الجزء الاول
ادى إكتشاف مستحاثاتين جديدتين مؤخراً، ظهر انهم اقدم المستحاثات السمكية، الى تغيير الفترة التقديرية لمراحل تطور الحياة على الارض. المستحاثاتين تم إكتشافهم في المنطقة الصينية المسماة Yunna, حيث أكتشف سابقا الكثير من المستحاثات المثيرة.
لقد ظهر ان المستحاثاتين لهم من العمر حوالي 530 مليون سنة. هذا يعني ان السمك قد ظهر على خارطة التتطور اقدم مما كان في تصورنا سابقا بحوالي 50 مليون سنة. المستحاثاتين تعودان الى نوعين مختلفين لم يكن معروفين للعلماء سابقا. والملاحظ ان كلا المستحاثاتين تعودان لنوع بدائي من السمك ليس له فك ولم يكن معروفا لنا في السابق، الامر الذي يدل على ان تطور السمك المتتدرج يملك جذوره في عصر ماقبل الكامبري.
The oldest known fossil fish, Myllokunmingia from the Lower Cambrian Chengjiang Lagerstätte of South China. Clearly visible are the anterior gills, dorsal fin and trunk myomeres. The specimen is about 2 cm in length. (University of Cambridge Department of Earth Sciences)
المستحاثاتين تشيران الى ان السمك البدائي قد ساد في المحيطات قبل 540 مليون سنة، اي قبل العصر الكامبري. في العصر الكامبري حدثت على الاغلب الكثير من التغييرات البيئية والجيلوجية الكبيرة، الامر الذي اعطى الفرصة والحاجة والامكانيات للمزيد من التغييرات الجينية والتنوع البيلوجي، وهو ماانعكس في سرعة وتنوع التتطورات. هذا التعبير هو التوضيح الذي يقدمه عالم العصر الكامبري البروفيسور Simon Conway Morris من جامعة كامبريدج.
مع ظهور الاسماك اصبحت الحيوانات قادرة على التحرك اسرع واستطاعت ان تتطور اساليب افضل للصيد. وفي الوقت التي ظهرت فيه الاسماك منفصلة عن اللافقاريات، واصبحت الحركة السريعة هي سلاحها للحفاظ على النفس، توجه التتطور عند بقية اللافقاريات الى تتطوير البيت الكلسي كطريقة للدفاع والبقاء، الامر الذي يوضح اسباب ندرة المستحاثات من ماقبل العصر الكامبري.
[/url][attachmentid=59]
صورة بيانية تبين شكل العلاقة بين الكائنات الحية في العصر الكامبري وماقبله
جذور الانف والاذن، الشم والسمع
سمكة اخرى من عائلة الزعانف الغصنية (Coelacanthini) هي التي يعود اليها الفضل في ظهور المنخار عند الحيوانات الثديية، وهي من نفس العائلة التي تنتمي اليها المستحاثة الحية التي اكتشفت مؤخرا والذي سيأتي ذكرها لاحقا. العالم البيلوجي السويدي Per Ahlberg, من جامعة اوبسالا الى جانب علماء صينيين اكتشفوا مستحاثة لها من العمر 390 مليون سنة لها انف له شكل وسطي بين انف الحيوانات البرية وانف الاسماك. هذه السمكة اطلق عليها اسم Kenichtys.
السمك يملك فتحتين في مقدمة الرأس وفتحتين اخريين خلفهم. يستخدم السمك هذه الفتحات من اجل الشم، حيث يدخل الماء من الفتحتين الاوليتين ويخرج من الفتحتين الخلفيتين، ولكن لاعلاقة لهذه الفتحات بالتنفس. من المثير ان المستحاثات المتأخرة لسمك الزعانف الغصنية تملك فتحتين اماميتين وفتحتين خلفيتين تماما كما هو الحال عند السمك الحديث، في حين ان المستحاثات لسمك الزعانف الغصنية الاقل عمرا وبالتالي الاقرب الى النوع الذي صعد الى اليابسة له فتحتين فقط وقنوات تنفسية كاملة البنية. هذه السمكة تسمى Kenichthys campbelli ولها من العمر 400 مليون سنة واكتشفها في الصين حديثا العالم Per Ahlberg وزميله الصيني العالم Zhu Min. هذه المستحاثة لها من السمات مايجعلها تنسجم في دور الوسيط بين مرحلتين. تبدل مكان الفتحات وتحولها الى انف كان ظاهرا بوضوح الامر الذي يشير الى العلاقة الجينية بين تحرك الانف وبين الفك وهي نفس العلاقة التي نراها عند الانسان حتى اليوم.
عند جنين الانسان نجد ان الفك يتشكل بنفس طريقة التطور التي مر به عند نشوءه عند الاسماك حيث ينمو العظم المسمى maxillan ليلتقي مع العظم المسمى premaxillan في نقطة تحت فتحة الانف الخارجية ويلتحمان مع بعض ليفصلان فتحة الانف الخارجية عن الفك. إذا لم يحدث الالتحام نحصل على نفس الحالة التي كانت تحياها الحالة المتوسطة في هذه النقطة بيننا وبين الاسماك: والمعروفة بإسم Kenichthys campbelli
اليوم نعلم ان الاصابة بالجينات المسمات Bmp, shh, ptc, تؤدي الى عدم انفصال بين الفك ومجرى الانف، الامر الذي نجد جذوره قبل 400 مليون سنة.
هل تنفس السمك من اذنيه؟
البروفيسور Per Ahlberg وهو مختص في بالتطور في عصوره الاولى له ملاحظات مثيرة حول تفاصيل مراحل التطور الاولى. من ملاحظاته في تقرير نشرته جامعة اوبسالا السويدية، ان بدايات الاذن عند الاسماك لم يكن لها علاقة بالسمع، وانما بالتنفس. الاذن عند الانسان عبارة عن تفاعل منسجم بين عضويين: الاذن الداخلية والاذن الوسطى.
الاذن الداخلية تحتوي على خلايا السمع التي تلتقط الموجات الصوتية وترسلهم الى الخلايا العصبية في الدماغ. الاذن الوسطى عبارة عن تشكيلة ميكانيكية يسمح بإلتقاط الترددات الصوتية الضعيفة من الهواء بمساعدة غشاء (طبلة الاذن) ليقوم بتقويتهم بمساعدة عظمة الاذن ليرسلهم الى الاذن الداخلية. بدون الاذن الوسطى لن تتمكن الاذن الداخلية من العمل.
جميع الفقريات تملك اذن داخلية في حين الاذن الوسطى توجد فقط عند الفقريات التي تعيش على اليابسة. بمعنى اخر فالسمك لايحتاج الى اذن وسطى لكون الماء يسمح للصوت بالانتقال بقوة والوصول الى الدماغ عبر الجسم.
ولكن من الملاحظ ان بنية الاذن الوسطى عند الحيوانات تختلف من مجموعة الى اخرى: الحيوانات اللبونة لها طبلة اذن وثلاثة عظام اذنية( المطرقة، السندان وعظمة استناد) في حين الطيور والسلاحف والضفادع لهم فقط عظمة اذن واحدة (السندان) الذي يربط غشاء الطبلة الاذنية مباشرة الى الاذن الداخلية.
ولكن لازال الشك يساور العلماء فيما إذا كان غشاء الطبلة عند الطيور والسلاحف والضفادع ذو منشأ تطوري واحد او انهم ظهروا بطرق مختلفة . بالمقارنة مع الاسماك نجد ان الاسماك لها حفرة صغيرة مفتوحة وتربط كالقناة بين الخارج والداخل، بدون طبلة اذنية عوضا عن الاذن الوسطى. مايقابل عظمة السندان وتسمى (hyomandibulan) تسند غطاء داخلي ولكن ليس لها ارتباط مع الاذن الدالخلية. نرى بوضوح ان هذه المنشآت لادور لها بالسمع، الذي لاتحتاجه السمكة اصلا.
هذه الاختلافات جعلت من الصعوبة على العلماء فهم كيفية ظهور الاذن الوسطى. كيف تغيرت الحفرة الصغيرة المفتوحة عند الاسماك تغييرا كبيرا في الشكل والوظيفة؟
المستحاثات الاولى للكائنات الاولى التي صعدت الى اليابسة مثلا Acanthostega, كان لها عظمة اذن مرتبطة بالاذن الوسطى ولكنها كانت كبيرة وغليظة ويبدو انها لم تكن متصلة بغشاء طبلة اذن. غير انهم كانوا يملكون مجموعة من النتوءات تعادل ماعند الضفدعة الحديثة نقطة إلتصاق الطبلة الاذنية ولكن عند السمك تتطابق مع الفتحة الخلفية الخارجية للقناة (لنتذكر ان للسمك فتحة امامية لدخول الماء وفتحة خلفية لخروج الماء).
هذا الترابط ادى الى ظهور فرضية ان الكائنات الارضية الاولى كانوا لايزالوا يملكون الفتحات الخلفية. ولربما يتنفسون منهم.
المعلومات الجديدة التي يقدمها علماء جامعة اوبسالا تعطي هذه الفرضية دعما قويا. المعلومات جاءت من مستحاثة عثر عليها في ليتلاند لسمكة تسمى Panderichthys. من المعروف ان لهذا النوع من الاسماك عظمة المماثلة لعظمة السندان وكان معتقدا ان الفتحة الخلفية من النوع التقليدي كما عند بقية السمك. ولكن ظهر ان هذا الامر غير صحيح. الدراسة المتفحصة اظهرت الحفرة الداخلية تشبه الاذن الوسطى تماما كما هو الامر عند حيوانات اليابسة البدائية (tetrapod), مثلا: Acanthostega. وبما ان مثيل عظمة السندان عند سمكة Panderichthys ليس لها اتصال مع الاذن الداخلية فلايمكن الاعتقاد ان الحفرة الداخلية كان لها وظيفة تقوية الصوت. على العكس يمكن القول ان هذا التطور كان له سبب اخر غير سبب تحسين القدرة على السمع.
بالمقارنة مع بقية الاسماك من نفس العائلة فأن الفتحة الخلفية عند Panderichthys لها قطر اكبر ومجرى اقصر ومستقيم. هذا يشير الى تحسن في وظيفة التنفس (الهوائ او المائي) بالمقارنة مع بقية السمك حيث قسم ضئيل من ماء التنفس يمر عبر هذا الانبوب. مثل هذا الامر نجده لازال موجودا عند السمك المسمى Batoidea كما يسمى ايضا Rajomorphii.
ان " الاذن الوسطى" عند كائنات اليابسة الاولى (tetrapod) لها نفس الشكل كما لدى سمك Panderichthys, مما يفتح المجال للاعتقاد ان وظيفة التنفس منها كانت لازالت بافية عندهم. غير انه عند كائنات اليابسة كان الغطاء الغلصمي قد زال والعظمة السمكية المثيلة لعظمة السندان في الاذن الوسطى تحولت الى عظمة سندان بدائية. حقيقة ان عظمة السندان قد اصبح لها تماس مع الاذن الداخلية تشير الى ان وظيفة السمع ايضا قد اصبحت فعالة.
إمكانية إغلاق فتحات التنفس المزودة بصمامات تعطي السمك البدائي فرصة لتطوير عطمة السندان الضرورية لنشوء حاسة السمع. عندما اصبحت حاسة السمع حقيقة وضرورية يمكن ان تكون قد حدثت بقية التغييرات البنيوية.
السمك ذو الرئة
لقد استعرضنا إمكانيات مختلفة لظهر الانف والاذن ولكن ماذا عن الرئة؟ نعرف اليوم ستة انواع من الاسماك تملك رئة وهي تنتمي الى مجموعة Dipnoi, ومنها توجد عائلتين: Dipneusti and Lepidosirenida, وتستطيع الحياة في فترات الجفاف بفضل الرئة التي تملكها، كما انها تستطيع الخروج من الماء للبحث عن نهر او بحيرة اخرى. ظهرت هذه العائلة للمرة الاولى في عصر ديفون قبل 400 مليون سنة حيث كان يوجد 23 نوعا وخلال كل العصور وصل عدد الانواع الى 43 نوعا. هذا النوع من الاسماك يعتبر الاقرب الى الضفادع، التي لازال لها القدرة على التنفس الغلصمي والرئوي، وبالتالي اقرب الاقرباء الى حيوانات اليابسة.
في الصغر يملك هذا النوع من السمك غلاصم فقط ولكن عندما يكبر ينمو له جهاز تنفس رئوي. النوع الاسترالي Neoceratodus ينمو له رئة واحدة وله جهاز غلصمي كامل وهو الوحيد الذي يستطيع ان يبقى بدون هواء على الاطلاق، في حين بقية الانواع لهم رئتين وتحتاج الى الصعود استنشاق الهواء حتى لايختنقوا لان جهازهم الغلصمي يفقد بعض وظائفه مع الكبر. النوع الاسترالي يبقى يتنفس من غلاصمه ولكن عندما يصبح الاوكسجين قليل في الماء يتحول الى التنفس بواسطة الرئة.
في بحث لنيل الدكتوراه اظهرت الدراسة التي قام بها Rolf Ericsson العلاقة المقارنة في نمو عضلات الرأس عند سمكتي ذات الرئة والسلمندرا والصعود الى اليابسة. انطلاقا من ان التطور هو تراكم اختلافات ضئيلة يمكن فهم اهمية دراسة الفروقات التي تحدث عند نمو الجنين بين نوعيي السمك اعلاه، من حيث ان التغييرات التطورية تعيد نفسها عند تشكل الجنين. الدراسة تقوم بالبحث عن نقاط الاختلاف في تشكل الجنين عند هذين النوعين لمعرفة طريقة حدوث التهئ لعملية الحياة على اليابسة.
الدراسة تظهر ان الفك الاعلى يتشكل من خلايا تنزح من منطقة اخرى على عكس التصورات السابقة. ان المعطيات تؤكد معطيات تشكل الانف والفك كما جاءت في فقرة سابقة اعلاه، كما تؤكد وجود جذور التغييرات في المراحل السابقة.
هل كانت الارجل نتيجة طفرة ضارة؟
السمكة ذات الاطراف الاربعة والمسماة Ichtyostega ليست هي الحلقة بين الاسماك وحيوانات اليابسة، بل هي حلقة فاشلة في سلسلة محاولات كثيرة خلال رحلة التطور.
هذه السمكة ذات الاطراف الاربعة عاشت على جزيرة غرينلاند في عصر ديفون الجيلوجي، قبل 355 مليون سنة، وهي احدى اقدم الفقريات على اليابسة. بعد دراسة هادئة من قبل العلماء البريطانيين والسويدين نشرت نتائج جديدة عن هذه المستحاثة التي عُثر عليها في ثلاثينات القرن الماضي، والذي اعتقد العلماء في البدء انها حلقة كائنات اليابسة. Per Ahlberg أعاد تركيب الهيكل العظمي للمستحاثة اظهر ان السلسلة الظهرية لسمكة Ichthyostega تتشابه مع الحيوانات اللبونة، الامر الذي اثار الاستغراب. هذا الامر يشير الى ان هذا النوع من الاسماك كان له شكل حركة لأطرافه غير تقليدية. كلا الاسماك وكائنات اليابسة البدائية مثل السلمندرا والسحالي يحركون اطرافهم حركة شبه دائرية. هذا الامر يتتطابق مع حركة Acanthostega وهي المستحاثة الثانية الاكثر بدائية من عصر ديفون وعثر عليها ايضا في غرينلاد، ولكن عندما يتعلق الامر مع Ichthyostega التي تملك قفصا صدريا اكبر وعظام القفص الصدري اكثر نموا جعل جسمها اكثر تصلبا وفقدانا للمرونة، نرى انها اضطرت للسير بأطراف قائمة عامودياً تماما كبقية الحيوانات.
ومع ذلك يشير Per Ahlberg الى انها ليست الحلقة بين الحيوانات البرية والسمك ولكنها ليست إلا حلقة واحدة في سلسلة العديد من الحلقات التي اجرت الطبيعة عليها تجاربها للوصول الى الشكل النهائي المناسب لحركة حيوان اليابسة
الحلقة المحتملة بين الماء واليابسة
العلماء الكنديين Ted Daeschler, Neil Shubin, Farish A. Jenkins اعلنوا عن اكتشافهم مستحاثة مميزة، اطلقوا عليها اسم Tiktaalik roseae, وكانت تحيا قبل 375 مليون سنة. مع هذه المستحاثة في سلسلة مستحاثات مشابهة يعتقد العلماء انها الاقرب لتكون الحلقة الرابطة بين كائنات الحياة البحرية والكائنات البرية
للمزيد من المعلومات عن Tiktaalik roseae,
: إضغط هنا
[url=http://www.alzakera.eu/music/vetenskap/Biologia/bio-0048-1.htm]ويتبع...بالاضافة الى المصادر