تمهيد :
فيما يلي ، أهم المصطلحات التي تستخدم ضمن الأنثروبولوجيا ، بما فيها تعريفها ، وتحديد فروعها الأربعة (الثقافية ، الطبيعية ، الأركيولوجية ، واللغوية) . وكل ذلك تبعاً لوجهة النظر الأمريكية ، خاصة أن مفاهيماً كـ : الثقافة ، التثاقف ، وغيرها ، هي من إنتاج أمريكي ، أو أن الأمريكيين قدموا لها أسساً متينة ، فتم اعتمادها عالمياً .
ومن ثم ، هناك بعض الملاحظات الختامية التي ارتأيت ذكرها منعاً لأي التباس ، إضافة إلى توثيق ببليوغرافي (فيما يخص هذه المصطلحات) من المفيد الرجوع إليه ، وعدم الإعتماد فقط على ترجمتي هذه ، إذ هي أيضاً تبقى مجرد وجهة نظر .
· بعض المصطلحات :
1. الأنثروبولوجيا :[6] (Anthropology) هي دراسة كل جوانب ومناحي حياة الإنسان . على سبيل المثال : كيف يعيش الناس ؟ كيف يفكرون ؟ ماذا ينتجون ؟ وكيف يتفاعلون مع بيئتهم ؟ كما تحاول الأنثروبولوجيا فهم المدى الواسع للتنوع الإنساني ، إضافة إلى المشترك بين البشر . ومن الأمثلة على بعض أسئلة الأنثروبولوجيين الأساسية :
- متى ، أين ، وكيف تطور البشر ؟
- كيف يتكيف البشر مع البيئات المختلفة ؟
- كيف تطورت المجتمعات وتغيرت من الماضي القديم وحتى الحاضر ؟
إن الأجوبة على مثل هذه الأسئلة يمكن أن تشرح لنا ماذا يعني كوننا بشراً ؟ كما يمكن لها أن تساعد في تعليمنا طرقاً لتقريب حاجات الناس عبر العالم ، وكيفية التخطيط لعيش المستقبل .
2. الأنثروبولوجيا الثقافية:[7] (Cultural Anthropology) تدرس الثقافة الإنسانية . كعلماء الآثار ، يدرس الأنثروبولوجيون الثقافيون الحرف ، الفنون ، المنازل ، الأدوات ، ونتاجات الثقافة المختلفة . كما يخصصون جهوداً وأبحاثاً كثيرة لدراسة نتاجات الثقافة غير المادية ، بما تتضمنه من رموز ، قيم ، معتقدات دينية ، وموسيقى .
3. الأنثروبولوجيا الطبيعية :[8] (Physical Anthropology ) الفيزيقية ، أو البيولوجية ، هي فرع الأنثروبولوجيا الذي يهتم ويركّز على العلاقة بين البيولوجيا (Biology) والثقافة . وهي تدرس التطور الإنساني (Human Evolution) كالأركيولوجيا (Archaeology) ، لكنها تهتم تحديداً بالفسيولوجيا (Physiology) والتشريح (Anatomy) أكثر من اهتمامها بالثقافة .
4. الأركيولوجيا :[9] (Archaeology) [أو علم الآثار] هي فرع الأنثروبولوجيا الذي يركز على المجتمعات والثقافات البشرية الماضية وليس الحاضرة . وتدرس (تحديداً) المصنوعات الحرفية كـ"الأدوات ، الأبنية ، الأوعية ..." أو ما بقي منها ، والتي استمرت بالتواجد للوقت الحاضر ، وأيضاً الأحافير الإنسانية . وتنظر إلى البيئات الماضية ، لكي يُفهَم مدى تأثير القوى الطبيعية كـ"المناخ والطعام المتواجد" [على سبيل المثال] على تشكيل الثقافة الإنسانية . يدرس بعض الأركيولوجيون الثقافات التي تواجدت قبل تطور الكتابة ، أي في فترة "ما قبل التاريخ" (prehistory) . إن الدراسة الأركيولوجية لحقبات تطور البشرية منذ التواجد البشري وحتى فترة تصل إلى عشرة آلاف عام قبل الميلاد [أي حتى بدء الثورة الزراعية] تدعى "باليوأنثروبولوجي" (Paleoanthropology) [علم الإنسان القديم] . أما دراسات حقبات زمنية أحدث ، من خلال البقايا المادية والوثائق المكتوبة ، تدعى الأركيولوجيا التاريخية .
5. الأنثروبولوجيا اللغوية :[10] (Linguistic Anthropology) أو الأنثروبولوجيا الألسنية ، تركز على كيفية استخدام الناس للّغة ضمن ثقافة معينة . لا بد للأنثروبولوجيين الذين يرغبون بدراسة هذا الجانب ، من تدريب إضافي وأساسي في علم اللغة (أو الألسنيات) (Linguistics) . تتركز جهود الأنثروبولوجيون عادة على دراسة الشعوب التي لا تمك لغة مكتوبة ، أو أن الناطقين بها أقلية . ويعمدون إلى تطوير طرق لكتابتها ، وبذلك يمكن أن يتم تعلمها مجدداً وحفظها من الإندثار .
6. الثقافة :[11] (Culture) تتألف من كل الأفكار ، الأشياء ، وكيفية القيام بالأعمال التي أبدعتها الجماعة . تتضمن الثقافـة : الفنون ، المعتقدات ، العادات ، الإختراعات ، اللغة ، التقنيات ، والتقاليد ، وغيرها ... إن مصطلح الحضارة وإن كان شبيهاً ، إلا أنه يشير إلى أساليب حياة متقدمة وأكثر علمية .
تنشأ الثقافة من اكتساب وتعلم طرق الأداء ، الشعور ، والتفكير ، ولا ترتبط بالطرق البيولوجية الفطرية الحتمية .
على الثقافة أن تتواجد في مكانين في الزمن نفسه :
أ. عليها أن تتواجد في المحيط/البيئة على شاكلة أدوات/تقنيات وسلوك .
ب. كما عليها أن تتواجد في عقل الفرد كمجموعة من الأفكار لفهم وتقييم الأدوات والسلوك .
إن الثقافات تختلف فيما بينها بطرق تأمين الحاجات المتشابهة ، مثلاً تختلف مؤسسة الزواج بشكل كبير بين الثقافات ، وإن كانت الحاجة واحدة [إنجاب الأطفال مثلاً] .
7. الحضارة :[12] (Civilization) هي أسلوب حياة ينشأ بعد أن يسكن الناس المدن أو في مجتمعات منظّمة كالدول . اشتقت الكلمة من الكلمة اللاتينية (Civis) والتي تعني المواطن في الدولة/المدينة .
تتألف الحضارة من الفن ، العادات ، التكنولوجيا ، شكل الحكومة (والنظام) ، وكل شيء آخر الذي يؤسس أسلوب الحياة في المجتمع .
من هذا المنظار تتشابه الحضارة مع الثقافة ، إلا أن الثقافة تشير إلى أي أسلوب حياة ، وتتضمن أسلوبي الحياة البسيط والمركب . بينما تشير الحضارة إلى أسلوب الحياة الذي يتميز بأنظمته الإجتماعية ، الحكومية ، والإقتصادية المعقدة/المركبة .
لذا ، يمكن القول أن كل إنسان يعيش ضمن "ثقافة" ، لكن ليس بالضرورة ضمن "حضارة" . إن نشوء وارتقاء الزراعة كان له الأثر الكبير في تطور الحضارة .
8. التثاقف:[13] (Acculturation) هي العملية التي تتغير بها السمات الثقافية لجماعة ما عند الإتصال بجماعة أخرى . ويستخدم هذا المفهوم أيضاً ، لوصف العملية التي يتعلم بها الأفراد ثقافة أخرى .
قد يشكل التثاقف إشكالية ، عندما يحتار الأفراد بين ثقافتهم الأصلية والثقافة الجديدة . في العديد من الثقافات ، على سبيل المثال ، تعيش الفتاة في منـزل والديها إلى أن تتزوج ، لكن في دول أخرى [وثقافات أخرى] تترك الفتاة منـزل والديها قبل الزواج بفترة ، هذه الحالة ستسبب مشكلة لفتاة من عائلة مهاجرة ، إذ سينازعها أمرين ، أن تبقى في البيت أو أن تغادره !
تحدث هذه الإشكالية أيضاً ، عندما تؤوّل - ويساء تفسير- أفعال معتمدة على نماذج ثقافية من وجهة نظر ثقافة أخرى . معظم الغربيين ، مثلاً ، يبتعدون عن بعضهم أثناء الكلام ، بينما العرب مثلاً ، يشعرون بالراحة في الوقوف بالقرب من بعضهم . كنتيجة لسوء الفهم هذا ، السلوك الذي يعتبره الغربيون مهذباً ، يفسره العرب كتحفظ ، والسلوك الذي يعتبره العرب ودوداً ، يبدو عدوانياً بنظر الغربيين .
9. التعددية :[14] (Pluralism) وهي اختلاف جماعة (أقلية) في بعض طرقها عن الجماعة الرئيسية في المجتمع (في اللغة ، المظهر ، الممارسات الثقافية ...) .
10. الصهر الثقافي:[15] (Assimilation) هو العملية التي تصبح فيها جماعة إجتماعية/ثقافية جزءاً من جماعة إجتماعية/ثقافية أخرى . كمثال على ما سبق ، استقرار جماعات بشرية من دول مختلفة في أستراليا . معظم هذه الجماعات وبشكل تدريجي بدأت تتخلى عن أسلوب الحياة الذي كان معتمداً في موطنها ، وتبنت أسلوب الحياة الأسترالي ، فهم تعلموا اللغة ، وتبنوا العادات والتقاليد .
ومن الممكن حدوث حالة الصهر الثقافي ، عندما ينتقل الناس من مكان في الدولة نفسها إلى مكان آخر . مثلاً ، أهل الريف في انتقالهم إلى المدينة ، يكتسبون أسلوب الحياة "المديني" . الجماعة "المنصهرة" ليس بالضرورة أن تتبنى أسلوب الحياة "الجديد" بشكل كلي . إذ يمكنها أن تحتفظ ببعض عاداتها القديمة ، أو تعدل ببعض الجديدة أثناء تبنيها .
أحياناً ، يتوقف الصهر الثقافي أو تخف وتيرته ، لأن الأكثرية تمنع أي اتصال مع الأقلية . السود ، مثلاً ، كانوا يجبرون على البقاء في "معازل" (غيتو) . وفي حالات أخرى ، تتمسك الأقلية بطريقتها في الحياة ، وتمتنع عمداً عن الإتصال فالإنصهار مع الأكثرية .
11. النسبوية الثقافية :[16] (Cultural Relativism) هي عندما يحاول الأنثروبولوجي فهم الثقافات الأخرى ، من وجهة نظر حامليها [أي أفراد الثقافة الذين يعيشون ضمنها] ، هذا يساعد الأنثروبولوجيين على فهم وإدراك لماذا يعيش الناس ضمن ثقافات أخرى كما يفعلون ؟ ينطلق الأنثروبولوجيون من افتراض هو أن الثقافة مؤثرة ومتكيفة لمن يعيش ضمنها . بمعنى آخر ، تقدم الثقافة المعنى لحياة أفرادها .
ملاحظة ختامية :
ما سبق ، يوضّح لنا وجهة النظر الأمريكية تحديداً لعلم الأنثروبولوجيا ، ولذا لم أذكر الأنثروبولوجيا الإجتماعية (أو الإثنولوجيا) فهي الإسم الأوروبي للأنثروبولوجيا الثقافية . كما يُظهر ما سبق وجود تخصصين (علمي اللغة والآثار) ضمن فروع الأنثروبولوجيا ، وهما تبعاً لوجهة النظر الأوروبية (أيضاً) تخصصات مختلفة وبعيدة عن الأنثروبولوجيا . وهذا أمر نجده ضمن الجامعة اللبنانية المتأثرة بالفرانكوفونية .
بالطبع ليس المقصد التقييم ، فليس هذا بأفضل من ذاك ، أو العكس ، بل الرغبة الدائمة في الإطلاع على طرق التفكير الأخرى ، وفهمها ، والإنطلاق من خلالها ، نحو أسلوب خاص بنا ، لا يحمل آثار الأفكار البالية ، وفي نفس الوقت ، لا يقلّد كالقرود الأفكار الجديدة .
يبدو أنه ينبغي لي ، أن أبرر سبب اعتمادي وجهة النظر الأمريكية ، فليس في الأمر التباس أو استلاب ، بل هو حركية جديدة في النظر إلى هذا العلم عند شعب يستخدمه في مناحي حياته ، ويعتمد عليه في سياسته ، كما يستند إليه في تخطيط تنميته . إن الأنثروبولوجيا عند الأميركيين ليست شأناً فلسفياً خاصاً ، أو محاورة أكاديمية بحتة لا يمكن تقديمها لرجل الشارع ، بل هي علم عملي (practical) تطبيقي (applied) . وهذا ما أعتقد أننا بحاجة إليه .
ليس المطلوب تهميش علم على حساب آخر ، لكن تحديد الأولويات ، وبالتالي تحديد الوسائل الموصلة ، أي العلم الذي يقدم النتائج الأفضل والأسـلم ربطاً بالواقع المعيوش . وهذا بنظري ما تفعله وتقدمه الأنثروبولوجيا .
ببليوغرافيا :
- باللغة العربية :
أ. الكتب :
1. أحمد زكي بدوي ، معجم مصطلحات العلوم الإجتماعية ، بيروت ، مكتبة لبنان ، -(*) ، 1993 .
2. فردريك معتوق ، معجم العلوم الإجتماعية ، بيروت ، الأكاديميا العربية ، ط 1 ، 1993 .
3. محمد الجوهري ، الأنثروبولوجيا (أسس نظرية وتطبيقات عملية) ، مصر ، دار المعرفة الجامعية ، - ، 1996 .
4. كاميليا فوزي الصلح وثريـا التركي ، في وطني أبحث (المرأة العربية في ميدان البحوث الإجتماعية) ، بيروت ، مركز دراسات الوحدة العربية ، ط 1 ، 1993 .
ب. المجلات :
5. مجلة العلوم ، الكويت ، مؤسسة الكويت للتقدم العلمي ، مجلد 19 ، العدد المزدوج 8-9 ، أغسطس-سبتمبر/2003 .
- باللغة الإنكليزية :
أ. الموسوعات والموسوعات الإلكترونية :
6.Microsoft Encarta Encyclopedia 2002.
7.The World Book Encyclopedia, U.S.A., World Book Inc.,-, 1992.
ب. بعض مواقع الإنترنت :
http://www.as.ua.edu/ant/murphy.htm
http://www.as.ua.edu/ant/Faculty/murphy/436/kinship.htm
http://www.umanitoba.ca/anthropology/kintitle.html
http://www.palgrave-usa.com/Anthropology/browse.htm
http://www.iupui.edu/it/anthropo.htm
http://1s.berkeley.edu/dept/anth.html
http://www.mscd.edu.htm
http://www.udel.edu.html
http://www.usd.edu/anth.html
علي نزار هاشم