العزيز السيستاني .
اقترحت بالفعل على أصدقائي من غير الفلسطينيين التخلي عن مناقشة الشأن الفلسطيني و تركه لأصحابه ، وذلك لأسباب عملية فالحوارات لن تكون مجدية مع الضغوط الفائقة Hyper Pressure التي يعاني منها الفلسطينيون ، كأني أسمع الفلسطيني يقول مع المتنبي .
وهان فما أبالي بالرزايا ...لأني ما انتفعت بأن أبالي .
فما هي جدوى العقلانية عندما يخاف الإنسان من الحياة أكثر من خشية الموت ، وما هو المنطق عندما يكون الخيار بين خيمة خضراء و خيمة صفراء ، حتى هذا العنف البالغ في قتال الأخوة مفهوم و طبيعي جدا في ضوء آلية إزاحة العنف إلى الذات عندما يفشل الإنسان في توجيهه إلى هدفه المعادي فلا يكون أمامه من البدائل سوى الإنتحار ،وهذا تماما ما فعله الفلسطينيون في غزة .
و لكن مثل محمود درويش مطالب بأن يقول كلمته ، فالشاعر الحقيقي هو ضمير الأمة ومن يغوص إلى أعمق أعماقها . محمود درويش ينحاز للحرية لأنه فلسطيني و لأنه شاعر ،ولا مستقبل للفلسطيني ولا للشاعر خارج مدائن الحرية ..

عزيزي بهجت
كيف نستنفر الدنيا و نجمع توقيعات ضد زيارة اوبرا وينفري لاسرائيل و في نفس الوقت نتفهم زيارة محمود درويش لحيفا .
حملة مثل هذه أثمرت في ثني الرولينغ ستون عن زيارة اسرائيل للغناء هناك .
صمت رهيب لكل منظمات المقاطعة و مناهضة التطبيع حول زيارة درويش في الوقت الذي كالت فيه تهم التخوين لكل من تجرأ على خرق المقاطعة كنبيل صوالحة و علي سالم و المغني فارس و غيرهم .
صدمة درويش قوية على قلبي يا بهجت و ستجعلني أعيد النظر في العديد من الامور و المسلمات التي كانت عندي حول القضية
:redrose:

طيب اذا كان للرجل رأي، أيخفيه و يكبته؟

أحيانا يأخذ الرجال مواقف، فلا تنسى مثلا مواقف غاندي المعارضة للصهيونية، و الحملة العالمية ضده و كيف لامه الناس على أنه نزل عن موقف الحياد في قضية فلسطين و لم "يتنزه" عن التحيز و "تنازل" عن موقعه المرموق.

عزيزي السيستاني .
محمود درويش ليس مجرد شاعر بل هو قمة شعرية ورمز فلسطيني ، وهو ينتمي إلى حيث ذهب إلى فلسطين القديمة خلف الخط الأخضر ، كم تمنيت أن يظل محمود درويش هناك و لم يرحل أبدا ولو بحثا عن فضاء يغرد فيه ، فإن ضاق بنا الوطن سيضيق بنا كل وطن آخر . أنعم سيعود محمود درويش إلى وطنه بتصريح أمني عابرا ،و لكن ذلك يحمل رمزا لا يدركه المزايدون من مناضلي الحناجر ، أن الفلسطيني يعود .. و إن رحل يعود ، هو سيغني للوطن الذي يحيا في أعماقه حتى على البعد ، و سنغني معه كما فعلنا دوما ،و بهذا لن تموت فلسطين الرمز الجميل ، إذا لندعه يذهب و يعود فهو لم يرحل ، الشعراء لا يرحلون ولا يموتون فالكلمات التي يطلقونها تحملهم معها إلى سموات بعيدة كشمس لا تغيب .
أما عن إزدواج المعايير فهو معلم قومي يوحد العرب ، فكل منا خائن وعميل لو لم يجتر نفس الشعارات الساذجة التي يرددها الآخرون .
يا عزيزي .
إن محمود درويش الشاعر مطالب أن يدفع ثمن الموقف السياسي لمحمود درويش الوطني الفلسطيني المعادي للفاشست .
نحن نعيش في زمن مخادع .
حتى لو تصور الفاشيون في فلسطين أنهم يريدون ما يحدث فهم يهربون إلى الوهم لأنهم مدفوعون دفعا ، ولو تصور البعض أنهم يتقدمون إلى هدف ما فليس هناك في هذا الطريق أهداف ، فقط هناك المزيد من الضياع .. الضياع المطلق .
كم تمنيت أن نعزل القضية الفلسطينية عن خلافات العرب ، فالعرب لا يجمعهم سوى الخلافات ،وكم تمنيت أن يحصن الفلسطينيون أنفسهم بعيدا عن صراعات لا يملكون رصيدا كي يدفعوه في سبيلها ،و لكن هذا لم يحدث فالفلسطينيون شركاء في كل مشاكل العرب و مصائبهم و يدفعون من رصيد مدين لقضايا اختارتهم ولم يخترونها و لا تعنيهم في محنتهم الدائمة ، كل ما يحصنون هي أفكارهم عن أنفسهم ضد النقد مهما كان مخلصا .
لماذا لا نقصر حديثنا عن محمود درويش ؟.