبارة الأعمال الكاملة... هل تعتقد أن فكرة الانتخاب في الأعمال يكون لها مغزى أدبي؟ مش للطبع وأكل العيش؟ أو للطالب البليد اللي عايز ملخص عشان مش عايز يقرا الكتاب على بعضه؟ اعذر كتابتي بالعامية والسبب أني يجب أن أذهب للنوم وذهني غير قادر على التفكير بالفصحى...

وهذا يأتي بي لنقطة تانية يا آمون.. هذه الكتب على روعتها الأدبية مكتوبة بلغة لا نستخدمها وترفعنا لطابق عالي جداً هو طابق الفصحى العالية High classical Arabic. ألا ترى أننا بحاجة لأدب جديد مختلف بعض الشيء... إن لم أتجاسر وأقول مختلف جداً كما هو الحال في الأدب الانكليزي حيث ما تقرأه بالرواية هو أيضا ما يمكن أن تنطق به والنقلة مش كبيرة قوي للدرجة دي. لكن في العربي نحن نكتب بلغة لا نتكلمها أو حتى نفكر بيها بالمرة. نتقمص وضعية لا وجود لها. أقرأ هذه الأيام كتاب للدكتور محمد كامل حسين عن اللغة العربية المعاصرة ويعالج فيه هذه القضية. أعتقد يا آمون أن كتب التراث القديمة على ما بها من ثراء بحاجة للـ تحديث والعصرنة.

لم أقصد التبذل بإستخدامي العامية في موضوعك ولكن اعذرني مرهق كتير من التعب واللف طول اليوم ومفروض أنام فوراً. نهارك سعيد.

+++ عزيزي يجعله عامر: ميرسي جداً على الملف البي دي إف وبصراحة فرحت به خالص. هو ليه مختلف شوية عن الملف الورد؟ هل الملف الورد كتاب تاني؟ شكرا لمساهمتك الجميلة في الموضوع. خليك معانا.. نهارك جميل.

Array
هل تعتقد أن فكرة الانتخاب في الأعمال يكون لها مغزى أدبي؟ مش للطبع وأكل العيش؟ أو للطالب البليد اللي عايز ملخص عشان مش عايز يقرا الكتاب على بعضه؟ [/quote]

المختارات غير الملخصات كما هو واضح حتى من الاسم ، مثلا فيه كتاب اسمه "أشهر مئة قصيدة في الحب" ، هذا كتاب مختارات جمع مؤلفه قصائد شتى من عصور شتى بينها قاسم مشترك ووضعها كاملة في كتاب واحد ، الرجل لم يختصر شيئاً ، وكذلك الحال مع أنواع الكتابة الأخرى .
أما "المختصرات" فهي ايضاً لا تخلو من فائدة ، كم من الناس لديه الطاقة اللازمة لقراءة "قصة الحضارة" لديورانت ؟ بالتأكيد اختصار هذا الكتاب أو بعض أجزائه سيكون مفيداً جداً .
وعموما الحياة الثقافية تتسع لكل ألوان التأليف والنشر وقاعدة القراء بطبيعة الحال متنوعة فيها القارىء المتخصص والقارىء المثقف غير المتخصص والقارىء الباحث عن تسلية ....الخ .
وطبعاً أكل العيش جزء من صناعة التأليف والنشر وإن شاء الله لا حرج :)


Arrayهذه الكتب على روعتها الأدبية مكتوبة بلغة لا نستخدمها وترفعنا لطابق عالي جداً هو طابق الفصحى العالية High classical Arabic[/quote]

صحيح ، لكن ما العمل ؟
عموماً الجزء الأهم من التراث العربي الإسلامي خضع للتحقيق على يد مجموعة عظيمة من المحققين المصريين من أمثال عبدالسلام هارون ومحمد محمود شاكر ومهدي علام وإبراهيم مدكور وعبدالحميد العبادي وطه حسين وآخرون كثر ، وطبعا التحقيق يشمل شرح الغامص وتفسير المعقد .
تعميم اللهجة العامية واستبدالها بالفصحى لم يعد مطروحاً حالياً إلا عند جماعة حزب "مصر الأم" الفاشي تحت التأسيس (وغالباً لن يؤسس أبداً) ، لكن بداية الدعوة أطلقها الدكتور لويس عوض في الحقبة "الليبرالية" ثم حين جاءت الناصرية وعروبتها ومخابراتها ومعتقلاتها تاب إلى الله توبة خالصة :lol2:

مختارات من المختارات

رغم إسلاميته وأزهريته لم يجد الشيخ الهاشمي حرجاَ من الإشادة بالوطنية المصرية وتعظيم رموزها (وخصوصا رمزها الأكبر سعد زغلول) والاقتباس من أدبياتهم وأقوالهم ، لا بل ويكيل المديح لمصطفى كمال أتاتورك الذي يصفه بأنه " على جانب عظيم من الفضيلة ومكارم الأخلاق بعيداً عن الزهو وحب النفس متواضعاً محبوباً محترماً صريحاً في قوله" ، لكن الأعجب من كل ذلك أنه يورد ضمن مختاراته من أدب الجاهلية بعض النصوص التي يمكن استخدامها في أي محاجاة نقدية تستهدف الإسلام ، ينقل مثلا عن الخطيب الجاهلي قس بن ساعدة الإيادي قوله :

" أيها الناس اسمعوا وعوا، من عاش مات ، ومن مات فات ، وكل ما هو آت آت ، ليل داج ونهار ساج وسماء ذات أبراج، ونجوم تزهر، وبحار تزخر وجبال مرساه، وأرض مدحاه وأنهار مجراه، إن في السماء لخبرا وإن في الأرض لعبرا ما بال الناس يذهبون ولا يرجعون أرضوا فأقاموا؟ أم تركوا فناموا؟ يقسم قس بالله قسماً لا إثم فيه إن لله ديناً هو أرضى لكم وأفضل من دينكم الذي انتم عليه، إنكم لتأتون من الأمر منكراً"

ويذكر أن الإيادي الذي عاش ومات قبل البعثة المحمدية هو صاحب القاعدة الفقهية التي تقول "البينة على من ادعى واليمين على من أنكر " الواردة في حديث نبوي .

وينقل عن أمية بن أبي الصلت الأبيات التالية التي تطرح مفاهيم وأوصاف ومصطلحات تكررت بعد ذلك في القرآن الكريم :

لكَ الحمدُ والنّعماء والملك ربُّنا
فلا شيء أعلى منك مجداً وامجداُ
مليك على عرض السّماءِ مهيمنٌ
لعزّته تعنوا الوجوه وتسجدُ
فسبحان من لا يعرفُ الخلقُ قدره
ومنْ هو فوقَ العرش فردٌ موحّدُ
هو الله باري الخلقِ والخلقُ كلّهم
إماءٌ له طوعاً جميعاً وأعبدُ
مليكُ السَّموات الشّداد وأرضها
يدومُ ويبقى والخليقةُ تنفدُ

إلهُ العالمينَ وكلَّ أرض
ورب الرَّاسيات من الجبال
بناها وابتنى سبعا شداداً
بلا عمدٍ يربنَ ولا رجالِ
وسوَّاها وزينها بنور
من الشمس المضيئةِ والهلالِ
ومن شهب تلألأ في دجاها
مراميها أشدُّ من النَّصالِ
وشقّ الأرض فانبجستْ عيونا
وأنهاراً من العذب الزُّلالِ
وبارك في نواحيها وزكّى
بها ما كان من حرثٍ ومعالٍ
فكلُّ معمّر لا بدّ يوماً
وذي دنيا يصيرُ إلى زوالٍ
ويفني بعد جدته ويبلى
سوى الباقي المقدّس ذي الجلالِ
وسيقَ المجرمون وهم عراة
إلى ذات المقامع والنَّكالِ
فنادوا ويلنا ويلاً طويلاً
وعجُّوا في سلاسلها الطّوالِ
فليسوا ميتين فيستريحوا
وكلهمُ بحرّ النّار صالي
وحلّ المتّقون بدار صدق
وعيش ناعمٍ تحت الظّلال
لهم ما يشتهون وما تممنا
من الأفراح فيها والكمالِ


السفاح الشهير الحجاج بن يوسف الثقفي ، والي الأمويين على العراق ، افتتح ولايته بخطبة عصماء قالها من فوق منبر أحد المساجد :


"يا أهل الكوفة إني لأرى رؤوساً قد أينعت وحان قطافها وإني لصاحبها وكأني ناظر إلى الدماء بين العمائم واللحى، ثم قال :

هذا أوان الشدّ فاشتدّي زيم
قد لفها الليل بسواقٍ حطم
ليس براعي إبل ولا غنم
ولا بجزار علي ظهر وضم
قد لفّها الليل بعصلبيّ
أروع خرّاج من الدوي
مهاجر ليس بأعرابي
قد شمرت عن ساقها فشدّوا
وجدّت الحربُ بكم فجدّوا
والقوس فيها وترٌ عرد
مثل ذراع البكر أو أشد
لابدّ مما ليس منه بدّ

إني والله يا أهل العراق ما يقعقع لي بالشنان ولا يغمز جانبي كتغماز التين ولقد فررت عن ذكاء وفتشت عن تجربة وإن أمير المؤمنين أطال الله بقاءه، نثر كنانته بين يديه فعجم عيدانها فوجدني أمرها عوداً وأصلبها مكسراً فرماكم بي لأنكم طالما أوضعتم في الفتنة واضطجعتم في مراقد الضلال، والله لأحزمنكم حزم السلمة ولأضربنكم ضرب غرائب الإبل فإنكم لكأهل (قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مّطْمَئِنّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَداً مّن كُلّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللّهِ فَأَذَاقَهَا اللّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُواْ يَصْنَعُونَ) [النحل: 112] وإني والله ما أقول إلا وفيت ولا أهم إلا أمضيت ولا أخلق إلا فريت.
وإن أمير المؤمنين أمرني بإعطائكم أعطياتكم وأن أوجهكم لمحاربة عدوكم مع المهلب بن أب صفرة، وأني أقسم بالله لا أجد رجلاً تخلف بعد أخذ عطائه بثلاثة أيام إلا ضربت عنقه "

رسالة في الشوق كتبها أبو منصور الثعالبي :

" شوقي إليك رهين قلبي وقرين صدري والزعيم بتعليق فكري وتفريق صدري سمير ذكري ونديم فكري زادي في سفري. وعتادي في حضري لايستقل به ولايقوى عليه صبري يكاد يكون لزاما ويعد غراما لا يرحل مقيمه ولا يصرف غريمه استخف نفسي واستفرها وحرك جوانحي وهزها شوق أخذ بسمع خاطري وبصره وحال بين مورد قلبه ومصدره شوق قد استنفذ جلدي وملك خلدي شوق براني بري الخلال ومحقني محق الهلال شوق تركني حرضا وأوسعني مضضا أراني الصبر حسرة والوجد يمنة ويسرة شوق يزيد على الأيام توقدا وتأججا وتضرما وتوهجا نار الشوق حشو ضلوعي وماء الصبابة ملء جفوني أنا من لواعج الشوق بين غمائم لاتمطر إلا صواعق وسمائم قد قدحت في كبدي من الحرقة بهذه الفرقة ما يفوت أيسره حد الشكاية ويجوز أضعفه كنه الكناية. شوق الروض الماحل إلى الغيث الهاطل "

رسالة اعتذار وطلب مغفرة لنفس الكاتب :

الكريم إذا قدر غفر وإذا أوثق أطلق وإذا أسر أعتق قد هربت منك إليك واستعنت بعفوك عليك فأذقني حلاوة رضاك عني كما أذقتني مرارة انتقامك مني: الحر الكريم الظفر إذا نال أقال واللئيم إذا نال استطال قد هابك من استتر ولم يذنب من اعتذر تكلف الاعتذار بلا زلة كتكلف الدواء بلا علة مولاي يوجب الصفح عند الزلة كما يلتزم البذل عند الخلة مولاي يوليني صفيحة صفحة ويؤتيتي العفو من عفوه زللت وقد يزل العالم الذي لا أساويه وعثرت وقد يعثر الجواد الذي لا أجاريه لاتضيقن لاعني سعة خلقك ولاتكدرن علي صفو ودك مالي ذنب يضيق عنه عفوك ولا جرم يتجافى تجاوزك وصفحك: والسلام.


"المناظرات" من فنون الكتابة العربية التقليدية ، منها ما يكون تسجيلاً لمناظرات حقيقية جرت بين أشخاص حقيقيين ومنها ما يكون متخيلاً ، وأحيانا تكون بين كائنات غير بشرية (جماد أو حيوان) ، ومن بين النماذج التي اختارها الهاشمي هذه المناظرة بين فصول السنة الأربعة لابن حبيب الحلبي :


قال الربيع :
أنا شاب الزمان وروح الحيوان وإنسان عين الإنسان أنا حياة النفوس وزينة عروس الغروس ونزهة الأبصار ومنطق الأطيار عرف أوقاتي ناسم وأيامي أعياد ومواسم فيها يظهر النبات وتنشر الأموات وترد الودائع وتتحرك الطبائع ويمرح جنيب الجنوب ونزح وجيب القلوب وتفيض عيون الأنهار ويعتدل الليل والنهار كم لي عقد منظوم وطراز وشي مرقوم وحلة فاخرة وحلية ظاهرة ونجم سعد يدنى راعيه من الأمل وشمس حسن تنشدنا يا بعد ما بين برج الجدي والحمل عساكري منصورة وأسلحتي مشهورة فمن سيف غصن مجوهر ودرع بنفسج مشهر ومفغر شقيق أحمر وترس بهار يبهر وسهم آس يرشق فينشق ورمح سوسن سنانه أزرق تحرسها آيات وتكتنفها ألوية ورايات بي تحمر من الورد خدوده وتهتز من البان قدوده ويخضر عذار الريحان وينتبه من النرجس طرفه الوسنان وتخرج لخبايا من الزوايا ويفتر ثغر الأقحوان .


وقال الصيف :
أنا الخلّ الموافق والصديق الصادق والطبيب الحاذق أجتهد في مصلحة الأحباب وأرفع عنهم كلفة حمل الثياب وأخفف أثقالهم وأوفر أموالهم وأكفيهم المؤونة وأجزل لهم المعونة وأغنيهم عن شراء الفرا وأحقق عندهم أن كل الصيد في جوف الفرا نصرت بالصبا وأتيت الحكمة في زمن الصبابي تتضح الجادة وتنضج من الفواكه المادة ويزهو البسر والرطب وينصلح مزاج العنب ويقوى قلب اللوز ويلين عطف التين والموز وينعقد حب الرمان فيقمع الصفراء ويسكن الخفقان وتخصب وجنات التفاح ويذهب عرف السفرجل مع هبوب الرياح وتسود عيون الزيتون وتخلق تيجان النارنج والليمون مواعدي منقودة وموائدي ممدودة الخير موجود في مقامي والرزق مقسوم في أيامي.
الفقير ينصاع بملء مده وصاعه والغني يرتع في ربع ملكه وأقطاعه والوحش تأتي زرافات ووحداناً والطير تغدو خماصاً وتروح بطاناً.


وقال الخريف :
أنا سائق الغيوم وكاسر جيش الغموم وهازم أحزاب السموم وحادي نجائب السحائب وحاسر نقاب المناقب أن أصد الصدى وأجود بالندي وأظهر كل معنى جلي وأسمو (بالوسمي والولي) في أيامي تقطف الثمار وتصفو الأنهار من الأكدار ويترقرق دمع العيون ويتلون ورق الغصون طوراً يحاكي البقم وتارة يشبه الأرقم وحيناً يبدو في حلته الذهبية فيجذب إلى خلته القلوب الأبية وفيها يكفي الناس هم الهوام ويتساوى في لذة الماء الخاص والعام وتقدم الأطيار مطربة بنشيشها رافلة في الملابس المجددة من ريشها وتعصر بنت العنقود وتوثق في سجن الدن بالقيود على أنها ل تجترح إثماً ولم تعاقب إلا عدواناً وظلماً بي تطيب الأوقات وتحصل اللذات وترق النسمات وترمى حصى الجمرات وتسكن حرارة القلوب وتكثر أنواع المطعوم والمشروب كم لي من شجرة أكلها دائم وحملها النفع المعتدي لازم وورقها على الدوام غير زائل وقدود أغصانها تخجل كل رمح زابل .

وقال الشتاء :
أنا شيخ الجماعة وربُّ البضاعة والمقابل بالسمع والطاعة أجمع شمل الأصحاب وأسدل عليهم الحجاب وأتحفهم بالطعام والشراب ومن ليس له بي طاقة أغلق من دونه الباب أميل إلى المطيع القادر المستطيع المعتضد بالبرود والفرا المتمسك من الدينار بأوثق العرى ومن يعش عن ذكري ولم يمتثل أمري أرجفته بصوت الرعد وأنجزت له من سيف البرق صادق الوعد وسرت إليه بعساكر السحاب ولم أقنع من الغنيمة بالإياب معروفي معروف ونيل نيلي موصوف وثمار إحساني دانية القطوف كم لي من (وابل) طويل المدى (وجود) وافر الجدى (وقطر) حلا مذاقه (وغيث) قيد العفاة إطلاقه (وديمة) تطرب السمع بصوتها (وحياً) (وَيُحْيِي الأرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا) [الروم: 50] أيامي وجيزة وأقاتي عزيزة ومجالسي معمورة بذوي السيادة مغمورة بالخير والمير والسعادة نقلها يأتي من أنواعه بالعجب ومناقلها تسمح بذهب اللهب وراحها تنعش الأرواح وسقاتها بجفونهم السقيمة تفتن العقول الصحاح إن ردتها وجدت مالاً ممدوداً وإن زرتها شاهدت لها بنين شهوداً .


يتبع ..

مسا الخير عليك يا عم امون
مش عارف ان كنت حصلّت الكتاب واللا لا لكن انا من شويتين وجدته وكنت نسيت اضع لك روابط التحميل هنا على العموم الكتاب اهو
الحته الاولى منه

الحته التانيه الكبيره

الحته التالته
وتقبّل تحياتي