أبعد من مواجهات الشمال اللبنانيّ

لا نكون مبالغين حين نقول إن ظاهرة «فتح الإسلام» والمواجهات التي استدعتها تلخّص أزمة الوضع العربيّ المشرقيّ برمّته، كما تكشف الوهدة التي انحط اليها الوعي الشائع.

ما هي العناصر التحتيّة التي يصطدم بها المرء حين يصطدم بتلك الظاهرة الخطرة؟

أوّلاً، «الجهاد» في العراق، وهو ما قد تفسّره أسباب كثيرة إلا أن واحداً من أهمّها لا يزال مسكوتاً عنه: الإصلاح الدينيّ ومصالحة الإسلام مع واقع الدول الوطنيّة. فمهمّة تربويّة وثقافيّة، مديدة ومعقّدة كتلك، هي وحدها ما يقطع الطريق على «الجهاد» في العراق أو أفغانستان أو الشيشان مما يرتدّ ويلاً وثبوراً على سكّان البلدان التي انطلق منها «المجاهدون».

ثانياً، تقاطُع النظام السوريّ مع فرق الإرهاب الاسلامويّ، وهو ما تقدّم طرابلس والمخيّمات بعض عيّناته وسوابقه التي لا تقتصر على الصلة بـ «حركة التوحيد الاسلاميّ» وما تفرّع عنها من رثاثات. وهذا التقاطع يشرب من ماء التذاكي الاستبداديّ الذي يحمل المستبدّ على استخدام أيّة «ورقة» يمكن استخدامها من أجل إدامة قدرته على ممارسة الاستبداد. وغنيّ عن القول، ووراءنا ما لا يُحصى من تجارب، ان سائر الذين لعبوا هذه اللعبة احترقوا، هم أنفسهم، بنارها.

ثالثاً، مسألة المقاومة التي «تجيز»، في حال لبنان، حمل السلاح وانتشاره، ففي مقابل الرطانة الشائعة عربيّاً في تقديس المقاومة، يتحوّل ذاك السلاح، سلاحها، مصدراً لخوف كل من لا ينتمي الى مذهب المقاومين أو طائفتهم. هكذا يفضي التوحّد اللفظيّ المزعوم ضدّ العدوّ (الذي انسحب الى ما وراء الحدود الدوليّة) الى إمعان في التفتّت المسلّح الذي يجعل كلّ فرد ذئباً للفرد الآخر وكلّ جماعة عدوّاً للعدوّ الآخر.

رابعاً، عجز الدولة اللبنانيّة عن النهوض، أمنيّاً بالتأكيد، ولكنْ ايضاً اقتصاديّاً وتعليميّاً، ما يوسّع جيوب الفقر والحرمان والأميّة، مضاعفاً قدرة تنظيمات كـ «القاعدة» و «فتح الاسلام» على الاستثمار والاستقطاب. وهي مأساة تضرب جذرها في الوعي الشائع حيث لا تحتلّ الدولة أيّ موقع يُعتدّ به في نظام الأولويّات، بينما تخفق القلوب لأيّة «بندقيّةٍ مقاوِمة» يُضحّى من أجلها بعشرين دولة.

خامساً، عجز الدولة اللبنانيّة، والدول العربيّة عموماً، ومن ورائها سائد الوعي العربيّ وشائعه، عن توفير حلّ معقول لمشكلة الفلسطينيّين في بلدانهم. وهو عجز يمكن ردّه الى أسباب عدّة إلاّ ان أحدها يكمن في ذاك الحبّ اللفظيّ لفلسطين المقرون بتجاهل الفلسطينيّين ومحاصرتهم والتضييق عليهم. والمطلوب قلب المعادلة بحيث يُصار الى المساعدة على حلّ الأزمات الانسانيّة والاجتماعيّة للفلسطينيّين في مقابل التخفيف من غلواء القضيّة الفلسطينيّة. ذاك ان المعمول به الآن هو رفع درجة التوتّر من زاويتيه: التسخين المتواصل بقضيّة فلسطين، والتسخين المتواصل أيضاً عبر تجاهل الفلسطينيّين كبشر وتركهم، من ثمّ، أدوات تفجير محتملة.

سادساً، انجراف اللبنانيّين جميعاً في وعي وممارسة ينمّيان الردّ الطائفيّ على السلوك الطائفيّ. فليس شدّ «العصب السنّيّ» العلاج الناجع لشدّ «العصب الشيعيّ» ممثّلاً ببندقيّة «حزب الله»، بل العمل على تطوير أفق وطنيّ لبنانيّ متعالٍ على الجزئيّات الطائفيّة، عابر لها. فشدّ «العصب السنيّ» ينتهي بنا الى ما انتهينا اليه، وكنا رأينا عيّنة عنه في الأشرفيّة، إبّان الاعتراض على الرسوم الدنماركيّة. لكنّنا، هنا ايضاً، تداهمنا تلك الهوّة التي لا تزال تفصلنا جميعاً، وعلى امتداد المنطقة، عن التفكير وفق منطق الشرعيّة السياسيّة والوطنيّة الحديثة.

حازم صاغيّة الحياة - 22/05/07//

:Asmurf:

تسجيل الدخول
اسم المستخدم:
كلمة المرور:	فقدت كلمة المرور؟
	تذكرني

المواضيع المحتمل أن تكون متشابهة…
الموضوع		الكاتب	الردود	المشاهدات	آخر رد
	فهمي هويدي يكتب: مغامرة حكومة الإخوان	فارس اللواء	0	925	02-21-2012, 05:32 PM آخر رد: فارس اللواء
	رد الدكتور سليم العوا علي الشيخ حازم شومان بشأن أفكاره عن الليبرالية	فارس اللواء	5	3,332	08-03-2011, 09:05 PM آخر رد: فارس اللواء
	ماذا قالوا عن مصر وأحوالها؟ .. حمدى قنديل يكتب: أقوال مأثورة	AhmedTarek	2	2,028	08-31-2010, 09:43 PM آخر رد: The Holy Man
	أينشتين يكتب عن الاشتراكية	مجدي نصر	8	3,230	01-07-2010, 11:39 PM آخر رد: مجدي نصر
	أينشتين يكتب عن الدين	مجدي نصر	0	861	12-18-2009, 09:29 PM آخر رد: مجدي نصر